قصة امي

الأسرة والمجتمع

قـصة امي...
إن التجرد ونكران الذات وكل أشكال التضحيات هي صفات اقترنت بالأمهات منذ بدء الخليقة ، وما الخنساء ببعيدة عن الأذهان ولا أمهات المؤمنين ومن سـرن على دربهن إلى يومنا هذا بل وكثيرات ممن لسن على ملتنا ، فالأمهات شموع تحترق لتضيء لنا الطريق وهن بواعث الأمل ومصادر الإشعاع الإنساني على مر الأزمان ، هذه مقدمة تفرض موقعها على صدارة هذا الصرح المتصل والذي لا أهدف من خلاله إلى مجرد الإضافة المشرقة لصفحات الأمومة الناصعة فحسب ، وإنما هي استجابة لأمر الوفاء تجاه أم صاغت أمومتها الأحداث من حولها حينما وأدت طفولتها في الأربعة عشر ربيعاً ودفعت بها إلى رحلة الحياة الزوجية والاجتماعية وما ورائها من مسؤوليات جسام وهي لا تملك زاداً أو دليلاً لتلك الرحلة .
أنها قصة أمي قالت تحدثني عن يوم انقلاب الأحداث في حياتها عندما كانت تلعب بجوار منزل الأسرة فنادتها جدتي ( أمها ) كي تزينها وتعدها لزفها في ذات اليوم وهو حدث لم يرد في حساباتها العفوية حتى لحظة إبلاغها به ، تزوجت أمي ممن تقدم لها وقبلته الأسرة من ( أبي ) رجل الثلاثون آنذاك ، وقد ضرب بينهما جدار من الفارق السني أوجد فجوة من التواصل الفكري نجح أبي في تحجيمها وعاشا حياة مستقرة نسبياً وأقول نسبياً لأن مرض أبي أفقدها الكلية ، فقد عانى من تقرح المعدة طويلاً وغمر الألم أيامه ولياليه إذ لم يكن عرف دواء ذلك الداء يومئذ . وفي محاولات أبي للإفلات من براثن ذلك الداء سافر إلى الهند فأخبره الأطباء بأن لا أمل له في الشفاء بل وقدروا فترة الشهرين عمراً افتراضياً لبقائه على قيد الحياة فكان قرارهم بمثابة إعلان ترمل والدتي قبل وفاة زوجها ومولودها السابع على وشك أن يرى النور ، ففرضت حالة أبي على أمي تأدية أدوار إضافية نحو مواساته والتسرية عنه فزادت من جرعات الحنان وسهرت على راحته ليلاً ونهاراً على مدى الثلاثة عشر عاماً عمر حياتهما الزوجية التي وقف مرض أبي حائلاً دون استمرارها ، فذهب أبي مخلفاًُ ورائه سبعة أطفال ( ثلاثة ذكور وأربعة إناث ) وترك أمي لتجابه قسوة قدرها الذي سلبها طفولتها ثم عاد ليأخذ منها من ارتضته بديلاً لتلك الأيام الجميلة ، توارى أبي في هدوء قبل أن يودعنا فقد خشي علينا من عناء الوصول إلى المستشفى الإماراتي الذي أبلى طاقمه الطبي أيما بلاء في محاولة التغلب على ذلك المرض من خلال عملية جراحية إلا أن إرادة الله سبقت وأصدقت تنبوأ الأطباء الهنود .
قد أكون قاسياً إذا ما طلبت من الأمهات والفتيات أن يرتدين بخيالهن ثوب ظروف هذه الأم التي ترملت في السابع العشرين من عمرها بمعية إرث بشري قوامه سبعة أطفال يحتاجون إلى من يتفهم ويلبي حاجة كل منهم أياً كانت بل إلى من يؤسس بنائهم النفسي والوجداني ويعدهم إلى رحلة الحياة ومجابهة فصولها المختلفة ، قبلت أمنا الابتلاء وواجهت التحدي ولم يكن لها معين غير الله وإرادتها التي ما زادها الظرف إلا قوة وصلابة فأرخت السٌدل على فجر شبابها ووهبت العمر لرعايتنا ، وكان البعد المسافي يفصل بين أمي وأهلها ولم يترك والدنا رحمه الله سوى بيت يظلنا وفي ظل هذا المناخ الأسري القاتم حرصت أمنا دوماً على أن تقتلع الابتسامة من بين دواخلها المثخنة لتهديها إلينا منارة أمل نهتدي بها في توجهاتنا ، ورغم الظرف القاسي الذي صاحب طفولتنا ومع صغر أعمارنا فقد كانت ألستنا تلهج حمداً وشكراً لله أن ولدنا في بلد هم قيادتها الأول أن تحمل هموم أبنائها وتعمل على إسعادهم وترجمة لهذا المضمون فقد استفدنا من توجيهات الوالد القائد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله ورعاه نحو الاهتمام بالأرامل والأيتام فقد كان اعتمادنا في إعاشتنا على تلك الإعانات ولا يخفي عليكم أن هذه الإعانات أياً كان حجمها فهي محكومة بضوابط تحول دون توفير كل مستلزمات الرقم السباعي لأطفال لهم رغبات ومطالب أقرانهم ممن يعيشون ظروفاً طبيعية ، وكان مفعول الإعانات ينتهي في مدى النصف من كل شهر فنبحر مع قدرة الرحمن إلى آخره ،
جفا النوم أجفان أمي فالمسؤولية أكبر من طاقتها وقد أفقدنا صغر أعمارنا القدرة على مساعدتها بل لم نكن ندرك حجم معاناتها فنحن لم نرها في غير ابتسامتها المعهودة .
لقد كانت حاجة أمنا إلى من يحمل عنها ذلك العبء وتلك المسؤولية وكان أن تقدم لها أكثر من متقدم لغرض الاقتران بها فهي مازالت في عنفوان شبابها إلا أنها كانت تصدهم بلائات الخوف علينا وعلى استقرارنا النفسي ، لقد لفظت أمنا الذاتية ورائها ورمت برداء ( الأنا ) بعيداً عنها وعاشت لنا ، استمدت قوتها في صراعها مع الظروف من صمود أبي أمام المرض طويلاً باعت مقتنياتها الشخصية وحاكت ملابسها بيدها وبذلت من الجهد فوق طاقتها حتى تذيب كل الفوارق بيننا ونظرائنا في الفريج أو المدارس فكانت تماماً كما الربان الذي يكافح الأمواج لبلوغ بر الأمان بعد أن تعطل محرك مركبه ، فاحتملت السنوات بثقلها وبطئ سريانها والأيام وما حملته في طياتها من آلام وقسوة وجراح ولم يشأ الله أن يذهب صبرها هباء فقد أينع غرسها الآن وأزهر حقلها الذي ظلت ترويه من سنوات عمرها ، لقد كبرنا وكبرت أمنا وتضحياتها من أجلنا في أعيننا وما قاسته حتى أوصلتنا إلى ما نحن الآن ، فقد أكملت ابنتها الكبرى المرحلة الثانوية ثم تزوجت ورزقت بخمسة أطفال وكذلك الابن الأكبر أكمل دراسته الثانوية ويعمل موظفاً بمؤسسة الإمارات للاتصالات وهو متزوج وله اربع اطفال ، أما الابنة الثالثة فقد أكملت دراستها الجامعية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي وتعمل مدرسة لغة عربية وهي متزوجة ولها طفلتين ، الابن الرابع آثر خدمة الوطن من خلال الجندية فقد انتسب إلى القوات المسلحة بعد أن أكمل دراسته الثانوية ، واختنا الخامسة تخرجت من جامعة الامارات بالعين بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف وتعمل الآن معلمة رياضيات وهي متزوجة وقد كان ترتيبها ضمن العشرة أوائل الثانوية العامة على المستوى العام للدولة ، أما الابن السادس فقد التحق بكلية التقنيه و الشقيقه السابعه في كلية الدراسات العربية والاسلامية....
فهذه مقاعدنا في مجلس المجتمع وما انتزعته والدتنا من بين أنياب العدم والقسوة ،،،،،،
من الطبيعي أن يرى كل ابن أمه القدوة والمثال وأن يفرد لها في أجنحة المحبة قدر ما يشاء إلا أن عطاء أمنا تجاهنا قد تجاوز حدود إمكاناتنا للوفاء لها ، لقد وهبتنا عمرها وربيع أيامها ووهبت للمجتمع أفراداً فاعلين وأسرة ذات بناء قيمي وخلقي متكامل ،،،،،،
لقد نال المشيب منها وما زال قلبها يافعاً ينضح بمحبتنا ويحب الخير لكل من حولها ،، تجدها تبحث عن طفولتها في طفولة أبنائنا حين تداعبهم وتسعد لسعادتنا ،، إن تضحياتها من أجلنا ستظل ديناً على أعناقنا وقد تعاهدنا على ألا تصيبنا الأيام بضيم ما حيينا ، وها نحن بكل الفخر والاعتزاز نقدمها لكم وليتنا ملكنا ناصية الإعلام العالمي لنتوجها ملكة لأمهات العالم ، ونرجو منكم ومن يتابع حروف سيرتها العطرة هذه أن يدعو لها بطول العمر وبالسعادة والهناء.
ودمتـــــــــم

لاتعتقدون انها قصه منقوله لا لا ... هذي قصة امي انا .. الله يطول في عمرها ويخليها لي لاني بدونها (بعد الله) باضيع
48
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سما كويت
سما كويت
ألله يخليها لكم ويطول بعمرها بصحة وعافية ياااارب
الانسه ماما
الانسه ماما
الام مدرسه اذا اعدتها........ اعدت شعبا طيب الاعراق
ربنا يخليهالك و يديها الصحه
فعلا اختى الام شمعه تحترق لتضىء لنا الطريق
و مهما حكينا على امهاتنا مش هنوفيهم حقهم
(قمر الزمان)
(قمر الزمان)
الله يخليها لكم ويعافيها ولازم تعوضونها عن تضحياتها وتبرون فيها لانها أم معطأه.
شذى الموده
شذى الموده
الله يعطيها الصحة والعافيه ويطيل عمرها بالصالحات
عاشقة الكادي
عاشقة الكادي
الله يخليها لكم ويعطيها الصحه والعافيه