قابل للصداقة .. صفحة من مذكراتي

الأدب النبطي والفصيح

كان ذلك هو اليوم الأول من العام الدراسي حين دخلت الصف بروية ..ألقيت السلام دونما ابتسامة وكأنما تركت ابتسامتي في غرفة المعلمات قبيل دخولي الصف .. أمسكت بكشف الأسماء وطلبت من الطالبات اثبات حضورهن برفع أيديهن حين سماع أسمائهن ..واستغرقت في قراءة الأسماء حتى توقفت برهة عند اسم إحدى الطالبات .. نظرت للطالبة وأنا أعيد قراءة الاسم وشرد ذهني .. ياااه شبه كبير يربطها بوالدتها ماعدا لون البشرة فهو لوني تماما .. انتبهت لنفسي ثم واصلت قراءة الأسماء .. ما ان انتهيت حتى جلست وطلبت من الطالبات التزام الهدوء ليحلو لي الوقت لاستعادة ذكريات جميلة مضت ..
زمن طويل لم ألتق فيه بصديقتي هذه وانقطعت عني أخبارها وعنها أخباري بمجرد زواجي ورحيلها مع أسرتها الصغيرة لمدينة أخرى .. ورغم انتقالي مع زوجي لتلك المدينة لاحقا إلا أنني لم أسع للبحث عنها في بادىء الأمر ثم انشغلت بعملي وأسرتي التي تكونت فيما بعد .. رغم أن صديقتي هذه من العناصر الرئيسية التي أشاهدها في شريط ذكرياتي الذي يمر في ذهني بين وقت وآخر .. وأشد ما أذكر زيارتها الأولى لنا في بيت أسرتي حيث كانت جارة جديدة لنا وتريد التعرف على بنات الجيران الذين يقاربونها سنا حيث انها زوجة جديدة وجديدة أيضا على المدينة .. دعتني والدتي للسلام عليها ورغم أني لا أحب الزيارات دون موعد فقد دفعني فضولي لمشاهدتها خاصة وأنني لن أبذل جهدا في ارتداء ملابس أو وضع لمسات من الماكياج فقد كنت قد جئت للتو من بيت عمي .. دخلت للمجلس فسلمت فبادلتني السلام والابتسامات .. لفت نظري جمالها وبياض بشرتها .. فقلت في نفسي محظوظ هو ابن الجيران بها ..فقد تقدم للكثيرات ممن هن أقل جمالا منها ورفض .. جلست صامتة بجوارها في حين بدأت الحديث ..
أخبرتني أنها كانت تود زيارتنا منذ وقت طويل خاصة عندما علمت إنني أقاربها سنا وإنها سعيدة بالتعرف إلي ..رحبت بها وجلست استمع لها وأعقب على حديثها
استطعت خلال الزيارة أن أكون فكرة جيدة عنها .. فهي ليست من ذلك النوع الذي يبعث السأم في نفس محدثه .. أحاديثها شائقة ومسلية ولديها نفس أفكاري وتوجهاتي .. فختمت في نهاية الزيارة ختمي المعروف (( قابل للصداقة ))..
فقد صادف ان رفضت صداقة العديدات حين شعرت أن لا توافق بيننا ..
زارتنا مرة أخرى أدخلتها الخادمة المجلس وأبلغتني بوجودها .. كنت أرتدي ملابس البيت ولم أمانع في الظهور أمامها بهذا الشكل فقد ارتحت لها وحسب ..
ذهبت إليها في المجلس ودعوتها للجلوس معي في الصالة بدلا من الرسمية التي تحيطنا بها أجواء المجلس .. وبينما نحن في طريقنا للصالة ابتسمت وقالت : تبدين رائعة بملابسك هذه .. تبدين أكثر عفوية من المرة السابقة تماما كطالبة في المرحلة الإعدادية .. ابتسمت وأردفت ليس الأمر لهذه الدرجة .. فردت : بلى والله وأنني أتمنى لو أنجبت بنتا أن يكون لها لون بشرتك ..فابتسمت وصمت ..
أذكر أنها دعتني لزيارتها غير أن والدتي رفضت لعلمها أن صديقتي تسكن مع أهل زوجها والذين كان أغلبهم شبابا ..
توالت زياراتها ودعوتها بعد ذلك لغرفتي حيث استقبل المقربات من صديقاتي ..ما أن وطئت أرض غرفتي حتى تلفتت يمينا ويسارا واردفت : ماشاء الله .. غرفتك جميلة .. فتمتمت : لا أجدها كذلك لكنها في نظري مريحة جدا وهي غرفتي المؤقته لحين استكمال تشطيبات غرفتي الجديدة .. فقالت بل رائعة .. تذكرت حينها إحدى صديقاتي ألتي أبدت رأيا في غرفتي هو تماما كرأي صديقتي الان .. فقلت في نفسي ربما لديهما نظرة تختلف عن نظرتي .. كانت غرفتي واسعة تضم سريرا مفردا وثيرا وتسريحة تضم عطوراتي وكريماتي وماكياجي .. وخزانة ملابس تضم ملابسي وقطعة من السجاد أخترتها بنفسي وكرسيان مريحان استخدمهما في الغالب للجلوس بجانب صديقتي عند زيارتها لي ومكتب محبب يضم كتبي ودفاتري فقد كنت قد تخرجت للتو من الجامعة وبدأت أولى خطواتي المهنية ..
أجلست صديقتي على الكرسي وجلست بجوارها وتحدثنا كثيرا ولم ننتبه لكأسي العصير اللذين أحضرتهما لنا الخادمة ..
فاجأتني صديقتي بسؤال لم أتوقعه منها فقد كنا حديثات عهد ببعضنا نسبيا حين وقفت وسارت متجهة نحو سريري وهي توجه أنظارها لأنحاء الغرفة قائلة :
- أما حلمت يوما أن يشاركك شخص غرفتك ؟
فنظرت في عينيها بدهشة ثم أطرقت ثم أعدت الكرة وأجبتها بسؤال :
- ماذا تعنين ؟
- فاتجهت نحو مكتبي واحتضنت أحدى الكتب وقالت :
أرى أنك جميلة ولست منشغلة بدراسة أو مذاكرة أو غيره ومن هي في سنك لابد أن تفكر بالزواج بل لابد أن يكون ذلك شغلها الشاغل .. ولابد أيضا أن تحلم بطفل تضمه لصدرها وتشبع به غريزة الأمومة الموجودة لدى كل فتاة .. وأردفت :
أنا تزوجت بعد أن أنهيت الثانوية مباشرة حينها فقط شعرت بالاستقرار الذي اريد .. فقد كان الزواج من أولوياتي .. فقاطعتها قائلة : لكنه لم يكن من أولوياتي حين كنت في الثانوية أبدا فأنا وحتى فترة بسيطة لم ادرجه في قائمة أولوياتي ..إنني أختلف عند في هذه النقطة .. فقد وضعت الأولوية لشهادتي الجامعية .. أما الان وقد أن الاوان لأولويات أخرى فلا أمانع في الزواج إذا جائني من أرضى دينه وخلقه .. ليس بيدي استعجال النصيب وأنه ليأتيني لامحالة ..ثم انني لا اعتقد أن سن الثالثة والعشرين سن عنوسة ..
فقالت :
- أنا لا أقصد بكلامي شيئا لكن من تملك جمالك وصفاتك لاتبقى في بيت أهلها دقيقة واحدة ..
صمت وتشاغلت بتقديم العصير الذي نسته في غمرة انشغالها بأحاديث نكأت جراحي وأعادتني لأيام بؤس عشتها في ظل خلاف وصراع مع أهلي ونفسي إثر فشل عدد كبير من مشاريع خطبتي لأسباب مقنعة وأخرى واهية ..
مما صدع نفسيتي وترك ظلاله في علاقاتي مع الاخرين دون استثناء .. وما كدت أتناسى ذلك بعملي الجديد حتى تأتي من تعبث بجراحي من حيث لاتدري ..
انتبهت وقد استعدت للخروج معتذرة بأن الوقت طال وأن زوجها بانتظارها ..
ودعتها وعدت لغرفتي ..جلست على مكتبي وحاسبت نفسي قائلة :
حساسة أنت كالعادة .. لم تخطىء صديقتك في حديثها فهي تحبك وتوجهك لطريق ربما تناسيته وستتناسينه في غمرة العمل والتعب .. تريد أن تقول لك بطريق غير مباشر أن في الزواج أنس ورحمة ومودة .. هذا كل مافي الأمر ..
وطويت صفحة يومي .. لكن أشد ما يؤلمني هو أنني كيف أستقبلها المرة القادمة .. حتما ستكون الصالة هي مكان لقائنا وحديثنا .. ولا أعلم إن كنت سأسلم من حديثها أم لا فأنا لم أشعرها بحرجي ولا بضعفي وبالتالي فأنا لا أستبعد أن تستمرىء الحديث في هذا الموضوع مرة أخرى ..
لم يطل الوقت حتى خطبت .. فزارتني سعيدة تبارك لي وقد أهدتني ورودا حمراء وبطاقة رائعة تتمنى لي فيها حياة سعيدة .. دعوتها لزواجي وقد كانت في أشهر الحمل الأخيرة وصادف أن ولدت في يوم زواجي ولم تأت بالطبع وشغلتنا الحياة وانقطعت بيننا الأسباب ..
حين أذكر ذلك الان أشعر بمزيج من المشاعر الرقيقة أعادتني اليها طالبتي حين قرأت اسمها ..
عاودت النظر لطالبتي وابتسمت طويلا للون بشرتها الذي هو نسخة من لون بشرتي والذي طالما تمنته والدتها لها ..
قطع رنين الجرس شريط ذكرياتي فلملمت أوراقي وخرجت وغيمة الذكريات تلاحقني ..
7
818

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سكارلت
سكارلت
بداية مرحبا بعودتك يا شيفون

لم أقرأ لك منذ وقت طويل !!!

صفحة جميلة من مذكراتك أتحفتنا بها غاليتي

استمتعت حقيقة بقراءتها

بـــورك المداد
moobdah
moobdah
للصداقة ذكريات لاتنسى اللهم اجعلها ذكريات خير لاتنسى

سلمت يداك......

تحياتي,,
شيفون
شيفون
أهلييين سكارلت ..
في الحقيقة توقفت فترة عن الكتابة
وعدت الان وأنا اشعر بأن قلمي يلزمه بعض التمرين ..

أشكرك
شيفون
شيفون
moobdah

أشكرك على ردك .. وفعلا هي ذكريات جميلة ..
شيفون
شيفون
أشكرك ايناي ..
أسعدني مرورك ..