"ظلم يرتكب بحق شخص واحد هو خطر على الجميع"- حكمة لاتينية -
أكدت دراسة شملت (11) ألف أسرة سعودية قامت بها لجنة بحثية وطنية برئاسة الباحث "د. توفيق خوجه" (استشاري طب الأسرة والمجتمع) أن نصف شعب المملكة العربية السعودية دون سن الخامسة عشرة.
ويؤكد الدكتور "سليمان الشهري" مدير عام الخدمات الطبية بشؤون تعليم البنات أن عدد المراهقين في المملكة يبلغ حوالي(4) ملايين نسمة باعتبار أن سكان المملكة حاليا يبلغ تعدادهم حوالي (16) مليون نسمة.
هل يزعجكم الاعتراف باهمالنا لهذه الفئة؟
هل يؤلمكم أن نتحدث عن مراهقين في المنازل يمارسون الانحراف ولا نفعل شيئا حتى يتحولوا إلى مؤسسات علاجية أو يظلوا في انحرافهم بل ويكونّون أسرا غير سليمة؟
المراهق المنحرف قبل أن يكون نزيل دار الملاحظة او الأحداث قد كان طفلا وبدأ تشكيل صورته الانحرافية في المنزل...
أما كان أجدى بالأسرة أن تعترف بوجود الابن المنحرف وتسير في طريق العلاج، ولكن تسير إلى أين وهل توجد لدينا مؤسسات اجتماعية تأخذ بيد الأسرة قبل ان يتحول المراهق الى متمرس في طريق الانحراف؟
مدخل:
يقول "د. يوسف إدريس" في جريدة الأهرام (1977/6/3): "يُخيل أننا في بلادنا العربية أكثر الشعوب جهلا في مواجهة هذه الثورة.. ثورة الشباب، لم ندرك أنها ليست مسألة هيّنة.. نسميها مشاكل المراهقة، وما هي بمشاكل، وما هي بمراهقة، وإنما هي ثورة ميلاد".
في كل بيت يوجد مراهق وتوجد أم تشتكي وأب يتذمر.
والمراهق الذي انحرف لم يولد منحرفا بل دفعته الأسرة الى الانحراف بشكل غير مباشر فهي القالب الاول لتشكيل شخصيته، مشكلتنا مع المراهقين أننا بعد لم نفهم خطورة هذه المرحلة ودورها في رسم حياة المرء المستقبلية وتثبيت قناعاته ومرجعياته الثقافية وسيرد في هذه المقالة إحصاءات عن دار الملاحظة تعمدت إيرادها لرؤية الصورة بشكل مستقبلي فمصير المراهق المنحرف مؤسسة الأحداث أو السجن او العيش كفرد غير سوي ضمن سياق المجتمع.
مشكلة المراهق في صراعه الداخلي حول جسده المتغير وأفكاره التي تتحول وسلطة المؤسسات من حوله كالأسرة والمدرسة.
هل نظلم المراهقين في أسرنا لأننا ندفن رؤوسنا مثل النعام ولا نعترف أنا صنعنا هذا المنحرف؟
من هو المراهق المنحرف:
وفق تعريف منظمة الصحة العالمية "المراهقون هم الفئة الذين تتراوح أعمارهم بين (10- 19) سنة"، وحسب الدراسات العلمية فإن المنحرفين يتشابهون في العمر والمستوى المادي والتعليمي وطبيعة الانحراف المنحرف وسنذكر بعض الخصائص باحصاءات من دور الملاحظة ذكرها الاستاذ "خالد الجريسي" في بحثه حول "انحراف الشباب".
1- العمر:
ذكر "عبد الله السدحان" في كتابه "رعاية الأحداث المنحرفين في المملكة" ان أكثر من (95%) من الأحداث المنحرفين المودعين بدار الملاحظة الاجتماعية يعيشون فترة المراهقة إذ تتراوح أعمار (60%) منهم بين (16-18) سنة بينما (35%) منهم تتراوح أعمارهم بين (13-16) سنة.
2- المستوى التعليمي:
يشير "السدحان" إلى أن الأحداث المودعين بدار الملاحظة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية مستواهم التعليمي متدن فالذين يدرسون في المرحلة الثانوية لا تتجاوز نسبتهم (10%) منهم، رغم أن مستوياتهم العمرية تهيئهم للمرحلة الثانوية.
وتزيد نسبة من يدرس بالمرحلة الابتدائية عن (35%) بل يوجد قرابة ( 5%) منهم أميون لا يعرفون القراءة أو الكتابة. ويوجد قرابة (25%) من الشباب المودعين بدور الملاحظة الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية كانوا منقطعين عن الدراسة حين ارتكابهم للسلوك الانحرافي وقبل دخولهم الدار.
3- طبيعة الانحراف:
يؤكد "السدحان" أن السرقة هي الجنحة الأولى في قائمة الجنح التي ارتكبها الشباب المنحرفون بالمملكة وذلك بنسبة (35%) تقريباً، يلي ذلك في قائمة الانحرافات المضاربات والاعتداء على الآخرين بنسبة لا تقل عن (20%) ثم يلي ذلك الانحرافات الأخلاقية بنسبة تصل إلى (15%) ثم تتسلسل بقية الجنح مثل المخالفات المرورية والهروب من المنزل وقضايا المخدرات.
4- البيئة السكنية:
يلاحظ على الشباب المنحرفين ارتفاع نسبة سكناهم في الأحياء الشعبية بينما تقل نسبة سكنهم في الأحياء الراقية فلا تتجاوز نسبة من يسكن في الأحياء الراقية (10%) من مجموع الأحداث المنحرفين لدينا.
تاريخ الاهتمام بالمراهقين:
بدا الاهتمام بصحة المراهقين حين أنشئت في امريكا عيادات خاصة بالمراهقين، وتكونت جمعية لطب المراهقين عام 1986م التي اصدرت مجلة الرعاية الصحية للمراهقين، وأنشئت في بريطانيا جمعية المهنيين لخدمة المراهقين التي تنشر مجلة المراهقين.
وقد أنشئ قسم خاص لصحة المراهقين في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، وفي الدول العربية تم مؤخرا تأسيس الجمعية المصرية لعلم المراهقة، وهي أول جمعية في مصر تعمل في الأنشطة الثقافية والعلمية والدينية المتعلقة بالمراهقين، وتهدف إلى الارتقاء بالدراسات والبحوث العلمية في المجالات الطبية والنفسية والدينية والتربوية للمراهقين.
هنا اقترح الدكتور سليمان بن ناصر الشهري إنشاء لجنة مشتركة لتوحيد الجهود في مجال صحة المراهقين واستحداث تخصص لطب المراهقين في كليات الطب مما يعنى عدم وجود ذلك لدينا!!
مشكلة عنوانها مراهق:
تعاني بعض الأسر من وجود مشاكل يرتكبها المراهق، هنا سوف نستعرض بعضها والاكثر انتشارا في مجتمعنا وللاسف انها تبقى دون علاج حتى يتحول المراهق الى مجرم صغير:
1- العزوف عن الدراسة:
في دراسة للأستاذ "عبد الله السدحان" حول مشكلة قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث أثبت فيها أن نسبة (37%) من الأحداث الجانحين غير منتظمين في دراستهم، بل أن (12%) منهم يتغيبون كثيراً عن الدراسة.
والسؤال أين دور الأسرة والمدرسة في حل مشكلة التغيب عن المدرسة والتي تتحول فيما بعد إلى انقطاع وعزوف؟
2- المعاكسات:
وهي مشكلة يتورط فيها البنات ويمارسها الشباب بنسبة اكثر من البنات ولكنها يمكن ان تدمر مستقبل الاثنين معا.
وهناك اسر تعلم أن ابنها الشاب يزعج الأسر بالمعاكسات الهاتفية ولكنها لا تحرك ساكنا بينما تقلب الدنيا على شاب يتحرش هاتفيا بأي فتاة من الأسرة!!
3- المخالفات المرورية:
برأيي أن المخالفات المرورية دليل على استهتار المراهق فهو يتعمد مخالفة الانظمة والقوانين وايذاء الآخرين وهي تتمثل في قطع الإشارات والسرعة الزائدة والتفحيط وسط الطرقات، وكشفت دراسة أجرتها جامعة الملك عبدالعزيز بجدة على "15" مدرسة ثانوية بأن 70% من طلاب المرحلة الثانوية يقودون السيارات وتزيد النسبة على 50% من الحوادث التي يتسببون فيها نتيجة التفحيط والسرعة غير النظامية كما كشفت الدراسة ان نسبة تزيد على 16% من السائقين يقودون سياراتهم دون الحصول على رخصة قيادة.
4- التدخين وتعاطي المخدرات:
تقول الدكتورة "فاطمة الحيدر" الاستاذ المساعد بكلية الطب واستشارية الطب النفسي والمراهقين بمستشفى الملك خالد الجامعي (يعتبر التدخين للسجائر اكثر انتشارا بين المراهقين و حوالي 70% من المدخنين بدأ وا قبل سن 18، ويمثل التدخين السبب في خمس حالات الوفيات في الكبار مستقبلا، أما عن المخدرات ففي المملكة تزداد نسبة استخدام النيكوتين والمنبهات والمذيبات الطيارة "الغراء والباتكس" التي يدمن عليها صغار السن "طلاب المتوسطة" منخفضو الذكاء. وهي متوفرة، يسهل الحصول عليها).
وبالرغم من عدم وجود احصاءات لدينا عن نسبة ادمان المراهقين الا ان المؤشرات تدل على وجود فئة ليست بسيطة تعاني وقد تم افتتاح عيادة خاصة للمراهقين بمستشفى الامل للتعامل مع تلك الحالات.
كما أن الأستاذ "سهيل البنا" مدير مستشفى الأمل بجدة يشير إلى أن (أكثر فئة مدمنة ومستهدفة هم الشباب من سن 12سنة إلى سن 35سنة، وطلاب المدارس هم ضمن هذه الأعمار وأكثر الرواد في المستشفى هم من هذه الفئة وبنسبة 90%).
5-العنف والعدائية:
وهي مشكلة تعاني منها الأسرة وتدفع المراهق الى ايذاء نفسه احيانا فضلا عن ايذاء الآخرين وهناك العديد من المشكلات السلوكية كالتخريب والسرقة التي لا يمكن ما لم تعالج ان تضمن مستقبلا سليما للمراهق.
لماذا ينحرفون؟
مهما وجدت عوامل قوية في حياة المراهق تدفعه الى الانحراف فان الأسرة هي اول نقطة في سطر كتابه لكننا هنا سنجمل العوامل كالتالي:
1- الأسرة:
لقد أثبتت العديد من الدراسات أن أكثر الجانحين ينتمون إلى أسر مفككة و لاحظ الاستاذ "مندل القباع " من خلال خبرته في ميدان (الاحداث) لدينا أن (75%) من حالات الإيداع المؤسسي هم سليلو اسر مفككة، وهؤلاء الأطفال الذين ينشأون في هذا المناخ ينطوون في سلوكهم على انحراف كامن حين يجد الفرصة سانحة في أي زمان أو مكان عبر عن نفسه وصار سلوكاً ممارساً ملموساً في تصرفات حياتية.
2- المدرسة:
وتكون سببا في الانحراف حين تتخلى عن دورها التربوي وفي دراسة للنغيمشي عام 1415ه على عينة من (1560) طالباً وطالبة في المدارس الثانوية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية (اتضح أن المراهقين في عمر ( 16- 17- 18) سنة يعزفون عن استشارة أساتذتهم والاسترشاد بهم).
لم تعد المدرسة اليوم مكملاً لدور الأسرة أو حتى معدلاً له، هل تغير المعلم ام تغير الطلاب؟!!
3- الأصدقاء:
في الدراسة التي أجراها "الشامري" عام 1409ه على دار الملاحظة في الرياض ظهر أن الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة الآخرين كما دلت الدراسة على وجود علاقة بين جماعة الرفاق وانحراف الأحداث.
وفي الدراسة التي أجراها "المطلق" عام 1409ه على دار الملاحظة بالقصيم ظهر أن نسبة (73%) من الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة آخرين.
4- وقت الفراغ:
أظهرت دراسة "السدحان" عام 1415ه علاقة عكسية بين كمية وسائل الترفيه المتوفرة والانحراف. ومن المؤسف أن البعض يعتقد أن وسائل الترفيه مفسدة للمراهقين مع انهم يحتاجون إليها كثيرا.
وفي دراسة لإبراهيم قنديل في كتابه "الأوقات الحرة لدى الشباب السعودي" (أن ,847% من الأحداث الأسوياء يتلقون توجيهاً من آبائهم نحو كيفية قضاء وقت الفراغ في حين لا تصل النسبة إلا إلى ,727% في الأحداث المنحرفين، ونلاحظ هنا دور الأسرة وتوجيه الآباء للمراهق حول استثمار وقت الفراغ).
5- ثقافة الفضائيات:
أصدرت منظمة اليونسكو تقريراً عن خطورة برامج الإعلام على الشباب حيث اعتبرت المنظمة أفلام العصابات تؤدي إلى اضطرابات أخلاقية تكمن وراء الجرائم المختلفة.
وقد أشار أحد الأحداث المنحرفين من الذين أجرى عليهم "السدحان" دراسته المشار إليها سابقا إلى أن سبب دخوله دار الملاحظة هو محاولة تقليد بعض الأفلام والسؤال كيف يمكن لنا أن نكون كآباء رقباء عادلين في زمن انتشار الفضائيات!!
الدين كضابط:
يقول لويس التاسع عشر بعد رجوعه من حملته الثانية لمصر- رجوعه الفاشل- "إنكم إذا أردتم السيطرة على المسلمين فعليكم ألا تستخدموا المدافع والرشاشات والقنابل فذلك لا يؤثر فيهم وقد رأيتم واقع الحال ولكن سيطروا عليهم في عقائدهم بما ليس فيها حتى تستطيعوا أن تسيطروا عليهم". ومن المؤسف أن البعض من شبابنا لم يعد يهتم بعمود الدين "الصلاة" وقد وزع الأستاذ عبدالعزيز المسعود معلم العلوم الشرعية في المتوسطة الأولى استبانة على الطلاب لمعرفة التزامهم باداء الصلاة حيث ظهر ان ما نسبته 25% محافظون على الصلاة، و 40% يصلون احيانا واحيانا لا يصلون، وأما 60% من الطلاب فهم لا يصلون البتة.
صرح "كنيدي" الرئيس الأمريكي الأسبق سنة 1962"أن مستقبل أمريكا في خطر، لأن شبابها مائع غارق في الشهوات وأنه من بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الجسمية والنفسية".
وصرح "خروشوف" في نفس العام بأن مستقبل روسيا في خطر وأن شباب روسيا لا يؤتمن على مستقبلها لأنه منحل ومائع وغارق في الشهوات.
والقضية ليست سهلة فالدين مؤسس لشخصية الإنسان ومن أقوى عوامل الضبط في المجتمع وعلى الأسرة مسئولية غرس القيم الدينية منذ الطفولة قبل تدخل المؤسسات الاخرى كالمدرسة والمسجد والاعلام.
لاعبءه سبعًا:
(في دراسة متخصصة قامت بها ال (اٌََّّّ) المدرسة المتخصصة للدراسات الاجتماعية في الولايات المتحدة على حوالي 400طفل، بداية من كونهم في سن رياض الأطفال وحتى وصولهم سن 24على لقاءات مختلفة، اشتملت على حوار مع مربيهم من مدرسين وآباء؛ لتجميع كل ما يلزم عن ظروف النشأة والضغوط والمشاكل، كانت نتيجة الدراسة أن المراهقين في الأسرة المتماسكة التي يحظى أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية - هم الأقل ضغوطًا، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشئونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضه للاكتئاب والضغوط النفسية) إذن بمثل ما ابتدأت اختم بان الأسرة هي الحضن الأهم لاحتضان مراهق منحرف حتما سيكون مصيره مؤسسة الأحداث فان سلم فالسجن مستقبلا في انتظاره.
وحينما أتحدث عن ضرورة وعي الأسرة الفت النظر إلى عدم وجود حلول تقدمها الوزارة المعنية لدينا بشئون المجتمع لأسرة لديها مشاكل مع المراهقين.. أتحدث هنا عن الدور الوقائي وليس العلاجي الذي تقاتل الوزارة لإتقانه مشكورة ولا أتحدث عن مراكز استشارية للطب النفسي بدأت تظهر حديثا لدينا.... نريد ان يكون في كل وحدة صحية في الحي وحدة نفسية اجتماعية تلجأ اليها الأسرة دون تحرج للنقاش حول مشكلات مراهقيها ووضع الحلول لها.كم من مراهق دخل مؤسسة الأحداث وقد كان بالإمكان ألا يخضع لهذه التجربة لو أن أسرته وجدت مؤسسة اهتمت بوضع برنامج لتعديل سلوكه!
ناهد باشطح
منقول للفائدة من جريدة الرياض
أم ردينا @am_rdyna
المميزة بالواحة العلمية لشهر ذو القعدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
هلا اختي ام ردينا مشاركة اكثر من رائعه والله يكفي اخوانا وشبابنا وشاباتنا شر الانحراف
جزاك الله خير