قصة اليقين للكاتبه مريم السالم

الأدب النبطي والفصيح

تقول صاحبة القصة
كانت تصغرني بسنة واحدة, ورغم أننا مجموعة أخوات إلا أننا كنا أقرب اثنتين لبعض......
ظهرت عليها علامات الصلاح والاستقامة ولله الحمد عشت معها لحظات لاتنسى كان منها تلك الرحلة التي قمنا بها سويا لزيارة أختنا المريضة في مدينة أخرى لاتبعد عنا سوى بضع ساعات....
وعندما رايناها بصحة جيدة قررنا الذهاب معها في نزهة إلى البحر ... وفي الصباح الباكر من ذلك اليوم كان الجو عليلا والبحر ساكنا سكون الليل لكن كان يحمل في طياته مالم يكن في الحسبان .....
وفي بداية الأمر كان أخي الصغير يحاول أن يخدعنا ...يدخل رأسه في الماء ويخرجه ويشير إلينا بيديه ونحن نرمقه من بعيد ...كانت أمي خائفة ....لانعلم لماذا هبت مسرعة . سارت باتجاه أخي وأخذت تناديه:يابني انتبه لنفسك..اخرج من الماء ... فمايتمالك هو أن يضحك .....
في هذا الوقت كنا نعد طعام الإفطار... تناولناه على عجل وقمنا نلهو ونلعب جرينا بشدة على الرمال حتى وصلنا إلى الشاطئ فإذا به مليء بالقواقع والحيوانات البحرية الغريبه..
كان المكان خاليا إلا من أناس نراهم من بعيد,,
دخلنا البحر الواحدة تلو الأخرى ومعنا أمي كنا نتماسك بالأيدي ولم نبعد عن الشاطئ إلا بمقدار مترين فقط ...سحبت يدي وأخذت أجري لادخل قبلهن إلى البحر...ووجدت نفسي أسبح بخفة والبحر يجرني إليه.
وفجأة سقطت في حفرة فحاولت أن أتدارك القدم الأخرى..سحبتها بكل قوتي ..ولكني لم أستطع.. فسقطت وكان القدر..كنت أعتقد أنني أستطيع الخروج بقليل من المحاولة...إلا أنني أحسست بثقل جسمي وعمق الحفرة..فما كان مني إلا أن أخذت في الصراخ..أمي أمي.. الحقيني وأشرت بكلتا يدي...فجاءت أمي مسرعة نحوي ...ولكن ياإلهي..مالي أراها بطيئة...بطيئة جدا..يبدو أنها لن تدركني..حينها أخذت الأفكار تدور في رأسي..الآن سأموت..سأودع الدنيا سينتهي كل شيئ.نعم بهذه السرعة تنتهي ..ولكن إلى أين أذهب؟ إلى داخل البحر ثم إلى أين؟
إلى التراب.. إلى الدود..إلى الحساب والجزاء...
ماذا قدمت؟؟ماذاعملت؟؟ماذا سأقول لربي؟؟ والذنوب والمعاصي؟؟؟ لاياربي...لا..
أنقذوني ..يارب أنقذني ..سأتوب..سأعود..سأصلي..سأقوم..لالاأريد أن أموت..أريد أن أعمل..أن أتزود للقائك يارب...أشهدأن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله..
وجاء الفرج .هاهي أمي قد وصلت إلي.. في اللحظات الأخيرة لك الحمد يارب..
أمسكت بي تجرني إليها..كدت أطير من الفرحة..عندما لمست يدها يدي...أحسست بالحياة...بالنجاة..ولكنها ثوان ومالبثت أن سقطت معي هي الأخرى..ونحن نوشك على الغرق..لحقت بنا أختي .ولكن لافائدة.ثم جاء أخي الأكبر يتبعه الأصغر... بل حتى أخي الصغرى ..الكل يريد أن يساعد أن يخرجنا من هذه الدوامة..لكن يبدو أن لاأمل في النجاة..فالمكان عميق..الموقف شديد..العائلة كلها ستغرق..جميعها تستنجد وتطلب العون.. عادت إلي دوامة التفكير..ترى هل سنموت جميعا؟؟ ومن سيبقى؟لابد أنها لحظة الاحتضار..
أصبحنا وحدنا في هذه الدوامة..لامجيب يسمعنا..أختي المريضة كانت ممدة على الرمل على بعد عشرين مترا من الشاطئ تستمع لضحكاتنا ...فجأة سمعت النداء والصراخ..تنبهت ..لم تصدق في بداية الأمر..ولكنها وجدت نفسها تجري بسرعة رهيبة نحو الصوت...
سبحان الله: هذه المريضة والتي تحمل بين أحشائها طفلا في شهره السابع تجري بهذه السرعة وتأتي إلينا بتلك القوة..وبالرغم من ذلك لم تستطع فعل شيئ..
في نهاية المطاف ..جاء شخصان كانا قد سمعا الصوت..فأنقذوا من أنقذوا..وخرج البعض من نفسه بمساعدتهم..وأنا لاأزال أغوص في الماء وكنت أكثرهم بعدا..فأخرج الرجل إحدى أخواتي ..ثم جاء ليساعدني في الخروج..وعندها فقط تنسمت هواء النجاة..وجاء الفرج حقا..أحسست بالحياة مرة أخرى تعود إلي ويتجدد لقائي بها..
نحن الآن على الشاطئ نعد أنفسناونتأكد..فجأة تصيح أختي الكبرى ..أين أمي؟؟وأجبتها لقد أفزعتينا..إنها هناك.أنظري إليها..
تعاود الصياح مرة أخرى ولكن بصوت يشوبه الحزن والخوف أين وفاء؟؟؟؟؟
تلفت يمنة ويسرة..نعم أين وفاء؟أين أختي الصغرى؟؟نظرت إلى البحر فرأيت منظرا مهولا..انظروها انها هناك..لانرى سوى ثيابها تطفوعلى الماء..وشعرها الطويل يسبح من خلفها..
يسرع ذلك الرجل الذي أنقذناويسحبها إلى الشاطئ..ننظر إليها جميعا..هذه وفاء نعم هي..
ولكن لماذا لاتضحك؟؟لماذا لاتتحرك؟؟عيناها شاخصتان..ويداها متدليتان..الماء يتدفق من أنفها..وفمها وأذنيها..أنظر إليها..أمسك رأسي..أغمض عيني ..وأفتحهما مرة أخرى...أحقا ماأرى..أهذه نهاية المخاض؟؟أنا الأولى وهي الأخيرة؟؟أنا أعيش وهي تموت؟؟أيعقل هذا؟؟لا...لقد كانت قبل قليل تلعب معي..وتضاحكني..تشاركني الأكل والشرب..تقفز هنا وهناك..
أهي ميتة أم حية؟؟؟؟كان يقيني أنها ميتة..ولكن هناك بقايا أمل في أنها مازالت على قيد الحياة..خاصة وأن إخوتي قالوا ذلك..أخذوها إلى المستشفى وجاء الخبر كالصاعقة..وبعد مضي ست ساعات على الحادث لم يخبرنا أخي..بل قال أنها مازالت في غرفة الإنعاش.وهي قد فارقت الحياة منذ أن رأيتها هناك على الشاطئ...
اختارها الله سبحانه لتكون شهيدة..رغم أنني كنت أول من غرق وآخر من خرج..لكنها الأقدار..تجري لاخيار..وهنا يأتي الإيمان بالقدر خيره وشره..مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم(ماأصابك لم يكن ليخطئك وماأخطئك لم يكن ليصيبك)...رحمك الله ياوفاء رحمة واسعةوغفر لك وتقبلك من الشهداءإنه سميع مجيب الدعاء..
لقد كان لهذه الحادثة أثر عظيم في نفوسنا فقد تاب من كان عاصيا..ورجع من كان معرضا..
عدنا لمنزلنا الذي خرجنا منه..كان كل شيئ غريب..البيوت..الشوارع..رائحة الجو..وكأنني أدخلها لأول مرة..
وصلنا البيت كانت أختي المريضة لاتستطيع الاقتراب من الباب من شدة البكاء..
أما أنا فقد حاولت أن أبدو أقوى منها..دفعت الباب بقوة..دخلنا البيت شعرنا بشعور غريب..كأننا تركناه منذ سنين..رغم أن تلك الرحلة استغرقت أسبوعين فقط ..جال بصري فيما حولي ..فرأيت مابيكيني ويقطع فؤادي..هذه غرفتي وغرفتها..هنا مخدتها..ملابسها..حقيبتها...دفاترها..عطرها الذي أهدتني إياه قبل رحيلها..أين هي؟؟
لقد كنا قبل أيام أربع أخوات فأصبحنا اليوم ثلاثة..
إذا جاء الليل أنظر إلى فراشها فارغ لاأحد عليه فيقشعر حسمي وتصك أسناني..كم سهرنا سويا حتى يجيئ النوم.كم ذهبنا سويا إلى المدرسة..من سيذهب معي الآن سأذهب وحدي........
ولكنني أقف لحظات تأمل وأقول لنفسي..سأذهب وحدي إلى القبرلاأنيس فيه ومنزل لاسعة فيه...فماذا أعددت كلنا سائرون لنفس المصير
2
802

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم ميدو القمر
أم ميدو القمر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
الماهرات
الماهرات
قصة رائعه وموثره جدا تسلم اناملك على النقل غاليتي 0000الماهرات