

Australian girl :
قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير . و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي . في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر ... " ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! " " الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر " قال : " و لا حتى معي أنا ؟؟ " كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي " رغد ... " لم أجب ... مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ... قال : " رغد ... هل فكرت بموضوعنا ؟ " في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع ! آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي ! سامر كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ... لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا فقلت : " لازلت أفكر ... " سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء : " أرجوك يا رغد ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة " نظرت إليه و قلت : " ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... " لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال : " لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... " كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه . حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين إلا نادرا سامر ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ... قلت : " دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية " ابتسم سامر و قال : " سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! " ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ... كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ... و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ... و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم ! أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ... نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ... " رغد ... رغد افتحي ... افتحي بسرعة ! " كانت دانة ! سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ... و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال ... كانت في حالة يصعب علي وصفها ... كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة ... و الدموع تنهمر بغزارة على خديها قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر : " دانه ... ماذا حدث ؟؟ " " رغد ... رغد ... " و عادت تلهث ... " رغد ... رغد ... أخي ... أخي ... " تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري ... حاولت قول : ماذا ... ألا أنني عجزت من الذعر ... هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ... كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ... خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا : " سامر ... " هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ... " و ... و ... وليد ... وليد عـــــــــــــــــــــــــــــاد " للحظة ... ظللت أحدق في دانة ... في تشتت لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟ تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ... كل شيء كان مبهما ... دانة عادت تقول : " وليد قد عاد ... عاد يا رغد ... عاد " لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ... فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ... لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ... و أطير ... أطير ... نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ... بالتحديد ... مدخل المنزل ... و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ... توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ... و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ... و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ... و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ....قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير . و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و...
دوّامة الأشجان
ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ...
كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ...
أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة
و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ...
و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ...
لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ...
تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت !
أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟
أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟
أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟
" حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز "
قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ...
و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة
و أنفي كذلك !
قلت :
" عدا عن كسر بسيط في الأنف ! "
و ضحكنا !
قلت :
" فعلها والدك ؟ "
ابتسم و قال مداعبا :
" والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ "
" بعشر سنين من عمري أهديها لك !"
ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل
كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ...
طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ...
الطريق ...
الشارع ...
الأشجار
كل شيء يتحرك ...
بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ...
8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ...
أو أكثر
أو أقل ؟؟
دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ...
الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال
بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ...
إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ...
و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد !
آه يا رغد !
ها أنا أعود ...
فهل أنا في حلم ؟؟
ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ...
كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ...
أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة
و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ...
و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ...
لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ...
تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت !
أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟
أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟
أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟
" حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز "
قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ...
و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة
و أنفي كذلك !
قلت :
" عدا عن كسر بسيط في الأنف ! "
و ضحكنا !
قلت :
" فعلها والدك ؟ "
ابتسم و قال مداعبا :
" والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ "
" بعشر سنين من عمري أهديها لك !"
ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل
كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ...
طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ...
الطريق ...
الشارع ...
الأشجار
كل شيء يتحرك ...
بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ...
8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ...
أو أكثر
أو أقل ؟؟
دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ...
الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال
بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ...
إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ...
و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد !
آه يا رغد !
ها أنا أعود ...
فهل أنا في حلم ؟؟

Australian girl :
دوّامة الأشجان ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ... كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ... أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ... و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ... لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ... تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت ! أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟ أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟ أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟ " حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز " قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ... و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة و أنفي كذلك ! قلت : " عدا عن كسر بسيط في الأنف ! " و ضحكنا ! قلت : " فعلها والدك ؟ " ابتسم و قال مداعبا : " والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ " " بعشر سنين من عمري أهديها لك !" ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ... طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ... الطريق ... الشارع ... الأشجار كل شيء يتحرك ... بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ... 8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ... أو أكثر أو أقل ؟؟ دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ... الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ... إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ... و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد ! آه يا رغد ! ها أنا أعود ... فهل أنا في حلم ؟؟دوّامة الأشجان ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف...
كانت الشمس قد استأذنت للرحيل على وعد بالحضور صباحا ، لحظة أن فتحت عيني على صوت يناديني ...
" وصلنا ! انهض عزيزي "
لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، ألا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة ...
كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد ... و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم ...
" وصلنا ! إلى أين ؟ "
قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة ... إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي ...
قال سيف :
" إنه منزلي يا وليد "
حدقت بسيف برهة ، ثم قلت :
" خذني إلى منزلي رجاءا ! "
سيف علاه شيء من الحزن و قال :
" كما تعرف يا وليد ... أهلك قد غادروا ... ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا "
قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف .
هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟
طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم !
" أنا آسف ! إنني جائع جدا ! "
قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، ألا أن سيف ضحك و قال :
" هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية "
رفعت بصري إليه و قلت :
" لو تعلم كيف كان طعامي هناك ... ! "
هز سيف رأسه و قال :
" انس ذلك ... لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله "
هل انتهى حقا ... ؟؟
رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة ...
كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير ... بأهلي ...
و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل ...
رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي ...
سمعت صوت نديم يناديني ...
" انهض يا وليد ، جاء دورك "
كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي ... لم أشأ النهوض ...
هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني
أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها ...
لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف ... منظر لم أعتد رؤيته ... نهضت بسرعة و نظرت من حولي ...
" وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! "
كان صديقي سيف يقف إلى جانبي ...
قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم :
" أنت وليد ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم ... "
سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال :
" عزيزي ... إنك في بيتي هنا ، لا تقلق ... "
خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت :
" سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ "
الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ
بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه
و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف !
اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى
لم يفتحه أحد ...
جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب !
التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد
لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي ...
نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه !
" وليد ! ما الذي تفعله !؟ "
أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور :
" سأفتح الباب ، انتظرني "
و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف ...
" و لكن لا جدوى ! كيف ستدخل للداخل ؟ "
بالطبع ستكون الأبواب و النوافذ جميعها مغلقة و موصدة من الداخل ، ألا أنني أستطيع تدبر الأمر !
" وصلنا ! انهض عزيزي "
لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، ألا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة ...
كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد ... و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم ...
" وصلنا ! إلى أين ؟ "
قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة ... إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي ...
قال سيف :
" إنه منزلي يا وليد "
حدقت بسيف برهة ، ثم قلت :
" خذني إلى منزلي رجاءا ! "
سيف علاه شيء من الحزن و قال :
" كما تعرف يا وليد ... أهلك قد غادروا ... ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا "
قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف .
هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟
طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم !
" أنا آسف ! إنني جائع جدا ! "
قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، ألا أن سيف ضحك و قال :
" هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية "
رفعت بصري إليه و قلت :
" لو تعلم كيف كان طعامي هناك ... ! "
هز سيف رأسه و قال :
" انس ذلك ... لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله "
هل انتهى حقا ... ؟؟
رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة ...
كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير ... بأهلي ...
و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل ...
رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي ...
سمعت صوت نديم يناديني ...
" انهض يا وليد ، جاء دورك "
كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي ... لم أشأ النهوض ...
هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني
أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها ...
لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف ... منظر لم أعتد رؤيته ... نهضت بسرعة و نظرت من حولي ...
" وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! "
كان صديقي سيف يقف إلى جانبي ...
قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم :
" أنت وليد ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم ... "
سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال :
" عزيزي ... إنك في بيتي هنا ، لا تقلق ... "
خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت :
" سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ "
الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ
بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه
و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف !
اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى
لم يفتحه أحد ...
جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب !
التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد
لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي ...
نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه !
" وليد ! ما الذي تفعله !؟ "
أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور :
" سأفتح الباب ، انتظرني "
و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف ...
" و لكن لا جدوى ! كيف ستدخل للداخل ؟ "
بالطبع ستكون الأبواب و النوافذ جميعها مغلقة و موصدة من الداخل ، ألا أنني أستطيع تدبر الأمر !

الصفحة الأخيرة
و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي .
في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر ...
" ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! "
" الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر "
قال :
" و لا حتى معي أنا ؟؟ "
كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى
و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي
" رغد ... "
لم أجب ...
مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ...
قال :
" رغد ... هل فكرت بموضوعنا ؟ "
في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع !
آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي !
سامر كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ...
لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا
فقلت :
" لازلت أفكر ... "
سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء :
" أرجوك يا رغد ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة "
نظرت إليه و قلت :
" ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... "
لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال :
" لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... "
كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه .
حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين
إلا نادرا
سامر ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ...
قلت :
" دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية "
ابتسم سامر و قال :
" سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! "
ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ...
كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ...
و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ...
و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم !
أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ...
نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ...
" رغد ... رغد افتحي ... افتحي بسرعة ! "
كانت دانة !
سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ...
و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال ...
كانت في حالة يصعب علي وصفها ...
كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين
و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة ...
و الدموع تنهمر بغزارة على خديها
قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر :
" دانه ... ماذا حدث ؟؟ "
" رغد ... رغد ... "
و عادت تلهث ...
" رغد ... رغد ... أخي ... أخي ... "
تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري ...
حاولت قول : ماذا ...
ألا أنني عجزت من الذعر ...
هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ...
كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ...
خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا :
" سامر ... "
هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ...
" و ...
و ...
وليد ...
وليد عـــــــــــــــــــــــــــــاد "
للحظة ... ظللت أحدق في دانة ... في تشتت
لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟
تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ...
كل شيء كان مبهما ...
دانة عادت تقول :
" وليد قد عاد ... عاد يا رغد ... عاد "
لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ...
فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ...
لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما
لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ...
و أطير ...
أطير ...
نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ...
بالتحديد ... مدخل المنزل ...
و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ...
توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ...
و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ...
و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ...
و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ....