عبدالملك القاسم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن من نعم الله عظيمة ، وآلاءه جسيمة ، وأعظم النعم قدراً وأجلها منزلة نعمة الإسلام ، التي منَّ الله بها علينا وخصنا بها . ومع الغزو الإعلامي المكثف ، وليونة الدين في القلوب ظهر على ألسنة البعض أمر خطير ، ومنكر كبير هو : سب الله عز وجل ، أو الدين، أو النبي محمد r وأصحابه الكرام … وفي هذه الورقات بيان لعظم الأمر وخطورته حتى ننصح من نراه يفعل ذلك ونعلمه موطن الخير ، وندله على طريق التوبة .
أخي المسلم : الإيمان بالله مبني على التعظيم والإجلال للرب عز وجل ، ولا شك أن سب الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم.
قال ابن القيم : وروح العبادة هو الإجلال والمحبة ، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت ، فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم ، فذلك حقيقة الحمد والله أعلم .
والسب كما عرفه ابن تيمية : هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف ، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم ، كاللعن والتقبيح ونحوه . ولا ريب أن سب الله عز وجل يعد أقبح وأشنع أنواع المكفرات القولية ، وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله ، فإن السب كفر من باب أولى .
يقول ابن تيمية : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً أو باطناً ، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده .
وقال ابن راهويه : قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام .. أنه كافر بذلك ، وإن كان مقراً بما أنزل الله .
قال تعالى : .
فرق الله عز وجل في الآية بين أذى الله ورسوله ، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات ، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين ، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد ، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل .
قال القاضي عياض : لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم .
وقال أحمد في رواية عبدالله في رجل قال لرجل : يا ابن كذا وكذا ـ أعني أنت ومن خلقك ـ : هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه.
وقال ابن قدامة : من سب الله تعالى كفر ، سواءً كان مازحاً أو جاداً .
_ سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز السؤال التالي : ما حكم من سب الدين أو الرب ؟ ـ أستغفر الله رب العالمين ـ هل من سب الدين يعتبر كافراً أو مرتداً ، وما هي العقوبة المقررة عليه في الدين الإسلامي الحنيف ؟ حتى تكون على بينة من أمر شرائع الدين وهذه الظاهرة منتشرة بين بعض الناس في بلادنا أفيدونا أفادكم الله .
فأجاب رحمه الله : سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات وهكذا سب الرب عز وجل ، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام ، ومن أسباب الردة عن الإسلام ، فإذا كان من سب الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام فإنه يكون مرتداً بذلك عن الإسلام ويكون كافراً يستتاب ، فإن من تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية ، وقال بعض أهل العلم : إنه لا يستتاب بل يقتل ؛ لأن جريمته عظيمة ، ولكن الأرجح أن يستتاب لعل الله أن يمن عليه بالهداية فيلزم الحق ، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة ، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول r أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فإن سب الدين أو سب الرسول أو سب الرب عز وجل من نواقض الإسلام ، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة ، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام ، قال الله سبحانه : نسأل الله العافية .
_ وسُئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي : ما حكم الشرع في رجل سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة وما شرط التوبة من هذا العمل حيثُ أني سمعت من أهل العلم يقولون : بأنك خرجت عن الإسلام في قولك هذا ويقولون بأن زوجتك حرمت عليك ؟
فأجاب فضيلته : الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر ، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه ، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام ، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون : إنما كن نخوض ونلعب ، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال تعالى : فالاستهزاء بدين الله ، أو سب دين ، الله أو سب الله ورسوله ، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة . اهـ
واحذر أخي المسلم من مجالسة هؤلاء القوم حتى لا يصيبك إثم وتحل بدارك العقوبة .
_ سئل الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي :
هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبون الله عز وجل ؟
فأجاب حفظه الله : لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل لقوله تعالى : .
حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم
للرسول منزلة عظيمة في نفوس أهل الإيمان ، فقد بلّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، ونحن نحب الرسول r كما أمر ، محبةً لا تخرجه إلى الإطراء أو إقامة البدع التي نهى الرسول r عنها وحذر منها . بل له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة نطيعه فيما أمر ، ونجتنب ما نهى عنه وزجر .
ولنحذر من سب الرسول r فإن ذلك من نواقض الإيمان ، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً ، سواءً استحل ذلك فاعله أو لم يستحله.
يقول ابن تيمية : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده . والأمر في ذلك يصل إلى حتى مجرد لمز النبي r في حكم أو غيره كما قال رحمه الله : فثبت أن كل من لمز النبي r في حكمه أو قسمه فإنه يجب قتله ، كما أمر به r في حياته وبعد موته .
فاحذر أخي المسلم من هذا المزلق الخطر والطريق السيء وتجنب ما يغضب الله عز وجل .
سب الصحابة
الصحابة هم صحابة رسول الله r ورفقاء دعوته الذين أثنى الله عز وجل عليهم في مواضع كثيرة من القرآن قال تعالى : وقال تعالى : ومن سبهمن بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن .
والواجب نحوهم محبتهم والترضي عنهم والدفاع عنهم ، ورد من تعرض لأعراضهم ، ولاشك أن حبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ، وقد أجمع العلماء على عدالتهم ، أما التعرض لهم وسبهم وازدراؤهم فقد قال ابن تيمية : إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر .
وقد حذر النبي r من ذلك بقوله (( من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه )) .
وسُئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة فقال : ما أراه على الإسلام .
وقال الإمام مالك رحمه الله : من شتم أحداً من أصحاب محمد r أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص ، فإن قال كانوا على ضلال وكفر قُتل .
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب : فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم ، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذّب على الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر .
أما من قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فإنه كذّب بالقرآن الذي يشهد ببراءتها ، فتكذيبه كفر والوقيعة فيها تكذيب له ، ثم إنها رضي الله عنها فراش النبي r والوقيعة فيها تنقيص له ، وتنقيصه كفر .
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر ، لأنه معاند للقرآن .
ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد ، لما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فأمر بضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل طعن على النبي r ، قال الله عز وجل : فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي r خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه .
أخي المسلم : إن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم تضليل أمة محمد r ويتضمن أن هذه الأمة شر الأمم ، وإن سابقي هذه الأمة شرارها ، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام .
اللهم ارزقنا حبك وحب دينك وكتابك ونبيك r وصحابته الكرام ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نورعلىنور123
•
???
الصفحة الأخيرة