قانون 70: 20: 10 وأخطاء التقنين
القوانين هي القواعد التي يتم تقنينها، ثم سَّنُها، ثم تطبيقها بالاحتكام إليها. وقد وضع "مركز القيادة الإبداعية" الأمريكي قانوناً ينص على أن 70% من التعلم يتم عبر الممارسة والتجريب، و20% عبر التفاعل مع الآخرين، و10% عبر التعليم الرسمي والصفي. إلا أن الحقائق العلمية تدحض هذا القانون، وتجعلنا نشكك في الافتراضات التي قادت إليه، وذلك لعدة أسباب منها:
أولاً: لكل إنسان دوافعه وأنماط تعلُّمه؛ فما ينطبق على فلان، لا ينطبق على علان، وما يفهمه زيد، لا يستوعبه عمرو، وهكذا. ولهذا أسباب علمية وجيهة يصعب تجاهلها. فالإنسان يعتمد في حياته على 2% من وزنه، وهذه النسبة البسيطة تشمل مخ الإنسان وقلبه. يبلغ وزن المخ في المتوسط 1.25 كغم، وقلبه 250 جراماً في المتوسط. وهذا يعني أن شخصية الإنسان وسلوكياته ونوازعه تعتمد بشكل أساسي على 2% فقط من وزنه، وما تبقَّى من جسم الإنسان هو مجرد منصة أو عربة ميكانيكية مهمتها حمل عقل الإنسان وقلبه. لكن هذه النسبة البسيطة، والتي لا تزيد كتلتها عن 1500 جراماً، هي المسؤولة عن: التفكير، والحلم، والتأمل، واتخاذ القرار، وتشكيل العادات، وصياغة الأقوال، وتنفيذ الأفعال. وقد تأكد علمياً أن هذه الـ2% تختلف من إنسان إلى آخر، بحيث يستحيل تشابهه أو تماثله مع الآخرين، لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي فإن نمط التعلم الذي يُفضِّله أحدنا لا يماثل آليات التعلم التي يفضلها ويوظفها غيره.
ثانياً: كل مهارة تطبيقية ومنهجية ومعرفية تحتاج إلى طريقة مختلفة في التعلم. فتعليم قيادة الطائرة أو السيارة يعتمد أساساً على تعليمات المدرب (التفاعل) في البداية، ثم الممارسة طويلة المدى في النهاية. وليس للتأسيس النظري قيمة كبرى في هذا المجال. أما تعلم القراءات المختلفة للقرآن الكريم فيحتاج إلى التلقين والتوجيه الصفي المباشر، بدايةً بنسبة قد تزيد عن 70%، ثم إلى الممارسة في النهاية، ولا يحتاج تفاعلاً كبيراً مع الآخرين. أما المهارات الرياضية فنصقلها بطريقة عكسية تماماً، لأنها تستند إلى الموهبة والممارسة بنسبة 80% وربما أكثر، ولا تحتاج الكثير من توجيه المدربين الذين يعجزون في الغالب عن تنفيذ ما يستطيعه اللاعبون الموهوبون، حتى المبتدئون منهم.
ثالثاً: لو افترضنا أن معايير (70: 20: 10) كانت صحيحة في الماضي، فمن المؤكد أنها تغيرت مع تغيرات تقنيات التعلم. ففي ظل الإنترنت، وسيطرة التعلم الذاتي والتدريب الإلكتروني، صارت الممارسة والتفاعل الجمعي والتلقين الصفي شيئاً واحداً ووحيداً. فأنت تختار ما تريد تعلمه، وتجربه بنفسك، وتشاهد تطبيقاته، وتحاول مضاهاتها، وتعيده مراراً، حتى تفهمه أو تتقنه. وهذا يعني إلغاء التفاعل لحساب التلقين، واعتماد التجريب على دافعية المتدرب، وتقليص دور المنهجية التي يفرضها المدرب.
هناك مدرب موهوب اسمه "رشاد"، وهو خطيب وشغوف بالتدريب، لكنه يعتمد على الصراخ والصوت العالي في تدريبه التحفيزي. يتمكن "رشاد" دائماً من تحريك عواطف المتدربين وتهييج مشاعرهم باتجاه طروحاته الحماسية، وغير المنهجية، لكن تأثير خطابه التلقيني ينتهي في غضون أسبوع على الأكثر من برامجه، التي تفرض على مئات المتدربين نفس الأفكار والطروحات والهتافات، على الرغم من أن كل متدرب يختلف عن غيره في كل شيء، لأن مخه وقلبه يشكلان توليفة فريدة لا يمكن تكرارها أو نسخها وإعادة إنتاجها.
يفرح المتدربون ويُعجبون بمحاضرات "رشاد"، لكنهم سرعان ما ينسونها، أو يفشلون في تطبيقها، لأن عقولهم وقلوبهم التي لا تشكل أكثر من 2% من أجسادهم، تعجز دائماً عن الامتثال لتعليماته وطروحاته. فلكل منهم موطن قوة ونقطة تركيز تختلف عن الآخرين. ففي بؤرة التركيز التي لا تشكل أكثر من 2% من جسومنا، يكمن سر التعلم. لكل منا 5 نقاط قوة تُحدد سماته، وتدير حياته، وهي نقطة تركيز صارمة وحاسمة، ولا يمكن مخالفتها أو مخاتلتها (خداعها). ولكل منا نمطه في التعلم والعمل، وهذا النمط غالب، لأنه ينطلق من عقولنا وقلوبنا، ولأن شخصياتنا تتشكل وتتفاعل مع العالم، تأثراً وتأثيراً، اعتماداً على 2% من أجسادنا وأوزاننا.
بقلم: نسيم الصمادي*****
ayat edara @ayat_edara
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
ويعطيكِ العافية