تهاني العيــد
مشاعري عذبة، كتكبيرات العيد تصدحُ في الأرجاء. وروحي مختلفة، وكأني مخلوقة جديدة أطلت على هذه الحياة، وقد حاولت بالمعرفة والإيمان اختصار وعورة مسالكها، وعزمت على اختراق الصعاب، وبلوغ السبيل.
مشتاقة للفرح، يمسحُ عني دموع الوداع التي ما جفّت لفراق شهر الخير والإحسان، تواقة روحي لقناديل تضيء في أرجائها، لمصابيح تبدد كل ظلام، حالمةٌ بالبهجة تجوبُ المدى على جناح يمام.
ساجدة روحي في محراب العبودية تخشى أن تبدد ما حصدته من نور في مدرسة الطهر والقرآن...
متجددة كليالي الفرح، يكسوني رونق الثوب الجديد، رداء روحي، أتذوقُ للحياة طعمها الحلو، لأول مرة أرغب في أن يكون حلواً خالصاً، لا يشوبه مرّ الحياة وهمومها، ولا تعكره خطوب الدهر وصوارفه.
أحزاني كثيرة، قد خلفتها ورائي مدّة تكفي للفرح، لن ألتفت إليها، أو أحدق بها، لن تعني لي اليوم شيئاً، لأني سأفرح، فلتشهد أيها الكونُ على فرحي، أجنده طاعة لله.
وما أجمل امتثال الفرح لخالقه ومولاه، وما أطيبه من شعورٍ تولده الطاعة، وحسن الظن بالله، وما أغلاها من لحظة توهب للمرء في زمن كل شيءٍ فيه يعكّره، إلا قلباً نابضاً بالإيمان.
صندوقُ أهدافي مفتوحٌ قد نقّيته خلال شهر، أضفيتُ له بعض الجواهر النفيسة، والحليّ القيمة، لأعود إليه بعد العيد، أحملُ منه ما أقدر على حمله، موقنة بأني سأنقلُ حمل جبالٍ إن أصررتُ وصدقتُ وأخلصت، وبأني كمن يعبئ الماء في السلال إن أخذت منه ظاهره، وتجاهلت لبّه وجوهره، إن تكاسلتُ وتراخيتُ فسيمضي العمرُ وأدفنُ قرب صندوقي الذي سيغلقُ يوماً، وتموتُ كل الأهداف التي تصنع فيه الحياة.
طريقي الآن مفروشة بزهرٍ بريّ رقيق، لا متكلف ولا مصطنع، برائحة عبقة، وامتدادٍ بعيد. طريقي تحملني حيثُ أملت، حيثُ سألت الله أن أكون، حينها سألته أن يوفقني في رحلتي، والآن أسأله الثبات، فلا أتعثر أو أزيغ.
رايتي بيضاء بلون الياسمين، قد غرستها على أعلى قمة داخل قلبي، كي لا يمتد إليها الطوفانُ فيكسرها، كي لا تتسخ أو تدنس أو تشوبها شائبة تغيّرُ معناها. وإن عصفت بها رياح ذات غبارٍ ومطر، سأعمل كي أغسلها وأجففها وأعيدها حيث كانت، بكل ما أوتيتُ من قوة، لأنني أدركُ أن كلّ شيء يفقدُ قد يعوّض إلا نقاء الروح إن استسلمت لدنس فإنها تفقدُ رونقها الطفولي، وصفائها الحالم.
معلقة أنا بين السماء والأرض، خارجة من تجربة لا تتكرر إلا مرة في العام، قد لوّحت مودعة، وقد لا تعود، تجربة وضعتني على مائدة القرآن لأنهل من معينه، وأغترف من طيبه، فأطال النجم وأتعلق بنور الهلال، مسافرة عبر مدينة الإيمان، مارّة بمدرسة الصيام، أقطفُ دروسها أزهاراً، أعبئ فيها جعبتي، لأصنع عطري الخاص.
خائفة من المستقبل القادم، من المسالك الموحشة، والعدو المتربص... مرعوبة من الحفر والأنفاق والأفخاخ والمخالب والأنياب، وكلها قد تجتمع، لأسقط في أوحالها، إن لم يهدني ربي سبيل الرشاد.
باحثة عن نفسي من جديد، أحاول إن وجدتها ألا تضيع مني، أربّتُ على خوفي وقشعريرة حزني وأنا أسمع دويّ آخر مدفع للإمساك يملأ الكون والفضاءات حاملاً رسالة الوداع.
وأسألها: هل وصلتِ؟ هل عرفتِ؟ ماذا تعلمتِ؟ وهل ستبيلن حسناً فيما تبقى لكِ من عمر؟!
وتجيب ودمعة تترقرقُ كأبلغ ما يكون الجواب: دعيني أكتشفُ ذلك منذ اللحظة، وأعينيني على اجتياز امتحانات الحياة.
كانت تلك تهنئتي لكم بالعيد قبل أن يزورنا، ونحن على عتبات عيد الفرح ننتظر الجائزة...
كل عام وأنتم بكل خير... جعلنا الله وإياكم من المقبولين...
:26:
~ ممااعجبني ~
غيداء السعيد @ghydaaa_alsaayd
محررة ماسية
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️