إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل لـه ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا – .
أما بعـــد ،،،
فإن الدعاء نعمة كبرى ، ومنحة جلى ، جاد بها المولى – تبارك وتعالى – وامتن بها على عباده ، حيث أمرهم بالدعاء ، ووعدهم بالإجابة والإثابة .
فشأن الدعاء عظيم ، ونفعه عميم ، ومكانته عالية في الدين ، فما استجلبت النعم بمثله ، ولا استدفعت النقم بمثله ؛ ذلك أنه يتضمن توحيد الله ، وإفراده بالعبادة دون من سواه ، وهذا رأس الأمر ، وأصل الدين .
فما أشد حاجة العباد إلى الدعاء ، بل ما أعظم ضرورتهم إليه ؛ فالمسلم في هذه الدنيا لا يستغني عن الدعاء بحال من الأحوال .
للدعاء فضائل عظيمة ، وثمرات جليلة ، وأسرار بديعة ، منها :
1– أن الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره – عز وجل - . قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } ، وقال : { وادعوه مخلصين له الدين } . فالداعي مطيع لله ، مستجيب لأمره .
2– السلامة من الكبر :قال تعالى :{ وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} .
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في هذه الآية : ( والآية الكريمة دلت على أن الدعاء من العبادة ؛ فإنه – سبحانه وتعالى – أمر عباده أن يدعوه ، ثم قال : { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } . فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة ، وأن ترك دعاء الرب – سبحانه – استكبار ، ولا أقبح من هذا الاستكبار .
وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو خالق لـه ، ورازقه ، وموجده من العدم ، وخالق العالم كله ، ورازقه ، ومحييه ، ومميته ، ومثيبه ، ومعاقبه ؟! فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون ، وشعبة من كفران النعم ) .
3– الدعاء أكرم شيء على الله : فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ليس شيء أكرم على الله – عز وجل – من الدعاء )) .
قال الشوكاني – رحمه الله – في هذا الحديث : ( قيل وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله – تعالى – وعجز الداعي والأولى أن يقال : أن الدعاء لمّا كان هو العبادة ، وكان مخّ العبادة ، كان أكرم على الله من هذه الحيثية ؛ لأن العبادة هي التي خلق الله – سبحانه – الخلق لها ، كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
4– الدعاء محبوب لله – عز وجل – : فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعًا : (( سلوا الله من فضله ؛ فإن الله يحب أن يُسأل )) .
5– الدعاء سبب لانشراح الصدر : ففيه تفريج الهم ، وزوال الغم ، وتيسير الأمور .
ولقد أحسن من قال :
وإني لأدعـو اللهَ والأمـرُ ضيِّقٌ + عليَّ فــمـا ينفــكُّ أن يتفـرجـــا
وربَّ فتىً ضاقت عليه وجوههُ + أصاب له في دعوة الله مخرجا
6– الدعاء سبب لدفع غضب الله : فمن لم يسأل الله يغضب عليه ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من لم يسأل الله يغضبْ عليه )) .
ففي هذا الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات ، وأعظم المفروضات ؛ لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه .
ولقد أحسن من قال :
لا تسـألـنَّ بنيَّ آدَمَ حـــاجــةً + وسل الذي أبوابُهُ لا تحجبُ
الله يغضبُ إن تركت سؤالـه + وبنيُّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
7– الدعاء دليل على التوكل على الله : فسِر التوكل على الله وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده .
وأعظم ما يتجلى التوكل حال الدعاء ؛ ذلك أن الداعي حال دعائه مستعين بالله ، وفوض أمره إليه وحده دون من سواه . ثم إن التوكل لا يتحقق إلا بالقيام بالأسباب المأمور بها ، فمن عطّلها لم يصح توكله ، والدعاء من أعظم هذه الأسباب إن لم يكن أعظمها .
8– الدعاء وسيلة لكبر النفس وعلو الهمة : فبالدعاء تكبر النفس وتشرف ، وتعلو الهمة وتتسامى ؛ ذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد ، ينزل به حاجاته ، ويستعين به في كافة أموره ، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدي الخلق ، فيتخلص من أسرهم ، ويتحرر من رقهم ، ويسلم من مِنّتِهم ؛ فالمنّة تصدع قناة العزة ، وتنال نيلها من الهمة .
وبالدعاء يسلم من ذلك كله ، فيظل مهيب الجناب ، موفور الكرامة ، وهذا رأس الفلاح ، وأسُّ النجاح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (( وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته – قويت عبوديته له ، وحريته مما سواه ؛ فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له – فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه )) .
9– الدعاء سلامة من العجز ، ودليل على الكياسة : فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أعجز الناس من عجز عن الدعاء ، وأبخل الناس من بخل بالسلام )) .
فأضعف الناس رأيًا ، وأدناهم همة ، وأعماهم بصيرة – من عجز عن الدعاء ؛ ذلك أن الدعاء لا يضره أبدًا ، بل ينفعه.
10– الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله : قال صلى الله عليه وسلم : (( ولا يرد القدر إلا الدعاء )) .
قال الشوكاني : عن هذا الحديث : ( فيه دليل على أنه – سبحانه – يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد ، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة ) . وقال : (( والحاصل أن الدعاء من قدر الله – عز وجل – فقد يقضي على عبده قضاءً مقيدًا بأن لا يدعوه ، فإذا دعاه اندفع عنه )) .
11– الدعاء سبب لرفع البلاء بعد نزوله : قال صلى الله عليه وسلم : (( من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل الله شيئاً يعطى – أحبّ إليه من أن يسأل العافية ، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ؛ فعليكم عباد الله بالدعاء )) . .
ولهذا يجدر بالعبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء والإقبال عليه أن يستكثر منه ؛ فإنه مجاب ، وتقضى حاجته بفضل الله ورحمته ، فإن فتْحَ أبواب الرحمة دليل على إجابة الدعاء .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة )) . ومعنى يعتلجان : أن يتصارعان ، ويتدافعان .
12– حصول المودة بين المسلمين : فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب – استجيبت دعوته ، ودل ذلك على موافقة باطنه لظاهره ، وهذا دليل التقوى والصدق والترابط بين المسلمين ، فهذا مما يقوي أواصر المحبة ، ويثبت دعائمها ، قال تعالى : { إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } .
يعني : يَوَدُّونَ ، ويُودُّونَ ، يُحِبُّونَ ، ويُحَبَّون ، والدعاء – بلا شك – من الإيمان والعمل الصالح .
13– الدعاء من صفات عباد الله المتقين : قال – جل شأنه – عن أنبيائه – عليهم السلام – : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهباً وكانوا لنا خاشعين } . وقال عن عباده الصالحين : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى .
14– الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء : قال – تعالى – عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده : { قالوا ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } . فماذا كانت النتيجة ؟ { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت } .
15– الدعاء دليل على الإيمان بالله ، والاعتراف لـه بالربوبية ، والألوهية ، والأسماء والصفات : فدعاء الإنسان لربه متضمن إيمانه بوجوده ، وأنه غني ، سميع ، بصير ، كريم ، رحيم ، قادر ، مستحق للعبادة وحده دون من سواه .
فإذا كان الدعاء بتلك المنزلة العالية والمكانة الرفيعة – فأجدر بالعبد أن يتفقه فيه ، وأن يلم بشيء من أحكامه – ولو على سبيل الإجمال – ؛ حتى يدعو ربه على بصيرة وهدى ، بعيدًا عن الخطأ والاعتداء ؛ فذلك أرجى لقبول دعائه ، وإجابة مسألته . والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
غيوم السحاب @ghyom_alshab
عضوة جديدة
هذا الموضوع مغلق.
انصاف الحلول
•
جزاك الله خير اختي غيوم السحاب ..
<FONT color="#1800FF">الســــــــــــلام عليكــــم....بارك الله فيك اختي غيوم السحاب.. واعانك الله على فعل الخير دائما.. ..بالصلاة والدعاء والعمل الصالح هم ابواب االوصل بين العبد وربه.. جزاك الله كل خير</FONT>أخيتـــــــي
الصفحة الأخيرة