الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد فقد ذكر ابن رجب – عليه رحمة الله وبركاته – أن من علامات قبول رمضانصيام ست من شوال
وذكر لصيام الست فوائد عظيمة، فخذها هنيئا مريئا، وافرح أن صمت الأيام الست بهذه النيات ، ولعل فهمك لهذه الفوائد وعملك بها رزق ساقه الله إليك ليقبلك ، فيها أيها المقبول أبشر بعد أن تعمل :
فوائد صيام ست من شوال بعد رمضان :
(1) تحصيل ثواب صيام الدهر :
وذلك أن صيام الدهر – والله يجزي على الحسنة عشر أمثالها – يعني أن يكتب للعبد صيام عشرة أشهر مقابل صيام شهر رمضان ، ويكون صيام الستة أيام قائما مقام ثواب صيام شهرين آخرين ، فيكون العبد بذلك قد استكمل ثواب صيام دهره .
(2) جبر الخلل وإكمال النقص :
صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرائض من خلل ونقص ، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل ، فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال ؛ ولهذا نهى النبيصلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل : صمت رمضان كله أو قمت رمضان كله ، قال الصحابي : لا أدري أكره التزكية ، أم لابد من غفلة .
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول : من لم يجد ما يتصدق به فليصم ، يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة للفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر ؛ فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في تكفير السيئات ، كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات .
(3) علامة قبول رمضان:
معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صيام رمضان ؛ فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده ، كما قال بعضهم : ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها ؛ كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى ، كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة ، كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها ، فمن رام أن يعلم مدى قبول عمله من ذلك ، فليعود نفسه على الصيام والقيام من جديد حتى يكون صيامه الثاني علامة على قبول صيامه الأول ، وحتى سكون قيامه الآخر علامة على قبول قيامه السابق عليه .
من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها ، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى ، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية .. ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها ، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها ، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها .. ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها ، النكسة أصعب من المرض وربما أهلكت ، سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات ، وتعوذوا به من تقلب القلوب ، ومن الحور بعد الكور ، ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة ، وأفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة .
(4) شكر نعمة التوفيق لصيام رمضان:
صيام رمضان يستوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب ، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر ، وهو يوم الجوائز ، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة ؛ فإن شكر النعمة إنما يكون بفعل من جنسها؛ حتى يكون الصيام نعمة تستوجب شكرا بصيام آخر ، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب ، ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه ، فيقال له : تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ، فيقول صلى الله عليه وسلم: " أفلا أكون عبد شكورا "، فكان قيامه صلى الله عليه وسلم ذلك القيام الطويل حتى تتورم قدماه .. ثم حتى تتفطر قدماه .. ثم حتى تتشقق قدماه بعد تورمها ، كل ذلك شكرا لله عز وجل على مغفرته لذنوبه .
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره ، وغير ذلك من أنواع شكره فال : {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } ( البقرة 185) ، فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقيب ذلك .
كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليله من الليالي ؛ أصبح في نهاره صائما ، ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام .
وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه فيقول : لا تسألوا عن الثواب ، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر ؛ للتوفيق والإعانة عليه .
كل نعمة على العبد من الله عز وجل في دين أو دنيا تحتاج إلى شكر عليها ، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان ، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر ، وهكذا أبدا فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم ، وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر .
(5) مداومة الاتصال:
إن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان ؛ بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا ، وهذا معنى الحديث أن الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار ، يعني كالذي يفر من القتال في سبيل الله ثم يعود إليه ، وذلك لأن كثيرا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان ؛ لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعا ، فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل عودة على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكره به .
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل"، وفسر بصحاب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ، ومن آخره إلى أوله ، كلما حل ارتحل ، والعائد إلى الصيام سريعا بعد فراغ صيامه ، شبيه بقارئ القرآن إذا فرغ من قراءته ثم عاد إليه ، في المعنى ، والله أعلم .
(6) استمرار العلاج بعد رمضان بالصيام في شوال:
فى صيام هذه الأيام الستة من شوال استدراك لما فات العبد من وظائف الصيام ، من وظائف إصلاح نفسه ، وإقامتها على أمر الله عز وجل ، ومن الوظائف المرجوة كذلك من الصيام من الإحسان إلى الفقراء ، ومن إدراك نعمة الله عز وجل في الأموال ، ومن شكر نعم الله عز وجل ، ومن تخلي العبد للذكر والفكر ، فإن شأنه في الفطر أن يكون مشغولا عن الذكر والفكر ، والصيام معين له على ذكر الله عز وجل والتفكير في آخرته .
(7) حجة للعبد أنه رباني لا موسمي:
فى صيام أيام شوال إعلان ببقاء وظائف العبادة ما بقي العبد دهره ؛ فليست تذهب مع المواسم الطاعات ؛ بل إن ذهبت المواسم فلا يزال الله عز وجل أهل العفو وأهل المغفرة ، ولا تزال مغفرة الله عز وجل وعفوه يرجوا بالعبادة من الصيام والقيام ، فما تنقضي أبد الدهر وظيفة الصيام ، وما تنقضي مدة حياة العبد وظيفة القيام وتلاوة القرآن .
(8) أدب في مداومة الخدمة، وإظهار الحب:
فى صيام هذه الأيام من شوال ، وفى إتباعها رمضان من غير مهلة ولا تراخ ، إعلان بعدم سآمة العبد من العبادة ، وأنه لم ينتظر ذهاب رمضان وانقضائه ، وأنه ما مل وقوفه بباب ربه ، وما سئم التعرض لفضله وعطائه ونواله ، وأنه لا يزال باقيا مصرا ، باقيا على وظيفة العبادة ، مصرا على التعرض لفضل الله عز وجل وعطائه .
فاللهم أدم علينا نعمة الاتصال بك..
يا ولي النعم، ترزق من تشاء بغير حساب..
نسألك تمام النعمة ودوامها..
صل لنا نعمة الإيمان بنعمة الهداية..
وزد نعمة الطاعات بنعمة القبول..
وبارك نعمة الرزق بنعمة الرضا..
وعمم نعمة العافية بنعمة الستر..
وتمم نعمة الصحة بنعمة راحة البال..
آمين وصلى الله على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين
محبه الكعبه @mhbh_alkaabh
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
»شاانتيهـ«
•
الله يجزآكِ الجنه ..~
الصفحة الأخيرة