
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
**
أسعد الله تلك الأفئدة المثقلة في العناء .. و أزاح عنها ما تكبدته من همومٍ و بلاء ..
قضية كبيرة نتنازع فيها الحلاوة و الطعم اللذان كنا نظنهما مركن السعادة و مكمنها ..
قطرات نتجرعها بسرعة لعلنا نسقي أرواحنا المتعطشة لـ ذرة سـعــــادة ..
و قطرات أخرى أكبر منها .. و ما زلنا لم نكتفي .. بل بـ المزيد نرغب و نشتهي ..
و لم نشعر بحلاوة ما تذوقناه .. و لا طعم لِما احسسناه .. قد ينقصنا شيء ..
و لكننا ما زلنا نبحث عن مليون شيء و شيء ..أحلام كثيرة .. حقنناها ..
تذوقنا حلاوتها .. و من حلم إلى آخر .. و ما زلنا غارقين في بحور الأحلام ..
و أمنيات تبلورت على أرض الواقع و أضحت في حياتنا لها مكان ..
و كم ظننا بتحققها سنحصل على الراحة التي ننشدها و نبغيها ..
**
ماذا نريد .. و إلى أين نود أن نصل .. و كم عدد السنين التي حسبنا فيها أحلاماً لم تولد ..
تمر السنين .. تتحرك الحياة .. و تجري الأيــام .. و نحن فيها منغمسون .. بل منخدعون ..
و بالتحديد تمضي و نحن منحبسون في قفص الأحلام .. و من قفص إلى قفص نغلقه و نغلق أنفسنا بداخله ..
أصعب ما على النفس .. أن تجعل لها إطاراً واحداً تعيش فيه .. تُصوب نظرها بإتجاه واحد وداخل نطاق واحد ..
و تظن أنها تعيش لأجل أن تحقق هذا الحلم .. و لن تشعر بـ طعم الحياة إن لم يكن هذا الحلم واقعاً مرئياً أمام ناظريها ..
و أن تحقق تُخرجه سريعاً من دائرة اهتمامها و تفكيرها .. لـ تلتفت إلى حلمٍ جديدٍ و أمنية جديدة ..
تُـهــمـــل ما تملكته بعد تعب مع الأماني و الأحلام و الطموح .. فتجد ذاك الحلم قد علاه التجاهل و النسيان ..
و بات في مرمى بعيدٍ عن الأعين و الأنظار .. و بعيداً و وحيداً في زوايا الإهمال .. وقد أصبح غيره مكان الإهتمام ..
**
بداية .. ليس في الأحلام ثمة مشكلة ..ولا في العيش من أجل تحقيقها .. و لكن المشكلة في أننا لا نجد طعم السعادة إلا بها ..
المشكلة أن تنحصر اللذة في شيءٍ واحد .. والأدهى أن يكون الإحساس بوجود ذواتنا على قيد الحياة هو في تحقيق حلم ..
فنظرات البؤس و الحزن تملأ العيون .. وعلامات الضيق و التذمر تعتلي الوجوه ..و إحساس بـ القهر و الفشل و الهزيمة غالباً ينتابنا ..
كل ذلك لأننا توقفنا عند نقطة .. ما عبرنا من خلالها .. ولا حاولنا تجاوزها .. أو حاولنا العيش بدون وجودها .. فهي مجرد نقطة ..
نقطة في سنين العمر التي تمضي سراعاً و نحن لا نشعر بها .. نقطة تُـوقفنا إن لم نمتلكها .. وتنسينا أهمية وجودنا الحقيقي ..
في الحقيقة أننا لا نبصر المشكلة الآن .. و لا نراها إلا متأخرين و ربما قد مضى علينا من السنين الكثير و الكثير ..
نجد أننا نجري خلف أشياء .. ليست هي نهاية ما يصبو إليه كل عاقل .. و الأصعب أننا في كل مرة ندور في حلقة مفرغة ..
فكلما حقننا شيئاً أو تملكناه .. نمل منه و نذهب لآخر غيره .. و يضيع من بين أيدينا كثير من الممتلكات الرائعة و الجميلة ..
التي كثيرون غيرنا يتمنوا و لو بعضاً منها .. و نحن نفرط فيها بكل سهولة و نتنازل عنها لما سواها ولربما كانت هي الأهم ..
الممتلكات هذه عديدة لا حصر لها .. فكم منا من تمنت زوجاً و طفلاً و رزقت بهما ثم انشغلت عنهما .. ولم تؤدي شكر نعمتها ..
كم منا من تمنت وظيفة فاهملتها .. و كم منا من تمنت بيتاً أو شهادة أو علماً أو مالاً و لم تدرك قيمتهم ..و قيمة ما أنعمه الله عليها ..
كم من تمنت صحة و عافية فبعد أن رُزقت بهما .. و نست من أنعم و تفضل بها عليها .. نست لحظات الألم و أنات المرض .. وليالي الآه..
كم من تمنت و تمنت .. ثم أين هي من أمانيها عندما تحققت .. كيف رعتها و صانتها .. كيف حافظت عليها لتدوم و تبقى جميلة كما هي ..
بل كيف حمدت من وهبها لها .. و كيف شكرته و أطاعته سبحانه على ما أنعم به عليها و تفضل .. أليس بالشكر تدوم النعم ..!!
**
أحبتي ..
جميلٌ أن نحلم و نطمح و نسعى جاهدين لأن نطور من أنفسنا .. و نغير و نتغير نحو الأفضل و نسعى لأن نحلق في سماء الإبداع ..
لكن لا ننسى ما حققناه و ما بذلناه .. لا ننسى النعم التي بين أيدينا .. نطمح بـ المزيد نعم .. و نسعى لها و للخير دائماً ..
و لكن لا يُزغ الشيطان على أعيننا و يعمينا و يجعلنا نرى أننا ما تملكنا خيراً قط .. ولا تذوقنا سعادة ولا هناء أبداً ..
بل لنقشع عن أنفسنا الأحزان المزيفة .. و الدموع الكاذبة .. و المواجع الميتة .. و اللحظات الكئيبة..
وفقط لنرى حياتنا بـ صورتها الحقيقية الصادقة .. و نرى اللحظات الجميلة .. و الأحلام الواقعة ..
لا نقف عند من يقلبون المواجع .. و ينثرون الرماد على سماءِ صحونا لتخلو من صفــاءهــــا ..
أن ضاع منكِ حلم .. و أن أُنتزعت منكِ أمنية .. و أن فارقتكِ بسمة أمل .. فـ ستعود لكِ كما غابت ..
و لكن لا تقفي و تنتظريها .. لا تقفي على مقابر الأحزان في كل ثانية .. و تنقبي ما قد مات و دفن ..
هناك حتماً طريق آخر ..و حلم آخر .. بل و حــيــاة كاملة .. تنتظركِ بقوتكِ و ضعفكِ لتعيشيها بسلام ..
وتأملي أُخيتي هذا الحديث .. و لـ تحمدي الله على الخيرِ الذي أنتِ فيه .. قال صلى الله عليه و سلم ..
{ من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها }
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزيتي الجنان,, ورضى الرحمن