فـــــتــــــــــــاة الثـــــــــــــلج
قطعة من القمر .. كانت طفلتنا الصغيرة .. ابنة السنوات السبع ..
وهبها الخالق من الجمال الرباني الشيء الكثير .. ومن روعة الملامح ما يسلب الألباب و يحير العقول .. فاللون أبيض كالثلج .. و العينان بزرقة البحر وجماله .. و الشعر ممزوج بخيوط الشمس الذهبية ..
هي طفلة .. لا بل دمية حسناء تسحر كل من يراها ... تسرق منه كلمة إعجاب أو كلمة مديح فتختال بذلك أمها وتسعد على ذلك الإنتاج الذي منحه الله تعالى لها ... مع أنها لم تعترف يوما بذلك.. فقد كانت دائما تفاخر بابنتها التي تشبهها في كل شيء ... في الملامح و الجمود .. نعم ذلك الجمود الذي لم يلحظه أحد غيري عندما كنت أحاول الغوص في أعماقها ..ماذا أفعل .. فهذه عادتي دوما .. أبحث عن الإنسان في عينيه .. فإن وجدته أحببته .. و إن وجدت فراغا .. تركته ..إلا تلك الطفلة .. فقد شدت انتباهي بملامحها الثلجية وربما أكون أنا أيضا من لفت انتباهها بشيء كان عندي .. لم تجده فيمن حولها .. فلباسي مختلف .. حديثي مختلف .. ونظرتي لها أيضا مختلفة ...وعندما كنت أسأل نفسي عن السبب الذي يدفعني نحوها .. كانت حيرتي تزداد .. لا لم يكن جمالها هو السبب فلم يفتني جمالها يوما و لكن .. رغبتي الجامحة هي التي دفعتني كي أغوص في بحور عينيها الزرقاء .. لعلي أخرج منها بلؤلؤة أو حتى صدفة .. رغم أنني كنت أعود خائبة دائما فلا أجد مدخلا أدخل منه إليها ... ولا بارقة أمل تدنيني منها ...
أما هي .. فمع مرور الأيام .. كانت تقترب مني ولكن ببطء شديد .. تحادثني عن تدليل أمها لها بفخر شديد .. تحادثني عن تعاليها على من حولها في المدرسة و في البيت و في كل مكان .. تسألني أسئلة تقلقني عليها ..
- لم تثقلين رأسك بهذا الغطاء .. الجو حار .. كيف تتحملينه .. هذا ظلم !!
- كيف تستطيعين الصلاة ؟؟ ألا يسبب السجود اعوجاجا في أنفك ؟؟
- وماء الوضوء ألا يفسد تسريحة شعرك ؟؟ و أسئلة لا تنتهي وإجابات لا تنتهي أيضا ..
لم أتعجب يوما من أسئلتها .. فهي لم تسمع عن النور شيئا و لم تكون عن حقيقة الإيمان أدنى معرفة .. فالأم تائهة في متاهات الضياع .. و الأب لاه مسافر دائما لا يدري على أية حال ترك عائلته الصغيرة .. ربما لأنه سلك هذا الطريق قبلهم .. و ربما هو الذي أخذهم نحوه بإصرار و فخار .. ومكابرة و استعلاء ..
وهاهي الطفلة تكبر .... و تختفي من ملامحها كل أنواع الحياة و يختفي كل البريق .. الذي كنت أنشده .. و النور الذي كنت بجد أبحث عنه .. وتأخذني الحيرة نحوها ..
كيف أحطم جليدها ؟؟ كيف أصل إلى قلبها ؟؟
...
18
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

نــــور
•
غاليتي دونا
ترددت كثيرا في الكتابة عنها
ربما لأن القصة مازالت معلقة
ولكن ... مازال لدي بقية ستأتي بإذن الله
كلماتك تلك شجعتني على الإكمال
بينما كنت أنوي الاكتفاء بما كتبت
فشكرا لهذا التشجيع الجميل
أما إن تحدثنا عن الروعة
فأنا لا أجدها مجسدة
إلا بك
حقا سعدت بمرورك
فشكرا لك
وانتظري البقية
ترددت كثيرا في الكتابة عنها
ربما لأن القصة مازالت معلقة
ولكن ... مازال لدي بقية ستأتي بإذن الله
كلماتك تلك شجعتني على الإكمال
بينما كنت أنوي الاكتفاء بما كتبت
فشكرا لهذا التشجيع الجميل
أما إن تحدثنا عن الروعة
فأنا لا أجدها مجسدة
إلا بك
حقا سعدت بمرورك
فشكرا لك
وانتظري البقية

نــــور
•
أصبحت طفلتي اليوم صبية .. وعمرها أربعة عشرة ربيعا .. إن رأيتها .. ظننت أنها خارجة للتو من حفل عروض للأزياء .. بلباسها الفاضح ومشيتها المتمايلة .. إن سمعتها وهي تتحدث ظننت النجمة فلانة الفلانية تحكي عن تجاربها الفنية ومغامراتها العاطفية .. فقد أشبعت حياتها فنا و غناء و أفلاما .. حتى تمثلتهم في حياتها وغدوا قدوتها .. وكل شيء دونهم سراب ..
كانت تجمعني بها لقاءات قصيرة .. تجلس بجانبي .. تسأل كعادتها و أجيب كعادتي و الحسرة تعصر قلبي حزنا على هذا الجيل الضائع ..
إلى أن جاءتني أمها ذات يوم باكية ..
سألت عن السبب فقالت ..
ابنتي تكرهني .. تعصي أوامري .. لا أعرف ما ا لذي جنيته في حقها حتى تصرخ في وجهي دائما .. أرجوك .. حاولي أن تكلميها فهي تحبك و تسمع منك كل ما تقولين ..
كانت سعادتي بكلمة .. تحبك .. بقدر حزني على هذه الأم الغريبة ..
لقد فتحت لابنتها جميع أبواب المعاصي وهاهي الآن تبكي .. و لا تدري ما لسبب ..
انتابتني حيرة شديدة .. فهل أكلم الأم .. أم الابنة
وكيف أكلم الأم و أنا أعرف أنها لن تتقبل مني أية نصيحة ..
كيف لا وهي تستهزئ بمن يطيل في صلاته و بمن أحكمت حجابها و بمن ابتعدت عن الاختلاط .. كل أولئك كانوا بنظرها في زمرة الرجعيين .. فماذا أقول لها ؟؟
سأبدأ بابنتها إذن -قلت في نفسي -
- حسنا ما رأيك أن ترسليها كي تحفظ معي بضع آيات من القرآن ؟؟
- لا ليس القرآن أقصد .. بل أريدك أن تحدثيها عن الأخلاق .. لا التدين ..
- حبست معالم الغضب من على وجهي و كأن الأخلاق قد فصلت عن الدين و قلت لها
- حسنا أرسليها إلي و سأتصرف بعون الله ..
كان اللقاء مع الفتاة حافل جدا .. بدت لي وكأنها خرجت من السجن من سجن المعاصي و قدمت إلي هاربة .. سعيدة بهروبها ..
استجمعت قواي و أنا أحادثها عن القرآن .. لم نقرأه وكيف نحفظه
كانت تعليقاتها المستهزئة تخنقني و لكنني تابعت و تابعت
ومع مرور الوقت حفظت بصعوبة بالغة بعض السور الصغيرة
سألتها عن الصلاة
فأجابت : لا أعرف عنها شيئا
كم عدد الركعات ؟؟ لا أعرف
كيف نصلي ؟؟ لا أدري ..
أيهما يسبق الثاني الركوع أم السجود ؟؟
لا أعرف لا أعرف لا أعرف
بعد محاولات مضنية معها اتفقنا على الصلاة معا
فكانت تصلي في فترة تواجدها عندي وتترك الصلاة في المنزل
ولم ألحظ أية استجابة من الأم .. فلم تطلب من ابنتها أن تصلي و لم يخطر ببالها يوما أن تعلمها الصلاة ربما لأنها لم تكن تصلي أيضا ...........!!!!
وبين الأم و ابنتها استجمعت فكري .. أعددت أسلحتي ..
ثم أعلنت الحرب !!!
كانت تجمعني بها لقاءات قصيرة .. تجلس بجانبي .. تسأل كعادتها و أجيب كعادتي و الحسرة تعصر قلبي حزنا على هذا الجيل الضائع ..
إلى أن جاءتني أمها ذات يوم باكية ..
سألت عن السبب فقالت ..
ابنتي تكرهني .. تعصي أوامري .. لا أعرف ما ا لذي جنيته في حقها حتى تصرخ في وجهي دائما .. أرجوك .. حاولي أن تكلميها فهي تحبك و تسمع منك كل ما تقولين ..
كانت سعادتي بكلمة .. تحبك .. بقدر حزني على هذه الأم الغريبة ..
لقد فتحت لابنتها جميع أبواب المعاصي وهاهي الآن تبكي .. و لا تدري ما لسبب ..
انتابتني حيرة شديدة .. فهل أكلم الأم .. أم الابنة
وكيف أكلم الأم و أنا أعرف أنها لن تتقبل مني أية نصيحة ..
كيف لا وهي تستهزئ بمن يطيل في صلاته و بمن أحكمت حجابها و بمن ابتعدت عن الاختلاط .. كل أولئك كانوا بنظرها في زمرة الرجعيين .. فماذا أقول لها ؟؟
سأبدأ بابنتها إذن -قلت في نفسي -
- حسنا ما رأيك أن ترسليها كي تحفظ معي بضع آيات من القرآن ؟؟
- لا ليس القرآن أقصد .. بل أريدك أن تحدثيها عن الأخلاق .. لا التدين ..
- حبست معالم الغضب من على وجهي و كأن الأخلاق قد فصلت عن الدين و قلت لها
- حسنا أرسليها إلي و سأتصرف بعون الله ..
كان اللقاء مع الفتاة حافل جدا .. بدت لي وكأنها خرجت من السجن من سجن المعاصي و قدمت إلي هاربة .. سعيدة بهروبها ..
استجمعت قواي و أنا أحادثها عن القرآن .. لم نقرأه وكيف نحفظه
كانت تعليقاتها المستهزئة تخنقني و لكنني تابعت و تابعت
ومع مرور الوقت حفظت بصعوبة بالغة بعض السور الصغيرة
سألتها عن الصلاة
فأجابت : لا أعرف عنها شيئا
كم عدد الركعات ؟؟ لا أعرف
كيف نصلي ؟؟ لا أدري ..
أيهما يسبق الثاني الركوع أم السجود ؟؟
لا أعرف لا أعرف لا أعرف
بعد محاولات مضنية معها اتفقنا على الصلاة معا
فكانت تصلي في فترة تواجدها عندي وتترك الصلاة في المنزل
ولم ألحظ أية استجابة من الأم .. فلم تطلب من ابنتها أن تصلي و لم يخطر ببالها يوما أن تعلمها الصلاة ربما لأنها لم تكن تصلي أيضا ...........!!!!
وبين الأم و ابنتها استجمعت فكري .. أعددت أسلحتي ..
ثم أعلنت الحرب !!!

نــــور
•
أيقنت في نفسي أن المعركة صعبة .. كيف لا و هي ضد الشيطان .. ضد جليد الوحشة و الغربة و الضياع .. فكان لزاما علي أن أبتكر أسلحة غير تقليدية .. أسلحة من الحب المفقود في قلب تلك الفتاة .. من الإيمان الضائع .. من الحقائق الممحية ...
لا أنكر أنه قد مرت علي لحظات ضعف كدت أن أسلم فيها الراية للشيطان .. لحظات يأس .. لحظات تململ من هؤلاء الأمهات .. وكان العجب يسيطر علي .. وكنت أقول في نفسي ..
أكل هذه المعارك لأجل طفلة !! طفلة في الرابعة عشرة من عمرها ..
ماذا تعرف طفلة مثلها عن المعصية .. وعن البراءة وعكسها .. وعن الذنوب و أنواعها ..
كا دت الحيرة تقتلني .. لولا أن هداني ربي لسلاح لا يخيب ..
هو الدعاء .. فقد تحريت أوقات الإجابة وأعلنتها حربا على الشيطان و أعوانه .. كان دعائي في السر و العلن .. في الليل و النهار وفي الجانب الآخر كنت أري فتاتي روعة الإسلام .. جمال الإسلام .. عظمة الإسلام .. وأنه دين أناقة دين رقة .. دين حياة راقية و جميلة .. و لم تمض عدة شهور حتى هلت علي البشائر واحدة تلو الأخرى ..
قالت لي طفلتي ..
أمي قد بدأت الاستماع لمحاضرات الدعاة و هي تبدي إعجابا بهم .. فقلت في نفسي .. هذه البداية
في الزيارة التالية مع الفتاة .. قطعت وعدا لي بألا ترتدي إلا الزي ا لمحتشم حتى يأذن الله تعالى لها بالحجاب
و آخر مرة التقيتها أخبرتني أنها بدأت تحب الصلاة و تحرص على الفرائض ..
لم يتسع قلبي وقتها لسعادة أكبر من تلك السعادة .. علمت وقتها أن الجليد قد بدأ يذوب .. ببطء و لكنه يذوب .. وأن الطريق ما زالت طويلة وصعبة .. لكنني حدقت في عيني تلك الفتاة فصادفت بريقا بدأ يتسلل إليهما كذلك البريق الذي يعكسه نور القمر على صفحة الماء .. ومنذ تلك اللحظة بدأت أدعوها ..
فتاة الشمس !!!
...

الصفحة الأخيرة
غربة الوطن..
غربة الفكر..
غربة الأهل....
و ربما غربية الروح..
أسرعي إليها يا نور..
أبعدي تلك الغشاوة..
و أذيبي ذلك الثلج..
أنت تملكين كل شيء..
الأسلوب..
الحكمة..
و كل ما يبقى عليك هو تحديد الوسيلة..
أدخلي إلى عالمها..
و واجهيها بعيوبه ..
لترى حسنات عالمنا..
أرجوك يا نور..
أمضي نحوها..و احضنيها..
أريها دفء الإسلام..
و عبق الإيمان..
أسرعي يا نور..
قبل أن تضيع..
و ينتهي كل شيء..
فمهها كانت من ثلج..فهناك أمل و عزيمة تصهران الجبال..
----
همسة:كم انت رائــــــــــــــــعة..:24: