دونا
دونا
الدرس السابع : الآيات (64-75)



(حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64))

" حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ " أي: متنعميهم, الذين ما اعتادوا إلا الترف, والرفاهية,
والنعيم, ولم تحصل لهم المكاره.
فإذا أخذناهم " بِالْعَذَابِ " ووجدوا مسه " إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ " يصرخون, ويتوجعون,
لأنه أصابهم أمر, خالف ما هم عليه.


سينقلبُ التّرفُ على المُترَفِينَ ذلَّةً وشقاءً إن لم يؤمنُوا ويعمَلُوا صالحًا.
لا ينصُرُ اللهُ إلّا رُسُلَهُ والّذينَ آمنُوا في الحياةِ الدُّنيا.



ما السبب الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟


(قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66))
{ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } لتؤمنوا بها وتقبلوا عليها، فلم تفعلوا ذلك، بل { كُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ } أي: راجعين القهقري إلى الخلف، وذلك لأن باتباعهم القرآن يتقدمون، وبالإعراض عنه يستأخرون وينزلون إلى أسفل سافلين.




{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) }
قال المفسرون معناه: (به) الضمير يعود إلى البيت، المعهود عند المخاطبين، أو الحرم،
أي: متكبرين على الناس بسببه، تقولون: نحن أهل الحرم، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى،
{ سَامِرًا } أي: جماعة يتحدثون بالليل حول البيت { تَهْجُرُونَ } أي: تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في هذا القرآن.






(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68))
أفلم يدبروا القول يعني القرآن
وسمي القرآن قولا لأنهم خوطبوا به .
أي: فإنهم لو تدبروه، لأوجب لهم الإيمان، ولمنعهم من الكفر، ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه،
ودل هذا على أن تدبر القرآن، يدعو إلى كل خير، ويعصم من كل شر، والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها.
(أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ) فأنكروه وأعرضوا عنه .
وقيل : أم بمعنى بل ؛ أي بل جاءهم ما لا عهد لآبائهم به ، فلذلك أنكروه وتركوا التدبر له .
وقال ابن عباس : وقيل المعنى أم جاءهم أمان من العذاب ، وهو شيء لم يأت آباءهم الأولين فتركوا الأعز .



ثم قال منكرا على الكافرين من قريش :
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69))
أو منعهم من اتباع الحق, أن رسولهم محمدا صلى الله عليه وسلم, غير معروف عندهم,
فهم منكرون له؟
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أليس قد عرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم صغيراً وكبيراً، وعرفوا نسبه، وصدقه، وأمانته، ووفاءه بالعهود».
وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة.



(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ۚ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) )
" أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ " أي: جنون, فلهذا قال ما قال


(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71) )
أن أهواءهم متعلقة بالظلم والكفر والفساد من الأخلاق والأعمال، فلو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، لفساد التصرف والتدبير المبني على الظلم وعدم العدل، فالسماوات والأرض ما استقامتا إلا بالحق والعدل { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بذكرهم } أي: بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير، الذي به فخرهم وشرفهم, حين يقومون به، ويكونون به سادة الناس.



(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72))
أي: أو منعهم من اتباعك يا محمد، أنك تسألهم على الإجابة أجرا يتكلفون من اتباعك، بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج،
ليس الأمر كذلك{ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}






(وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74))
أي : لعادلون جائرون منحرفون . تقول العرب : نكب فلان عن الطريق : إذا زاغ عنها .



(وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75))
هذا بيان لشدة تمردهم وعنادهم، وأنهم إذا أصابهم الضر، دعوا الله أن يكشف عنهم ليؤمنوا، أو ابتلاهم بذلك ليرجعوا إليه. إن الله إذا كشف الضر عنهم لجوا، أي: استمروا في طغيانهم يعمهون، أي: يجولون في كفرهم، حائرين مترددين.
دونا
دونا
الدرس السابع : الأيات (76-89)
قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ) الآية 76.
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي قال:
أخبرنا أبو العباس السياري قال: أخبرنا محمد بن موسى بن حاتم قال:
أخبرنا عليّ بن الحسن بن شقيق قال: أخبرنا الحسين بن واقد قال:
حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس
قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا محمد أنشدك الله والرحم لقد أكلنا العِلهزَ، -يعني الوبر بالدم- فأنـزل الله تعالى: ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ).
---

وقال ابن عباس:
لما أتى ثُمَامة بن أَثَال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
وهو أسير فخلى سبيله، فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة
وأخذ الله تعالى قريشًا بسني الجدب حتى أكلوا العِلهَز،
فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم أليس تزعم أنك بُعثتَ رحمة للعالمين؟
قال: "بلى"، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
المصدر موقع قبلة.

(حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77))
حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة وأخذهم من عقاب الله ما لم
يكونوا يحتسبون ، فعند ذلك أبلسوا من كل خير ، وأيسوا من كل راحة ، وانقطعت
آمالهم ورجاؤهم .
ابن كثير.
---
ما اللمسة البيانية في (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ (77) المؤمنون) ولم يقل لهم؟(د.فاضل السامرائى)
استعمال (على) في القرآن عجيب، فيه استعلاء وتسلّط ولذلك العذاب يأتي بـ (على)
(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ (77) المؤمنون) (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) الفيل)
لم يقل أرسل إليهم ( في الغالب ما تأتي (على) مع العقوبات.


(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون).



السؤال الأول: عن الأرض ومن فيها والسموات والعرش أكبر من الأرض إذن هذا السؤال يكفيه تذكر يعني النظر
السؤال الثاني: فيه تهديد ووعيد صار الآن تهديد وتلك تذكر، لما كبر الأمر واتسع وهم علموا بذلك وأقام عليهم الحجة قال
(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87))
هذا رب السموات والأرض يملك أموركم أفلا تتقون؟! الآن صار الأمر أشد.
الأولى فيها تذكر أيسر النظر الأرض وما فيها يكفي أنهم يتذكرون هذا الأمر وينوبون إلى ربهم
وأما الثانية أشد (أفلا تتقون) فيها تحذير
إذن لما كانت الثانية أشد كانت الخاتمة الثالثة اشد
(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88))
هذه أكبر فختمها (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)) يعني كيف تخدعون وتصرفون وأين تذهبون منه؟ لأن معنى سحر تخدع أو صرفك عنها، أين تفر؟!
بيده ملكوت كل شيء يجير ولا يجار عليه فأين تذهب وأين تُصرف؟! هل عقولكم مخدوعة إلى هذا الأمر كيف تُخدعون؟!
إذن كل واحدة تناسب السؤال الذي قبلها.


(أفلا تذكرون، أفلا تتقون، فأنى تسحرون)؟
ليست استفهاماً حقيقياً وإنما خروج للعبرة والاتعاظ أين تذهبون؟ فيها تهديد وتحذير وتخويف وفيها تعجيب من حالتهم. (د.فاضل السامرائى)

(قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88))
{ وَهُوَ يُجِيرُ } عباده من الشر، ويدفع عنهم المكاره، ويحفظهم مما يضرهم،
{ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ } أي: لا يقدر أحد أن يجير على الله. ولا يدفع
الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه
السعدي
دونا
دونا






أدعية نافعة باذنه تعالى:
(لتكبير الصور اضغطي عليها)



=============================

=============================





=============================








المصدر موقع الدرر السنية


دونا
دونا
مشاركة جميلة من رتاج العسل الله يجزاها الجنة












23 متشابهات داخل سورة المؤمنون
دونا
دونا
الدرس التاسع: (90- 104)


(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91))
ماهو الدليل العقلي على إثبات ألوهية الله جل وعلا في هذه الآية؟
هذا برهان على الوحدانية؛ وبيانه أن يقال: لو كان مع الله إله آخر لانفرد كل واحد منهما بمخلوقاته عن مخلوقات الآخر، واستبدّ كل واحد منهما بملكه، وطلب غلبة الآخر، والعلوّ عليه؛ كما ترى حال ملوك الدنيا. ولكن لما رأينا جميع المخلوقات مرتبطة بعضها ببعض-حتى كأن العالم كله كرة واحدة- علمنا أن مالكه ومدبره واحد، لا إله غيره.





(قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) )
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عصمة من الله- تعالى-
من أن يجعله مع القوم الظالمين، حين ينزل بهم العذاب،
ولكن جاءت الآية بهذا الدعاء والإرشاد، للزيادة في التوقي، ولتعليم المؤمنين أن لا يأمنوا مكر الله، وأن يلوذوا دائما بحماه.
كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه : " وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون " .





(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96))
أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الله




(وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98))

أمره أن يستعيذ من الشياطين ، لأنهم لا تنفع معهم الحيل ، ولا ينقادون بالمعروف .
والمراد بهمزات الشياطين هنا: وساوسهم لبنى آدم وحضهم إياهم على ارتكاب ما نهاهم الله تعالى عنه وجميع إصاباتهم وآذاهم لبني آدم.
وجمعهم دلالة على كثرتها وتنوّعها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من أنواع شرور الشيطان كلِّها: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ: مِنْ نَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ، وَهَمْزِهِ))
وقوله: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ): كرّر التوسل بربوبيته زيادة في التضرّع، والتوسل به تعالى من شرورهم؛ لشدّة خطرهم وأذاهم لبني آدم، أي أحتمي بك يا ربي أن يحضرني الشيطان في أي أمرٍ من أموري
وفي صحيح مسلم ، عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ، حتى يحضره عند طعامه ، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة ، فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان ، فإذا فرغ فليلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة)
عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ) رواه مسلم (2708)
سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ قَالَ: "جَاءَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوْدِيَةِ وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجِبَالِ وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَرُعِبَ -قَالَ جَعْفَرٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: جَعَلَ يَتَأَخَّرُ- قَالَ: وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ. قَالَ: «مَا أَقُولُ؟» قَالَ: «قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ». فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَل". (أحمد والطبرانى، صحيح الجامع74).



(لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100))
أي: مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضا غير صادق في ذلك، فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه.
{ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي: من أمامهم وبين أيديهم برزخ، وهو الحاجز بين الشيئين، فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة، وفي هذا البرزخ، يتنعم المطيعون، ويعذب العاصون، من موتهم إلى يوم يبعثون، أي: فليعدوا له عدته، وليأخذوا له أهبته.





(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101))
(فلا أنساب بينهم) المعنى: أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة؛ لاشتغال كل أحد بنفسه؛ كقوله: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه) فتكون الأنساب كأنها معدومة.
(ولا يتساءلون) أي: لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل أحد بنفسه، فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قوله: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)
فالجواب: أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى، ثم يتساءلون بعد ذلك؛ فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة .
[ابن جزي:2/79.


(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) )
اللفح: الإحراق الشديد
والكلوح، هو أن تتقلص الشفتان، وتتكشف الأسنان، لأن النار قد أحرقت الشفتين، كما يشاهد- والعياذ بالله- رأس الشاة بعد شويها.
أى: تحرق النار وجوه هؤلاء الأشقياء، وهم فيها متقلصو الشفاه عن الأسنان، من أثر ذلك الإحراق واللفح.
اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار..