فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارًا
يقول الله - عز وجل- حاكياً عن نوح - عليه السلام- آمراً قومه ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا* ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا* مالكم لا ترجون لله وقارا* وقد خلقكم أطوارا){نوح10-14}
آيات عظيمة يبين لنا فيها ربنا _ جل وعلا _ فضل الاستغفار وأنه سبب عظيم في تحقق نعم الله -جلا وعلا - .
ومن أعظم هذه النعم التي ترجى بالاستغفار نزول الغيث وقد أمرنا الله - جلا وعلا - في كتابه في مواطن كثيرة بالاستغفار فمن هذه الآيات :
1.يقول الله -جل وعلا -حاكيا عن هود -عليه السلام -
( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) تأمل الربط العجيب بين الاستغفار وبين نزول الغيث في الآيتين الماضيتين فاذا أرتم الغيث فأكثروا من الاستغفار.
2.ويقول الله -جل وعلا -( وَأَنِ ?سْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُو?اْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى? أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّي? أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) فالاستغفار سبب من أسباب المتاع الحسن والعيش الرغيد فمن هذه الآية نعرف سبب الاضطراب والتخبط والضنك الذي يقع فيه العالم هذه الأيام بسبب أنهم أعرضوا عن التعلق بالله والاستغفار.
3.ويقول الله -جل وعلا -(وَ?لَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُو?اْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ?للَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى? مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) فكل من ألم بذنب ومعصية صغرت أو كبرت ثم تاب الى الله وعاد الى الله وجد أن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
4.ويقول الله -جل وعلا -( وَمَن يَعْمَلْ سُو?ءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ) تؤكد لنا هذه الآية ما قلناه في الآية التي قبلها من أن الاستغفار باب من أبواب مغفرة الذنوب مع التوبة من الذنب وعدم الاصرار عليه والندم على فعل هذا الذنب ورد المظالم الى أهلها اذا كانت هناك مظالم للعباد.
5.ويقول الله -جل وعلا -(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -( كان فيهم أمانان النبي _ صلى الله عليه وسلم -والاستغفار فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم -وبقي الاستغفار) ذكره الطبري وابن كثير عند الآية آنفة الذكر فالاستغفار هو الأمان الثاني من العذاب والهلاك. الأمان الأول هو وجود النبي -صلى الله عليه وسلم -بين ظهراني الناس وبعد أن ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم -الى ربه ما بقي لنا الا الاستغفار وهو أمان من الهلاك والعذاب.
6.ومن فضائل الاستغفار ما رواه الامام الترمذي في سننه برقم ( 3450 ) عن انس -رضي الله عنه-قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -يقول (قال الله عز وجل يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي) الحديث.
7.ومن فضائل الاستغفار ما رواه الامام أحمد في مسنده برقم ( 10807 و 11304 ) وكذلك الحاكم في مستدركه برقم ( 7782 ) باسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال : ( قال إبليس: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) فالشيطان اللعين قاعد لنا بكل طريق همه أن يأخذ بأيدينا معه الى جهنم والعياذ بالله لكن الله بمنه وكرمه فتح لنا باب الاستغفار.
8.ومن فضائل الاستغفار ما رواه الامام ابن ماجه في سننه برقم ( 3818 ) باسناد صحيح عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه -قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا ) والمقصود ب ( طوبى ) في هذا الحديث كما جاء مفسرا من النبي -صلى الله عليه وسلم -كما عند الامام أحمد في مسنده برقم ( 11245 ) أنه قال ( طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني) وعن معنى طوبى روى البخاري برقم ( 6069 ) ومسلم برقم ( 5055 ) في صحيحيهما عن سهل بن سعد -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال ( ان في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) وهي شجرة طوبى كما مر معك قريبا فهذه الشجرة المباركة للمحافظ على الاستغفار.
9.ومن فضائل الاستغفار ما رواه البيهقي في شعب الايمان برقم ( 668 ) عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال ( من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار) يوم القيامة يوم الحسرة والندامة يوم يرى كل انسان منا عمله أمامه ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) يوم رهيب عصيب ( وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا) (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) في هذا اليوم اذا أحببت أن تكون مسرورا من صحيفتك التي سيأخذها كل واحد منا إما بيمينه إن كان من أهل الايمان وإما بشماله إن كان من أهل الكفر والعصيان فأكثر فيها من الاستغفار في هذه الحياة الدنيا الفانية والتي لا تساوي عند الله جناح بعوضة
10.ومن فضائل الاستغفار أن الله بمنه وكرمه يعلم أننا سنقع في الذنوب والمعاصي لأن هذه هي طبيعة البشر لكن الكريم المنان فتح لعباده باب الاستغفار والتوبة ليتوب عليهم -جل وعلا -وقد روى الترمذي برقم ( 2423 ) وابن ماجه برقم ( 4241 ) عن أنس رضي الله عنه -قال : قال رسول الله -صلى الله عليه ويلم -( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
11. ومن فضائل الاستغفار ما رواه مسلم في صحيحه برقم (4936 ) وأحمد في مسنده برقم ( 7736 ) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم) كل من عصى الله ثم أقبل الى الله تائبا مستغفرا أقبل الله اليه قابلا لتوبته .
12. ومن فضائل الاستغفار ما رواه أبو داود في سننه برقم (1296 ) والترمذي برقم ( 3501 ) عن بلال بن يسار قال: حدثني أبي عن جدي -رضي الله عن الجميع -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: ( من قال: استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه غفر له وان كان فر من الزحف) والتولي من الزحف في ساحة الجهاد والمعركة كبيرة من كبائر الذنوب والدليل عليها قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المهاد ) قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) وقد روى البخاري في صحيحه برقم (6351|25600 ) ومسلم برقم ( 219 ) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -( اجتنبوا السبع الموبقات ) وذكر منها ( التولي يوم الزحف ) فمن وقع بهذه الكبيرة من كبائر الذنوب ثم تاب الى الله واستغفر بصيغة الاستغفار الواردة في الحديث الذي سبق ذكره فإنه ممن يرجى له مغفرة ذنبه.
13. ومن فضائل الاستغفار ما رواه البخاري في صحيحة ( 5831 | 5848 ) وأحمد في مسنده برقم ( 16488) والترمذي في مسنده برقم ( 3315 ) والنسائي برقم ( 5427 ) عن شداد بن الأوس -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال : ( سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب الا أنت قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ) هذا الحديث العظيم من أذكار الصباح والمساء، فما من عبد يقول هذا الذكر صباح مساء موقنا به مستحضرا لمعانيه ثم مات الا كان مبشرا بدخول الجنان
14. ومن فضائل الاستغفار أنه سبب لنزول الغيث والخير ونزول البركة كما قال تعالى في الآية التي صدرنا به مقالنا ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا* يرسل السماء عليكم مدرارا )
*إمام وخطيب مسجد
مرمر الحنونه @mrmr_alhnonh
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وجمعنا بك في جنات النعيم