دار الوطن
دار الوطن
الحمد لله وحده،، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد،،،
فإن العجب من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيراً من الناس، فتصرفهم عن شكر الخالق إلى شكر أنفسهم، وعن الثناء على الله تعالى بما يستحق إلى الثناء على أنفسهم بما لا يستحقون، وعن التواضع للخالق والانكسار بين يديه إلى الكبر والغرور والإدلال بالأعمال، وعن احترام الناس ومعرفة منازلهم إلى احتقارهم وجحد حقوقهم.
حجب العجب
والعجب هو الزهو بالنفس، واستعظام الأعمال، والركون إليها، وإضافتها إلى النفس مع نسيان إضافتها إلى المنعم سبحانه وتعالى.
مساوئ العجب
من مساوئ العجب أنه يحبط الأعمال الصالحة، ويخفي المحاسن، ويكسب المذام.
قال الماوردي: " وأما الإعجاب فيخفي المحاسن، ويظهر المساوئ، ويكسب المذام ويصد عن الفضائل، وليس إلى ما يكسبه الكبر من المقت حد، ولا إلى ما ينتهي إليه العجب من الجهل غاية، حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر، ويسلب من الفضائل ما اشتهر، وناهيك بسيئة تحبط كل حسنة، وبمذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق، ويكسبه من حقد ".
وقال النووي : " اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله ".
حكم العُجب
العجب محرم، لأنه نوع من الشرك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكثيراً ما يقرن الرياء بالعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله : ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ ( والمعجب لا يحقق قوله : ) وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( خرج من الإعجاب.
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله : " اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r قال الله تعالى:)وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ( ذكر ذلك في معرض الإنكار، وقال عز وجل : ) ظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا( فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم .
وقال تعالى : ) وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا( وهذا أيضاً يرجع إلى العجب بالعمل، وقد يعجب الإنسان بالعمل وهو مخطئ فيه ، كما يعجب بعمل هو مصيب فيه.
وقال r : " ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه" .
ومن السنة النبوية كذلك، قول النبيr: " بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة " .
جاء في الفتح لا بن حجر : قال القرطبي : " إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم".
وقوله : " إذ خسف الله به " يدل على سرعة وقوع ذلك به.
وقوله : " فهو يتجلجل إلى يوم القيامة " وفي رواية الربيع عند مسلم : " فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة ".
قال ابن فارس : التجلجل: أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق، فالمعنى يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطرباً متدافعاً " .
ومن الأدلة كذلك على ذم العجب حديث أبي ثعلبة الخشني t، فعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية؟ قال آية آية ؟ قال: قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ( .
قال أبو ثعلبة : أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله r فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، واعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فان من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم " .
من أقوال السلف في ذم العُجب
1- قال ابن مسعود رضي الله عنه: الهلاك في اثنتين: القنوط والعجب.
قال أبو حامد : وإنما جمع بينهما، لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى.
2- وقال مطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليّ من أبيت قائماً وأصبح معجباً.
3- وكان بشر بن منصور من الذين إذا رُءوا ذُكر الله تعالى والدار الآخرة، لمواظبته على العبادة، فأطال الصلاة يوماً ، ورجل خلفه ينظر، ففطن له بشر، فلما انصرف عن الصلاة قال له: لا يعجبنك ما رأيت مني، فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة، ثم صار إلى ما صار إليه.
4- وقيل لعائشة رضي الله عنها : متى يكون الرجل مسيئاً ؟ قالت : إذا ظن أنه محسن.
5- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الإعجاب ضد الصواب، وآفة الألباب.
6- وقال بزدجمهر: النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذين لا يرحم صاحبه منه: العُجب.
بين العُجب والكفر
وربما طغت آفة العجب على المرء حتى وصل به الحد إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام، كما هو الحال مع إبليس اللعين، حيث أعجب بأًصله وعبادته، ودفعه ذلك إلى الكبر وعصيان أمر الرب تعالى بالسجود لآدم عليه السلام.
وحكى عمر بن حفص قال : قيل للحجاج كيف وجدت منزلك بالعراق ؟ قال: خير منزل، لو كان الله بلغني قتل أربعة، فتقربت إليه بدمائهم. قيل : ومن هم ؟ مقاتل بن مسمع ولي سجستان، فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما عُزل دخل مسجد البصرة، فبسط الناس له أرديتهم، فمشى عليها، وقال لرجل يماشيه )لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ( .
وعبدالله بن زياد بن ظبيان التيمي، خوف أهل البصرة أمراً، فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناسُ من المسجد : أكثر الله فينا مثلك، فقال: لقد كلفتم الله شططاً !!
ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالساً في طريق، فمرت به امرأة فقالت له: يا عبدالله كيف الطريق إلى موضع كذا ؟ فقال: يا هناه ! مثلي يكون من عبيد الله ؟!!
وأبو سمال الأسدي أضل راحلته فالتمسها الناس فلم يجدوها فقال: والله إن لم يرد إلي راحلتي لا صليتُ له صلاة أبداً، فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا له : قد رد الله راحلتك فصل، فقال: إن يميني يمين مصرّ !!
قال الماوردي : فانظر إلى هؤلاء كيف أفضى بهم العُجب إلى حمق صاروا به نكالاً في الأولين، ومثلاً في الآخرين، ولو تصور المعجب والمتكبر ما فُطر عليه من جبلة، وبُلي به من مهنة لخفض جناح نفسه، واستبدل ليناً من عتوه ، وسكوناً من نفوره، وقال الأحنف بن قيس : عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ؟
يا مظهر الكبر اعجاباً بصورته
أنظر خلالك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم الرأس مكرمة
وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك
والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً
أقصر فإنك مأكول ومشروب
قال ابن قدامة : اعلم أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة وهذا مع الخلق.
فأما مع الخالق فان العجب بالطاعات نتيجة استعظامها فكأنه يمن على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمي عن آفاتها المفسدة لها، وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها، دون من رضيها وأعجب بها.
وقال أبو حامد : والإدلال وراء العجب، فلا مدل إلا وهو معجب، ورب معجب لا يدل، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة، دون توقع جزاء عليه، والإدلال لا يتم إلا مع توقع الجزاء، فإن توقع إجابة دعوته، واستنكر ردها بباطنه، وتعجب منه كان مدلاً بعمله، لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق، ويتعجب من رد دعاء نفسه لذلك، فهذا هو العجب والإدلال وهو من مقدمات الكبر وأسبابه.
أسباب العجب
أسباب العجب كثيرة منها :
1- الجهل : والغريب أن بعض الناس يعجب بعمله ومعرفته لمسائل الخلاف وأقوال العلماء ، ولو علم أن إعجابه بعمله يدل على جهله لما كان من المعجبين بأنفسهم، قال أبو حامد : وعلة العجب الجهل المحض فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل فقط.
2- قلة الورع والتقوى. 3- ضعف المراقبة لله عز وجل.
4- قلة الناصح. 5- سوء النية وخبث الطوية.
6- إطراء الناس للشخص وكثرة ثنائهم عليه مما يعين عليه الشيطان.
7- الافتتان بالدنيا واتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء.
8- قلة الفكر، لأنه لو تفكر لعلم أن كل نعمة عنده هي من الله.
9- قلة الشكر لله عز وجل. 10- قلة الذكر لله عز وجل.
11- عدم تدبر القرآن والسنة النبوية.
12- الأمن من مكر الله عز وجل والركون إلى عفوه ومغفرته.
مظاهر العجب
مظاهر العجب كثيرة منها :
1- رد الحق واحتقار الناس.
2- تصعير الخد.
3- عدم استشارة العقلاء والفضلاء.
4- الاختيال في المشي.
5- استعظام الطاعة واستكثارها.
6- التفاخر بالعلم والمباهاة به.
7- الغمز واللمز.
8- التفاخر بالحسب والنسب وجمال الخلقة.
9- تعمد مخالفة الناس ترفعاً.
10- التقليل من شأن العلماء الأتقياء.
11- مدح النفس.
12- نسيان الذنوب واستقلالها.
13- توقع الجزاء الحسن والمغفرة وإجابة الدعاء دائماً.
14- الإصرار على الخطأ.
15- الفتور عن الطاعة لظنه أنه قد وصل إلى حد الكمال.
16- احتقار العصاة والفساق.
17- التصدر قبل التأهل.
18- قلة الإصغاء إلى أهل العلم.
محاولات العجب وعلاجه
ذكر أبو حامد رحمه الله أن العجب يكون بثمانية أمور وذكر علاج كل واحد منها:
الأول أن يعجب ببدنه في جماله وهيئته وصحته وقوته، وتناسب أشكاله وحسن صورته وحسن صوته، فيلتفت إلى جمال نفسه، وينسى أن نعمة من الله تعالى، وهو معرض للزوال في كل حال.
وعلاجه : هو التفكر في أقذار بطنه في أول أمره، وفي آخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة، كيف أنها تمزقت في التراب وأنتنت في القبور، حتى استقذرتها الطباع.
الثاني : العجب بالبطش والقوة كما حكى عن قوم عاد أنهم قالوا : ) مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً( .
وعلاجه أن يعلم أن حمى يوم تضعف قوته، وأنه إذا أعجب بها ربما سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها عليه.
الثالث : العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور.
وعلاجه : أن يشكر الله تعالى ما رزق من العقل، ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه، يوسوس ويجن بحيث يضحك منه، فلا يأمن أن يسلب عقله إن أعجب به، ولم يقم بشكره، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وأن ما جهله أكثر مما عرفه.
الرابع : العجب بالنسب الشريف، حتى يظن بعضهم أنه ينجو بشرف نسبه ونجاة آبائه وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موالٍ وعبيد!
وعلاجه : أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعاله وأخلاقهم وظن أنه ملحق بهم فقد جهل ، وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب بل الخوف والازدراء على النفس ومذمتها، ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب فليتشرف بما شرفوا به.
ولقد ساواهم في النسب وشاركهم في القبائل من لم يؤمن بالله واليوم الآخر، وكانوا عند الله شراً من الكلاب وأخس من الخنازير ، ولذلك بين تعالى أن الشرف بالتقوى لا بالنسب فقال : ) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ( .
الخامس : العجب بنسب السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب الدين والعلم، وهذا غاية الجهل.
وعلاجه : أن يتفكر في مخازيهم وما جرى لهم من الظلم على عباد الله والفساد في دين الله، وأنهم الممقوتون عند الله تعالى، ولو نظر إلى صورهم في النار وأقذارهم لاستنكف منهم، ولتبرأ من الانتساب إليهم.
السادس : العجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والعشيرة والأقارب والأنصار والأتباع، كما قال الكفار : )نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا( .
وعلاجه: أن يتفكر في ضعفه وضعفهم، وأن كلهم عبيد عجزة، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ثم كيف يعجب بهم وأنهم سيفترقون عنه إذا مات، فيدفن في قبره ذليلاً مهيناً وحده لا يرافقه أهل ولا ولد ولا قريب ولا حميم ولا عشير.
السابع : العجب بالمال كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين : )أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا( .
وعلاجه : أن يتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه وعظيم غوائله، وينظر إلى فضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة يوم القيامة، وإلى أن المال غاد ورائح، ولا أصل له وإلى أن في اليهود من يزيد عليه في المال، وإلى قوله عليه الصلاة والسلام : " بينما رجل يتبختر في حلة له، قد أعجبته نفسه إذا خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة " وأشار به إلى عقوبة اعجابه بماله ونفسه.
الثامن : العجب بالرأي الخطأ. قال تعالى : ) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا( وقال تعالى : ) وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا( وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم.
وعلاج : أن يكون متهماً لرأيه أبداً لا يغتر به إلا أن يشهد له الأدلة، فإن خاض في الأهواء والبدع والتعصب في العقائد هلك من حيث لا يشعر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نوع المطبوع : مطوية
الموضوع : فلا تزكوا أنفسكم
اسم الناشر : دار الوطن
اسم المؤلف : دار الوطن
محبه لله الواحد @mhbh_llh_aloahd
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نعنوشه
•
جزاك الله خير
الغنادير
•
جزاك الله كل خير اختي الغاليه
نسأل الله أن يحفظنا ويهدينا لما فيه الخير والصلاح إن شاء الله
نسأل الله أن يحفظنا ويهدينا لما فيه الخير والصلاح إن شاء الله
الصفحة الأخيرة