
في كثير من خلوات أمسياتي
تزخر ليالي شتائي بألوان الأطياف
تتهافت عليَّ .. من كل فج عميق ..
ممطرة آماد اشتياقي :
كل طيف نأى ويؤمل معه يوماً لقاء
وكل طيف غاب وراء البرزخ فانقطع عنه الرجاء
وكل طيف ساورني في الخيال ..
حين التقاه قلمي ، وحدثني قلمه..
على الصفحات البيضاء
من العوالم اللامرئية ، من قلب سماء حواء ..
رآه قلبي بعينيه ...فأقره ..
وختمت روحي بالتصديق عليه . ..!
***
هناك حقيقة لاأروع منها تقول :
الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف
وما تناكر منها ..اختلف )!
من شفافية هذه الحقيقة التقت روحي بمن يؤالفها
واحتفت مرحبة بحقيقة كل روح عالية هنا ..
تلامس القلوب كحرير الشعاعٍ
لطيفٌ .. يضئ ولا يحرق ..!
أرواحاً عفيفة العذبات ..
حين تتلوها سطوراً..
ترفضّ عليك بمثل ندى الصباح
وما أنفسها من طيوف خصبة ينبض فيها
عرق النور إيماناً و رقياً و جمالاً ..!
***
لهذه الأطياف : الغائبة ، والراحلة، والمتوارية خلف الستار
حظاً في تجليات شتاء السهر ..
وعلى وجه التفضيل حين تبيض ليالي القمر ..
وتعزف النجوم في مناطها جلوة النور للمساء..
وإذا ماطافت مزنة على وجه البدر ..
اكتمل السحر ..!
وانتشى الكون بعرس السماء ..
يعزف بأوتار الحياء رذاذاً ناعماً ..
يوشوش لنافذة الشتاء ..
فتتضاحك لحديثه زهرة تشرين ..
في سنديانة الشرفة.
***
ليالي الشتاء لايروق لقلبي أن يسفحها على أرصفة اللهو
أو يريقها في محافل السهر ..
أؤمن أنها موسم دفء القلوب وتقريبها ..
والتفافها حول مواقد المحبة في صميم الدار ..
لذا تمضينا تلك الأماسي على هذه الوتيرة
والقلب بين العزلة والسمر ..
يتنقل بين هذا وذاك ..
***
وتأتي لحظات يستدعي فيها الكتاب طالبه بشوق ..
ليتجاذب معه أطراف الفكر والنظر ..
ولكن تلك الوقفات مع القراءة لاتدوم طويلاً ..
لأنها غالباً ماتأتي في أول المساء
حيث يقطعها أمر أجدُّ .. من أمور الدنيا ..
** *
هنالك ثغرات في طقوس هذا الموسم ..
يملؤها طارئ أو حدث أو شيء خارج مراسيم الأوقات
أو أتنفسها في مساء حواء
إذا مانأى بي عنها الصباح ..
***
ويبقى الشتاء نزهة للروح في رياض السالكين ..
و نوراً يضئ صحائفنا ..
لم أتنعم بمباهج جنة الآفاق البعيدة بعد ..
لازلت قريبة من الأرض ..
أجاهد مشاغل القلب ليصفو ..
وتنجلي أكداره بصحوة الروح البينة في سماء المشتاقين
غالباً ماأقضي صلاة الليل قبل انتصافه...
خشية أن يثقلني المنام فلا أصحو إلا على تلاوة الفجر
أو خوفاً من ضياع فرض الفجر إن أدركت نور الثلث الأخير..!
يستثنى من ذلك رمضان حيث نطفئ فيه شموع المنام
ونوقظ أنوار السهر .
***
أجمل الطقوس لي ولكم تلك التي تتصاعد بالروح
إلى آفاق لامرئية ..
لايملك وصفها إلا من ارتقت روحه وصفت ..
وسجدت مشاعره في روض العبادة لله وخشعت ..
في دجنة الليل ، وفي بهجة الأسحار ..
ليل الشتاء الطويل يمتد قلبه للطالبين ..
ويستغرقهم في العبادة ماداموا راغبيه ..
يرتشفونه ارتشاف المحب ريق الشراب اللذيذ ..
والحديث مع كلمات الله نور السماوات والأرض
بين دفتي القرآن أفضل طقس أودع به ليلة شتاء راحلة
وأحصن به فجر يومي الجديد .
دمتن بنور كل ليالي الشتاء