فكيف بحال المشردين (قصة قصيرة)

الأدب النبطي والفصيح


فكيف بحال المشردين




في شتاء احد السنين، أسدل الليل أستاره على المدينة ليعم الظلام. وفي احد الأحياء، في شارع من الشوارع، تقطن أسرة احد البيوت.
داخل البيت، في الحجرة الداخلية، تجلس فاطمة متربعة، وقد أغلقت الباب على نفسها، وبجوارها الكتب، وأمامها كتاب تستذكر منه، وورائها المدفأة تبعث إليها الدفء والحنان؛ لتخفف من حده البرد.
وأمها في الحجرة المجاورة تتحدث بالهاتف، وأخوها نائم في الغرفة الأخرى. وهي غارقة في كتابها تلتهم ما فيه من معلومات.
وفجأة وإذا بصوت غريب من بعيد يشبه صوت الفرقعة.
فاطمة: وحديث يدور في خلدها: ما هذا الصوت؟ ومن أين ينبعث؟
يبدو وكأنه قادم من المطبخ. لعلها سارة تعمل هناك شيئا ما.
وتتوالى الأصوات ضرب وراء ضرب، وصوت يلحقه صوت.
فاطمة: لا مستحيل، من غير المتوقع أن يكون هذا الصوت يصدر نتيجة عمل تفعله سارة، لأن هذا الصوت غريب، ولم اسمع مثله من قبل.
وتفتح الباب، وتتقدم ماشية بحذر بخطوات وئيدة، وتقترب من المطبخ والصوت يزداد قوه وعلوا، لتصل إلى المطبخ فتدخل رأسها، وترى الفاجعة.
شيء اصفر يتوهج توهجا ملتهبا، ويزداد النور علوا وشدة، ليصعد إلى الأعلى ويقضم الخزانة. يا الهي ما هذا يا لهول المنظر .
إنها النار، النار تتصاعد من الموقد لتمسك بالخزانة لتحرقها وتأكلها، والخزانة تستنجد بصوت حزين.
فزعت فاطمة، وانشل تفكيرها، وهرعت مسرعة، وقلبها يخفق خفقان الطير، لتنادي أخاها وتصرخ بأعلى صوتها أحمد أحمد ،النار النار، إنها النار.
يخرج أحمد من غرفته إلى الباب فزعا، وهو يفرك عينيه من النوم ويتثاءب:ما بك؟ الناس نيام، اخفضي صوتك.
فاطمة: النار في المطبخ تشتعل.
فيركض أحمد إلى المطبخ، وتفزع الأم بعد أن ألقت الهاتف بسرعة لتهرول صوب المطبخ.
وبحركات سريعة مرتبكة، أحمد يأخذ الماء؛ ليهم برميه فوق النار.
والأم تصرخ وتجذبه إليها: احذر لعل الحريق بسبب الزيت. ستزيد النار اشتعالا. وتقوم هي الأخرى لمحاولة إطفاء النار، وتغلق أنبوب الغاز، وتحاول شده بعيدا حتى لا ينفجر بالنار.
وتحتال لكبت أنفاس النار بغطاء القدر، ولكن الحيلة تبوء بالفشل؛ فقد استفحلت النار، وأمسكت بخزائن المطبخ.
فاطمة: أخي احمد، لا فائدة من محاولاتنا، يجب أن نستنجد برجال الإطفاء، إن النار تزداد ضراوة.
ويتصل أحمد سريعا بالإطفاء، ويصف لهم المكان، بكلمات مبعثرة، وينزل إلى الأسفل في انتظار سيارات الإطفاء، وكل شيء يحدث سريعا، ويمر بسرعة.
والأم لا تزال في المطبخ تستخدم شتى الوسائل لإطفاء النار، والدخان قد انتشر في كل مكان، وكاد يكتم الأنفس.
أما فاطمة وسارة فلا زالتا تبحثان عن حجابهما، وتهرع فاطمة للخروج من المنزل وتكاد تنسى حذائها.
وتصرخ بشدة: أمي أمي لن ندع النار لتأكلنا، لن نستطع أن نسيطر عليها، هيا لنخرج سريعا.
وتخرج فاطمة والأم وسارة إلى الشارع، لتبقى الأسرة هناك مع أخيهم أحمد.
وما أن سمع الناس صوت سيارات الإطفاء إلا واجتمعوا حول البيت وقد شدهم التطفل ليعرفوا ما الأمر. وكأن إنذار السيارات، إنذارا لهم بالخروج من منازلهم، أو كأنه تنبيه لهم للتجمع حول المكان، ليشاهدوا الموقف. هكذا هم الناس متطفلون، لا يحسنون سوى المشاهدة أما المساعدة فقليل بذلهم لها.
وبقيت الأسرة في الشارع بضع ساعات بعدما أصابها الذعر ولم تعد الأرجل تقوى على حمل الأجسام المرتاعة، فجلسوا جانبا وهم يلتقطون أنفاسهم المتقطعة المرتبكة.
وقد خرج معظم الجيران من بيوتهم؛ هربا من الحريق وخوفا على أنفسهم، وبعض منهم ليسأل إن كان يستطيع مد يد العون.
ورجال الإطفاء، واحد تلو الآخر، يدخل هذا ويخرج ذاك. هذا آخذ بخرطوم المياه، وهذا ليعرف سبب الحريق، وواحد لإطفاء الكهرباء، وآخر لفتح النوافذ.
ثم انه نزل احد رجال الإطفاء، وهو يبشر بإخماد النار، بعد أن أتت والتقمت شيئا من أثاث المطبخ. وبقي القيام بسحب الدخان من البيت. فقاموا بوضع مروحة أمام البيت؛ لتسحب الدخان إلى الخارج. كل هذا والأسرة تنتظر الفرج للعودة إلى بيتها.
وأثار هذا الحدث مشاعر فاطمة، وجال في خاطرها حال المشردين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، الذين هدمت منازلهم ولم يجدوا مأوى لهم . وعاشوا في الشوارع مشردين مهددين، تحت القصف والصواريخ والمدافع، والعدو يطاردهم في كل مكان. وحال من أصابهم نكبة زلزال أو فيضان أو بركان ففقدوا ديارهم وأهليهم وأموالهم، وتشردوا .
فما حدث لها ولأسرتها مجرد حريق صغير جعلهم يفزعون وترتجف أفئدتهم وأقدامهم ،ويهرعون إلى الشارع.
وبعد أن أنهى رجال الإطفاء مهمتهم، صعدت الأسرة إلى البيت، ليروا العجب العجاب. الدخان الأسود المتصاعد، العالق بسقف الغرف، والمنتشر في كل مكان. والرماد المتناثر من الخزائن. وأشلاء الأواني، في أرجاء المطبخ. والماء قد ملأ الأرض هنا وهناك، مكونا بحيرة.
فهذه النار البسيطة قد أحدثت هذا الرعب، وأحدثت الدخان الهائل والخسائر، فكيف بنار الآخرة وعذابها.
وجلست الأسرة كل يهدئ الآخر ويزيل الفرق الذي ألم به.
ليحمدوا ربهم على أن سلمهم. فخروا جميعا سجّدا لله، يشكرون ربهم في السراء والضراء.


10
919

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

رانيا محمد حسن
الاسلوب القصصي ممتاز ويلزمك بعض العبارات التشويقيه
بنان البيان
بنان البيان
الأخت رانيا شكرا لمرورك
مناير العز
مناير العز
أسلوب قصصي جميل

استمري بالكتابة
ومضة خير
ومضة خير
جميلة جميلة يابنان
وهادفة أيضآ.....
بورك المداد
كوني هنا دومآ.....
بنان البيان
بنان البيان
الأخت الكريمة مناير العز مرورك هو الأجمل

لك تقديري