.. أم جنى ..

.. أم جنى .. @am_gn_6

محررة فضية

قصة عجيبة !!!!!!

ملتقى الإيمان

هذه القصة منقولة من ( كتاب التوّابين ) للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة المقدسي ص 106




عن عبيد الله بن صدقة بن مرداس البكري ، عن أبيه قال :

نظرت إلى ثلاثة أَقْبُر على شرفٍ من الأرض (مكان مرتفع ) مما يلي بلاد أنطاكية ، فإذا على أحدها مكتوب :

وكَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ هوَ عالِمٌ بِأنّ إله الخلقِ لابُدَّ سائلُهْ

فيأْخُذُ منهُ ظلمهُ لعباده ويَجزيهِ بالخيرِ الذي هوَ فاعِلُهْ



و إذا على القبر الثاني :

و كَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ كانَ مُوقِناً بأنَّ المنايا بغتةً ستُعاجِلُهْ

فتسلبُهُ مُلكاً عظيماً و نخوةً وتُسكِنُهُ البيتَ الذي هو آهِلُهْ



وإذا على القبر الثالث إلى جنبهما :

وكَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ كان صائراً إلى جَدَثٍ تُبلي الشبابَ مناهِلُهْ

و يُذهبُ رسمَ الوجه من بعدِ صونه سريعاً و يبلى جسمهُ و مفاصِلُهْ



وإذا هي قبورٌ مُسَنّمة ( أي مرتفعة غير مسطحة ) على قدر واحد مصطفّة ، فقلت لشيخ جلست إليه : لقد رأيت في قريتكم عجباً !! قال : وما رأيت؟!

فقصصتُ عليه قصة القبور . قال: فحديثهم أعجب مما رأيت على قبورهم..

قال: فقلت: حدّثني . . قال :



كانوا ثلاثةَ إخوة . .

أميرٌ يصحب السلطان ، ويُؤمّر على المدائن والجيوش . .

و تاجرٌ موسرٌ مطاعٌ في خاصته . .

و زاهدٌ قد تخلّى لنفسه ، وتفرّد لعبادته . .

قال : فحضرت أخاهم العابدَ الوفاةُ ، فاجتمع عنده أخَوَاه ، وكان الذي يصحب السلطان قد وُلِّيَ بلادنا هذه ، أمَّره عليها عبد الملك بن مروان ، وكان ظالماً غشوماً متعسّفاً . فاجتمعا عند أخيهما لما احتُضر ، فقالا له : أوصِ. قال : لا والله ، ما لي من مالٍ فأوصي فيه ، ولا لي على أحد دين فأوصي به ، ولا أخلف من الدنيا شيئاً فأُسلبه .

فقال له أخوه ذو السلطان : أي أخي ، قل لي ما بدالك ، واعهد إلي بما شئت . قال : فسكت عنه .

فقال أخوه التاجر : أي أخي ، قد عرفتَ مكسبي وكثرة مالي ، فلعل في قلبك غصة من الخير لم تكن تبلغها إلا بالإنفاق فيها ، فهذا مالي بين يديك ، فاحتكمْ فيه بما أحببت ، ينفذْ لك أخوك .

فأقبل عليهما ، فقال : لاحاجة لي في مالكما ، ولكني سأعهد إليكما عهداً فلاتخالفا عهدي . قالا : اعهد . قال : إذا مت فغسلاني وكفناني وادفناني على نشز (مكان مرتفع ) من الأرض ، واكتبا على قبري :



وكَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ هوَ عالِمٌ بِأنّ إله الخلقِ لابُدَّ سائلُهْ

فيأْخُذُ منهُ ظلمهُ لعباده و يَجزيهِ بالخيرِ الذي هوَ فاعِلُهْ

فإذا أنتما فعلتما ذلك فأتياني كل يومٍ مرة ، لعلكما أن تتعظا .



قال: ففعلا ذلك لما مات . قال : وكان أخوه يركب في جنده حتى يقف على القبر فينزل فيقرأ ما عليه ويبكي، فلما كان في اليوم الثالث جاء كما كان يجيء مع الجند ، فلما أراد أن ينصرف سمع هَدَّةً( صوت وقوع الحائط ونحوه ) من داخل القبر كاد أن ينصدع لها قلبه ، فانصرف مذعوراً فَزِعاً .

فلما كان الليل رأى أخاه في منامه ، فقال: أي أخي، ما الذي سمعت من قبرك ؟! قال: تلك هدّة المقْمعة ، قيل لي : رأيتَ مظلوماً فلم تنصره . .

( المقمعة : عمود من حديد أو خشبة يُضرب بها الإنسان على رأسه )

قال: فأصبح مهموماً ، فدعا أخاه وخاصته وقال : ما أرى أخي أراد بما أوصانا أن نكتب على قبره غيري ، وإني أُشهدكم أني لا أقيم بين ظهرانيكم أبداً .

قال : فترك الإمارة و لزم العبادة ، وكتب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك ، فكتب أنْ خلّوه و ما أراد . فكان إنما يأوي إلى الجبال والبراري حتى حضرته الوفاةُ في هذا الجبل وهو مع بعض الرعاة . فبلغ ذلك أخاه ، فأتاه فقال : أي أخي ألا توصي ؟ قال : بم أوصي ؟ ما لي من مال فأوصي به ، ولكن أعهد إليك عهداً ، إذا أنا مت فبوَّأْتَني قبري فادفني إلى جنب أخي واكتب على قبر ي :

وكَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ كانَ مُوقِناً بأنَّ المنايا بغتةً ستُعاجِلُهْ

فتسلبُهُ مُلكاً عظيماً و نخوةً وتُسكِنُهُ البيتَ الذي هو آهِلُهْ

ثم تعاهدني ثلاثاً ، فادع لي لعل الله أن يرحمني .



قال : فمات ، ففعل به أخوه ذلك . فلمّا كان اليوم الثالث من إتيانه إياه ، فدعا له وبكى عند قبره . فلما أراد أن ينصرف سمع وَجْبَةً من القبر كادت تُذهِل عقله ، فرجع مُتَقلْقِلاً ( أي مضطرباً ، والوجبة : السقطة مع الهدّة )

فلما كان من الليل إذا بأخيه في منامه قد أتاه . قال ذلك الرجل : فلما رأيتُ أخي وَثَبْتُ إليه ، فقلت : أي أخي أتيتنا زائراً ؟ قال : هيهاتَ أخي ، بَعُدَ المزارُ واطمأنّت بنا الديار . قلت : أي أخي ، كيف أنت ؟ قال : بخير ، ما أجمعَ التوبةَ لكلّ خير ، قال :قلت : فكيف أخي ؟ قال : ذلك مع الأئمة الأبرار . قال : قلت : فما أمرنا قِبَلَكُم ؟ قال : من قدّم شيئاً من الدنيا و الآخرة وَجَدَهُ ، فَاغْتَنِمْ وَجْدَكَ ( أي غِنَاك ) قَبْلَ فَقْرِكَ .



قال : فأصبح أخوه معتزلاً للدنيا قد انخلع منها ، ففرّق ماله ، وقسّم رِباعه ( أي دياره ) وأقبل على طاعة الله تعالى . قال : ونشأ له ابنٌ كأَهْيَأ ( أي أحسن ) الشباب وجهاً و جمالاً ، فأقبل على التجارة حتى بلغ منها . وحضرَتْ أباه الوفاة ، فقال له ابنه : يا أبتِ ألا توصِ ؟ قال : والله يا بُنيَّ ، ما لأبيكَ من مالٍ فيوصي فيه ولكني أعهد إليك عهداً ، إذا أنا مت فادفنّي مع عمومتك واكتب على قبري هذين البيتين :

و كَيفَ يَلِذُّ العَيْشَ مَنْ كان صائراً إلى جَدَثٍ تُبلي الشبابَ مناهِلُهْ

و يُذهبُ رسمَ الوجه من بعدِ صونه سريعاً و يبلى جسمه و مفاصله

فإذا فعلتَ ذلك فتعاهَدْني ثلاثاً ، فادعُ لي .

ففعل الفتى ذلك . فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتاً اقْشَعرّ له جلده و تغيّر له لونه ، فرجع منه محموماً إلى أهله . فلما كان من الليل أتاه أبوه في منامه ، فقال له: أي بنيّ ، أنت عندنا عن قليل ، و الأمر بآخره ، والموت أقرب من ذلك ، فاستعدّ لسفرك و تأهّب لرحيلك و حوّل جهازكَ من منزلك الذي أنت عنه ظاعن ( أي راحل) إلى منزلك الذي أنت فيه مقيم، ولا تغترّ بما اغْتَرّ به المبطلون قبلك من طول آمالهم ، فقصّروا عن أمر معادهم فندموا عند الموت أشد الندامة ، وأَسِفُوا على تضييع العمر أشدّ الأسف ، فلا الندامةُ عند الموتِ تنفعهم ، و لا الأسفُ على التقصير أنقذهم من شرّ ما وافى به المغبونون مليكَهم يوم القيامة . أي بني فبادر ، ثم بادر ، ثم بادر.



قال عبيد الله بن صدقة : قال الشيخ الذي حدّثني بهذا الحديث : فدخلتُ على هذا الفتى صبيحة ليلته من هذه الرؤيا ، فقصّها علينا ، و قال : ما أرى الأمر إلا كما قال أبي ، ولا أرى الموت إلا قد أظلني . قال : فجعل يفرّق ماله و يقضي ما عليه من الدَّيْن و يستحِلُّ خُلَطاءه و معامليه ويُحلّلهم ويسلم عليهم و يُودّعهم و يُودّعونه ، كهيئة رجلٍ قد أُنذِرَ بأمرٍ فهو يتوقّعه .

وكان يقول : قال لي أبي : فبادر ، ثم بادر ، ثم بادر ، فهذه ثلاث ، فهي ثلاث ساعاتٍ قد مضت فليستْ بها ، أو ثلاثة أيامٍ وأنّى لي بها ، أو ثلاثة أشهرٍ و ما أراني أُدركها ، أو ثلاث سنين فهو أكثر من ذلك ، وما أحب أن يكون ذلك كذلك .



قال : فلم يزل يُعطي و يقسّم و يتصدق ثلاثة أيام ، حتى إذا كان في آخر اليوم الثالث من صبيحة هذه الرؤيا دعا أهله و ولده فودّعهم و سلّم عليهم . ثم استقبل القبلة ، فمدّد نفسه و أغمض عينيه و تشهّد شهادة الحق ، ثم مات رحمه الله تعالى .

قال : فمكثَ الناسُ حيناً ينتابون قبره من الأمصار فيصلّون عليه . .





انتهى





** اللهم إني أسألُكَ رحمةً من عندكَ تهدي بها قلبي ، وتجمعُ بها أمري، وتَلُمُّ بها شَعَثي ، وتحفظُ بها غائبي ، و ترفعُ بها شاهدي ، وتُبَيّضُ بها وجهي ، وتُزَكّي بها عملي ، و تُلْهِمُني بها رُشدي ، و تَرُدُّ بها أُلْفَتي ، وتَعْصِمني بها من كل سوء . .



آمين . . آمين . . آمين
6
823

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الذاكرات
الذاكرات
بارك الله فيكِ
نقل رائع
*همسات*
*همسات*
بارك الله فيك
honey_lipes
honey_lipes
جزاك الله كل خير
البسملة
البسملة
جزاك الله خيراً القصة رائعة جداً خاصة المعاني والمواعظ التي تحملها بين طياتها.
فبراك الله فيك ان شاءالله
موتى ولا دمعه امى
جزاك الله خير حبيبتى
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور مشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكورمشكور
مشكورمشكورمشكور
مشكورمشكور
مشكورةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة

حقـــوق الطبع محفوظه لدى موتى ولا دمعه امى يرجى عدم التقليد
شكرا على الموضوع الجميل والى الامام بدون توقـــــف