في أوروبا.. القرآن أكثر الكتب مبيعا

ملتقى الإيمان




لم يمض على وقوع أحداث 11 أيلول - التي تعتبر نقطة تحول في تاريخ الإنسانية- سوى خمسة أشهر، حتى بدأت تظهر آثارها السياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع الأوروبي بوضوح.


وبينما حاولت بعض الأوساط في بداية الأمر استغلال الأحداث لتشويه صورة الإسلام والعرب، بدت على الساحة انعكاسات غير متوقعة؛ إذ احتل الإسلام المركز الأول في قائمة الأديان التي يرغب الإنسان الأوروبي في التعرف على حقيقتها.
ويمكننا القول بأنه في الوقت الذي كان الإسلام يذكر إلى جانب الإرهاب والفقر والتخلف في الغرب، حصل المثقف المسلم على فرصة ذهبية للتعبير عن نفسه وشرح هويته. وأهم مؤشر على رغبة الأوروبيين في التعرف على الإسلام هو الارتفاع القياسي في عدد بيع المصاحف الشريفة.

وقد بات مستحيلاً إحصاء أعداد المصاحف التي تم بيعها في معظم دول أوروبية؛ وعلى رأسهم هولندا وفرنسا. ولجأت قنوات تلفزيونية كثيرة إلى إعداد برامج وثائقية تتناول التعريف بالإسلام، كما ظلت الأفكار التي طرحها المفكرون الإسلاميون في القنوات التلفزيونية تناقش لأيام طويلة.

وفي هذا الوقت بالذات أصبح المجتمع الأوروبي يناقش حدود مفهوم الحرية إلى جانب الإسلام وعلاقته بالإرهاب. ومع أننا لا نعرف مدى صحة تصريحات أسامة بن لادن حينما قال في لقاء خفي بأن عدد المعتنقين للإسلام ازداد ضعفين عما كان عليه قبل الهجمات.. فإن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن حب الإسلام في البلاد الغربية أخذ يتزايد بشكل ملحوظ بالقدر الذي ازداد فيه العداء له.

ردود فعل سلبية ضد الإسلام بعد الهجمات قبل وقوع الهجمات، كان الاعتقاد السائد في أوروبا أنه قد تم قطع مسافات واسعة في مجال تقارب القوميات والأديان المختلفة. غير أن أحداث 11 أيلول أثبتت أن الصورة التي توضع مثالاً لتآلف الثقافات المتعددة ما هي إلا صورة ظاهرية، ليس لها من القوة ما يحفظها من التفكك في أول اختبار جاد. إذ لأول مرة وبعد سنوات طويلة، شهدت البلاد الأوروبية عمليات العداء والانتهاك ضد الأجانب حيث تعرض الملتحون من المسلمين والمتحجبات إلى اعتداءات كثيرة. وطولب المسلمون بكتابة خطابات تتضمن الاعتذار من الغرب بسبب الإرهاب الإسلامي على حد تعبيرهم. ووصل الأمر إلى الحد الذي أصبحنا نقرأ في بعض الصحف الأوروبية إعلانات تقول: عليكم أن تقبلوا أن الإسلام دين يضم مجموعات إرهابية كما فيه قابلية لتنشئة إرهابيين.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل ومنعت المتحجبات من ركوب الترام ووسائل المواصلات العامة. واضطر بعض المسلمين إلى حلق لحيتهم تجنبا للأذى المتوقع، كما واجه الأطفال المسلمون صعوبات في التعبير عن هويتهم. في البداية، أثار تكرار بث صور اصطدام الطائرات لمبنى مركز التجارة العالمي ردود فعل الشعوب الأوروبية ضد المسلمين. وتبع ذلك صور الأفغان السيئة وهم يصلون بالأسلحة الرشاشة، الأمر الذي أنزل ضربة كبيرة على صورة الشخصية المسلمة في الغرب. وعقب ذلك، لم تنقطع الصحف والقنوات التلفزيونية من نشر صور الثورة الإيرانية والشارع الإيراني. وأخذت المقالات والتقارير التي تصور بشكل تراجيدي قتل الفلسطينيين للإسرائيليين تنشر بكثرة مذهلة.

تحول عداء الإسلام إلى عنصرية لعبت النشاطات المعادية للإسلام دوراً كبيراً في إثارة المصادمات ما بين الأعراق والأديان المختلفة.

في هولندا كان عضو الحزب الليبرالي شريبي يقول - مع أنه مغربي الأصل-: انفوا هؤلاء المغربيين إلى صحرائهم . وعلى الرغم من عدم وجود أي علاقة لهذا الرجل بالإسلام من قريب أو بعيد، بل رغم معاداته للإسلام والمسلمين، فلم يرشحه الحزب للبرلمان في انتخابات عام 2002، وتمت تنحيته من الحزب رغم عضويته البرلمانية التي تعود إلى عشرة أعوام. وكان العامل الرئيسي في اتخاذ هذا الموقف الحازم من الرجل، هو علاقته بالمغرب وإن كانت علاقة عكسية.

ومثال آخر على الموقف نفسه، عدم ترشيح أورخان بيرقدار التركي الأصل لعضوية مجلس بلدية روتردام الهولندية لوجود صلة بينه وبين صحارى تركيا على حد تعبيرهم، علماً بأن الرجل كان لادينيا.

والمعروف عن الموظفين المسلمين أنهم يولون وظيفتهم اهتماماً كبيراً بسبب كونهم من الأقليات، ورغم ذلك باتت تناقش نسبتهم في الحكومات الأوروبية وتطرح تساؤلات حول خطورتهم على الأمن الداخلي، مع أن عدد الموظفين المسلمين الرسميين في أوروبا لا يزيد على خمسة بالمائة . وما جرى في بعض الدول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا كان يذكر - رغم مرور سنوات طويلة- بأيام مرحلة الحرب الباردة. وقد استغل بعض السياسيين الموقف لمصالحهم السياسية.. فبرز زعيم حزب نيدرلند في هولندا بشعار: أكبر عدونا بعد الحرب الباردة هو الإسلام، فلقي إقبالاً كبيراً بين الشعب رغم أن عمر الحزب لم يكن يزيد على ثلاثة أشهر فقط. ويقول المراقبون بأن الحزب قد ضمن من الآن عشرين مقعداً في البرلمان الهولندي الذي يتكون من مائة وخمسين مقعداً بفضل توجهاته ومقولاته العنصرية المعادية للإسلام.

الرغبة في تعلم الإسلام كانت السمة البارزة للمجتمع الغربي عقب أحداث 11 أيلول هي إظهار العداء للإسلام والمسلمين. غير أن قاعدة في علم الاجتماع تقول بأن الأحداث الاجتماعية لا تتمخض عن نتيجة واحدة. ومن ثم وجدنا من ناحية أخرى وبصورة عجيبة أن الحديث عن محاسن الإسلام وهويته الحقيقية أصبح موضوع الساعة في كل من الولايات المتحدة وأمريكا اليوم . ولأول مرة، تمكن الأوربي العادي من التعرف على المثقف المسلم، بينما كان المتبادر إلى ذهنه- قبل ذلك الوقت- عند ذكر كلمة الإسلام هو الفقر والتخلف والإرهاب. وعندما سمع الأوروبيون تصريحات المثقفين المسلمين -التي تؤكد أن الإسلام دين السلام - ورأوا ثقافتهم الواسعة، تحيروا وأبرزوا ضرورة مناقشة صورة الإسلام المحفورة في عقولهم من جديد. وفي هذا الإطار، قامت صحف كثيرة بإعداد تحقيقات وتقارير مفصلة عن الإسلام، بالإضافة إلى قيام صحف أخرى ( تتكون من خمس عشرة صفحة مثلاً ) بتخصيص خمس من صفحاتها أحيانا لمفهوم الإسلام ونظرته إلى بعض المواضيع الرئيسية، وأكبر دليل على تزايد الاهتمام بفهم الإسلام هو البيع القياسي للمصاحف القرآنية. وتأتي الدول التي تتميز بتعدد الثقافات -مثل السويد وسويسرا وهولندا وبلجيكا وبريطانيا- على رأس قائمة البلاد التي يحتل القرآن الكريم فيها المركز الأول دائما بين قوائم أكثر الكتب مبيعا. كما تم إعداد محاضرات تحت اسم تينغ تانك تناقش العلاقة بين الإسلام والإرهاب، وتهدف إلى فهم التفاسير المختلفة للإسلام في العواصم والمدن الكبرى. وخصصت أكبر صالات الاجتماع لها لكثرة إقبال الناس إليها. وقد كان اهتمام الجماهير للمحاضرة التي أعدت في 12 ديسمبر كبيرا، ونشرت الصحافة ملاحظات إيجابية عن الآراء التي طرحها المشاركون في المحاضرة. وبثت شبكة ARTE TV وهي شبكة ألمانية- فرنسية برنامجا وثائقيا يتحدث عن حياة وشخصية نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) قبل أسبوعين، بينما كان من المقرر أن يذاع البرنامج بعد سنتين. والعامل الرئيسي في تقديم تاريخ بث البرنامج يرجع بلا شك إلى رغبة الناس في تعلم الإسلام في أعقاب أحداث 11 سبتمبر. وقد تم إذاعة البرنامج ثلاثة أيام على التوالي - في أكثر الساعات مشاهدة- محققاً رقماً قياسياً في نسبة المشاهدة. ويقول علاء الدين أردل ( العضو التركي الأصل في مجلس بلدية روتردام ) بأنه من الصعب جداً وضع تعريف محدود لأوروبا ما بعد 11 أيلول؛ إذ إن الصحفيين الذين كانوا يبحثون عنا فيما مضى للتحدث عن شؤون الإدارة المحلية يبحثون عنا اليوم للحصول على معلومات حول ما يعنيه مفهوم الإسلام والترك والعرب. وعندما يرون موقفنا المسالم تأخذهم الحيرة، وكلما أثبتنا لهم أن مفهومي الإسلام والإرهاب شيئان متناقضان يزيد تعجبهم، وهذا يعود بلا شك إلى قلة علمهم عن الإسلام.

الاهتمام بالمدارس الإسلامية قد تكون صورة الإسلام في ذاكرة المواطن الأوروبي العادي سلبية، ولكن على المستوى الحكومي تقدم الدول الأوروبية تسهيلات كبيرة لمن يعتنقون الإسلام كدين لهم.

ففي هولندا -التي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة- يوجد 33 مدرسة إسلامية تقدم تعليماً على المستوى الابتدائي والإعدادي. هذه المدارس، التي تعرضت لردود فعل سلبية بعد أحداث 11 أيلول مباشرة، تلقى اهتماماً كبيراً اليوم. يلخص مسعود ديشلي ( المسؤول عن المدارس الإسلامية في هولندا ) الصورة اليوم فيقول: لم نكن نتوقع أن نلقى هذا الاهتمام الكبير، ويضيف: لقد تم تأسيس المدارس الإسلامية قبل 13 عاما، وكان تلاميذها من أبناء المسلمين على الأغلب. أما اليوم فقد زاد اهتمام كثير من غير المسلمين بها. نحن نقدم المادة التعليمية العامة بالإضافة إلى مواد دينية معينة. والعائلات التي ترسل أبناءها إلى مدارسنا تطلب منا أن نزيد من عدد المواد الدينية.

أما عن ملاحظات غير المسلمين حول المدارس الإسلامية - بعد زيارتها ورؤيتها عن قرب- فيقول مسعود ديشلي: مدارسنا على مستوى عال من الحداثة من حيث الإمكانيات وأسلوب التعليم. وعندما يرى الأجانب هذه الصورة يتعجبون؛ لأن الصورة التي كانت في عقولهم مختلفة. ويؤكد ديشلي قائلا: في الماضي كان الغرب يستغل بعض العمليات التي يقوم بها بعض المسلمين لتشويه صورة الإسلام، وبالفعل تنطبع تلك الصورة المشوهة في العقول. لكن الأمر في أحداث 11 أيلول مختلف تماماً؛ إذ ظهرت عقب إثارة صورة سيئة عن الإسلام أوساط تفتش عن حقيقة الإسلام؛ فكان لذلك تداعيات إيجابية، حتى أننا عندما نرى كثرة الناس - الذين يطلبون منا كتباً دينية تتحدث عن الإسلام- يأخذنا العجب .

أما علاء الدين أردل ( العضو التركي في مجلس بلدية روتردام الهولندية ) فيقول: لقد مر المثقفون المسلمون في هذه المرحلة باختبار صعب جداً. ولأول مرة استطاعوا أن يستغلوا فرصة استعمال حق الجواب أفضل استغلال. قد لا تصدق إذا قلت لك بأن كثيرين من الأوروبيين تعلموا لأول مرة بأن هناك مسلمين ينتمون إلى جنسية غير عربية.

الجهل بالإسلام من أهم أسباب معاداة الشعب الأوروبي للإسلام . أوروبا تنتقد نفسها لم تقتصر تداعيات أحداث 11 أيلول على قضية معاداة الإسلام أو الميل نحو الإسلام. إنما بدأت أوروبا تسائل نفسها عن نفسها، وتنتقد بعض مواقفها بعد تلك الأحداث. فالمعروف عن البلاد الأوربية أنها تعلن نفسها الحامي للحريات البشرية إلى أبعد حدود.

وقد قوبل أحد علماء الإسلام في أوروبا- إثر تصريحه بأن اللواط شذوذ ومرض نفسي- بانتقادات حادة. أما اليوم، فيتحدث الناس عن احتمال صحة ذلك البيان؛ وأنهم ظلموا العالم المسلم بتوجيه سهام الانتقادات المريرة إليه. كما يناقشون مدى صحة منح الحرية للفتيات البالغات 13-14 من العمر لبيع أجسادهن وآثار ذلك على المجتمع. وفي هولندا - التي تدافع عن منح أقصى حدود الحرية- لم تقتصر الدعوة إلى التمسك بالقيم الدينية على الديمقراطيين المسيحيين، بل تعدى ذلك إلى الليبراليين والديموقراطيين اليساريين. واستطاعت أحداث 11 أيلول أن تجمع بين الديمقراطيين وجماعة الخضر -القطبين المتناقضين- ليناقشوا الحريات المفيدة والمضرة للمجتمع. وخلال مناقشات مفهوم الحرية، عادوا - ولأول مرة بعد وقت طويل- إلى الحديث عن مفهوم الأسرة وأهمية الحفاظ عليها. وفي بعض البلاد الأوروبية، التي تركز على الهوية الوطنية، مثل ألمانيا، وفرنسا والدانمارك أخذ يُروج مفهوم الإسلام الأوروبي.

هذا المفهوم الذي تم تطويره من أجل الوقوف دون مطالب المواطنين الأتراك والمغاربة والتونسيين لمنحهم صفة الأقلية الوطنية يعرف في هولندا بـ الإسلام الهولندي.

وإثر وقوع أحداث 11 أيلول، اتجهت الحكومة الهولندية إلى إنشاء مساجد عديدة وتعيين أئمة قد تلقوا تعليماً دينياً جيداً. كما تفرض الحكومة على الأئمة تعلم اللغة الهولندية، وتدعم مشروع إقامة التفسير المسالم للإسلام في المجتمع الهولندي.

وبينما تتزايد الكراهية للإسلام والأقليات المسلمة، تتجه الحكومات الأوروبية إلى تغيير معنى كلمة التركي والعربي لقطع الطريق أمام إثارة الاضطرابات داخل حدودها. فكلمة الترك مثلاً تعني في قاموس الأوروبيين الغليظ، السيئ، الجاهل.... في محاولة لتلخيص مستقبل الصورة الإسلامية التي تتراوح بين الكراهية والحب في أوربا، يقول علاء الدين أردل: كانت صورة الإسلام سيئة جداً.

ولكن بعد إعداد وبث برامج إيجابية عنه- لبضع أسابيع- بدأت تلك الصورة تتغير. لذلك يمكننا القول بأن مستقبل الإسلام في أوروبا يتعلق بالجهود التي سيقدمها المثقف المسلم لتعريف حقيقة الإسلام. يعيش 15 مليون مسلم في أوروبا.. وأوربا ألفت الأقوال المعادية للإسلام.. وما يهمها ويهمنا اليوم أن تسمع أقوالا تمدح الإسلام....

نقلا عن موقع إسلام أون لاين
0
526

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️