أركان النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:
" فصل: أركانه: الزوجان الخاليان عن الموانع. وإيجاب بلفظ أنكحت أو زوجت. وقبول بلفظ قبلت أو رضيت فقط، أو مع هذا النكاح أو تزوجتها، ومن جهلهما لم يلزمه تعلم، وكفاهما معناهما الخاص بكل لسان، وشروطه أربعة: تعيين الزوجين ورضاهما، لكن لأب ووصيِّهِ في نكاح تزويج صغير، وبالغ معتوه ومجنونة، وثيب لها دون تسع سنين، وبكر مطلقا، كسيد مع إمائه وعبده الصغير، فلا يزوج باقي الأولياء صغيرة بحال، ولا بنت تسع إلا بإذنها، وهو صمات بكر، ونطق ثيب.
والولي، وشروطه: تكليف وذكورة وحرية، ورشد واتفاق دين، وعدالة، ولو ظاهرا إلا في سلطان وسيد، ويقدم وجوبا أب ثم وصيه فيه، ثم جد لأب وإن علا، ثم ابن وإن نزل، وهكذا على ترتيب الميراث، ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته نسبا، ثم ولاء، ثم السلطان، فإن عضل الأقرب، أو لم يكن أهلا، أو كان مسافرا فوق مسافة قصر، زوج حرةً أبعد، وأمةً حاكم، وشهادة رجلين مكلفين عدلين ولو ظاهرا، سميعين ناطقين، والكفاءة شرط للزومه فيحرم تزويجها بغيره إلا برضاها.
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
للنكاح أركان وله شروط، ويراد بأركانه: مجموع ما يتكون منه، تعرفون أن أركان الشيء أجزاؤه الذي يتكون منها، يعرفون الركن: ركن الشيء جزء ماهيته، أي جزء منه، كأركان هذا البيت، المسجد يعني حيطانه التي يتكون منها.
نقول مثلا: أركان الإنسان أجزاؤه، فيقال يداه ركن منه، ورجلاه ركن، ورأسه ركن وظهره ركن يعني، يتكون ويتركب من هذه الأجزاء كأركان الصلاة التي تتكون منها، فالقيام جزء من الصلاة، وهو ركن، والركوع جزء.
فكذلك أركان النكاح التي يتكون منها، ويصير من مجموعها نكاح كامل. فذكروا أن أركانه أربعة:-
الزوج: ولا بد أن يكون كامل الرجولة، وخاليا عن الموانع، والزوجة كذلك أيضا، والإيجاب والقبول.
ثم قوله: الزوجان الخاليان من الموانع، عندنا مثلا إذا كان الزوج مَحرما للزوجة فلا يصح؛ لأن هناك مانعا، أو رضيعا لها لم يصح النكاح، أو كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة لم يصح النكاح، وذلك لكونه غير كفء لها.
وهكذا الموانع التي لا يصح، ولا ينعقد معها النكاح، وكذلك المرأة يكون فيها موانع؛ كأن تكون ذات زوج، أو تكون معتدة في عدة زوج قد طلقها أو في عدة وفاة، وكذلك كون الزوج عنده أربع قبلها، فكل هذه موانع، لا بد من انتفاء الموانع من الزوج ومن الزوجة، هذان ركنان؛ الزوج ركن، والزوجة ركن، والإيجاب ركن، والقبول ركن.
الإيجاب من الولي، والقبول من الزوج، يشترط بعضهم أن يكون الإيجاب بأحد لفظتين: زوجتك أو أنكحتك، ويقولون: إنها الألفاظ التي وردت في القرآن هي الألفاظ التي ذكرت في القرآن.
ذكر في القرآن قوله تعالى: زَوَّجْنَاكَهَا وكذلك ذكر الأزواج إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ وذكر في القرآن النكاح فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وكذلك قوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وقوله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ و قوله: وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ لذلك قالوا: ينطق الولي بأحد هاتين الكلمتين: زوجتك موليتي، أو أنكحتك موليتي.
ولفظ التزويج معناه: اشتقاقه من العدد الشفع، فإن العدد قسمان: شفع ووتر، والشفع يقال له: زوج، سمي هذا زواجا؛ لأن أحد الزوجين قبله كان فردا "كان وترا" فإذا انضم إليه الزوج الثاني أصبح زوجا، يعني أصبح بدل الوتر زوجا، يعني اثنين؛ ولأجل ذلك كلمة الزوج يطلق على الذكر والأنثى، كما تقول عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، زوجه يعني التي صارت معه زوجا.
ويقال: النبي -صلى الله عليه وسلم- زوج عائشة، فكلمة زوج تصلح للرجل وللمرأة كل منهما يسمى زوجا، إلا أن أهل الفرائض احتاجوا إلى التمييز فأدخلوا على المرأة تاء التأنيث في قول الناظم: والثمن للزوجة والزوجات
................
وهو لكل زوجة أو أكثر، وإلا فالأصل أنه موضوع لكل واحد من الزوجين، هذا سبب تسميته زوجا وزواجا، لأنه بانضمامه إلى الآخر يكون زوجا بدل ما كان وترا "فردا".
أما النكاح فالأصل فيه أنه: الانضمام، الضم، تقول العرب: تناكحت الأشجار يعني: انضم بعضها إلى بعض وتلاصقت، إذا امتدت أغصانها ويقال: تناكح العودان على النار يعني انضم أحدهما إلى الآخر حتى كانا أو صح الوقود بهما.
تعريف النكاح:
وأما تسمية هذا الزواج نكاحا ؛ فلأن الزوج ينضم إلى الزوجة والانضمام هو التناكح هذا هو الأصل من الانضمام، ثم هل المراد بالنكاح العقد أو الوطء؟ يطلق عليهما، وأغلب ما يطلق على العقد، نكح فلان المرأة يعني عقد عليها.
وذكر بعض أهل اللغة أن العرب فرقت بينهما فرقا لطيفا، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان فالمراد عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو أمته فالمراد وطئها، وكل ما في القرآن من نكح فإنه للعقد إلا في قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ .
فإن النكاح هنا هو الوطء، ورد ذلك في السنة، هكذا ذكر العلماء في كتب الفقه: أنه لا يصح إلا بلفظ أنكحتك موليتي، أو زوجتك موليتي، بأحد هاتين الكلمتين، وذهب آخرون إلى أنه يجوز بغيرهما، مما هو معروف عند المتخاطبين، وأجاز ذلك بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره فلو قال مثلا: ملَّكْتك ابنتي، فمعناه أنك تملكها، تملك الاستمتاع بها ما لا يملكه أبوها، فيكون هذا قائما مقام زوجتك؛ لأنه حصل به المقصود؛ حصل به أنه ملكها، وإذا قال وهبتك ابنتي حصل -أيضا- المقصود، أعطيتكها، حصل بذلك المقصود، فهذا هو الأقرب أنه يصح بكل لفظ يدل على المعنى، ويؤدي المراد، أنكحتك، وزوجتك، وملكتك، ووهبتك، وأعطيتك ابنتي، وأملكت لك عليها، أو خليت بينك وبينها، أو خذ ابنتي حلال لك، أو أحللتها لك، أو ما أشبه ذلك.
وأما القبول: فهو من الزوج، اشترطوا أن يقول: قبلت، أو رضيت عبارتين فقط، أو قبلت هذا النكاح، يعني قوله: أو مع هذا النكاح أو مع هذه الجملة، يعني يضيف كلمة "هذا النكاح" بعد "قبلت" قبلت هذا النكاح، رضيت هذا النكاح أو يجمع بينهما، قبلت هذا النكاح ورضيته، أو تزوجتها أو قبلتها، وإذا قلنا: إنه يصح بما دل على المعنى، فيصح إذا قال: وافقت، أو أنا موافق، أو أخذتها، أو استوهبتها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الرضا.
يقول المؤلف: "ومن جهلهما" يعني من جهل كلمة أنكحت أو زوجت، أو كلمة قبلت أو رضيت، وذلك إذا كان لا يعرف اللغة، أو لا يعرف معناها، هل يلزمه أن يتعلمهما، وألا يقول: إلا، قبلت أو رضيت؟ لا يلزم، يكفيه معناهما الخاص بكل لسان؛ ذلك لأن كل قوم، وأهل كل لسان عندهم اصطلاحات يتعارفون بينها بلسانهم.
ذكر لنا بعض الإخوان أنه جاء إلى بعض الأعراب في بعض جهات المملكة -الجهلة- وأخذ يسأله، فذكر له أنه مفتيهم، وأنه الذي يعقد لهم، فقال له: كيف طريقتك في عقد النكاح لهم؟ -لأنهم بوادي بعيدون عن القرى، وبعيدون عن الناس، هذا قديما- ذكر له أن الولي يقول: هاك خصلة بنتي، على سنة الله، وسنة رسوله، منامها حلال، ومقامها حلال، وادخل على الله من الملل والاستملال، وأنت وإيَّاها تحية الله.
لا شك أن هذه من العبارات التي اصطلحوا عليها، ليس عندهم أحد يعقد لهم، فرضوا بأن يكون هذا الذي عندهم، كأنه أعرفهم وأفهمهم أن يتكلم بهذه الكلمات.
يبقى أن الزوج لا بد أن يقول: قد وافقت أو قبلت أو أخذتها، أو ما أشبه ذلك، وهل يصح بالمعاطاة؟ الصحيح أنه لا يصح، المعاطاة تصح في البيع، مثلا إذا كانت السلعة معروف ثمنها، الثوب معروف ثمنه، فأتيت مثلا بعشرة، ودفعتها للبائع، ودفع لك الثوب، ما تكلم واحد منكما بكلمة، صح البيع بالمعاطاة.
ولكن لا يصح النكاح بالمعاطاة، فلا يصح أن تدفع له -مثلا- المهر ويدفع لك الزوجة بدون كلام، لا يصح إلا بهذا الكلام، ولا يصح أيضا إلا بشروطه كما سيأتي.
شروط النكاح
ننتقل إلى الشروط.
الشروط: جمع شرط، يذكرون أنه في اللغة: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: "إذا عدمت الشروط عدم المشروط" ولكن إذا اجتمعت الشروط لم يوجد المشروط، تجتمع الشروط ويتخلف المشروط، فهاهنا الشروط في النكاح هي لوازم النكاح، التي لا يتم إلا بها، وهي -أيضا- شروط للعقد.
شروط العقد أربعة:
الأول: تعيين الزوجين.
والثاني: رضاهما.
والثالث: الولي.
والرابع: الشهود.
هذه شروط النكاح، إذا تخلف واحد منهم لا يصح النكاح.
الشرط الأول: التعيين.
ومعناه: أن يُسميَ الزوجَ أو يُعيَّن، وكذلك الزوجة، فلا يقول مثلا: زوجتك أحد بناتي، وله خمس أو عشر، لا يصح؛ لأنه قد يختار من لا ترضى أو من لا تصلح له، أو يختار الولي له من لا تناسبه، فلا بد أن يعينها.
فإن قال مثلا: زوجتك ابنتي فلانة، وسماها صحَّ، إذا تعينت أو كان له ابنتان وقال: زوجتك ابنتي الكبرى أو الصغرى أو الوسطى إذا كان له ثلاث صح ذلك؛ ذلك لأن هذا الوصف يحصل به التعيين.
لو لم يكن له إلا ابنة واحدة وقال: زوجتك ابنتي صح ذلك، وأما إذا كان ليس أبا فلا بد أن يسميها، إذا قال: زوجتك أختي، فلا بد من تسميتها، أو زوجتك ابنة أخي فلا بد أن يسميها، حتى تتعين؛ لأن الجهالة يحصل معها الغرر، ويحصل معها عدم المقصود.
كذلك -أيضا- تعيين الزوج الرجل، فإذا قال: زوجت أحد ولديك ابنتي، أو أحد أبنائك، وله عدة أبناء لا يصح، أو جاء إليه اثنان وقال: زوجت أحدكما ابنتي فلانة، أحدكما لا يصح؛ لأنه لا يعرف أيهما هو الزوج، فلا بد أن يخاطبه ويقول: يا فلان زوجتك ابنتي فلانة، أو يكون الخطاب له، وهو معروف ماثل بين يديه، فيقول: زوجتك ابنتي فلانة، هذا معنى التعيين، تعيين الزوجين.
يتبع...........................>
نائب المشرف العام
07-04-2009, 00:45
الشرط الثاني: الرضا.
لا شك أن الرضا معتبر، وقد تقدم أيضا أنه شرط في البيع، ودليله قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وقوله: تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ فإذا كان شرطا في البيع مع أنه تمليك مال فلا بد -أيضا- أن يكون شرطا في النكاح، فلا يصح إكراه أحدهما على النكاح وهو لا يريده.
فلا يصح أن يكره الرجل على امرأة لا يرغبها، وتنفر نفسه منها، إما لسوء خلق أو لقبح مظهر أو دمامة أو عيب، أو كبر أو صغر أو جهل، أو نحو ذلك، فإذا أكره وهو غير مقتنع لم يكن موافقا، ولم يعش عيشة طيبة، ويؤدي ذلك إلى الفراق بسرعة؛ فلذلك لا بد أن يكون موافقا راضيا.
وهكذا الزوجة، الزوجة -أيضا- لا بد من رضاها، ورضاها أهم، وما ذاك إلا أن الغالب أن الزوج هو المتقدم بالخطبة، وهو الطالب، في الغالب أنه لا يقدم إلا بعدما يتأكد من الصلاحية، أما الزوجة فإنها قد تكون جاهلة بذلك الزوج، وقد تكون أيضا كارهة له، وربما كارهة للنكاح كليا؛ فلذلك لا بد من رضاها.
وقد جاءت في السنة باشتراط الرضا، ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر وثبت أيضا أن جارية زوجها أبوها بغير رضاها، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وفي حديث آخر: جاءت ابنةٌ بِكرٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت يا رسول الله: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملا فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيرها فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة أو كما في الحديث، فدل ذلك على أنه يشترط رضاها.
في حديث عبد الله بن عمر أنه خطب ابنة خاله -خاله قدامة كان قد مات، ولما مات كان له ابنة فخطبها إلى أمها وإليها، فعند ذلك وافقت وعقدوا له- ثم إنه جاءهم أيضا المغيرة بن شعبة، ورغب لهم في المال فجاء عمها واشتكى، قال: يا رسول الله! إنها جاهلة، وإنها تزوجت وأنا غير راض، وأنا أولى بها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنها يتيمة، وإن اليتيمة لا تزوج إلا بإذنها، وبإذن وليها، ففسخ نكاحها من عبد الله -وهي ابنة خاله- وزوجوها المغيرة فدل على أن ذلك شرط، أنها لا تزوج إلا برضاها، وبعد مشاورتها، ثم لا بد أن يسمى لها الرجل، حتى تعرفه يقينا حتى تتمثل له، فيسمى، وإذا كانت جاهلة فلها أن تسأل، وكذلك أيضا لا بد أنها تسأل عن نسبه، وعن حرفته، وعن كفاءته، ومقدرته المالية ونحوها، فإذا اقتنعت بذلك كله حصل التزويج، أما إذا لم تقتنع فلا يجوز.
الفقهاء استثنوا الأب، يقولون: إن الأب يجوز له أن يزوج الصغيرة بدون إذنها، وله -أيضا- أن يزوج ابنه الصغير إذا رأى في ذلك مصلحة، لماذا يزوج ابنته بدون رضاها إذا كانت صغيرة ؟
الغالب أن الأب يكون معه شفقة، ويكون معه حنو على ولده، ذكر أو أنثى، فلا يقدم على تزويجه إلا لمصلحة ظاهرة يراها، فأباحوا له أن يزوج ولده -ذكرا أو أنثى- إذا كان صغيرا.
والغالب أن الصغير -سواء رجل أو امرأة- لا يكون عنده تفكير، ولا يكون عنده معرفة، فإذا كان الزوج راضيا، إذا كان الولي الأب راضيا بهذا الزوج الغالب أنه يكون كفؤا وأهلا أن يزوج.
ومع ذلك فالصحيح أنه ليس على إطلاقه، فقد يكون كثير من الآباء عندهم جشع، فيزوج غير الكفء لأجل المال، إذا جاءه إنسان عنده مال، ورغبه في كثرة العطاء، فقد يزوجه بغير رضا المرأة، المرأة هي التي تتألم، وهي التي تتعذب؛ لأنها تلازم ذلك الزوج طوال حياتها، فإذا لم يكن أهلا في دينه وفي خلقه فإنها هي التي ينالها الأذى، فلا بد من رضاها.
كثيرا ما تشتكي الإناث، تذكر أن أباها أكرهها؛ لأجل أن ذلك الزوج عنده مال، ودفع لهما دفعا كثيرا، فتألمت الزوجة وتعذبت وبقيت حسيرة سجينة، تذكر أنه يتركها في المنزل ويذهب مع رفقته، ولا يأتي إلا في الساعة الثالثة ليلا، وربما لا يأتي إلا بعد الفجر، وإذا جاء طرح نفسه على الفراش، وهي في طوال ليلها ساهرة تنتظر، أو كذلك يأتي إلى بيته بأصدقائه أولئك الفاسدين، فيشرب معهم المسكر، ويسهرون طوال ليلهم على غناء وزمر ومفاسد، فتكون هي المعذبة؛ لذلك لا بد أنها تكون راضية، حتى ولو كانت صغيرة، إذا كانت مميزة عاقلة.
والأولى أيضا عدم تزويج الصغيرة، التي دون العاشرة؛ وذلك لأنها لم يكن عندها تفكير، يمكن إذا كان الأب ناصحا، وخاف أن هذا الزوج يفوت عليه أن يزوجها، ويكون ذلك أيضا موقوفا على رضاها بعدما تميز.
كذلك أيضا استثنوا المعتوه، ولو كان بالغا، أي ضعيف العقل الذي ما عنده تمييز، ولا عنده معرفة، سواء ذكر أو أنثى، فإذا رأى وليه المصلحة في تزويجه فإن له أن يزوجه، ولو بغير رضاه، رجل أو امرأة، فكثير من النساء تكون مخبلة ضعيفة العقل، أو معها مس أو نحوه، ولا تمييز لها، فلا بد أنه ينظر لها المصلحة، فإذا جاءه من يخطبها ولو كبيرا، ولو فقيرا، رأى في المصلحة تزويجها، فله ذلك؛ لأنه ليس لها اختيار، سواء عن نقص العقل أو فقده، وهو الجنون، معتوهة أو مجنونة، يزوجها بغير اختيارها؛ لأنه ليس لها اختيار.
كذلك أيضا استثنوا الثيب التي لها دون تسع، وإن كان ذلك -أيضا- نادرا، فلو قدر أن رجلا زوج ابنته، وهي بنت ثمان، ودخل بها زوجها ووطئها، ثم طلقها وأصبحت ثيبا، وعمرها دون التسع، فلأبيها أن يزوجها؛ وذلك لعدم تمييزها، ولعدم معرفتها بما هو الأصلح.
ذكرنا أن الأولى عدم تزويجها حتى ترشد، حتى تختار، وكذلك أيضا البكر جعلوا له تزويجها مطلقا؛ وذلك لأن الأب كما ذكروا أحنى على أولاده وأشفق عليهم، فلا يزوج إلا باختيار وبحرص، فجعلوا البكر ولو كان عمرها عشرين أبوها أحق بها، يعني يزوجها بدون اختيارها، وبدون أخذ رأيها، هكذا قالوا.
وقد ذكرنا الأدلة على أنها تختار، وأنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها لعموم الأدلة لا تنكح البكر حتى تستأذن وهذا عام سواء أكان الأب أم غيره.
فالفقهاء اختاروا أن الأب له خصوصية، وألحقوا به -أيضا- وصيه إذا أوصى إلى إنسان، ذلك الوصي عدل، وموثوق فجعلوا الوصي
يقوم مقام الأب في كونه يزوج الصغير ويزوج المعتوه -ولو كان بالغا- بدون رضاه، ويزوج المجنونة، ويزوج الثيب التي دون تسع، ويزوج البكر مطلقا ولو كانت ابنة عشرين، الأب ووصيه يزوجون هؤلاء بدون الرضى، والقول الثاني -وهو الصحيح سيما في هذه الأزمنة-: أنه لا بد من الرضى لهؤلاء مطلقا.
استثنوا أيضا السيد، يعني معناه إذا كان إنسان عنده مماليك: إماء وعبيد، فيزوج إماءه بدون رضاهن؛ وذلك لأن المصلحة له، فهو الذي يأخذ المهر، وأولادها يكونوا مماليك له -عبيدا- فله أن يكرهها، وأن يجبرها على أن تتزوج بمن يريد.
فله أن يكرهها، وأن يجبرها على أن تتزوج بمن يريد، ولعل الأرجح عدم جواز ذلك؛ لما فيه من التعذيب حسيا ومعنويا.
وكذلك -أيضا- عبده الصغير، ليس له إكراهه على أن يتزوج إلا برضاه؛ لأن ذلك يخضع لشهوته ونفسه وميلها.
لما ذكروا الأب ووصيه والسيد قالوا: لا يزوج بقية الأولياء صغيرة بحال، الأخ وابن الأخ والعم، وابن العم والجد، والابن وابنه لا يزوجون الصغيرة بحال، لا بد أنهم يتركونها حتى تبلغ وترشد، ولا يزوجون بنت تسع إلا بإذنها سواء أكانت بكرا أو ثيبا، إذا بلغت التسع، ولو كانت ثيبا.
ثم ذكروا كيف يعرف إذنها؟ ورد في الحديث: رضا البكر صماتها وسئل: إن البكر قد تُستأذن فتستحيي؟ فقال: إذنها سكوتها فإذا سكتت فإن ذلك دليل على الرضى، أما إذا نطقت وقالت: لا أريده فإن ذلك لا يجوز إجبارها، وإذا تجرأت ونطقت وقالت: زوجوه -ولو كانت بكرا- جاز ذلك، يعني: بطريق الأولى، إذا كان رضاها السكوت فالنطق دليل الرضا -أيضا-.
وأما الثيب فلا يُكتفى بالسكوت، لا بد أنها تنطق وتتكلم صريحا بأنها قد رضيت، أو زوجوه أو قبلته، أو ما أشبه ذلك.
أما الشرط الثالث: الولي.
والولي هو ولي المرأة الذي يتولى العقد لها واشتراطه قول الجمهور، ووردت الأحاديث كثيرة، منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا نكاح إلا بولي وهو حديث مشهور، رواه نحو خمسة من الصحابة أو أكثر.
وورد -أيضا- حديث: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها وهذا هو قول الجمهور، واستدلوا -أيضا- بقوله تعالى: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فدل على أن الولي هو الذي يمنع المرأة، العضل: المنع أي: لا تمنعوهن من نكاح أزواجهن، أي من الزواج.
ذهب الأحناف إلى أنه يصح للمرأة أن تزوج نفسها، وعللوا بأنها أملك لنفسها، وإذا كانت تملك نفسها فإنها تزوج نفسها، أملك بنفسها، وهي -أيضا- تملك أمتها، فلها أن تزوج أمتها، أدلة الحنفية تعليلات، وقد استدلوا بظاهر قوله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ولكن لا دلالة في الآية؛ لأن المراد بـ تَنْكِحَ أي: أن يطأها الزوج، والحاصل أن جمهور الأمة على أنه لا بد من الولي في العقد، وأن من تزوجت فنكاحها باطل ورد ذلك في حديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له .
وقد أخذ الحنفية من بعض هذه الكلمات، مثل قوله: الثيب أحق بنفسها من وليها فجعلوا هذا دليلا على أنها تزوج نفسها، ولكن ليس هذا بصحيح، وإنما المراد أنها أحق بنفسها أي: لا يكرهها، ولا يزوجها إلا بعدما يأخذ رضاها، إذا عرفنا أن الولي شرط من شروط النكاح، فماذا يشترط في الولي ؟
شروط الولي:
ذكر أنه يشترط له هذه الشروط: -
ذكر خمسة شروط:
الشرط الأول: التكليف.
والثاني: الذكورية.
والثالث: الحرية.
والرابع: الرشد.
والخامس: اتفاق الدين.
والسادس: العدالة.
نائب المشرف العام
07-04-2009, 00:47
ستة شروط، ويمكن أن تكون سبعة فإن التكليف يتضمن شرطين:
فيكون الشرط الأول: البلوغ، فلا يزوجُ صغيرٌ دون البلوغ، وذلك لنقص معرفته؛ لأنه ناقص المعرفة لنفسه فلا يكون عارفا بغيره أو بمن هو ولي عليه.
الشرط الثاني: العقل، ناقص العقل والمخبل والمجنون ليس أهلا أن يزوج؛ وذلك لعدم أهليته، ولعدم تفكيره.
الشرط الثالث: الذكورة، فلا تزوج المرأة، ذكرنا الحديث: لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها وحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل .
الرابع: الحرية، فالمملوك لا يزوج نفسه ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر أي: زان، فإذا كان لا يقدر أن يزوج نفسه فكذا لا يزوج بنته، ولو كانت حرة.
الخامس: الرشد.
الرشد هو: الصلاح وضده: السفه، فإذا كان سفيها مغفلا لم يكن أهلا أن يزوج، ورد في الحديث: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل فاشترط فيه أن يكون مرشدا يعني رشيدا غير سفيه، ولا ضعيف التفكير.
الشرط السادس: اتفاق الدين، فلا يزوج الكافر مسلمة؛ الإسلام فرق بينهما، قال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فلا بد أن يكون متفق الدين.
الشرط السابع: العدالة ولو ظاهرا.
العدالة: كونه عدلا، فيخرج ما إذا كان فاسقا معلنا الفسوق، أما إذا كان ظاهره العدالة فإنه يزوج.
استثنوا السلطان، إذا كان السلطان ولي من لا ولي له، واستثنوا السيد، ولو كان فاسقا؛ لأنه ولي مواليه، ثم ترتيب الأولياء، يقدم الأب وجوبا؛ وذلك لأنه أولى بابنته، ثم وصيه إذا مات، وكان قد وصى، ووكل فوصيه يقدم على غيره، ثم الجد لأب ثم أبوه، وإن علا فهو أقدم من الأخوة، ثم الابن، يعني ابن المرأة يزوجها، ثم ابن الابن وإن نزل، يزوج جدته -مثلا-، ثم بعد ذلك بقية العصبة على ترتيب الميراث.
فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب ثم ابناهما، وإن نزل ثم العم الشقيق ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب، على ترتيب الميراث كما تقدم، ثم إذا انقطع العصبة فهل يزوج ذوي الأرحام كالخال والأخ من الأم وابن الأخت؟ الصحيح أنهم لا يزوجون.
المولى أقرب منهم، المولى المعتق يزوج، فإذا عدم فأقرب عصبته نسبا ابنه، ثم أبوه، ثم إخوته على ترتيب الميراث ثم مولاه، يعني عتيقه، ثم إذا انقطعوا فالسلطان السلطان ولي من لا ولي له إذا عضل الأقرب، أو لم يكن أهلا، أو كان مسافرا فوق مسافة قصر، زوج حرة أبعد وأمة حاكم.
فإذا عضل، العضل المذكور في قوله تعالى: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ إذا عضلها ومنعها، حتى ولو كان أباها، فإنه يزوج من هو أبعد منه، إذا اشتكت واشتكى أقاربها أنه منعها وعضلها، كذلك إذا لم يكن أهلا، إذا كان سفيها أو فاسقا، أو مخبلا، زوج الأبعد، كذلك إذا كان غائبا مسافة لا تقطع إلا بمشقة زوج الأبعد.
في هذه الأزمنة المسافات تقاربت فليس هناك مكان بعيد ولو كان خارج المملكة، لكن إذا شق عليه الحضور أمكنه أن يوكل، ولو هاتفيا.
شهادة رجلين مكلفين عدلين
ورد في الحديث الذي ذكرنا لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل . الله -تعالى- أمر بالإشهاد عند البيع وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فكذلك بطريق الأولى النكاح، الشاهدان يشهدان على العقد على قول الولي زوجتك، وعلى قول الزوج قبلت، ولا بد -أيضا- أن يكونا رجلين، فلا يصح شهادة النساء، ولو كن أربعا أو خمسا أو عشرا، وكذلك لا يصح بشهادة رجل وامرأتين، شهادة النساء إنما تكون في المال.
ولا بد -أيضا- أن يكونا مكلفين، فلا تصح شهادة ضعيف العقل، أو مخبل أو مجنون أو صغير، لا بد أن يكون مكلفا، أي الشاهد، ولا بد أن يكونا عدلين، فلا تصح شهادة الفاسق، ناقص العدالة.
العدالة ضدها: الفسوق، ثم العدالة يكتفى بها، ولو كانت عدالة في الظاهر، ولا بد أن يكونا سامعين ناطقين، يعني يسمعان الكلام وينطقان؛ وذلك لأنهما قد يطلب حضورهما.
فاشتراط الشهادة هو قول الجمهور، وخالف المالكية واكتفوا بالإعلان وقالوا: إذا أعلن النكاح اكتُفِيَ بذلك، ولو لم يكن هناك شهود، والجمهور على أنه لا بد من الشهود للحديث الذي ذكرنا.
وأما الكفاءة فجعلها بعضهم شرطا للزومه، فقالوا: يحرم تزويجها بغيره أي بغير الكفء إلا برضاها، وفسر المعلق الكفاءة بأنها: المساواة.
المساواة: وهي معتبرة بخمسة أشياء: -
الديانة والصناعة والميسرة والحرية والنسب، وفيها كلام طويل -يعني في الكفاءة- وبالأخص في النسب، يعني ورد فيها بعض الأدلة، حيث إن هناك من يجعل الموالي ليسوا أكفاء للعرب، وبعضهم يتسامحوا في ذلك، وأما في الصناعة فإذا كانت صناعته رديئة، ولم يخبرهم بأنه حداد -مثلا- أو دباغ أو حائك أو حجام، أو ما أشبه ذلك، فيمكن أن يجعل لهم الخيار، أن يكون لهم الخيار.
وأما الديانة: فهي شرط لما ذكرنا، وكذلك الميسرة أن يقدر على النفقة على زوجته، وكذلك الحرية إذا تبين أنه مملوك فإن ذلك عيب، فهذه تمام الشروط في النكاح، والله أعلم.

عاشقة البحر الأسود @aaashk_albhr_alasod
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

&الرهيبه&
•
جزاك الله خيراً
الصفحة الأخيرة