أوراق الزمن

أوراق الزمن @aorak_alzmn

عضوة شرف بعالم حواء

فقد الصوت الوظيفي النفسي!!

الصحة واللياقة

دخل عيادتي محبطاً، وكانت زوجته بصحبته، وبعد أن رحبت بهما سألته: «ما المشكلة؟» فأشار إلى زوجته، فظننت أنه سيدخلني في مشاكل عائلية لا قبل لي بها، ولكنني فهمت منه بعد ذلك بأنه لا يستطيع إخراج صوته وبأن زوجته ستشرح لي القصة، فقلت له: «لا لا.. بل أريد أن أسمع منك، فلا تحرمنا صوتك الجميل»، ابتسم وبدأ يتكلم بصوت مهموس وضعيف، فهمت منه بأنه مندوب مبيعات لشركة أدوية كبيرة، وبأنه كثيراً ما يرهق صوته في الكلام، في عمله وفي بيته، وهنا تدخلت الزوجة وقالت بأنه كثيراً ما يرفع صوته عليها وعلى أولادها بسبب ويغير سبب، فقلت في نفسي: هذه مشكلة، هذا قاطعها الزوج مكملاً حديثه، وقال بأنه عادة ما يذهب إلى المقهى بعد انتهاء عمله المسائي ليشرب «المعسل»، فقلت في نفسي: وهذه مشكلة ثانية أكبر، وأكمل بأنه قبل أسبوعين أفرط في شرب المعسل بعد يوم عمل ملئ بالكلام وإرهاق الصوت، ثم بدأ يشعر ببعض آلام في حنجرته، فخاف على صوته من التغير، ثم بدأ صوته يضعف تدريجياً حتى اختفى تماماً وأصبح لا يتكلم إلا همساً، وهو على هذه الحالة منذ عشرة أيام.
أخذت منه تاريخه المرضي بالتفصيل، ثم أجريت له فحصاً بالمنظار الحنجري، وعملت له بعدها تحليلاً ثم تسجيلاً لصوته المهموس، وبعد أن تأكدت ألا مشكلة عضوية تعاني منها حنجرته، ألتفت له قائلاً: «ماذا ستفعل لو رجع لك صوتك الآن؟» نظر إليَّ بعينين مشدوهتين وبفم مفتوح وقال بصوته المهموس: «ماذا يا دكتور؟ الآن؟» قلت: «نعم. ماذا أنت فاعل؟»، فقال: أي شيء تطبه مني»، فقلت: «أي شيء؟» فأشار برأسه متحمساً أن نعم. فقلت: «أن تعاهد الله ثم تعاهدني أن تترك التدخين، سجائر ومعسل» فقال: «سأفعل»، وقلت: «وأن تحسن الحديث والكلام مع زوجتك وأولادك»، فرد: «بالتأكيد»، فقلت: «وأن يكون ما حصل لصوتك درساً قاسياً لك حتى تحافظ عليه وتعتني به»، فقال بحماس: «نعم نعم»، فقلت: «إذاً توكلنا على الله»، وبعد جلسة علاج صوتي واحدة رجع له بفضل الله صوته، فطلبت منه أن يقرأ سورة الفاتحة، فبدأ يقرأها والدموع تنهمر من عينيه وهو لا يكاد يصدق بأن صوته قد رجع إليه مرة أخرى، وخرج من عندي شاكراً ومؤكداً على ما تعاهدنا عليه، ولم أره بعد ذلك.





لقد كان يعاني صاحبنا من مرض «فقد الصوت الوظيفي» أو النفسي، أو ما كان يسمى بالهستيري، وهو مرض يصيب عادة النساء، فقد تفقد فيه المريضة صوتها بعد موقف نفسي عصيب لا تستطيع التعامل معه، فتفقد صوتها لا شعورياً هرباً من المشكلة، أو بحثاً عن اهتمام من حولها بها، أو قد يصيب من اختار لا شعورياً ألا يستخدم صوته خوفاً عليه من أن يفقده بالكلية كما حصل لصاحبنا، فيصبح المريض بعد مدة وكأنه نسي كيف كان يخرج صوته، ويكون الصوت عندها مهموساً وضعيفاً وبالكاد يمكن سماعه، ويتم تشخيص الحالة بعد أخذ التاريخ المرضي والفحص الحنجري بالمنظار للتأكد من عدم وجود أي سبب عضوي، وعادة ما يتم إعادة الصوت للمريض في جلسة العلاج الصوتي الأولى، خصوصاً لو تم تشخيص الحالة مبكراً بعد فقد الصوت مباشرة، ثم يحتاج المريض بعد ذلك إلى عدة متابعات بعيادة الصوت للتأكد من عدم فقد الصوت مرة أخرى، ولكن هناك حالات يصعب إرجاع الصوت فيها للمريض خصوصاً أو مضى على فقد الصوت زمن طويل.
خاتمة.. لا ندعي - نحن الأطباء - بأن من حقنا التدخل في شؤون المرضى الشخصية وحل مشاكلهم الاجتماعية، ولكني أعتقد أن من أهم مهام الطبيب أن يساهم ما استطاع ومتى ما كان الظرف مناسباً في تحسين حالة مريضه صحياً ونفسياً واجتماعياً، وأن يحتسب الأجر في ذلك من الله تعالى، فالمريض ليس فقط حنجرة أو أذن أو أنف عليل، بل هو قبل ذلك وبعده إنسان من جسد وروح.




د. خالد المالكي
استشاري وأستاذ مساعد طب التخاطب والصوت
رئيس وحدة أمراض التخاطب والبلع
مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي بالرياض


جريدة الرياض
1
664

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

مخلصه لزوجها
مخلصه لزوجها
معلومه جديده


شاكره لك عليها وعلى نقلها لنا للافائده


تسلمين يا قمر