

مملكتكِ .. مسكنكِ .. منزلكِ الهادئ ..
كم تعانين .. لـ جعله مقراً للراحة و الهدوء ..
كم تتعبين .. و أنتِ تزيينينهُ و تجملينهُ ..
كم تتضايقين .. و أنتِ ترين ورقة مرمية هنا و أخرى هناك ..
كم تنزعجين .. عندما يرفض من يعيشون معكِ مساعدتكِ على جعلهِ جنة ..
و كم تنفعلين .. عندما لا يستمعون توجيهاتكِ .. و يخبرونكِ بـ أنكِ صارمة و متشددة ..
و كم تتألمين .. و هم يتهمونك بـ عدم الانصاف و التحيز لـ شخص دون الآخر ..
و كم مرة وقفتِ تتسألين .. الحقُ مع من .. و من المقصر .. هم أم أنا .. ؟
هم يريدون المرح و اللعب .. هم يريدون الترفيه و التسلية ..
هم يريدون أن توسعي لهم المكان .. و تجعليهِ حكراً لهم ..
هم يرفضون القوانين الصارمة .. هم يرفضون القوانين الجديدة ..
هم يرون أنكِ لا تعطينهم ما يستحقونه .. و لا تراعين حقوقهم ..
هم يرون عيوبكِ .. و يجلسون يعددونها .. و يتناسون تعبكِ و جهدكِ ..
و أنتِ ترين أنكِ منصفة عادلة .. و تتمنين أن يكونوا منصفين في حقكِ ..
و لا يرمون التهم جزافاً .. و لا يتقاعسون عن مساعدتكِ ..
و مع كل ذلك التعب و العناء .. لا تتوانين عن تقديم الأفضل ..
بل تسعين بـ كل جهد و طاقة لـ تقديم الراحة و السعادة لهم ..

هذا حال من تملك مملكة واحدة .. فـ كيف حال من يملك مملكات عدة ..
كيف حال ولاة أمرنا .. و هم يحكمون على مملكة واسعة مترامية الاطرفاء ..
كيف حال ولاة أمرنا .. و هم يواجهون فئات متعددة .. لـ شعب واحـــد ..
كيف حال ولاة أمرنا .. و هم يعالجون قضايا متعددة و مختلفة ..
كيف حال ولاة أمرنا .. و هم يضعون قوانين لـ أنظمة مختلفة ..
سواء أنظمة الأمن أو الصحة أو التعليم أو .. أو .. ألخ ..

هم يبذلون جهدهم .. و طاقاتهم .. و وقتهم .. ولا يقصرون ..
و لكن هل تريدون منهم فقط البذل و العطاء ..
هل تريدون منهم الكمال و هو ليس لـ أحداً من البشر ..
يدٌ واحدة لا تصفق .. على كل فردٍ أن يطبق و يعمل و يقدم ..
على الطالب أن يؤدي مسؤوليته .. و المعلم كذلك .. و على أفراد الأسرة ..
و كل شخصٍ .. كبيراً كان أم صغيراً .. عائلاً كان أم معولاً ..
و كل إناء بـ ما فيه ينضح ..
إذا خرجت العيوب و الأخطاء فـ منكم و إليكم هي .. و من صنع يديكم ..
لا تقولوا القرارات هم من وضعوهم .. لا تقولوا القرارات لا تغني و لا تسمن ..
القرارات و الأنظمة بشرية .. تحتمل الصواب و الخطأ .. و التقصير و الخلل فيها وارد ..
ألزموا أنفسكم و ألتزموا .. و لا تتخالفوا فـ تنهزموا ..

القناعة كنز لا يفنى .. لا يفنى ابد الدهر .. لكن من يقنع .. من يشكر و يحمد ..
من يبحث عن عيوب نفسه .. و يغض الطرف عن عيوب الأخرين ..
لو كل واحدٍ .. ألزم نفسهُ بـ عيوبه .. و ألتزم بـ ما عليه .. لـ صلح وانصلح حال الكثيرين ..

احمدوا الله على النعم و أشكروهـ عليها .. حتى لا تزول عنكم ..
و تصبحوا في حالٍ لا يعلم بها إلا الله ..
و تذكروا قوله تعالى .. و أجعلوه نصب أعينكم ..
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }
فـ طاعتهم واجبة ما لا لم يأمروا بـ معصية ..

سؤال : هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر وما منهج السلف في نصح الولاة ؟
الجواب : ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر , لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف
ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع , ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان , والكتابة إليه أو الإتصال بالعلماء الذين يتصلون به
حتى يوجه إلى الخير , وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر أن فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم , ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه
قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ( ألا تكلم عثمان ؟) فقال ( إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم
إني لأكلمه فيما بيني وبينه دون أن افتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه ) .
ولما فتحوا الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم
حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية , وقتل عثمان بأسباب ذلك , وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علنا
حتى أبغض الناس ولي أمرهم وقتلوه , نسأل الله العافية .
ابن باز رحمه الله تعالى