قصة مأساة واقعية ( حكاية صديقتين )

الأدب النبطي والفصيح

عزيزة وشيماء صديقتان انتهت حياة إحداهما بمأساة غريبة أسرد فيها هنا قصة حياتهما.

كانتا زميلتان في المرحلة الإعدادية والثانوية مجرد زميلات كل واحدة تعرف اسم الاخرى وأين تسكن.. شيماء كانت تعيش مع عائلة مستقرة ومتفاهمة بين اب وأم وثلاث أخوة اما عزيزة فكانت هي الأخري لها من الأخوة ثلاث ولكنها كانت تعيش في بيت انفصل فيه الاب عن الام وكان من أولئك الآباء اللذين اذا اختلفوا مع زوجاتهم نسوا أبنائهم منها، كانت عزيزة فتاة ترى الشموخ وعزة النفس في مشيتها .. وتتعلم الحب والوفاء والبر من طريقتها مع والديها ... وترى الدفى والحنان والاحتواء من اسلوبها مع اخوتها ... وتستشعر الكرم ومساعدة الضعيف ومد يد العون لكل محتاج من حرصها الدائم على جيرانها الداني والقاصي ...كما ان لاسمها حظ الاسد في شخصيتها ....

وعرفت شيماء القليل من أخبار عائلة عزيزة عن طريق ما تناثر هنا وهناك عن المشاكل التي واجهت الام مع زوجها وكيف انه طلقها وتركها هي وأبنائها فريسة لغابة الدنيا خاصة أن الأم لم تكن متعلمة وبالتالي لم يكن لديها وظيفة تقتات منها هي وأبنائها وأترك لمخيلتكم ان تتصورا وتتخيلوا ما مرت به هذه الام في سبيل تربية أبنائها... ولكن دعوني أكشف لكم بعضا من شخصيتها .. لقد كانت تلك الأم بسيطة جدا تشعر معها بطيبة أهل الريف.. لا تتكلم كثيرا واذا تكلمت تكاد لا تسمع صوتها من خفوته .. من يرى ابتسامتها يعرف معدنها، بالرغم من تغير لون وجهها بسب مرض جلدي ألم بها جعل جسمها يتقشر دائماً مثل السمكة وقد حار الاطباء في علاجها فأكتفت بدهن وجهها وكفيها وباقي جسمها بطريقة متواصلة بالزيوت المختلفة عله يخفف عنها.. تلك كانت أم عزيزة امرأة صابرة وقوية تحملت أمواج الحياة بمدها وجزرها... وربت أبنائها تربية شهد لها كل من عرفهم حتى إشتد عودهم وأنهوا دراستهم تباعا....

تخرجت الزميلتان من الثانوية واتجهت شيماء للجامعة بعد أن ابتعثها أهلها وإتجهت عزيزة الى دورات كمبيوتر قصيرة لتبدأ بعدها رحلة البحث عن وظيفة لتساعد أمها في بقية إخوتها لانها كانت الكبرى.

ومرت بعض السنوات ورجعت شيماء وشاء الله ان تتقابل مع عزيزة في مكان ما وأصبحتا بعدها صديقتان حميمتان وكان الناس عندما يرونهم مع بعض يعتقدون انهم أخوات لوجود شبه في الشكل بينهما وفي يوم من الايام دار الحوار التالي بينهما:

شيماء: أين تختفين نهار كل يوم جمعة؟

عزيزة: أذهب لزيارة والدي في بيته فهو لم يتزوج وأساعده في أمور المنزل من تنظيف وطبخ.

شيماء: وهل تذهبين لوحدك أم مع إخوتك؟

عزيزة: بل أصطحب إخوتي معي بالرغم أنهم لا يحبون هذه الزيارة ويتهربون منها الا أنني أرغمهم وأصطحبهم فهذا والدنا مهما بدر منه ولا أرضى عليه هجران أبنائه وإن هجرنا هو!!!!!!

سكتت شيماء ولم تعرف بماذا ترد فعزيزة تفاجئها كل يوم بجانب انساني كبير من شخصيتها.. وبعد أن أغلقت عنها الهاتف سرحت شيماء بأفكارها عن هذه العائلة وتذكرت كل ما كان يقال عن والد عزيزة وكيف أذاق أمها من الويل صنوفا... واستغربت عن بر صديقتها بوالدها بعد كل ما حدث .. ولكن الأكثر غرابة كان ان عزيزة وشيماء أصبحتا اختان لا تتفارقان الا نادرا ومع ذلك لم تتكلم عزيزة في يوم من الايام مع صديقتها عن أي شي قد يسئ لوالدها وكانت تذكر لصديقتها حسناته فقط(اذا كانت له حسنات) .

وفي يوم من الايام تشاركت عزيزة مع صديقتها في مشكلة تواجهها مع أبيها وتخص مستقبل أخاها بعد أن أنهى الثانوية حيث رفض الاب أن يلتحق ابنه بالجامعة بالرغم من أن عزيزة وأخواتها الاثنتين قد توظفوا في وظائف كريمة وعوضوا أمهم سنوات الحرمان وكانوا يريدون أن يتكفلوا بمصاريف جامعة أخيهم ولم ترد عزيزة من أباها شيئا سوى أن يسلمهم جواز سفرأخيهمسبحان الله وهل طلبت شيئا؟ لا والله انها لم تطلب منه شيئا تجاوز جواز السفر لأخيها ليلتحق بالجامعة ولكنه أبى ورفض وثار ولا يعلم له سبب!!! فهل رأى أحد منكم من يرفض الخير لابنه ولن يكلفه هذا الخير شيئا؟!

كانت هذه أول مشكلة حقيقة تتكلم فيها عزيزة عن أباها بلكنة فيها القليل من الغضب مع صديقتها الشيماء (التي كانت ذاهلة من بر صديقتها الدائم بأبيها بالرغم من كل شئ)وبعد وساطة أهل الخير استطاعوا الحصول على الجواز والتحق أخوهم بالجامعة ..
مرت الأيام وجاء موعد زفاف شيماء وأصبحت عزيزة مثل النحلة ترتب أمور زفاف صديقتها وكأنه عرسها .. كانت تحلق في الفضاء الواسع مثل العصافير من شدة فرحتها لصديقتها وتعمل في جميع الاتجاهات وتساعد صديقتها في كل شئ حتى قالت أمها أنها لم ترها بهذه السعادة في حياتها...وبعدها بسنة واحدة حدث ما لم يكن في الحسبان أبدا....
يتبع......
29
8K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
رائعة أم أحمد لقد شدتني هذه القصة بقوة وكنت أطمع في قراءتها كاملة ، ولكن فوجئت بأن جوانب القصة لم تكتمل هنا ..
نحن على شوق لنتوغل في أحداثها ونرى مصائر شخوصها فأكرمبنا بما جرى من أحداث إنسانية بعد أن وقفت على رأس الهرم !
بورك قلمك السليم حرفاً ومعنىً ..
أحيي سردك الواقعي الواضح الجميل ..
شكراً لك .. وننتظر !!.
أم رسولي...
أم رسولي...
رائعه جداَ يانعمه سلمت يداك لقد كتبت بأسلوب بسيط
لكنه يحمل في محتواه الكثير من المعاني الساميه " البر / الصداقه / الصبر .....
بارك الرحمن فيك قصة مشووقة لأبعد درجة
بانتظاركـ ..
لولي...!*♥
لولي...!*♥
اسلوب رائع وشيق
انا اموت بشي اسمه قصقص بنواعها
بس انتظر باقي قصتك
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
وبعد زفاف شيماء بفترة قصيرة استطاعت أن تحقق عزيزة حلم أمها بالسفر الى وطنها الذي غابت عنه ما يقارب العشرين عاما ان لم يكن أكثر... سافرت عزيزة مع أمها وإخوتها لقضاء أول إجازة صيف خارج الغربة وفي ربوع الوطن ... تعرفت عزيزة هناك على خالاتها وأخوالها ... وتنفست أمها عبق الوطن بعد سنين غياب ... الفرحة التي شاهدتها عزيزة في عيون أمها جعلتها تشعر أنها عوضتها عن سنين الحرمان والضيم .. وأنها ساهمت في رسم البسمة في وجهها تلك البسمة التي نسيتها أمها في خضم معاناتها مع أبيها .. ولكن ودائما وكما هو المعتاد انقضت أيام الفرح والسعادة بسرعة ومرت مثل الطيف الجميل الذي سرقوه من عمر الزمن ..

ورجعت العائلة مرة أخرى الى روتين الحياة برتمه السريع الباهت ، وطبعا لم تنسى عزيزة ان تجلب لصديقتها الشيماء الهدايا والتذكارات من رحلتها تلك.

كانت عزيزة قد غلفت هدايا صديقتها بطريقة جميلة ووضعتها في كيس أنيق وأرفقته ببطاقة ألصقته في الكيس وكتبت عليه اهداء.. لم تقرأه شيماء لانها لم تنتبه لتلك البطاقة أبدا حيث انها من شدة لهفتها بمحتوى الكيس لم ترى تلك البطاقة ... كما انها انشغلت بصديقتها التي رجعت من السفر وكأن هالة من السعادة قد غطت وجهها بأكمله.. رأتها بأبهى وأجمل صورة .. كانت تبدوا في سعادتها مثل الاطفال عندما يجدون ما يتمنون من الحلوى والألعاب .. كانت مثل العصافير تحلق وتغني في الأعالي .. هناك في مكان بعييييد لم يصل اليه خيال الشيماء كانت تحلق روح عزيزة من السعادة....

وبعد مرور اسبوع واحد على رجوعهم من تلك الإجازة اتصلت عزيزة من دوامها على صديقتها كالمعتاد والتي كانت هي الاخرى في الدوام وأخبرتها انها ستذهب الليلة لحضور حفل زفاف مع أمها وإخوتها ودار الحوار بين الصديقتين عن تفاصيل تجهيزاتها لحضور تلك المناسبة وانتهت المكالمة على ذلك بشكل طبيعي جدا ... وكانت تلك المكالمة آخر مكالمة بين الصديقتين.....

انتهت اوقات الدوام ورجع الناس الى بيوتهم الا هي ... لم ترجع أبدا ... ولم تحضر العرس الذي تجهزت له ... ولكن ماذا حدث؟! وأين ذهبت؟! ولماذا لم ترجع الى بيتها؟! سمعت شيماء خبرا لم تصدقه جملة وتفصيلا خبرا كذبته وقالت انها قد تكون كذبة ابريل .... خبرا كان اثقل على الروح قبل حتى أن تسمعها الأذن ... مكالمة وصلتها تخبرها بحدوث كارثة إنسانية يعجز القلم عن وصفها .. مكالمة تخبرها ان صديقة عمرها أصيبت بطلق ناري!!!!!!! طلق ناري!!! اين ؟ هنا!! في هذا الوطن الآمن الذي ننام فيه وابواب بيوتنا مفتوحة!!! طلق ناري !! اننا لا نراه الا في الأفلام التلفزيونية !! لا لا مستحيل .. هكذا صرخت الشيماء من الأعماق وهزت رأسها يمنة ويسرة  ورفضت التصديق وأبت الا أن تذهب الى بيت صديقتها للتأكد حيث أنه لا أحد يجيب على التليفونات...

ذهبت شيماء الى المنطقة التي تقطنها عزيزة وبمجرد أن دخلت الشارع بسيارتها حتى استشعرت الخوف والرهبة والظلام في ذاك الشارع الذي لم يكن هكذا قبل الليلة ... وبقلب يدق وبرجل ترجف ولا تكاد تحملها ترجلت شيماء من سيارتها امام بيت عزيزة .. كان الظلام يسود البيت وليس البيت فقط بل الشارع كله دقت الجرس ولم يرد اليها أي جواب... وبخطى بطيئة مشت لبيت الجيران ودقت الباب وأيضاً ما من مجيب ... والبيت الثالث .. والرابع .. والخامس .. كل البيوت غارقة في صمت مهيب ... في ظلام مخيف .. وأخيرا لا تذكر شيماء عدد البيوت التي طرقتها ولكن في نهاية المطاف فتح الباب الاخير ... وفتحت طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها سألتها الشيماء بصوت لا يكاد يسمع: اين ماما ياصغيرتي؟

الطفلة: انها ليست هنا ذهبت الى المستشفى.

الشيماء وقد بدأ نبضها في الهبوط: لماذا هل أصابها مكروه؟

الطفلة: لا أمي بخير ولكن الناس كلهم ذهبوا الى المستشفى لان عزوز ( هكذا كان الاطفال ينادونها ) مريضة قليلا.

لم تعلم الشيماء ما تفعله ودارت بها الدنيا .. وخافت ان تقود سيارتها الى المستشفى خوفا من صدمة لا تعلم حتى الان أبعادها... اتصلت بأخيها لنجدتها .. أتاها خالد .. كلمها .. طمئنها ... قال لها مستحيل أن يحدث شي من هذا القبيل... انه من سابع المستحيلات في هذا الوطن الآمن .... ولكن نفس شيماء لم تهدأ وروحها لم تطمئن .. ودمعتها سالت من مجرد احتمالية صدق الخبر ... وانطلقت بهم السيارة باتجاه المستشفى وهناك......

يتبع...
ام نصار 7
ام نصار 7
روعة القصة سلمت يمينك حبيبتي بس حبيت انبهك لملاحظة لاحظتها وهو انك قلتي شاء القدر وهذا خطا المفروض تقولي قدر الله او شاء الرحمن هذي ملاحظتي واتمنى تتقبليها والى الامام ياحلوة متابعينك