وهي تسير بإبريق الماء تسقي زروعها وتتأمل أوراقها النامية من قريب ، سمعت صوتا لم تعرف مصدره ، قد هبَّ مع هبوب نسمة هواء باردة ، سمعت الصوت يقول:
- مرحبا
فردت هي:
- من يتكلم؟
- أنا الهواء...ماذا تفعلين؟
- أتفقد زروعي
- أتحبينها؟
فضمَّت أقرب زرعاتها بيديها وقالت :
- حبا جما
- والمال؟
- أحبه ايضا
- ماذا لو وعدتك بمليون ريال الليلة ؟
- واو رائع
- لكن عندي شرط
- ماهو؟
- أن تنامي بلا نفس
- ماذا ؟ أتريد لي الموت؟
- لا ..بل أريدك أن تحيي حياة أخرى
- تقصد الموت؟
- وهل يخيفك الموت؟
- طبعا
- هل أعددت له عدَّته؟
- هههههههه إنك واعظ....جئت أيها الهواء لتعظني
- وماذا في ذلك؟
- اسمع أنا لا أحب المواعظ و أحب اكتشاف الحقائق بنفسي
- تثقين بنفسك كثيرا
- نعم وأحترمها أيضا
- يمكنك الأخذ بموعظتي دون أن يتأثر احترامك لنفسك
- لست صغيرة
- ما قلت ذلك!
- أحتاج لأن اكتشف الحقائق بنفسي
- يمكنك اختصار الطريق
- ما المتعة في ذلك؟
- ستصلين سريعا
- إلى ماذا؟
- للحقائق التي تريدين اكتشافها
- ومن قال أني أريد الوصول سريعا؟
- أنت
- أنا ؟ ما قلت شيئا!
- حالك يقول ذلك
- كيف قال لك ذلك؟
- إني أتأمله من زمن طويل
فقالت المرأة مستنكرة:
- أتراقبني؟
- لا.. ما قصدت المراقبة لكني هواء أمر في كل زمان وبكل مكان وبكل أحد ولاحظت شيئا
- ماذا لاحظت؟
- لاحظت أنك شاردة
- مما أنا شاردة؟
- من كل شيئ ومن كل أحد
- وما تفسير ذلك عندك؟
- تفسيره أنك تتألمين من طول الطريق
- أي طريق؟
- طريق الحياة ،الطريق الموصل للحقيقة
- لكنك لا تعرف عن أي حقيقة أبحث
- بلى أعرف
- هههه .. مدع كبير أنت !!
- أنت تبحثين عن الله
- الله ....إني أعرفه وأقرأ كتابه وأصلي له كل يوم ,,,قد تأكدتُ الآن أنك مدع كبير جدا
- لكنك لا تعرفين من هو الله
- ماذا تقول أنت ؟كيف لا أعرف ؟ إنه خالقي ورازقي...
- لكنك لا تعرفين كيف تجعلينه حبيبك لذا تبحثين عن محبته
فردت بغضب :
- إني أحبه
- هل تشتاقين لرؤياه ومقابلته؟
أجابت بضيق ظاهر:
- أكيد
- هل تجتهدين لإرضائه؟
قالت بملل:
- نعم قدر استطاعتي
- هل تتلذذين بمناجاته ودعائه و تجدين راحة في صلاتك له؟
- ماذا تقصد؟
- أجيبي
- سؤالك الأخير إجابته : لا ليس دائما
- هذا هو , أنت تبحثين عن الراحة مع الله تبحثين عن محبته محبة حقيقية تجعل أسعد لحظاتك لحظات مناجاتك له , وتريدين إيجاد طريق يجعله أقرب لك من أهلك وأبنائك وأقرب من أعز صديق لك
- ولم أنت متأكد من أن هذه حاجتي التي تشغلني؟
- أليست هذه حاجة لك؟
- بلى لكن لدي حاجات أخرى قد تكون سبب شرودي
- نعم لديك أشياء تريدينها وتلحين للحصول عليها لكنها كلها لا تصل إلى مستوى حاجتك التي ذكرت
- إذ لم تصل لمستواها فلم أُلحُّ للحصول عليها ؟
- لأنك هاربة
- مما؟
- من البحث عن حاجتك الحقيقة وهي الوصول الى الله
- لو سمحت قلت لك أني أعرف الله ..ولا تظنن نفسك بسبب خفتك وقدرتك على العبور في أضيق الأماكن قادر على الوصول إلى أعماق نفسي
- ههههههه أنت لا تدرين أني أصل لأعماق نفسك ؟
فردت ساخرة:
- لا ..لا أدري يا فهيم
- فلتدري الآن ,فأنت لا تتنفسين إلا إياي
- نعم أتنفسك ؛ لكنك تدخل جسدي وتمتزج بدمي أما روحي وحاجاتها فلا يعرفها غير خالقها
- و الخلق يصلون للمعرفة أحيانا بالاستدلال
- وبماذا استدللت أنت على حاجتي الأولى؟
- دليلي جسدك ولغته
- وما هي لغته التي فهمتها أنت ولم أفهمها أنا؟
- جسدك متعب وملامح وجهك حزينة ومشاعر الضيق بادية من تصرفاتك وتوترك وروحك تئن
- لحظة ....لحظة .... ما معنى قولك بأن روحي تئن!! وما أدراك أنها تئن؟؟
- إني أسمع لها صوتاً!
- هههه ...بسم الله ! وما هو هذا الصوت الذي لم يسمعه غيرك؟؟!!
- إنها تنادي يا الله
- طبيعي أن تنادي يا الله ، حتى الروح المرتاحة تنادي يا الله !!
- لكن صوتها مختلف.
- كيف هو ؟
- تقول يا الله بصوت يضغط على القلب وكأنه يعتصر
- وما أدراك
- شعرت بذلك ، أنا هناك في جسدك ومع دمك ممتزجا فحين تنادي روحك المتعبة يا الله يعتصر قلبك وتنغلق مخارجه ومداخله فلا يدخله شيئا ولا يخرج منه شيئا , وهذه العصرة هي دليل حاجتك الأولى
ا.هـ بقلمي
.
فعلاُ كلنا بحاجة للراحة الحقيقة
بعيداً عن زيف الحياة .
.وذلك لايكون إلابالقرب الى الله بنفس خاشعة ومطمئنة .....بورك الفكر والقلم ودمت بخير يا مها ❤