في ذكراك لن ننساك شيخينا.. يا شيخ الأحرار ياأحمد يس

الملتقى العام



أحمد يس ارفع الراس ...غزه صارت كلها حماس

خمسة أعوام مضت على استشهاده، إلا أن صدى كلماته لا تزال تصدح في أرجاء ومختلف بقاع العالم، وكأنه لا يزال على قيد الحياة، فقد كان المؤسس لإحدى أكبر الحركات الإسلامية في القرن العشرين، وهي التي تقف هذه الأيام في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط، إلا أن هذه القوة التي أسست غصبا على تراب فلسطين الطاهر، لم تنتظر كثيرا على الشيخ المقعد أحمد ياسين وقررت أن تكون نهايته شهادة في سبيل، بعد أن فشلت عن ثنيه عن منهاجه بالاعتقالات والإبعاد والتهديد، وكانت شهادته على غير ما أرادت (إسرائيل) بأن زادت شعبية وتأييد الحركة التي أسسها ليس فقط في فلسطين، وإنما في كل أرجاء العالم.

نشأة الشيخ

حينما كان الشيخ أحمد ياسين في العاشرة من عمره كان البريطانيون يجلبون الصهاينة من كل أصقاع الأرض ليؤسسوا لهم دولة على أرض فلسطين، وكان مولد الشيخ ياسين في العام 1938 في قرية "الجورة" قضاء مدينة "عسقلان" المحتلة.

ومع حلول النكبة في العام 1948م هاجر مع أسرته الفقيرة من مدينة عسقلان إلى قطاع غزة، ولم يمكث طويلاً حتى تعرض عام 1952 لحادث وهو يمارس الرياضة على شاطئ غزة، وهو ما أدى إلى شلل شبة كامل في جسده تطور لاحقاً إلى شلل كامل.

الشلل الذي أصاب الشيخ لم يثنه عن مواصلـة تعليمه وصولاً إلى العمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس وكالة الغوث في قطاع غزة في تلك الأوقات، حيث كان المد القومى قد بلغ مداه.

ونتيجة لنشاطه الإسلامي الكبير في تلك الفترة، قامت السلطات المصرية التي كانت تشرف على غزة باعتقال الشيخ بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

وعندما كان رجالات الجماعة في قطاع غزة يغادرون القطاع هرباً من بطش "جمال عبد الناصر" كان للشيخ أحمد رأى آخر، فقد قال:" إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة والجهاد".

مرافق داخل المعتقل

وبعد خمسة أعوام يستذكر المحيطون وأصدقاء الشيخ أحمد أخلاقه وأفعاله بكل تفاصيلها، وقد كانت أوقات كبيرة للمهندس فريد زيادة من نابلس بصحبة الشيخ الذي تمنى أن يقضي معه أوقاتا طويلة ليتعرف عليه عن قرب، وإن كانت هذه الأوقات التي أمضاها داخل معتقلات العدو الصهيوني، وتحديدا في معتقل "كفار يونا" الذي كان يقبع فيه الشيخ في العام 1994م.

ويفخر المهندس زيادة بعد هذه الأعوام أنه كان من خدم الشيخ خلال تلك المدة في داخل معتقله، ويقول:" بدأت الحكاية عندما فتح الباب أمام أسرى حماس لتقديم طلبات للانتقال إلى سجن كفار يونا -حيث كان يحتجز الشيخ- فقد كانت تلك فرصتي للتعرف على هذه المعجزة الإيمانية عن قرب، فسارعت إلى تقديم طلب للانتقال من سجن نابلس المركزي إلى سجن كفار يونا، حيث يقيم الأستاذ الشهيد".

ويضيف:" كانت المنافسة شديدة جدًّا؛ أحباب الشيخ ومريدوه كثر، وكلهم وجد فيما رأيت فرصة للوصول لرؤية الشيخ القعيد وخدمته".

وأكد زيادة أن حركة حماس في السجون المركزية لدى قوات الاحتلال كانت تفتح باب الترشيح بين أسراها الذين أسرهم حب شيخها لهذا الشرف المضاعف، مضيفا:" فمن ينجح بالوصول للشيخ يحظى بشرف خدمته ورعاية شئونه، ووقوع الاختيار عليه يعكس ثقة تنظيمه به وبقدرته على تحمل صعاب المهام".

وكان سجن كفار يونا مخصصا للأسرى الجنائيين اليهود، وليس فيه من الأسرى الأمنيين العرب إلا غرفة واحدة كان يقيم بها الشيخ ومرافقان له.

وحين بلوغ الشيخ أحمد ياسين العشرين من عمره، بدأ نشاط الشيخ السياسي، وذلك من خلال المشاركة في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر في العام 1956، وخلال هذه الفعاليات أظهر الشيخ ياسين قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، فقد استطاع أن ينشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة، مؤكدا على ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية.

تأسيس حماس..عظمة البناء

وفي العام 1987م اتفق الشيخ أحمد مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على الإعلان عن تأسيس تنظيم إسلامي بغية تحرير فلسطين، حيث أطلقوا عليه اسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وبدأ دور الشيخ في حماس يظهر بشكل فعلي خلال أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت آنذاك واشتهرت باسم "انتفاضة المساجد"، ومنذ ذلك الحين أصبح الشيخ أحمد ياسين بمثابة الزعيم الروحي لحركة حماس.

وكان الشيخ ياسين يرى ضرورة تسليح الشعب الفلسطيني والاعتماد على السواعد الوطنية المتوضئة، وكذلك البعد العربي والإسلامي في تحرير فلسطين، إذ لم يكن يرى من جدوى في الاعتماد على المجتمع الدولي في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.

علاقته بالأنظمة العربية

كان الشيخ أحمد ياسين رحمه الله يهتم في جانب العلاقات الإسلامية، ويتعامل مع المسلمين جميعا كأمة إسلامية واحدة تحمل عقيدة واحدة ورسالة واحدة، ولذلك كان حريصا على حسن معاملة جميع المسلمين وحريصا على التواصل مع جميع أبناء الأمة الإسلامية.

وعن هذه العلاقة يقول الدكتور نسيم ياسين "ابن شقيق الشيخ" والقيادي في حركة "حماس":" كان الشيخ حريصا على التواصل بمن يعرف ومن يستطيع، وعندما سافر إلى مصر لدراسته كان يتواصل مع قادة الإخوان المسلمين، وسافر إلى الحج، فكان قد تواصل مع إخوانه أبناء الحركة الإسلامية في الأردن، ولكن لم يكن لديه اتصال مع القادة السياسيين نظرا للعلاقة التي كانت بين حركة الإخوان وبين قيادة الدول العربية والإسلامية في ذلك اليوم".

ويضيف الدكتور نسيم:" لكن العلاقة تحسنت عندما خرج الشيخ من سجنه عام 1997م عندما حدثت محاولة اغتيال القائد خالد مشعل في الأردن، ونتيجة ذلك حدث تبادل للأسرى، فخرج الشيخ في تلك الصفقة، ومن ثم ذهب إلى الأردن، وهناك زاره الملك حسين والقادة السياسيين في الأردن والرئيس عرفات وغيره من القادة السياسيين وتواصلوا معه".

لا يرد فقيرا أو محتاجا

وعلى صعيد علاقته مع أبناء شعبه وجيرانه، فقد كانت ذات لون خاص من قبل الشيخ المقعد المشلول، فقد كان يشعر على المحتاجين من أبناء شعبه، ويعمل كل ما في وسعه للتخفيف من معاناتهم.

ويقول الشيخ حسن شمعة أحد مؤسسي حركة "حماس" وجار الشيخ أحمد ياسين عن هذه العلاقة:" كان الشيخ يتمتع بشخصية محبوبة من الآخرين، هذا بسبب حسن معاملته وتواضعه، فكانت هذه العلاقة مميزة مع من يعرفه ومن لا يعرفه، حتى أنه كان رحمة الله عليه يحسن مع الآخرين، وكانت له علاقات متميزة في كل من يحتك به وقريبا منه خاصة من جيرانه، وبالتالي فكان ذا شخصية مقبولة من خلال معاملته مع كافة أبناء شعبه".

بدوره، يقول عبد الحميد نجل الشيخ الشهيد:" لم يكن الشيخ يردّ أحداً؛ فكل إنسان يأتيه حتى لو كان يعلم أنه ليس محتاجاً فإنه يعطيه، وقد كان يطلب منا أن نقدر عدد أفراد كل عائلة وحالتها، ونعطيها بناء على ذلك".

ويضيف عبد الحميد بقوله:" كان الفقراء يأتون إليه فيعطيهم حسب المال المتوفر، وكنا أحيانا نقول للفقراء: لا يوجد مال، فيقولون: إذا قال لنا الشيخ ذلك فإننا سنقبل، فنخبره بذلك، فيقول: أخرجوني إليهم، فيقول لهم: صدقوا لو معي مال فلن أترككم تعودون دون أن أعطيكم، ويطلب منا أن نسجل أسماءهم".

اعتقال وملاحقة
وبعد ازدياد أعمال الانتفاضة الأولى" انتفاضة الحجارة"، بدأت سلطات العدو الصهيوني التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فداهمت منزله في شهر أغسطس/ آب في العام 1988م وفتشته وهددته بنفيه إلى لبنان.

وعند ازدياد عمليات قتل الجنود الصهاينة وتصفية العملاء المتعاونين مع المحتل الصهيوني قامت سلطات الاحتلال وتحديدا في اليوم الثامن عشر من مايو/ أيار من العام 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء وكوادر وقيادات حركة "حماس"، وأصدرت محاكم الاحتلال حكما عليه يقضي بسجن ياسين مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى عليه وصدر الحكم في السادس عشر من أكتوبر من العام 1991م، وذلك بدعوى تحريضه على اختطاف وقتل الجنود الصهاينة، وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والتي فتحت صفحة جديدة من تاريخ الجهاد الفلسطيني المشرق.

الإفراج والإقامة الجبرية

وخلال اعتقاله في سجون الاحتلال الصهيوني، حاولت مجموعة مجاهدة تابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" الإفراج عن الشيخ ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنين ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان، فقامت باختطاف جندي صهيوني قرب مدينة القدس المحتلة في الثالث عشر من ديسمبر من العام 1992 وعرضت على الكيان الصهيوني مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، غير أن سلطات الاحتلال رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الصهيونية المهاجمة واستشهاد قائد المجموعة الخاطفة.

تم إطلاق سراح الشيخ ياسين فجر يوم الأربعاء الأول من أكتوبر من العام 1997 وتم إبعاده إلى الأردن بعد ثمانية أعوام ونصف من الاعتقال في سجون الاحتلال، وتم الإفراج عن الشيخ ياسين بتدخل شخصي من العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال.

تدخل الملك الحسين جاءت بعد أن كانت عملية فاشلة قام بها الموساد الصهيوني لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في عاصمة الأردن عمان، حيث أثارت هذه العملية غضب الحسين وطالب بالإفراج عن الشيخ مقابل إطلاق عميلين من الموساد تم توقيفهما في الأردن.

وبسبب اختلاف سياسة الحركة الإسلامية عن السلطة الفلسطينية، كثيراً ما كانت تلجأ الأخيرة للضغط على "حماس"، وتستخدم عددا من الأساليب في هذا السياق، ومن خلال خطواتها هذه فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية.

نال ما كان يتمنى

وبعد أن فشلت قوات الاحتلال في ثنيه عن منهجه وطريقه الذي قرر السير عليه لتغيير الواقع الفلسطيني والإسلامي الصعب، أعلنت مصادر صهيونية في الثالث عشر من يونيو 2003م، أن الشيخ ياسين لا يتمتع بحصانة، وأنه عرضة لأي عمل عسكري صهيوني.

ولم يطل زمن هذا التهديد كثيرا، ففي السادس من شهر سبتمبر من العام 2003م، تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال صهيونية عندما قامت مقاتلات الاحتلال من طراز F/16 بإلقاء قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزّة، وكان الشيخ أحمد ياسين متواجداً في شقّة داخل المبنى المستهدف مع مرافقه إسماعيل هنية، فأصيب ياسين بجروح طفيفة جرّاء القصف، وأعلنت حكومة العدو الصهيوني بعد الغارة الجوية أن الشيخ ياسين كان الهدف الرئيسي من العملية الجوية.

وتم اغتيال الشيخ أحمد ياسين من قبل الاحتلال الصهيوني وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره، وذلك بعد مغادرته مسجد المجمّع الإسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة، وأدائه صلاة الفجر في الثاني والعشرين من شهر مارس من العام 2004م بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك "آرئيل شارون"، وفي هذه العملية قامت مروحيات الأباتشي الصهيونية بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى بيته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه، فاستشهد ياسين في لحظتها وجُرح اثنان من أبناءه في العملية، واستشهد معه سبعة من المواطنين ومن مرافقيه.

حماس على خط الشيخ

وعما كان يمثله الشيخ أحمد ياسين لحركة "حماس" قال النائب الدكتور صلاح البردويل القيادي في الحركة:" إن كل انتصار وكل يوم يمر على هذه الحركة هو ذكرى للشيخ، فالشيخ لا تنحصر ذكراه في الموعد السنوي لاستشهاده، بل إن ذكرى الشيخ في كل يوم وفي كل لحظة تمر، وتشعر الحركة فيها أنها تنجز وتقاوم وتخترق الحواجز السياسية، فهذه ذكريات للشيخ لأنه هو المؤسس.. ويمثل الأساس لهذه الحركة، فهو الشعلة التي انطلقت منها كل فعاليات الحركة".

وأضاف:" الشيخ ليس مجرد ذكرى، وإنما الشيخ هو مؤسس وهو كيان ويسري في عروق كل أبناء الحركة بما تركه من مبادئ وأفكار وروح متوقدة كانت تسري في جسده، ورغم أن هذا الجسد كان مشلولا، إلا أنه كان لديه إرادة وقلب وعقل وضمير وإقدام، وهذا العقل والإقدام والإرادة هي التي تتجسد في كل أبنائه سواء كانوا من العسكريين أو السياسيين أو من الإعلاميين أو الاجتماعيين، ففي كل مجال نجد الشيخ وذكراه، وفي كل يوم نراها ماثلة من خلال ما تقدمه الحركة من انجازات".

وعما إذا كان نهج حماس وخطها قد تغير بعد استشهاد المؤسس الأول للحركة، قال البردويل:" إن كانت تغيرت حماس بعد استشهاد الشيخ فقد تغيرت إلى الأحسن، فمفهوم التغير والتغيير إما إلى الأسوأ وإما إلى الأحسن، فإذا كانت تغيرت فقد تغيرت إلى الأحسن؛ لأنها استفادت من كل ثقل الشيخ ومن تاريخ ومبادئ الشيخ وبنت عليها، وهي في تقدم كبير جدا وأنجزت إنجازات كبيرة جدا بعد استشهاد الشيخ".
24
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

غزه النشامه
غزه النشامه
رحم الله شهدائنا الأبرار وعلى رأسهم الشيخ المجاهد أحمديس ونسأل الله أن يسكنه فسيح جناته ويتغمده برحمته...
الدانهـ
الدانهـ
قلبتي مواجعي انا تاثرت جداااا باستشهاد الشيخ احمد ياسين رحمه الله ومن بعده الرنتيسي....

الله يرحم الشيخ وشهداء المسلمين...
نسائم الاقصى
نسائم الاقصى
ستظلُّ نجماً في سماءِ جهادنا


يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا



لقد أثمر غِراسك يا شيخنا فابناءك اليوم على أرض غزة قد بددوا أسطورة ( الجيش الذي لا يقهر ) ومرغوا أنفه على أعتاب غزة


اللهم تقبل شيخنا في عداد الشهداء وأجمعنا به في الفردوس الأعلى مع حبيبنا المصطفى
نسائم الاقصى
نسائم الاقصى
ستظلُّ نجماً في سماءِ جهادنا يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا لقد أثمر غِراسك يا شيخنا فابناءك اليوم على أرض غزة قد بددوا أسطورة ( الجيش الذي لا يقهر ) ومرغوا أنفه على أعتاب غزة اللهم تقبل شيخنا في عداد الشهداء وأجمعنا به في الفردوس الأعلى مع حبيبنا المصطفى
ستظلُّ نجماً في سماءِ جهادنا يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا لقد أثمر غِراسك يا شيخنا...
أحمد ياسين ... سلام عليك




د. ممدوح المنير



لا زلت أذكر ليلة استشهاده وكأنها حدثت منذ لحظات، كنت حينها جالسًا مع ثُلِّة من الأصحاب في جلسة سمر يغلب


عليها الترويح عن النفس بعد يوم حافل بالتعب والمشاقِّ، وفجأةً ونحن نضحك إذ بسحابةٍ من الحزن تغيِّم عليَّ، وإذا بي


أصابُ باكتئابٍ شديدٍ ثم تتساقط دموعي رغمًا عني، وسط دهشة الخلان الذي بوغتوا بما لا يتوقَّعون؛ فالجو كان جو


مرح ولم يحدث ما يعكِّر مجرى الحديث، وحاولوا أن يستفسروا مني عن السبب وأنا لا أعرف ماذا أقول لهم؛ فأنا


شخصيًّا لم يكن لديَّ جواب!!.


واحترامًا لحالة الحزن التي طرأت عليَّ انسحب أصدقائي من حولي وتركوني وحيدًا لأنفجر في موجةٍ من البكاء الحاد


الذي لم يتوقَّف حتى مطلع الفجر بعد أن هجرني النوم ثم نزلت لصلاة الفجر وأنا أدعو الله أن يفرِّج عني ما أنا فيه، وبعد


أداء الصلاة بدقائق دقَّ جرس الهاتف وارتفعت معه دقات قلبي وإذا بالخبر ينزل عليَّ كالصاعقة: "استُشهد شيخ


المجاهدين أحمد ياسين بصاروخ مباشر وهو خارج من المسجد عقب أدائه صلاة الفجر" ومادت بي الأرض، وسقطتُ


في بحرٍ من اللوعة والحزن على فراقِ الحبيب الغالي.


أدرك جيدًا أن هذه المشاعر لم تكن حكرًا عليَّ، بل شاركني فيها الملايين في شتى مشارق الأرض ومغاربها.


كان حادث استشهاده- رحمه الله- أقوى من أن يحتمله المرء، لم يكن الشيخ- رحمه الله- مجرد مجاهد رغم علو منزلة


المجاهدين، لم يكن كذلك رمزًا لقضية نبيلة فحسب، بل كان روحًا تسري في الأمة تبعث فيها الحياة من جديد؛ حياة


العزة والكرامة، حياةٌ لا تعرف الانكسار إلا لله، حياة ملأها ألمٌ على واقعنا المرير وأملٌ كبير في مستقبلنا.


عندما تنظر إليه على كرسيه يتحسَّر المرء على حاله.. هذا الشيخ المقعد الضعيف الواهن استطاع رغم عجزه


ومرضه والظروف القاسية التي عاش فيها، استطاع أن يبنيَ هذا الصرح الشامخ (حماس) الذي تتكسَّر الآن على


صخرته مؤامرات وعواصف لولاه- بعد الله عز وجل- لانتهت القضية الفلسطينية منذ أمد بعيد، بينما نحن الأصحَّاء نقف


عاجزين أمام ما يحاك لأمتنا من فتن كقطع الليل المظلم.


قصة حياته- رحمه الله- هي قصة فلسطين باختصار، بل قصة أمة بكاملها.. وُلد عام 1938م في قرية الجورة- قضاء


المجدل جنوبي قطاع غزة، ثم استقرَّ في قطاع غزة مع أسرته بعد نكبة 1948م، وكان عمره حينها 12 عامًا، عانت


أسرته كثيرًا من ألم الجوع والحرمان، فاضْطُرَّ إلى ترك الدراسة لمدة عام ليعيل أسرته المكوَّنة من سبعة أفراد، فعمل


بأحد المطاعم بغزة ثم أكمل دراسته مرةً أخرى حتى أصيب في حادث على أحد شواطئ غزة أثناء ممارسته للرياضة،


وهو لا يزال في مقتبل الشباب نتج عنه شلل كلي في جميع أطرافه، ثم اشتعل بالتدريس بعد تخرُّجه، ثم عمل خطيبًا


ومدرسًا في مساجد غزة حتى أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة؛ لأنه كان لا يخشى في الحق


لومة لائم.


شارك الشيخ الشهيد في المظاهرات التي اندلعت في غزة؛ احتجاجًا على العدوان الثلاثي على مصر، وأظهر قدرات


خطابية وتنظيمية عالية؛ مما وضعه تحت عين المخابرات المصرية في غزة، فتمَّ اعتقاله أكثر من مرة عام 1965م بتهمة


الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، خاصةً أن الحملةَ على إخوان مصر كانت على أشدها في ذلك الوقت.


تمَّ اختيار الشيخ أحمد ياسين في العام 1968م لقيادة الإخوان المسلمين في فلسطين، فأسَّس الجمعية الإسلامية


ثم المجمع الإسلامي، وساهم بشكلٍ كبيرٍ في تأسيس الجامعة الإسلامية.


اعتُقل الشيخ في عام 1983م لحيازة السلاح وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة "إسرائيل" من الوجود،


وقد حُكِم عليه من قِبل محكمة صهيونية بالسجن لمدة 13 عامًا، ثم أُفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادل


للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.


أسَّس الشيخ مع مجموعةٍ من قيادات الإخوان والنشطاء الإسلاميين في فلسطين عام 1987م حركة المقاومة


الإسلامية (حماس) القوة الضاربة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين كما يقول موقع الحركة على الإنترنت، بعد


أن قام سائق شاحنة صهيوني في 6 ديسمبر 1987م بدهس سيارةٍ صغيرةٍ يستقلها عمَّال عرب، فاستشهد أربعة من


أبناء الشعب الفلسطيني، فكان الرد إعلان النفير العام.


وصدر البيان الأول عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يوم الخامس عشر من ديسمبر 1987م إيذانًا ببدء الجهاد


المسلَّح المنظَّم ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم.


داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزل الشيخ أواخر شهر أغسطس 1988، وقامت بتفتيشه وهدَّدته بدفعه من مقعده


المتحرِّك عبر الحدود ونفيه إلى لبنان.


وفي ليلة 18/5/1989م قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة "حماس" في


محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه،


واغتيال العملاء.


في 16/10/1991م أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكمًا بالسجن مدى الحياة مضاف إليه خمسة عشر عامًا على


الشيخ أحمد ياسين بعد أن وجَّهت له لائحة اتهام تتضمن 9 بنود؛ منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة،


وتأسيس حركة "حماس" وجهازيها العسكري والأمني.


في 13/12/1992م قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني وعرضت


المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية


بينهم مرضى ومسنون ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض


وداهمت مكان احتجاز الجندي؛ مما أدَّى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة


الفدائية.


أُفرج عنه فجر يوم الأربعاء 1/10/1997م بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن و"إسرائيل" للإفراج عن الشيخ


مقابل تسليم عميلَين صهيونيين اعتُقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها خالد مشعل رئيس


المكتب السياسي للحركة.


وتستمر رحلة الكفاح الدامي ضد عدو غاشم يملك كل أسباب القوة الغاشمة، وتقف وراءه دول عظمى ولديه في


الداخل الفلسطيني خونة وعملاء يملكون السلطة والنفوذ والفساد الأخلاقي والمالي، ووسط محيط عربي رسمي


خانع وخاضع للحلف الصهيوني الأمريكي حتى تحين لحظة استشهاده لينال أمنية حياته التي طالما انتظرها بعد أن


اطمأنَّ أن هناك خلفه الآلاف من الأبطال الذين يحبون الموت أكثر من حبهم للحياة.


ربما تتشابه مسيرة حياة الشيخ الشهيد مع الكثير من العظماء عبر التاريخ، ولكن ما يميزه عن غيره ويجعله متفردًا في


زمانه أنه بدأ جهاده متجردًا خاشعًا خاضعًا لله، وربما كان هذا السبب الذي من أجله لم تُصَب عنقُه بالشلل حتى


يستطيع أن يتطلَّع باستمرار إلى أعلى.. إلى السماء؛ موطنه الطبيعي ومصدر الشوق المتجدِّد لديه.


إنها سلسةٌ تبدأ بسيد الشهداء سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وتمتد حتى قيام الساعة، ولكن هذه السلسة


بين حلقاتها لآلئ تشع نورًا سرمديًّا يخطف الأبصار ويدهش العقول، وأحسب أنا شيخنا الشهيد إحدى هذه اللآلئ التي


سيظل نورها ينير لنا الدرب.
غزه النشامه
غزه النشامه
مشكوره خيتي نسائم على الاضافات وبارك الله فيكي.
أما أنت خيتي خوله أخت كادي نحن لا نحتفل نفتعل البدع بل نستذكر أناس كان عظماء. كتب عنهم التاريخ فقط