السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه قصة فتاة معاقة انجزت في حياتها اشياء مهمة احسن من الكثير من الاشخاص العاديين.
نشأة في بيت فقيه
تقطن فاطمة ايت دواء رفقة والدتها وإخوتها في بيت متوسط تركهم فيه والدها الذي فارق الحياة تاركا بصماته القوية على شخصية فاطمة ليحشر ضمن المقصودين بالحديث الشريف: ''إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية علم ينتفع به وولد صالح يدعو له''، وتخلل حوار فاطمة مع ''التجديد'' رحمات ترسلها إلى روح والدها كلما تذكرت بصمة من بصماته في مسيرتها مع حفظ القرآن الكريم.
ولدت فاطمة بمراكش سنة 1967 ولم يكتب لها الالتحاق بالمدرسة إلا بعد بلوغ سنها ثمان سنوات ونصف، وذلك بسبب مرض ألم بها في صباها كان نتيجة لخطأ طبي في وصف الدواء المناسب لحالتها المرضية حيث كانت تعاني من ارتفاع درجة الحرارة وما يسميه المغاربة مرض ''بوحمرون''، مرض ووصفة طبية غير صحيحة أورثا فاطمة شللا على مستوى رجليها، وجعل العكاز رفيق دربها وهي في ريعان الشباب.
كان والد فاطمة فقيها (درس الفقه في مسجد الصاعدة بمصر، وكان رحمه الله تاجرا)، تقول فاطمة: ''كان رحمه الله يعودنا على المحافظة على الصلاة وكان يأخذ بيدي أثناء الصلاة وبعدما لمس في نوعا من الوعي أفهمني أنني يمكنني الصلاة وأنا جالسة، وكان يجلس أثناء الصلاة لكي أقلده''. تعامل الوالد جعل فاطمة تحب الشعائر الدينية وتحب القرآن الكريم.
البداية من منافسة الإخوة
ترعرع حب القرآن لدى فاطمة منذ صغرها، وكانت متشوقة لحفظه لدرجة أنها كانت في التاسعة من عمرها تنافس إخوتها الأكبر منها في حفظ سورة الرحمن التي كانت مبرمجة في مقررهم الدراسي للقسم الخامس الابتدائي. وبذلك تمكنت فاطمة من كسب الثقة في قدراتها على الحفظ رغم أنها كانت صغيرة السن.
كاد ألم فاطمة على مستوى رجلها أن يكون حجر عثرة أمام التحاقها بالمرسة، لكنها لم ننس جميل مدير مدرسة ابن أبي سفرة بمراكش الذي كان ينقلها إلى المدرسة ذهابا وإيابا على سيارته الخاصة ـ وما أحوجنا في هذا الزمان إلى مثل هؤلاء المدراء ـ وسايرت فاطمة مشوارها الدراسي باجتهاد إلى أن انتقلت أسرتها إلى مدينة الرباط.
دعاء الوالد
انتقلت فاطمة مع أسرتها إلى مدينة الرباط، وحظي أفرادها برعاية الوالد الذي يسهر على تعليم أبنائه التسبيح، ويختم أذكاره بالدعاء لهم بحفظ القرآن.
واصلت فاطمة دراستها إلى أن وصلت مستوى الثانية ثانوي علوم رياضية وازدادت حالتها الصحية تقهقرا إذ لم تساعدها على الاستمرار في الدراسة، وخاصة الدورة الأخيرة حيث اشتد عليها ألم الرأس والرجل، وكان الانقطاع عن الدراسة مصيرها المحتوم، فقد صالت وجالت من أجل علاج ناجع ووصلت ببحثها إلى الديار الهولندية قضت فيها أربعة أشهر لتعود بعكازيها اللذين يبدوان وفيين في مرافقتها ما دامت لم تجد علاجا لمرضها.
ركوب قطار التحدي
لم تقف فاطمة أمام عجز الأطباء عن علاجها مكتوفة الأيدي، بل أخذت قسطا من الراحة لتنطلق من جديد، إلى حين حيازتها على شهادة تكوين المسعفين من مركز الهلال الأحمر بالرباط قضت فيه سنتين من التكوين ركبت خلالهما قطار التحدي ما دامت أبواب الثانوية سدت في وجهها.
بدأت فاطمة رحلة البحث عن عمل، وكانت في بعض الأيام تمضي النهار من الثامنة صباحا غلى الخامسة مساء بحثا عن العمل.
ضمن أول فوج نسائي بدار القرآن
بعدما سئمت فاطمة من البحث عن عمل ووجدت أن الأيام تمضي من عمرها، فكرت في البحث عن مدرسة للقرآن، ولم تستطع شوكة الإحباط أن تنال من عزيمة فاطمة رغم كل ما لاقته من معاناة، سألت بنت الجيران، هذه الأخيرة استعانت بوالدها الذي أخبرها أن دار القرآن المجاورة لدار الحديث الحسنية بالرباط مستعدة لقبولها، وحازت فاطمة شرف الانتماء إلى أول فوج نسائي يدرس بدار القرآن المذكورة التي أصبحت اليوم تخرج العديد من النساء، وتلقت فيها فاطمة علم التجويد والسيرة النبوية والحديث.
أمضت فاطمة سنتين في دار القرآن وخرجت منها بحفظ ربع القرآن، ولم تكتف ضيفتنا بما كان يطلب منها من القرآن في حصص التدريس (خمسة أحزاب كل سنة) بل كانت تزيد على ذلك، معللة أمرها بكونها كلما حفظت شيئا من القرآن زاد طمعها في حفظ المزيد، كما أن طريقة التدريس كانت تشجعهاعلى ذلك.
وكنا نحفظ باحترام قواعد التجويد والمقامات (من تدوير وتحقيق وغيرها).
لم تقتصر فاطمة في حفظها على أساتذة دار القرآن بل كانت تجتهد وتبحث هنا وهناك، في المساجد ودور القرآن.
التتمة في الجبل
إذا كانت العاصمة الإدارية قد فتحت لفاطمة شهية النهل من كتاب الله، وبدء مسيرة الحفظ فإن جبال سوس ستكون محطة إنهاء مسيرة حفظ القرآن، وكان غرض السفر في بداية الأمر كان زيارة العائلة والارتياح من ضجيج المدينة، لكن الرياح اتجهت في اتجاه تعبيد الطريق أمام فاطمة لتشبع نهمها من حفظ القرآن الكريم.
البداية كانت بمبادرة فاطمة بالتطوع للمساهمة في محاربة الأمية للنساء بمسجد القرية التي كانت تسكنها خالتها، والحفظ على يد إمام المسجد، هذا الأخير سيرفع من وتيرة حفظ فاطمة للقرآن إذ كان يطلب منها استظهار نصف حزب جديد كل يوم، ولم يمنعها هذا الأمر من الاستمرار في محو أمية النساء، وتمكنت بعزيمتها القوية من الجمع بين الأمرين، وأمضت فاطمة أربعة أشهر ساعدتها على رفع نصيبها من حفظ القرآن إلى 55 حزبا، لتكمل خمسة أحزاب الأخيرة وتستحق وصف: حافظة القرآن.
القرآن ومنهج الحياة
ترى فاطمة أن حفظ القرآن يعطي للفرد كيفية وضع منهجية للتفكير، ويساعد على توسيع الذاكرة، وتؤكد فاطمة أن لحافظ القرآن قدرة على تعلم علوم أخرى، كما أنه يساعد على إراحة النفس واستدلت بقوله تعالى: ''ألا بذكر الله تطمئن القلوب''.
فازت فاطمة بجوائز القرآن من المجلس العلمي ومن دار القرآن من مدينة تمارة وكذا جمعيى رباط الفتح، ولم تخف فاطمة نيتها في المشاركة فس مسابقة دولية للمعاقين تنظم بدولة الإمارات العربية كل صيف، وهي تستعد منذ الآن للمسابقة.
هوايات في خدمة القرآن
استهوت الزخرفة المغربية الأصيلة فاطمة منذ أن كانت تسكن وأسرتها في مدينة مراكش، كما استهواها الطرز المغربي الأصيل (الفاسي بالخصوص)، وقررت فاطمة أن تخوض تجربة التعلم بنفسها، وبدأت تتعلم الطرز الفاسي بعد أن اقتنت كتابا خاصا بهذا النوع من الطرز وحاولت التعلم لوحدها ووفقت في الأمر.
ومن الفاسي انتقلت فاطمة إلى فن آخر لا يقل جمالية وإبداعا بدا جليا في البيت الذي استقبلت فيه ''التجديد'' حيث اللوحات الفنية، هذا لباب المريسة بسلا، وهذه قنينات الماء والكؤوس أبدعت فاطمة في تزيينها بالصباغة باختيار ألأوان متناسقة وأشكال فنية تنم عن تزود من معين الزخرفة المغربية الأصيلة، ودشنت فاطمة طريقها مع هذا الفن بعد زيارتها لإحدى الأسر بمدينة تمارة، إذ استهواها فن الرسم على الزجاج وعزمت على التعلم فقصدت أستاذة مختصة بحي أكدال وتعلمت ولله الحمد والمنة.
منقوله
دمعةالخشوع @dmaaalkhshoaa
عضوة جديدة
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️