قصة أيوب عليه السلام والله أبكتني وأفرحتني‎

ملتقى الإيمان

دائما نردد عبارة صبر أيوب
فهل تعرف على ماذا صبر نبي الله أيوب عليه السلام؟؟
إليكم الجواب بإختصار: أيوب عليه السلام هو من أنبياء الله الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم.. يعرفه العام والخاص، حيث يضرب بإسمه المثل في صبر الصابرين فيقال "صبر أيوب"!
فيا تُرى ما هي قصةُ أيوب عليه السلام..
أيوب عليه السلام من ذرية يوسف عليه السلام، تزوج سيدة عفيفة..
وكان أيوب عليه السلام وزوجته الكريمة يعيشان في منطقة "حوران"..
وقد أنعم الله على أيوب عليه السلام بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراضى كثيرة يزرعها فيخرج منها أطيب الثمار.. .. كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة.. آلاف من رءوس الأبقار، آلاف رءوس من الأغنام، آلاف من رءوس الماعز وأخرى من الجمال.
وفوق ذلك كله أعلى الله مكانته واختاره للنبوة.
وكان أيوب عليه السلام ملاذًا وملجئًا للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه كونه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئًا.
ولا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، وبلغ من كرمه عليه السلام أنه لا يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا.
هكذا عاش أيوب عليه السلام..
يتفقد العمل في الحقول والمزارع، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم..
وأبناء أيوب عليه السلام يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضي والحقول.
و أيوب عليه السلام يشكر الله.. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر.
أحب الناسُ أيوب عليه السلام.. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه.. ويساعد الناس جميعاً.. ولم يتكبر بسبب ما لديه من مزارع وحقول وماشية وأولاد..
كان يمكنه أن يعيش في راحة، ولكنه كان يعمل بيده، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل في بيتها.. ...

بدأت المحنة والابتلاء من الله تعالى..
فبينما كان كل شيء يمضي هادئاً. . فأيوب عليه السلام حامدًا شاكرًا ساجدًا لله تعالى على نعمه الكثيرة.. وأولاده ينعمون ويشكرون الله.. والعمال والعبيد يعملون في الأراضي والمزارع..
زوجة أيوب عليه السلام كانت تطحن في الرحى..
وبينما الجميع في عافية من أمره مغتبطًا مسرورًا، إذ وقعت الابتلاءات والمحن..
فجاء أحد العمال يجرى ويصيح:
يا سيدي.. يا نبي الله؟!!
ماذا حصل؟! تكلم.
لقد قتلوهم.. قتلوا جميع رفاقي.. الرعاة والفلاحين.. جميعهم قتلوا وجرت دماؤهم فوق الأرض..
كيف حدث ذلك؟!
هاجمنا اللصوص.. وقتلوا من قتلوا وأخذوا ما معنا من ماشية.
أيوب عليه السلام أخذ يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون.

إن الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب..
في اليوم التالي نزلت الصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لما يملكه أيوب عليه السلام.. وجاء أحد الفلاحين.. كانت ثيابه محترقة وحاله يُرثى له..
هتف أيوب عليه السلام:
ماذا حصل؟!
النار! يا نبي الله النار!!
ماذا حدث؟
احترق كل شيء.. لقد نزل البلاء.. الصواعق أحرقت الحقول والمزارع.. أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله.. كل رفاقي ماتوا احترقوا.
قالت زوجة أيوب عليه السلام:
ما هذه المصائب المتتالية؟!
اصبري يا امرأة.. هذه مشيئة الله.
مشيئة الله!!

أجل.. لقد حان وقت الامتحان.. ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه.
نظر أيوب عليه السلام إلى السماء وقال بضراعة:
الهي امنحني الصبر.
في ذلك اليوم أمر أيوب عليه السلام الخدم والعبيد بمغادرة منزله.. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عمل آخر.
وفى اليوم التالىحدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال..
لقد مات جميع أولاده البنين والبنات، حيث اجتمعوا في دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعا..
وازدادت محنة أيوب عليه السلام أكثر وأكثر..
فلقد اُبتلى في صحته..
وانتشرت الدمامل في جسمه..
وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميع.
ولم يبق معه سوى زوجته الطيّبة..
أصبح منزله خالياً لا مال له، لا ولد، ولا صحة..
عَلَّمَ أيوبُ عليه السلام زوجته أن هذه مشيئة الله، وعلينا أن نسلّم لأمره..
حاول الشيطان اللعين أن ينال من قلب أيوب عليه السلام، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلا: ماذا فعلت يا أيوب حتى يموت أولادك وتصاب في أموالك، ثم تصاب في صحتك.
فاستعاذ أيوب عليه السلام بالله من الشيطان الرجيم.. وتفل على الشيطان الرجيم ففر من أمامه. وكذلك فعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان.
وكان أيوب عليه السلام لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة.
ضاقت الأحوالُ فمات الولدُ وجفَّ الخيرُ وتكاثفت الأمراض والبلايا على جسمه، فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه.
وخرجت زوجته تعمل في بيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما..
وكانت زوجة أيوب عليه السلام تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله. وقد أعدت لأيوب عليه السلام عريشًا في الصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهما غير ذلك.
وظل الحال على ذلك أعواما عديدة وهما صابرين محتسبين.

أما زوجته الصالحة فقد بحثت عمّن يستخدمها في العمل، ولكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها.. ومع ذلك لم تمدّ يدها لأحد.
وتحت ضغط الحاجة والفقر، اضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز.
ثم عادت إلى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز وعندما رأى أيوب عليه السلام ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب.. وحلف أن يضربها على ذلك مائة ضربة، ولم يأكل رغيفه.. كان غاضباً من تصرّفها.. ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك.
ورغم أن زوجة أيوب عليه السلام كانت تطلب منه كثيرا أن يدعو الله لكي يزيح عنه هذا البلاء الذي استمر سنوات عديدة إلا أنه كان يرفض أن يشكو.
تحمل المرض والبلايا.. وتحمل اتهامات الناس.
لكن بيع زوجته لضفيرتيها هزه من الداخل..

فنظر إلى السماء وقال: يا رب إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب.
يا رب بيدك الخير كله والفضل كله وإليك يرجع الأمر كله..
ولكن رحمتك سبقت كل شئ..
فلا أشقى وأنا عبدك الضعيف بين يدك..
يا رب.. مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين..

وهنا.. أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول: نعم العبد أنت يا أيوب.. إن الله يقرئك السلام ويقول: لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين..
اضرب برجلك الأرض يا أيوب.. واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله.
غاب الملاك، وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق.. إرتوى أيوب عليه السلام من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه، وغادره الضعف تماماً.
خلع أيوبُ عليه السلام ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به، يملؤها العافية والسؤدد.
وشيئاً فشيئاً.. ازدهرت الأرض من حوله وأينعت.
عادت الصحة والعافية.. عاد المال.. ودبت الحياة من جديد.
عادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحته وعافية، فقالت له باستعطاف:

ألم ترَ أيوب.. أيوب نبي الله؟!
أنا أيوب.
أنت؟! إن زوجي شيخ ضعيف.. ومريض أيضاً!
المرض من الله والصحة أيضاً.. وهو سبحانه بيده كل شيء. نعم.. لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالعافية وأن تنتهي محنتنا! وأمرها أن تغتسل في النبع، لكي تعود إليها نضارتها وشبابها.

فاغتسلت في مياه النبع فألبسها الله ثوب الشباب والعافية..

ورزقهما الله بنينا وبنات من جديد..

ووفاء بنذر أيوب عليه السلام أن يضرب زوجته مائة ضربة أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا وهو ملء اليد من حشيش البهائم، ثم يضربها به فيوفى يمينه ولا يؤلمها، لأنها امرأة صالحة لا تستحق إلا الخير.

كان أيوب عليه السلام واحدًا من عباد الله الشاكرين في الرخاء، الصابرين في البلاء، الأوَّابين إلى الله تعالى في كل حال.

وعَرِفَ الناسُ جميعًا قصةَ أيوب عليه السلام وأيقنوا أن المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله..

َ ((فأقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الأعراف آية 176

وسجّل الله قصته في القرآن الكريم ليعتبر بها كل مؤمن:
{{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}} سورة الأنبياء: 83ـ84

وقال تعالى:
{{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ *}} سورة ص: 41ـ44

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ.. إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ.. وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ.. إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.. وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.)) صدق رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى.
39
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الاميرة الشهري
اللَّهُمَّ يَا بَارِئَ البَرِيَّاتِ ، وَغَافِرَالخَـطِيَّاتِ ،
وَعَالِمَ الخَفِيَّاتِ ، المُطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِرِ وَالنِّيَّاتِ ،
يَا مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً ، وَوَسِعَ كُلّ شَيْءٍرَحْمَةً ، وَقَهَرَ كُلّ مَخْلُوقٍ عِزَّةً وَحُكْماً ،
اغْفِرْ لِها ذُنُوبِها ، وَاسْتُرْ عُيُوبِها ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِها
وجعل كل ماتكتبه وتقدمة في ميزان حسناتها
آآآآآآمييييين
00ياجعل حظي كبير00
7
ماشاالله اجتمعوا الأميرات :)

تسلمين يالغلا قصه رائعه بأسلوب مشوق

يعطيك العافيه
الامــيــرة01
الامــيــرة01
للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ . وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ . قال أبو على الدقاق: ( فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معية ).
وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: وَاللّهُ يُحِبُ الصّابِرِينَ وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ . وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: وَبَشّرِ الصّابِرينَ (155) الّذِينَ إذَآ أصَا بَتتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّآ إلَيهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ .
وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ).
ومنها أيضاً أن الله علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: يآأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلَكُم تُفلِحُونَ فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة.

أنواع الصبر

أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله: يَابُنَي أقِمِ الصَلآةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَآأصَابَكَ . بالإضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية.
أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد؛ لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصلاة بسبب الكسل وإيثار الراحة، وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد للأمرين معاً، وتكره الصوم بسبب محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد.
والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال:
الأولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية والإخلاص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال: إلا الّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصا لِحاتِ .
الثانيه: الصبر حال العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيلازم الصبر عند دواعي التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود.
الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل يعين العجب، والصبر عن الإتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى: لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِ وَالأذَى فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله.
فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { حفت الجنة بالمكاره.. } أي بالأمور التي تشق على النفوس.
وأما الصبر عن المعاصي فأمره ظاهر، ويكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف، ومفارقة كل ما يساعد على المعاصي، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا إنضمت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما. ولهذا قال النبي صلى الله عليه، وسلم: {.. وحفت النار بالشهوات } وذلك لأن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس الإنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان ذلك خيراً له.
وأما الصبر على البلاء فقد قال الله تعالى: وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ . ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها.
فالصبر من العبد عند وقوع البلاء به هو اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } .
فلما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وسلم .

مراتب الصبر

وهي ثلاثة كما ذكر ابن القيم رحمه الله:
الأولى: الصبر بالله، ومعناها الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المُصيّر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلا بِاللّهِ يعني: إن لم يُصبرك الله لم تصبر.
الثانية: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله تعالى، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لإظهار قوة نفسه أو طلب الحمد من الخلق، أو غير ذلك من الأغراض.
الثالثة: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه، وهذا أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصديقين.
قال الجنيد: ( المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشد ).

الصبر في القرآن

ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع التي ورد بها الصبر في القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: ( ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً ) ونحن نذكر بعض الأنواع التي سيق فيها الصبر في القرآن الكريم ومنها:
1 - الأمر به كقوله تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبُركَ إلا بِاللّهِ ، وقوله: وَاصبِر لِحُكِمِ رَبِكَ .
2 - النهي عن ضده وهو الاستعجال كقوله تعالى: فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُسُلِ وَلاَتَستَعجِل لَهُم . وقوله: وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوُتِ .
3 - الثناء على أهله، كقوله تعالى: وَالصّابِرِينَ فِي البأسآء وَالضّرآء وَحِينَ البأسِ أُولَئِكَ الّّذَينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَقُونَ .
4 - تعليق النصر والمدد عليه وعلى التقوى، كقوله تعالى: بَلَى إن تَصبِرُوا وَتَتَقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم بِخَمسَةٍ ءَالَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِمِينَ ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { واعلم أن النصر مع الصبر }.
5 - الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة وسلام الملائكة عليهم، إنما نالوه بالصبر، كما قال: وَالملائكةُ يَدخُلُونَ عَلَيِهِم مِن كُلِ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ .
6 - الإخبار أنه إنما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل الصبر، كقوله تعالى: وَلَقَد أرسَلنَا مُوسَى بِئآياتِنآ أن أخرِج قَومَكَ مِنَ الظُلُماتِ إلى النورِ وَذَكِرهُم بِأيامِ اللّهِ إنَ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِ صَبّارٍ شَكُورٍ .
7 - الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى: وَيلَكُم ثوآبُ اللّهِ خَيرٌ لِمَن ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً وَلاَ يُلَقاهآ إلا الصَابِرُونَ ، وقوله: وَمَا يُلَقاهآ إلا الذّينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَهآ إلا ذُو حّظٍ عَظِيمٍ .
8 - تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كقوله تعالى: وَجَعَلنا مِنهُم أئِمّةً يَهدُون بِأمرِنا لَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَاياتِنا يُوقِنُون . فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
9 - أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال: إنّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَهُ أوابٌ فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد.
10 - أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان، فقرنه بالصلاة في قوله: وَاستَعِينُوا بِالصّبرِ وَالصّلاةِ ، وبالتقوى في قوله: إنّهُ مَن يَتَقِ وَيَصبِر ، وبالشكر في قوله: إن فِي ذَلِكَ لأياتٍ لِكُلِ صَبَارٍ شَكُور ، وبالرحمة في قوله: وَتَوَاصَوا بِالصّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمرحَمَةِ ، وبالصدق في قوله: وَالصّادِقينَ وَالصَادِقَات وَالصَابِرين وَالصّابِراتِ .
وجعل الله الصبر في آيات أخرى سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً.

الصبر في السنه

لقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر في الدنيا والآخرة، ولقد بوّب العلماء للصبر أبواباً عدة في كتبهم، وذكروا تحتها من الأحاديث ما لا يحصى، ونحن نذكر هنا بعضها:
1 - في الصحيحين عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: { اتقي الله واصبري } فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
2 - وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: {.. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر } .
3 - وعن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: { إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة } .
4 - وفي الصحيحين أن رسول الله قسم مالاً فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله فقال: { رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر }.
والأحاديث في فضل الصبر والحث عليه أكثر من أن تحصى، وما ذُكر يكفي.

من كلا م السلف في الصبر

1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال أيضاً: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً ).
2 - وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ). ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ).
3 - وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ).
4 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه ).
5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ).
6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية ) وقال أيضاً: ( ما نال أحد شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ).

أمور تقدح في الصبر وتنافيه

لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب وخمش الوجوه، ونحو ذلك، كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه الأمور:
1 - الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: ( يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ).
ثم أنشد:

وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال: إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ .
ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده أو معاونته على زوال الضر.
2 - ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برىء النبي صلى الله علية وسلم ممن فعل ذلك.
ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، قال تعالى عن يعقوب: وَابيَّضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيم . قال قتادة: ( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ).
3 - ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها. وقد قيل: ( من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ). وقيل أيضاً: ( كتمان المصائب رأس الصبر ).
4 - ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة، قال تعالى: إِنْ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إذا مَسَهُ الشَرُ جَزُوْعاً (20) وَإذا مَسَهُ الخَيَرُ مَنُوْعاً .
قال عبيد بن عمير: ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيىء والظن السيىء ). وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر، وأن يجعلنا من الصابرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سافانا 💕
سافانا 💕
يسلمو
موضوع جدا رائع
am arwwa
am arwwa
جزاك الله خير