في رحلة " الخبز " قرأت حكاية غزة !!
ميرفت عوف
الساعة الثامنة مساءً ، خرجت أتفقد أمي التي على خوفها المعتاد لم تدخل البيت حتى الآن ، وجدتها في زاوية الشارع تواسي الجارة " أم رائد " التي خرج ابنها منذ الواحدة ظهرا لجلب " ربطة الخبز " دون عودته حتى الآن .
ويقتحم هذا الألم لتلك السيدة دائرة آلامي و تحزنني لهفتها وخوفها الشديدان على ابنها ، فتخرجني الآلام عن الصمت لأطلب منها الخروج للبحث عن الفتى وبلا تردد تقبل الجارة العرض الخطر وأمي على استحياء تصمت عن منعي وأبي لا يجد سبيلا سوى الانصياع لهذا الحل الوحيد .
نسير للمشوار وكل العيون تودعنا وكأننا ذاهبون لعقر دار الموت، ومع الخطوة الأولى بدأت أقرأ هذه الحكاية التي كانت في العيون .. الله أكبر يا غزة ما أصعب ألمك ووجعك ، لا الشوارع تحكي لغة سوى لغة الخوف والرعب ولا بيوتكم تعرف إلا الصمت .
المشي في أرض عتمة لا ضوء واحد يخرج من بيوتها وتغطي سماءها الطائرات بأنواعها وأصوات الضربات تتوالي كانت غير عادية ، تذكرت جمال المكان ورياضية المشي التي فقدتها منذ السبت الماضي، وكنت أنصاع لأوامر هذه الحكاية فكلما اقتربنا من مكان مقصوف أو مهدد بالقصف طلبت من الجارة التوجه لصعيد الآخر وكأنني أنفذ أمور الخوف عند الآخرين .
يا الله " مسجد الشفاء " سوي بالأرض ولا حرمة لبيت الله الكريم عند الصواريخ ، والعمارة المجاورة له لم يرحم الصاروخ جمال بنائها ولا حتى جدار واحد فيها ، حتى مستشفى " الشفاء " صاحب الإنارة الوحيدة في الشارع صامت على جراح مرضاه ، لا نرى إلا سيارات الإسعاف في ذهابها وإيابها وبكاء جراحها المحشور داخل الأجهزة الطبية .
ياه يا شارع النصر " المحفور " منذ سنتين تنتظر الأسمنت لاعمارك لا قدم واحدة تدوس أرضك ولا تبدو بيوتك مسكونة .. وياه يا محالك التجارية غبار القصف أحكم إغلاقها !
سماؤك يا غزة .. صافية ومقمرة وكأنها تريد أن يغطي الجمال الإلهي على الإجرام الصهيوني بكل إصرار ، وتزيد الاتصالات علينا وكأن أنفاس الموت تترقب دقيقة بعد دقيقة أن نكون شهداء في استهداف هذا المقر أو تلك الجمعية ونمشي وتهزنا أصوات الانفجارات فنشعر أنها تعيدنا عشرات الأمتار إلى الوراء .
و تتراجع الخطوات من القلق ورهبة الأجواء وهمنا أن نجد الفتى المصر على جلب الخبز لإخوانه الصغار ، وبحمد الله وجدنا المخبز الوحيد الذي أصر صاحبه على أن يقدم الخبز لأهالي غزة في هذا الوقت المتأخر جداً وهي الثامنة مساءً ، وصلنا المخبز فرأف الشباب الملتحف بالجاكيت بحالنا وطلبنا منا أن ندخل المكان دون انتظار الدور الطويل للمخبز لكن ما جئنا للخبز ، جئنا نبحث عن صغير خرج منذ الواحدة ظهرا لجلب الخبز ، وجدناه وسط الجمع الكبير وخرج وكأنه في عالم آخر يبدو بكل ثقة أنه مستعد للوقوف في البرد والخوف حتى الصباح بدون تردد ، وخرج عتاب أمه الباكية فرد :" كيف أعود للبيت ولا خبز معي " فقالت :" الذين يريدون الطعام ناموا " وكله يهون مقابل سلامتك يا بني "، فيرد بجرأة :" كنت عند مخبز الجلاء فقصف مكان هناك فجئت مشيا إلى هنا " ، وللحكاية ما لا تقرأه سوى العيون ..
عدنا والطائرات تستعد لتنفيذ الغارة التي حددت أهدافها لهذا اليوم العصيب عليك غزة ، وعدنا للفراش والعتمة والهزة القوية التي تحمل البيت وترجعه مع دقات قلوبنا ، وعدت في دقيقة واحدة إلى ذكريات الانتفاضة الأولى عندما كانت أمي ككل الأمهات ترتعب من أي حركة أو مشوار يخرجنا من البيت وسط الحرب وتذكرت حصارها علينا عندما منعت إخراج أي صوت من أفواهنا حتى الصغير الرضيع كانت تكتم صوته وترفض بإصرار عدم إنارة أي شيء خوفا من أن ينجذب جنود الاحتلال لباب بيتنا فيقتحموه .
فروحة كوول @froh_kool
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
حسبي الله ونعم الوكيل
قلبي معهم ووقتي كله لمعرفه اخبارهم
الله ينصرهم يارب