فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

*~ في ظلالِ الجنـــَّـــــــــــــة ~*

الأدب النبطي والفصيح




هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفــــــان
دار السلام وجنة المأوى ومنــزل عسكر الإيمان والقـــرآن
فالدار دار سلامة وخطابهم فيها سلام واسم ذي الغفران


افتتحنا..
على عسجد قوافي تفتقت من أكمام زهور
وحروف مجنحة محلٌقة بين أنوار الجنان ..
لننثر عرفها .. ونسفح ألوانها .. بين طيّات السطور
من نفائس قافية ابن القيم .. طيّب الله ثراه


مطلـــــــع ~
من منا لايشتاق إلى الجنة ؟!
إلى خلود ونعيم وسعادة أبدية وسلام ينسدل على النفس وغبطة تخفق بها الروح ؟!
كلنا نشتاق بعد رحلة الحياة المضنية إلى دار أمانٍ واستقرارٍ و أنسٍ وراحةٍ ونعيم مقيم
والجنة هي المراد ..! ففيها النجاة من الدنيا وما تحويهمن منغصات ومتناقضات
دنيا لايؤمن جانبها... ماأن تلد أيامها الفرح حتى تئد نشوته سنوات الهم والأكدار..
فالسعادة فيها وهم .. والراحة فيها مفقودة .. والاطمئنان إليها خادع..
كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا أدركه لم يجده شيئا ..
( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/ 185 .
والمسلم العاقل المؤمن .. يعي حقيقتها فلا يجعلها همٰه ..
بل يتخذها قنطرة ومعبراً للآخرة..
فيزرع في دنياه مايطيب في دار المقامة جناه ..!
هنا الزرع ... وهناك الحصاد ..
هنا العمل ... وهناك الحساب ... فلننظر مانقدم لأنفسنا..
يقول تعالى :
( وما تُقدّموا لأَنْفسكِم من خيْرٍ تَجدوهُ عنْدَ الله هوَ خيراً وأعْظم أجراً) المزمل 20



الجنـّـــــــــة في اللـــغة :
الجَنَّة في اللغة هي البُسْتان، ومنه الجَنّات، وتصغيرها جنينة، والعرب تسمّي النخيل جَنَّة،
والجَنَّةُ الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص ،
والكلمة مشتقة من جَنَّ أي سَتَرَ وأظْلَمَ وخَفَى. سميت بذلك لسترها الأرض بظلالها.
وقد وردت بهذا المعنى في سورة الكهف مثلا في الآية:
( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ
وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ).

الملائــــــكة وأهل الجنّــــة ~

قال تعالى :
( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر:73
تفتح الجنة ذراعيها للمتقين .. يدخلونها.. يطؤون أديم مسكها مكرمين
تستقبلهم الملائكة .. بالسلام والترحيب والبشاشة ..
وفي طليعتهم رضوان خازن الجنان .. ثم الملائكة الموكلون بنعيم الجنة وأهلها .
قال تعالى :

( وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد 32/22


وعلى أي شيءٍ صبروا فنالوا ؟
على صلاة الفجر ، وعلى قيام الليل ، وعلى صيام التطوع
على النوافل وعلى دوام ذكر الله ... وفعل الطاعات .. وترك المنكرات .
هؤلاء لهم عقبى الدار... جنات عدنٍ..يدخلونها فنعم القرار
في هذه الجنات يأتلف شملهم مع الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .
ويكرمون بتجمع شتاتهم ، وملاقاة أحبابهم ،
وهي لذة أخرى تضاعف لذة الشعور بالجنان .
وفي جو التجمع والتلاقي يشترك الملائكة في التأهيل والتكريم ،
في حركة رائحة غادية بين أبواب الجنة الثمان : { يدخلون عليهم من كل باب } . .
ونرى المشهد حاضراً من سياق الآية ..
وكأنما نشهده ونسمع الملائكة تطوف مواكبها أطوافاً..
مبشرةومرددة على أسماع المؤمنين :
{ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } . .
في مهرجان ترحيب وتشريفٍ حافل باللقاء والبشر والسلام .



( مع قافية ابن القيم ) :
في مفتاح باب الجنة ~

هذا وفتح الباب ليس بممكن الا بمفتــــاحٍ.. على أســـــــــنان
مفتاحه بشهادة الاخلاص والتوحيد تلك شهادة الايمــان أسنانه الأعمال وهي شرائع الإسلام والمفتــاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حـلّ أشكال لذي العرفان

أوّل الناس دخولا الجنة ~
إن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم:
هو سيد ولد آدم يوم القيامة ..
وهو أول من تنشق عنه الأرض ..ومن بيده لواء الحمد ..
وهو أول شافع مشفع ..
وأول من يدخل الجنة ...!

عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول الخازن : من أنت ؟
فأقول : محمد ، فيقول : بك أُمرت لاأفتح لأحد قبلك ).

ولكن ماذا عن أول زمرة ممن يدخلون الجنة ؟
إنهم فئة خالصة من البشر .. شبهت بالقمر حسناً وبهاءً ونضرةً وضياء...
يقول الرسول الكريم :
( إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ،
والتي تليها على أضوإ كوكبٍ دُرّيٍّ من السماء ).

هذا عن هيئتهم ... وماذا عن عددهم .. ؟
لنقرأ هذا الحديث الشريف.. قاله الرسول الكريم ورواه سهل بن سعد:
( ليدخلنّ الجنة من أمتي سبعون ألفاً - أو سبعمائة ألف - متماسكون،
آخذ بعضهم بعضاً ، لايدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر )


يالنعم الله ..! كم يفيض تعالى على عباده بالكرم والعطاء ..!
وماأروعها من صورة تلك التي تمثل أول فوج ممن استحقواهذه النعمى!
وقد غمر نور الرضا والبهجة والحبور والغبطة قلوبهم ..
وتلألأ منعكساً على مرايا وجوههم ..!



أعلى منــــازل الجنة ~
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ،ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر ، فاقرءوا إن شئتم ** ).

وللجنة مراتب أعلاها الفردوس الأعلى ..
كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
( فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ
وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرحمن وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ). رواه البخاري وغيره

وأعلى منزلة منها( الوسيلة) فهي أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن
ولا ينالها إلا شخص واحد ، ونرجوا أن تكون لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
عن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله يقول :
( سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله،
وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ).



أدنى منــزلة في الجنة ~
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«سأل موسى بن عمران ربه جل وعلا وقال: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟
فقال الله جل وعلا: يا موسى! ذلك رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة
فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟
فيقول الله جل وعلا: أما ترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِك من ملوك الدنيا؟
فيقول العبد: رضيت يا رب! رضيت يا رب!
فيقول الرب: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ..
فيقول العبد في الخامسة: رضيت يا رب! رضيت يا رب!
فيقول الرب جل وعلا: لك ذلك وعشرة أمثاله معه،
ولك فيها ما اشتهت نفسك، ولذت عينك»



( مع قافية بن القيّم ) :
ولقد أتى في سورة الرحمن تفضيل الجنان مفصلاً ببيان
هي أربع اثنتان فاضلتان ثم يليهما اثنتان مفـــضـــــــولان فالأوليان الفضليان لأوجـــــهٍ عشر ويعسر نظمها بوزان واذا تأملت السياق وجدتــــها فيــــه تلوح لمن له عينان


أمّا درجات الجنة فهي كثيرة بعضها فوق بعض ، وما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ،
منها درجة للمجاهدين ، ودرجات أخرى للمؤمنين والعلماء .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين
مابينهما كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوق عرش الرحمن ومنه تفجٰر أنهار الجنة ).




إطــــلالة ~
الجنة هي وعد الله عباده المؤمنين بالغيب ..
هي دار تكريم ، وعطف وقرب ، وعودة مرضية مظفرة للمؤمنين ..!
في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ..
فكيف نقترب من صورة الجنة..
وما نحن إلا ذاكرة خيال محدود.. في قالب البشر ..؟!
تضيق بنا صور البيان.. وتعجم أحرفنا عن الترجمان ؟!
فلا انفتاح في أفق تصورنا..
إلا بمقدار مااودعه الله تعالى في قدرات أذهاننا ..
ويوم القيامة .. يرفع عنّا الغطاء .. وتطلق الروح من عقالها
وتتلاشى الحدود أمام النظر والحس والشعور ..
وينطلق أصحاب الجنة في ديار النعيم .. في نضرة وسرور
ومتعة لامتناهية بعد أن رفعت عنهم قيود المادة
وتتبدى لهم الآيات المذهلات من النعمى ..
وتتنزل عليهم هدايا الرحمن تترى ... وهم في يقين البهجة خالدون.





والآن .. هلمّ بنا لنتعرف على أبواب الجنة التي يلج منها المتقون إلى المسرات والنعيم .. قال تعالى :
( هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ ) ص.


هي ثمانية أبواب .. جاء ذكر بعضها في الحديث الشريف ..
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( من أنفق زوجين في سبيل الله ، نودي من أبواب الجنة :
ياعبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريّان ،
ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ).


وقد ذكر بعض العلماء بقية الأبواب :
كباب التوبة ، وباب الكاظمين الغيظ ، وباب الراضين ، وباب الجنة الأيمن
الذي يدخله من لاحساب عليهم وهو خاص بهم كما أخبرنا رسولنا الكريم .
وورد أن أبواب الجنة تفتح في رمضان شهر الخيرات ..
لما لهذا الشهر من فضيلة ، وميزةٍ على سائر الشهور ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار).


منــاعم أهل الجنة ~

يأتي الفريق المختار من المؤمنين في الطليعة
وأولئك هم السابقون ..
يقول الله تعالى :

( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ،
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ، عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ ، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ، بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ، لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ ، وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) الواقعة 26/10

والسابقون السابقون ...
تكرار يؤكد رفعة مقام السابقين وعظم قدرهم عند ربهم
وتفصيل ما أعده من مناعم الجنة لهم ,
وتقريب ملذاتها و أنواعها تلك التي يمكن أن يدركها حسهم ويتصوروها :
سررٌ معقودةٌ بالجواهر ..
خمر لذة للشاربين في أكؤسٍ من فضة ولكنها واعجبا ..تشف عمّا بداخلها كالبلور ..
يطاف عليهم بكل مالذ وطاب من الطعام والشراب بمجرد التمني
دون تعب أو مشقة ..فهم في جلسة مريحة مطمئنة ..
إنها صورة الجزاء الرفيع الخالص الفريد..
الجزاء التي تتجلى فيه الرعاية الربانية، والإكرام الإلهي ،
يقدم في آنية من الذهب والفضة غاية في الجمال والفخامة ..
حور عين متوهجات كاللؤلؤ المكنون صفاءً وجمالاً ونقاءً وتألقاً ..
ووراء ذلك مناعم أخرى يعرفونها هنالك يوم يتهيأون لإدراكها..
وأنواع النعيم التي ذكرتها الآيات هي مكافأة ..
على عمل كان في دار العمل . ..
مكافأة يتحقق فيها الكمال الذي كان ينقص كل النعم في دار الفناء .
ثم هم بعد ذلك كله يحيون في هدوء وسكون ,
وفي ترفع وتنزيه عن كل لغو وجدل ومؤاخذة في الحديث ,
حياتهم كلها سلام ... والملائكة تسلم عليهم ..
ويسلم بعضهم على بعض .. ويبلغهم السلام من الرحمن .
و لكن النعيم الأكبر والأسنى الذي يناله السابقون . . هو نعيم القرب من الله ..
وجنات النعيم كلها لا تساوي شيئاً تجاه نعيم القرب
ولا تعدل ذلك النصيب .



وللسابقين صفات وسمات تميزهم عن غيرهم،
وأعظم السبق مناطه القلب لأنه أسمى ما في الإنسان
وعباداته أصدق وأخلص. فهذا سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه،
يصف لنا الحبيب المصطفى سر تفوقه وسبقه فيقول :
(ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقرّ فى قلبه)
فالصفاء والتصديق والصدق من أهم معالم السبق.



ولكن من هم السابقون ؟
هم عدد محدود ، وفريق منتقى .. كثرتهم في الأولين وقلتهم في الآخرين .
واختلفت الروايات في من هم الأولون ومن هم الآخرون .. .

فالقول الأول :
إن الأولين هم السابقون إلى الإيمان ذوو الدرجة العالية فيه
من الأمم السابقة قبل الإسلام .. ..
وإن الآخرين هم السابقون إلى الإسلام ذوو البلاء فيه . .

والقول الثاني :
إن الأولين والآخرين هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فالأولون من صدرها , والآخرون من متأخريها .
وهذا القول الثاني رجحه ابن كثير ،
وروى في ترجيحه للحسن وابن سيرين ..


وعن السابقون قالوا ~
يذكر بن باز رحمه الله في إحدى فتاويه عندما شرح حقيقة الإخلاص ..
أن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه ..
وأهل هذه المرتبة هم السابقون المقربون المذكورون في سورة الواقعة
إذن هم أهل الإحسان .


وفي تفسير السعدي ..
أن السابقون في الدنيا إلى الخيرات،
هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات‏.‏
أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم،
في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها‏.‏


( مع قافية بن القيّم ):
في صفة غرفات الجنة ~
غرفاتها في الجو ينظر بطنها من ظهرها والظهر من بطنان
سكانها أهل القيام مع الصيام .. وطيّب الكلمات والاحسان ثنتان خالص حقه سبحانه ... وعبيده أيضا لهم ثنتـــــــــــــانِ



هذا عن الحديث في السابقين ..

ثم يأتي الحديث عن الفريق الذي يليه ... فريق أصحاب اليمين :
يقول تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ،
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ، وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ، وَمَاء مَّسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ، وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا، لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ، ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ﴾ الواقعة 40/27


وأصحاب اليمين هم بذاتهم أصحاب الميمنة الذين أشارت إليهم الآية :
( فأصحاب الميمنة ماأصحاب الميمنة ) الواقعة / 8.
تلك الإشارة المجملة في أول السورة . ثم أخر القرآن تفصيل نعيمهم ,
إلى موعده هنا بعد السابقين المقربين .
وهو يعيد السؤال عنهم بتلك الصيغة التي تفيد التفخيم والتهويل: ( ما أصحاب اليمين ?). .

ولأصحابنا هؤلاء نعيم مادي محسوس ,
يبدو في أوصافه شيء من سمة البداوة ,
ويلبي هواتف نفوسهم حسبما تبلغ مداركهم وتجاربهم
من تصور ألوان النعيم !
إنهم ( في سدر - شجر النبق - مخضود شوكه ومنزوع .
( وطلح منضود). . والطلح شجر من شجر الحجاز
من نوع العضاة فيه شوك . ولكنه هنا منضود معد للتناول بلا كد ولا مشقة .
وظل ممدود , وماء مسكوب ..وتلك جميعا من مراتع البدوي ومناعمه ,
كما يطمح إليها خياله وتهتف بها أشواقه !
ولهم إضافة لما ذكر فاكهة كثيرة . لا مقطوعة ولا ممنوعة مجملة شاملة..
وفرش مرفوعة وهي هنا لا موضونة ولا ناعمة . وبحسبها أنها مرفوعة . وللرفع هنا معنيان :
مادي ومعنوي يستدعي أحدهما الآخر ,
ويلتقيان عند الارتفاع في المكان والطهارة من الدنس .
وينتقل السياق من الفرش المرفوعة إلى ذكر من فيها من الأزواج
إما ابتداء وهن الحور . وإما استئنافا وهن الزوجات المبعوثات شواب
هؤلاء الزوجات أنشأهن الله تعالى فجعلهن أبكارا..
( عربا). . متحببات إلى أزواجهن ..
(أترابا) متوافيات السن والشباب ... وكل ذلك النعيم لأصحاب اليمين .




ولكن من هم الذين يعدون من أصحاب اليمين ؟
هم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين .. فهم أكثر عددا من السابقين المقربين.
ويذكر العلماء أنهم سموا بأصحاب اليمين لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم,
وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة,
وقيل سموا أصحاب اليمين، وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين،
أي مباركون على أنفسهم، لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليمن البركة.


( مع قافية ابن القيّم ):
في انهار الجنة ~
أنهارها في غير أخدود جرتْ سبحان ممسكها عن الفيضــــان
من تحتهم تجري كما شاءوا مفجــّـرةً وما للنهر من نقصـــان عسلٌ مصفى ثم ماء ثم خمــــــر ثم أنهار ... من الألبـــــــــــــــــــانِ والله ما تلك المواد كهـــــذه .. لكــــنْ هما في اللفظ مجتمعانِ




في أنهار الجنة وعيونها :
في الجنة عدة أنهار ، ورد ذكرها في قوله تعالى:
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) محمد /15


وهناك نهر الكوثر الذي أعطي للرسول الكريم ..( إنّا أعطيناك الكوثر )
ووصفه صلى الله عليه وسلم بأن حافتاه من قباب اللؤلؤ المجوف
وترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ وماؤه أشد بياضا من الثلج
وأحلى من السكر وآنيته من الذهب والفضة.


أما عيـــون الجنة .. فهي عينان :
الأولى عين الكافور ~ قال تعالى:
(إِنّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً) الإنسان 6/5
وهذه العين يشرب منها المقربون الماء الخالص.وأما الأبرار فيشربونه ممزوجاً.


والثانية عين التسنيم ~ قال تعالى :
( إِنّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ ، على الأرائك ينظرون ،
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النّعِيمِ ، يُسْقَوْنَ مِن رّحِيقٍ مّخْتُومٍ *، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ، وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرّبُونَ) المطففين 28/22


وأما في قوله تعالى : " عيناً فيها تسمّى سلسبيلا" ..
قال الطبري :"وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله :
{ تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا } صِفَة لِلْعَيْنِ , وُصِفَتْ بِالسَّلَاسَةِ فِي الْحَلْق ,
وَفِي حَال الْجَرْي , وَانْقِيَادهَا لِأَهْلِ الْجَنَّة يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا ,
كَمَا قَالَ مُجَاهِد وقَتَادَة ،وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ { تُسَمَّى } تُوصَف .
وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل.. إذن سلسبيل صفة لاإسم.



جاء ذكر الجنة في ست وستون آية كريمة..
وأشارت إليها الآيات بأوصاف وأسماءٍ شتى .. ومنها :

دار السلام:
( لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 127.


جنات عدن:
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) مريم / 61.


جنات النعيم:
( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ) لقمان/8


دار المقامة:
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) فاطر/ 34-35.


دار الخلود :
(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) ق / الآية 34.


جنة المأوى:
(عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ) النجم / 15.
قال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة
وقال مقاتل هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء
وقال كعب هي جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء.


دار الحيوان :
(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ
لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوايَعْلَمُونَ ) العنكبوت/ 64.


الفردوس:
(أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) المؤمنون 11/10.


المقام الأمين :
( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) الدخان / 51




وحين نحاول أن نقرب إلى أذهاننا تصوّر قصور الجنة وخيامها ..
لانصل إلى ذرة واقع ما ينتظر المؤمنين هناك ..
ونعجز عن التصور مهما أطلقنا لخيالنا المحدود العنان..
عن أبي هريرة يسأل عن الجنة .. قال : قلت يارسول الله الجنة مابناؤها ؟ قال :
( لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، ملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤهاالياقوت واللؤلؤ،
وترابها الزعفران ، من يدخلها يخلد فيها ، ينعم فيها ولا يبؤس ، لايفنى شبابهم ، ولا تبلى ثيابهم ).


هناك ينادي منادٍ من الملائكة مبشراً أهل الجنة بأقصى النعيم :
ياأهل الجنة ..!
هنا ..لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً..
ولكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً...
وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً..

وهذا مصداق قول الله تعالى :
( ونودوا أنْ تلْكمُ الجنّة أُورثتموها بِما كنتم تعملون).


إنهم خالدون.. مستقرون .. منعّمون .. يتمتعون بالصحة والحيوية والنضارة
دون مرض يكدّر .. ودون شيخوخة تفسد .. ودون موت يتهدّد ..
في طمأنينةٍ وراحةٍ وسلام .. فيالطيب المقام..!

أعظم كرامات الجنة ~
إن حديث الجنة سلسبيل لا ينتهي ورده .. ونعيم لاتحاط بوصفه العقول ..
تنطبع آثاره على صفحات الوجوه .. إذ تبلغ أقصى درجات العطاء من رب العباد في جنات الخلد التي آعدت للمتقين :
( وجوهّ يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ) القيامة 32/22

عن صهيب الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا دخل أهل الجنةِ الجنة قال : يقول الله تبارك وتعالى :
تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. وزاد : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ..).


خاتمــــتها مسك ~
الجنان ...
مدن باذخة الفرح ..
مقاماتها مبهجات ..
وأديمها مسك يفتُق بالندى فينشر طيبه
و أرضها درة بيضاء بكر يطيب مقامها ويلذ عيشها
يمّ الإسهاب يجف مداده ولا يبلغ في وصف حقيقة كمالها شيئاً ..
كأننا ننزع إلى المحال حين ننشد لامها القمرية ..
فلنشد الرحال ولنوجه مطايا الشوق إلى غايتها .

( اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة وما قرّب إليها من قولٍ وعمل ،
ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قولٍ وعمل ) .
12
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حنين المصرى
حنين المصرى
سلمت يداك فيض الواحة الرقراق اخذتني في رحلة سماوية شفافة تهب منها نسائم الجنه وتذكرني بالصمود في دنيانا الزائلة لننعم بالنعيم الدائم ... جهد كبير حبيبتي وسرد سلس رقراق وجميل ماشعرت وقد بدأت إلا بانتهائه سلمت للواحة فيضنا وسلم الفكر والقلم ودمت بود وحب دائمين غاليتي
تغريد حائل
تغريد حائل
الغالية فيض:حروفكِ ناصعة بالطهر والسكينة
تُغلفها ومضات الإيمان وجزاء خالد..!
قطافكِ.. قيَّم
أثابكِ الله،
ولا حرمنا من مدادكِ الباسق!!
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
سلمت يداك فيض الواحة الرقراق اخذتني في رحلة سماوية شفافة تهب منها نسائم الجنه وتذكرني بالصمود في دنيانا الزائلة لننعم بالنعيم الدائم ... جهد كبير حبيبتي وسرد سلس رقراق وجميل ماشعرت وقد بدأت إلا بانتهائه سلمت للواحة فيضنا وسلم الفكر والقلم ودمت بود وحب دائمين غاليتي
سلمت يداك فيض الواحة الرقراق اخذتني في رحلة سماوية شفافة تهب منها نسائم الجنه وتذكرني بالصمود...
سلمت حنين ..
ياباسقة ..! أنت هي عطاء ورسوخاً وجمالاً
ودوماً محلقة بالحنين والود ..
ياباذخة المشاعر .. بارك الله بك .
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
ما أروع المقال هنا اليوم .. وكيف لا والحديث فيه عن الجنة ونعيمها .. جعلنا الله وإياكم من روادها ..فعلاً يافيض الزرع هنا والحصاد هناك .. فلنحرص على أن يكون زرعنا ملائماً لقطوف الجنة ..سلمت فيضنا ولا حرمنا الله من عسجد بيانك
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
الغالية فيض:حروفكِ ناصعة بالطهر والسكينة تُغلفها ومضات الإيمان وجزاء خالد..! قطافكِ.. قيَّم أثابكِ الله، ولا حرمنا من مدادكِ الباسق!!
الغالية فيض:حروفكِ ناصعة بالطهر والسكينة تُغلفها ومضات الإيمان وجزاء خالد..! قطافكِ.....
الغالية تغريد :
شكراً لحروفك المطريّة
المخضلة بجميل التعبير ..
أزهر المكان بك وائتلق ..
بورك هطولك الغامر .. ياعبير ..!