
فى عيادة طبيبة الأسنان
فى يوم كانت تسطع فيه الشمس و تنثر أشعتها الذهبية فى كل مكان و الحرارة تكاد تكون معتدلة نوعا ما قررت إيمان الذهاب إلى طبيبة الأسنان فى الفترة الصباحية قبل أن يعود أبناءها من المدرسة منتهزة تلك الفرصة الثمينة من فراغ الوقت و التى لطالما كانت تحلم بالظفر بها للإهتمام بصحتها قليلا و إصلاح ما أصاب أسنانها من التسوس ، فارتدت ملابسها و خرجت مسرعة .
وصلت العيادة و حجزت دور لها و كانت السادسة فى تعداد المرضى الحاجزين للدخول لهذا اليوم ، مشت تجاه المقاعد لتجلس كان هناك العديد من المقاعد الفارغة عدا ثلاثة مقاعد كان يجلس عليها سيدة و رجلان و هذا ترك فى نفسها أثرا أن هناك من حجز و لم يحضر و هذا أراحها نفسيا و صبرهاعلى الانتظار ، إختارت مفعد بعيدا عن الجالسين و جلست عليه تنتظر دورها .
مرت نصف ساعة من الوقت و هى تنتظر تحملق فى الارض تارة و تارة اخرى تحملق فى الجدار المقابل لها وتتأمل طلاء الجدار ذو اللون الأزرق الملائم للون الأرضية الزرقاء و لسان فكرها يحدثها : كم أكره الذهاب إلى عيادات الأسنان .... وكم لا أطيق الإنتظار ...قطعت تلك الأفكار السلبية وفتحت حقيبتها و أخرجت هاتفها النقال فى محاولة منها لإلهاء نفسها و ضغطت على مفاتيحه متصفحة ما بداخله من صور لها و لعائلتها أنهت التصفح و لكنها عادت مرة أخرى تتصفحه مرة أحرى أملة أن تضيع الوقت و تبعد الملل ولو قليلا ، عندما إنتهت تلك المرة أعادته إلى مكانه بداخل الحقيبة ،و لتغزو أفكارا سلبية عفلها ساعدت فى تزايد الإحباط و تزايد مشاعر الكره لعيادات الأسنان .
وحدثت نفسها : ما أبطء الوقت ياليتنى جئت مبكرا ،و على الرغم من وجود اخرين فى العيادة كان الصمت يخيم على المكان و كل الجالسون
ايضا يحملقون فى الارض و فى السقف و على جدار الحائط مثلها تماما ،و لكن اخترق الصمت الكامن هناك صوت سيدة دخلت المكان ترتدى عباءة سوداء باهتة اللون بها قطع جانبى لا يظهر الا إذا جلست و من الواضح إنها تعلم بوجوده لانها كانت ترتدى تحت العباءة بنطال و تلف حول رأسها طرحة ملونة تربطها إلى الوراء ، تحمل فى يدها كيس من القماش تضع به جنيهات ورقية واخرى معدنية تصدر أصواتا حين تحتك بعضها بعضا ،و على الرغم من وجود مقاعد كثيرة فارغة الا إنها اختارت أن تجلس بجانب إيمان
ساور إيمان الشك فى أن تكون تلك السيدة ممن حجزوا قبلها وتركوا المكان ثم عادوا هذا سيكلفها نصف ساعة من الوقت إضافية و هى لا تطيق الانتظار أكثر فسارعت تسألها : أنتى نمرة كام ؟
نظرت اليها السيدة ثم أعطت إيمان ورقة الحجز قائلة : مش عارفة فعلمت إيمان إنها أمية لا تجيد القراءة و الكتابة ، نظرت فى الورقة وتنفست الصعداء من تحت نقابها ووجدت الرقم الذى أراحها نفسيا الا وهو رقم سبعة وقالت فى سرعة :إنتى رقم سبعة .
وعادت تحملق فى الأرض و تتمنى لو يخرج الذى بالداخل ، لم تكن إيمان من السيدات اللواتى عندما يدخلن مكان يثرثرن و يملئنه ضجيجا ، أخذت السيدة تشد خيوط الحديث مع إيمان قائلة :هيه الدكتورة دى كويسه ؟
تجيب ايمان على قدر السؤال:أيوة كويسه، ليعود الصمت يملىء المكان ،
ولكن السيدة أعادت الكرة قائلة :أصل ضرسى وجعنى أوى إمبارح معرفتش أنام منه ، فردت إيمان قأئلة : شفاك الله و عفاك ،ردت السيدة :هـــــــاه ... و آعتلى قسمات وجهها الدهشة و ارتسمت على محياها علامات عدم الفهم لتلك الجملة التى أطلقتها ايمان فاضطربت ايمان و سكتت خجلا الخجل الذى اعادها سريعا لمرحلةالسكون .
و لم تيأس السيدة وعادت لجذب الحديث مرة ثالثة :انا عايزة آخلعه وآخلص سكتت ايمان ولم ترد وردت مكانها السيدة الاخرى التى كانت تجلس من قبلها :الدكتورة هيه اللى تحدد اذا كنت حتخلعيه و لا لاء اذا كان وارم مش حتخلعه حتديكى مضاد حيوى و بعد كذا يوم لما يخف تبقى تخلعهولك عشان اللثة اللى ورمة تخف الاول . شرحت السيدة ووفت فى الشرح تمنت ولو انها تجيد تلك الجرأة للإجابة فهى تعلم الاجابة مثلها تماما بل تعلم المزيد والمزيد ولكن الخجل يحبسها داخل أسواره...
وجذبت السيدة البسيطة يد ايمان ووضعتها على خدها و قالت :شوفى كده اذا كان وارم و لا لاء
اندهشت ايمان من جرأة تلك السيدة البسيطة وأعادت يدها سريعا وقالت :مش عارفة الدكتورة هيه اللى تحدد ...وسكتت ايمان عائدة للسكون و الهدوء الخارجى و لكن بداخلها كان يضطرم بركان من الحنق على خجلها الذى حبسها بدخل نفسها . ولم يمضى وقت طويلا بعد ذلك ودخلت سيدتان و رجل و آمتلئت العيادة بالضجيج من أثر ثرثرةالسيدتان واشتركت معها السيدة التى كانت تجلس قبلها استمعت ايمان للحديث الدائر بينهن وأرادت المشاركة معهن فى الحديث و لكن لا زال يكبلها الخجل ، ملت السيدة البسيطة من الجلوس بجانب ايمان وتركت مقعدها لتجلس بجانب السيدات اللواتى يثرثرن و أحست إيمان بما شعرت به السيدة تجاهها و أيست من تغير حالها و جلست وحيدة على الرغم من امتلاء العيادة فأخرجت من حقيبتها قلم و ورقة لتكتب ما بداخلها فالأوراق بالنسبة لإيمان أصدقاء لا تستحى منهم ، تطلق العنان لقلمها للبوح على ورقة جيدة الاستماع تفهمها و تتوصلا معا و تتحدى معها قيود الخجل .... بقلمى