يعد انقطاع الأكسجين عن الدماغ من طرق إصابة الشخص بفقدان الذاكرة. وهو ما قد يحدث نتيجةً للأزمة القلبية، أو نوبات التشنُّج العنيفة، أو التعرُّض لإصابة رضيَّة في الدماغ. وعندما لا يحصل المخ على ما يكفيه من الأكسجين، تبدأ أنسجة المخ في الانكماش (يُعرف أيضًا بالضمور) ولا تعمل بكفاءة بعد ذلك. والجدير بالذكر أن الحُصين حساسٌ جدًا تجاه أي نقصٍ في الأكسجين. وهو ما يعني أنه يضمر أسرع من أجزاء المخ الأخرى عند نقص الأكسجين. ولسوء الحظ، لا يتعافى الدماغ عند تعرضه لإصابة بنفس الطريقة التي يتعافى بها الجلد عند الإصابة بجرح أو خدش. وفي بعض الأحيان، يظلُّ المخ مصابًا وضامرًا وهو ما يؤدي إلى مشكلات؛ مثل فقدان الذاكرة.
شكل 2 - فقدان الذاكرة التقدُّمي والرَّجعي.
يواجه المصابون بفقدان الذاكرة صعوبةً في صنع ذكرياتٍ جديدة. وهو ما يُعرف بفقدان الذاكرة التقدُّمي. ويعني أن الشخص قد يواجه مشكلةً في تذكُّر الأشياء التي حدثت له بعد تعرُّضه للإصابة (كالوقت الذي قضاه في المستشفى). وفي الوقت الذي يواجه فيه المصاب بفقدان الذاكرة التقدُّمي صعوبةً في تذكُّر المعلومات الجديدة، فإنه لا ينسى ذكريات طفولته. ومن المحتمل أن ينسى المصاب بفقدان الذاكرة بعضًا من ذكرياته قبل الإصابة. وهو ما يُعرف بفقدان الذاكرة الرجعي. وعادةً ما تكون الذكريات المنسيَّة هي تلك التي حدثت قبل الإصابة مباشرةً. لذا، قد ينسى الشخص الموجود في هذه الصورة ما كان يفعله قبل السقوط من على السلَّم مباشرةً (قد ينسى أنه كان يحاول الإمساك بالطائرة الورقيَّة). إلا أنه من المستبعد أن ينسى ذكريات طفولته.
نوع المعلومات
توقيت المعلومات ليس العامل المؤثر الوحيد الذي يواجهه المصابون بفقدان الذاكرة عند تذكُّر الأشياء. فنوع المعلومات التي يحاول الشخص تذكُّرها مهمٌ أيضًا. ونجد أن المصابين بفقدان الذاكرة يواجهون صعوبةً في تذكُّر الحقائق والأحداث على وجه الخصوص. فعلى سبيل المثال، يواجه المصاب بفقدان الذاكرة صعوبةً في تذكُّر معلومة قرأها في كتاب مدرسي. إذا لم يكن هذا الشخص يعرف سابقًا أن جورج واشنطن هو أول رئيس للولايات المتحدة، فلن يُحدث عدد المرات التي تخبره فيها بهذه المعلومة فارقًا، وسيظل غير قادر على تذكُّرها. كما أن المصاب بفقدان الذاكرة يواجه صعوبةً في تذكُّر الأحداث الجديدة في حياته.
لذا فقد يذهب ذلك الشخص للمشي معك في الحديقة. وبعد ساعة، إذا حاولت تذكيره بكلبٍ مرحٍ رأيتماه في الحديقة، فلن يتمكن المصاب بفقدان الذاكرة من تذكُّر ذلك الكلب، أو أنه ذهب للمشي في الحديقة على الإطلاق. تسمَّى الذكريات المتعلِّقة بالحقائق والأحداث بالذكريات التقريريَّة. يواجه المصابون بفقدان الذاكرة مشكلةً مع الذاكرة التقريريَّة على وجه الخصوص.
عندما وجد العلماء في البداية أن تضرُّر الحُصين يؤدي إلى عجز الشخص عن تذكُّر الحقائق أو الأحداث الجديدة، فقد ظنُّوا أن المصابين بفقدان الذاكرة عاجزون عن تعلُّم أي شيءٍ جديد. إلا أن العلماء الذين عملوا مع السيد مولايسون اكتشفوا على الفور أن المصابين بفقدان الذاكرة قادرون على تذكُّر بعض أنواع المعلومات الجديدة . والمعلومات الجديدة التي يستطيع المصابون بفقدان الذاكرة تذكُّرها هي المهارات والعادات الجديدة . يوضح الشكل 3 مثالًا على الكيفية التي اكتشف بها العلماء قدرة المصابين بفقدان الذاكرة على تعلُّم مهارات جديدة. لذا، يستطيع المصاب بفقدان الذاكرة تعلُّم الحياكة أو كيفية استخدام عصا التحكم في لعبة فيديو جديدة. تُسمَّى ذكريات المهارات والعادات بالذكريات غير التقريريَّة. وعادةً لا يواجه المصابون بفقدان الذاكرة مشكلةً مع الذاكرة غير التقريريَّة . يوضِّح الشكل 4 أمثلةً على الذاكرة التقريريَّة وغير التقريريَّة.
شكل 3 - تجربة التتبُّع بالمرآة.
كان أداء هنري في تجربة تتبُّع المرآة أحد العوامل التي ساعدت العلماء على معرفة أنه لا يزال قادرًا على تعلُّم المهارات الجديدة بعد عمليته الجراحيَّة. وإليك شرح التجربة: يُطلب من المشارك في البحث تتبُّع مسار نجمة والبقاء بين الخطوط. يكمن الجزء الصعب في عدم قدرة الشخص على النظر إلى يده مباشرة؛ وإنما يجب عليه النظر إليها في المرآة. وهو ما يجعل تتبُّع مسار رسم النجمة أمرًا في غاية الصعوبة. ففي البداية، يرتكب الناس الكثير من الأخطاء. إلا أن تتبُّع الكثير من النجوم يجعل أداء الشخص أفضل في هذه المهمَّة. ويتعلَّم الشخص مهارةً جديدة. ويتحسن مستوى الأشخاص الأصحاء في تتبع النجمة في كل محاولة. وتوضِّح النجمات الثلاث مثالًا على قدرة الشخص على التحسُّن بمرور الوقت. في البداية، يخرج الخط الأحمر عن حدود الخط الأسود كثيرًا. في المرة التالية، يصبح خروج الخط الأحمر عن حدود الخط الأسود أقل. وفي المرة الأخيرة، يصبح الشخص قادرًا على إبقاء الخط الأحمر بين الخطوط السوداء طوال الوقت. يرتكب الناس أخطاء أقل بمرور الوقت. ووجدت العالمة بريندا ملينر أن هنري قادر على القيام بهذه المهمَّة أيضًا. وأنه كان يتتبَّع النجمة بشكل أفضل في كل مرة عن سابقتها. والمثير للاهتمام أن هنري لم يكن قادرًا على تذكُّر قيامه بهذه المهمة. لذا، فبالرغم من أن أداءه في هذه المهمة كان يتحسَّن من يوم لآخر، فإنه لم يتمكن من تذكُّر قيامه بهذه التجربة في اليوم السابق. وهذا مثال على المصاعب التي واجهها هنري مع الذاكرة التقريريَّة (مثل، مصاعب في تذكُّر أنه قام بهذه المهمَّة) لكنه لم يواجه أي مشكلةٍ مع الذاكرة غير التقريريَّة (مثل، تحسُّن تلك المهارة بمرور الوقت). ويستطيع الشخص الذي لا يعاني من مشكلات في الذاكرة تذكُّر قيامه بالمهمَّة والقيام بها بشكل أفضل بمرور الوقت.



