إنه الله

أخذت تراقب صغيرها ( علياً ) في حنان ، وهو يلعب بألعابه التي بعثرها في كل أرجاء المنزل فزادته بهجة وجمالاً وحيوية .. ابتسمت له في حب عندما جاء إليها وقال لها متألماً :
ــ « أمي .. رأسي يؤلمني .. »
مسحت على رأسه في رفق وقالت :
ــ « لا بأس عليك يا صغيري ، سيشفيك الله .. »
لمعت عيناه الجميلتين وهو يسألها متعجباً :
ــ « وكيف سيشفيني الله ؟ »
سكتت لبرهة تفكر في إجابة تزيل حيرته ، وقطع تفكيرها صوت الهاتف وهو يرن، فقامت قائلة :
ــ « انتظر حتى أرد على الهاتف . »
وانصرفت و ( علي ) يتابعها بنظراته ، ثم ركض إلى الشرفة المطلة على الشارع ، ووقف يتطلع إلى السيارات والمارين متسائلاً .. وحين عادت أمه ، هرعت إليه خائفة وهتفت :
ــ « ألم أطلب منك ألا تخرج إلى الشرفة ؟ »
وحملته وجذبت باب الشرفة لكنه لم يزل موارباً .. ثم نظرت إلى ( علي ) وقالت :
ــ « ألا تريد أن تنام يا حبيبي ؟ »
أومأ برأسه أن نعم ، فتوجهت به إلى الفراش ، وهناك قال لها في براءة :
ــ « أمي .. أخبريني كيف سيشفيني الله ؟ وهل هو قادر على ذلك ؟! »
داعبت شعره بأصابعها ، وقالت باسمة :
ــ « بالطبع يا حبيبي ، الله قادر على كل شيء ، فهو الذي يشفينا إن مرضنا ، ويرزقنا ويعطينا كل ما نريد ، ويحمينا ويرعانا ... »
قاطعها قائلاً في لهفة :
ــ « وهل يستطيع أن يحميني من الأخطار ؟.. »
ــ « بالتأكيد يا بني ، إنه الوحيد القادر على كل هذه الأشياء .. »
كان يتطلع إليها منبهراً وهو يقاوم النوم ، فلما انتهت من كلامها قال وهو يغمض عينيه :
ــ « أمي .. أنا أحب الله . »
ولم تمض بضعة ثوان حتى كان قد غرق في النوم ..
قامت الأم وقد تذكرت بأن دواء ( علي ) قد نفد فتمتمت لنفسها وهي تضع الغطاء عليه :
ــ « سأنزل لشراء الدواء ، آمل أن يبقى نائماً . »
وفي سرعة ارتدت عباءتها ، وخرجت من الشقة لتركب المصعد ، وتنزل من الطابق الرابع عشر ...

************************

خرجت بعد مضي عشر دقائق ، ولم تكد تخرج من الصيدلية ــ الواقعة أسفل العمارة التي تسكن فيها ــ حتى سمعت ضجيجاً ، ورأت حشداً من الناس مجتمعين على شيء ما وقد علت أصواتهم .. أثار ذلك استغرابها، ولكنها لم تفكر بالاقتراب من ذلك المكان لخوفها أن يكون ابنها ( علي ) قد أفاق من نومه ..
وما أن همت باجتياز بوابة العمارة الرئيسية ، حتى هرعت إليها جارة لها ، وفوجئت بها تشد على يدها قائلة في وجل :
ــ « أسرعي يا أم ( علي ) ، ابنك قد وقع من الشرفة !! »
شحب وجهها ، وتسارعت دقات قلبها ، وقبل أن تدرك شيئاً وجدت نفسها تتبع الجارة إلى مكان الحادث ..

*************************

فتح ( علي ) عينيه ، وأحس بذراعي والدته تحيط به ، ابتسم لها في إرهاق وكأنه يريد أن يطمئنها ، وقال بصوت واهن :
ــ « أمي .. »
مسحت الأم دمعات سالت على وجنتيها رغماً عنها وهي تلثم ( علياً ) في حنان :
ــ « حمداً لله على سلامتك يا صغيري .. حمداً لله .. »
ودخل الأب في تلك اللحظة ، وهتف في سرور :
ــ « إنها لمعجزة يا أم ( علي ) ، رغم أنه سقط من الدور الرابع عشر ، إلا أنه لم يصب سوى برضوض طفيفة ‍، لقد أكد لي الطبيب ذلك ! »
قامت لأم لتحضر كأس ماء ، فدنا الأب من ابنه وقال وهو يربت على رأسه :
ــ « ( علي ) .. يا صغيري ، لماذا وقعت من الشرفة ؟ »
أغمض ( علي ) عينيه ولم ينطق ..
عادت الأم حاملة بيدها كأس الماء ، فشرب منه ( علي ) وعاد ليغمض عينيه ..
جلست الأم بجواره، وقالت :
ــ « يا إلهي ، لن أعيدها أبداً ، كيف خطر ببالي أن أنزل لشراء الدواء وأتركه بالمنزل وحده ! »
جلس الأب بدوره وقال متنهداً في ارتياح :
ــ « ولكن ، الحمد لله ... »
أكملت لأم قائلة :
ــ « الحمد لله أن صغيري بخير ولم يصبه أي أذى .. »
ضحك الأب وهو يقول :
ــ « إلا أن السيارة التي وقع عليها قد تضررت كثيراً .. يبدو أن الصحف ستتناقل خبر ابني البطل !! المعجزة !!.. »
ترقرقت الدموع في عيني الأم وقالت بصوت متهدج :
ــ « سبحان الله ! ما أوسع رحمته بعباده ، وكأنه أمر السيارة أن تقف في ذلك المكان الممنوع الوقوف فيه ، لتستقبل ابننا وكأنه حضن الأم الحاني !.. شكراً لك يا رب .. »
فتح ( علي ) عينيه وقال :
ــ « إنه الله ! »
ــ « ماذا قلت ؟ »
ابتسم ( علي ) ، ولم يجب على سؤال والده ، بل استدار إلى الجهة الأخرى ، واتسعت ابتسامته العذبة وهو يكمل قائلاً بصوت خافت :
ــ « لقد حماني الله !! »
6
763

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عطاء
عطاء
((وكان الله على ذلك قديراً))

قصة جميلة..أختي عصفورة الربيع والمعاني الإيمانية التي تدعو إليها أعظم..

حسن الظن بالله..

الثقة بالله..

استشعار رحمة الله ولطفه..

التفكر في عظيم قدرته وأنه لايعجزه شيء..

ليت الأمهات يفطن لمثل هذه الدروس فيربطن أفئدة أكبادهن الغضة بالله عزوجل...

ليتهن يفعلن..!!!

بوركت أخيتي وبورك اليراع...

وأهلاً بكِ..
ومض
ومض
أخيتي الكريمة دعيني أنبه لأمر مهم جداً

عقلية الطفل لا تستوعب أمور كثيرة تستوعبها عقلياتنا ..
وفي المقابل تساؤلاته كثيرة ..

ولكن تساؤلي ماذا لو أن علياً وقع وأصابته كسور وكاد أن يهلك !
ترى كيف ستكون ردة فعله ؟
ألن يصعب بعد هذا إقناعه أن الله يحميه من الأخطار ؟
صدقيني التعامل مع الطفل في هذه الأمور صعب جدا ودقيق لا ينبغي أن نعطيه النظرية والحقيقة كما هي بسيطة بالنسبة لنا .. ولكن لا بد من تبسيط كبير جدا .. بل والصمت عن بعض الأمور أحياناً كثيرة ..

سأضرب لك مثال ..
نردد أمام الأطفال المسلمون .. والكفار واليهود واعتداؤهم على المسلمين .. الخ
وقبلها كنا نردد لنحببه في الله أن اللهه يحب الأطفال ويحب المسلمين ..
أتدرين ماذا كان تساؤل الطفل ؟
لقد قال بكل تساؤل وصدق ..
إذا كان الله يحب المسلمين ويحب الأطفال فلم لا يساعدهم على الكفار ويقتل الكفار !!!!

تخيلي بالله عليك ..
كيف ستستطيعي إقناعه وإفهمامه عن حكمة الله في الكون وأننا إن ننصر الله ينصرنا .. وأن بعد المسملين عن التمسك الحقيقي بالدين هو سبب مصائبهم ؟
إن حاولت إفهامه في هذا سيدخل في نفسه كراهية المسلمين في فلسطين والشيشان .. الخ
لأنه سيشعر أنهم عصوا الله وابتعدوا عنه فلم ينصرهم .. ولن يدرك ويفهم ما أعني مهما حاولت ..
لذا كان لزاماً علينا التنبه والتفكير في كل كلمة نقولها للطفل أكثر من الكبار ..

ولعلك تذكرين القصة التي انتشرت عن طفل كانت والدته تقول له دوما أنك إذا صليت الفجر في جماعة سيحفظك الله من كل مكروه ..
وإحدى الأيام ذهب المدرسة وأراد المعلم عقابه بضربه لأمر ما .. فقال الطفل لن تستطيع ضربي لأني صليت الفجر في جماعة ومن صلى الفجر في جماعة حفظه الله فلم يقربه المعلم ..
تخيلي لو أن المعلم لم يكن ذا فهم وتقى من الله وضرب الطفل !! مالذي سيترتب عليه في داخل هذا الطفل وكيف ستكون نظرته بعد هذا لله وما نقوله له عن قدرة الله وحبه وعنايته بمن يطيعه !!
بل لو أن المعلم ضرب الطفل قبل أن يقول الطفل له هذا الكلام معتقدا بنفسه أنه لا داعي للقول لأن الله تكفل بحفظه ؟

صدقيني الحقائق الكبيرة والمجردة من أي تقريب عندما نحاول تنشئة الطفل عليها فإننا غالبا ودون أن نشعر نخلق لديه مزيدا من التناقض والتعجب .. وقد نكون سببا والعياذ بالله في بعده عن حب الله والتقرب له مستقبلا ..
أمل الروح
أمل الروح
أختي ومض ..كلام رائع وواقعي ..إذن كيف السبيل للتعامل مع الطفل كثير الأسئلة ؟؟؟
هل من الممكن أن نخبره أنك مازلت صغيرا وعندما تكبر ستفهم ؟؟ أم أن ذلك سيحجر على تفكيره

أسأل الله أن يعننا على تربية أبنائنا .
بحور 217
بحور 217
التعامل مع الأطفال يحتاج منا الكثير من التبصر ...

علينا حقا أن نغرس العقيدة في نفوسهم وأن نعلمهم حب الله ...

ولكن دون أن نقع في مثل هذه التناقضات التي يصعب بعد ذلك أن يفهمها الطفل ..

ولا أظن أننا نعدم الوسيلة التي يمكن أن نتقرب بها إلى أفهام الصغار خصوصا إن أعطيناهم ما يستحقونه من وقتنا وتفكيرنا ومشاعرنا ...

ممكن أن نضرب لهم المثل بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي لاقى الكثير من المتاعب والمصاعب رغم أن الله يحبه ..

فنقول لهم إن الله يبتلي المؤمنين ليعطيهم الأجر الكبير وليرى صبرهم وليسمع دعاءهم .. وهكذا ..

ومع ذلك لابد من الحذر عند مخاطبة الأطفال في أمور العقيدة لكي لانشوش أذهانهم ونبذر في قلوبهم بذرة الشك ...

شكرا على قصتك يا وردة .. وشكرا على إضاءتك يا ومض .
عصفورة الربيع
الأخت عطاء :
أشكرك على كلماتك اللطيفة ، وجزاك الله خيراً ..

الأخت ومض :
فوجئت عندما شاهدت ردك الطويل ، وتساءلت أهو مدح أم قدح ..
لكن على العموم ، أشكرك على تنبيهك المهم ، وأنا أوافقك الرأي ..

الأخت بحور :
جزاك الله خيراً على ما قلتيه ، وبارك الله فيك ..

أشكركن جميعاً على قراءتكن ، فهي أول مشاركة لي ..
أرجوأن تنال المشاركة الجديدة رضاكن واستحسانكن ..