دخل والدى مطعم " لينج " ليتغدى بعد جولة طويلة فى شوارع هونج كونج مدينة الأعاجيب وكان يقع فى شارع " دى فو " شريان المدينة الرئيسى .. واشتهر بأطباقه الشهية .
واختار مائدة مفردة فى القاعة التى تميل إلى الاستطالة ولها أربعة أبواب تتحرك بلولب .
وكانت الستائر الحريرية المزخرفة بأجمل الرسوم مسدلة والمطعم فى نصف ظلام .
وأضيئت جوانبه بقناديل حمراء صغيرة حتى فى النهار لأن الستائر حجبت عنه الضوء الخارجى كلية .
وكانت الموائد يغطيها نسيج أرجوانى موشى بالزهور .
والقاعة غاصة بالزبائن من مختلف أجناس الأرض .. وثلاثة من الخدم يتحركون بين الموائد فى ستراتهم البيضاء الزاهية .
وجذب انتباهه رجل صينى فى حوالى الأربعين من عمره .. كان يجلس فى نفس الصف ويأكل بشراهة مذهلة وكل القرائن تدل على أنه يتناول هذه الوجبة بعد أن تمزقت أحشاؤه وعانى طويلا من سعار الجوع .
وكان الشحوب الذى يتركه الجوع على وجه الإنسان لايزال بارزا على وجهه المستدير وعيناه قد انطفأ ما فيهما من بريق ..
وبدت جيوب سترته منتفخة بما فيها من أشياء .. وشعره قد نبت بغزارة على عارضيه كما أنه لم يكن يعنى بملابسه .
وكان مظهره كله يدل على أنه جواب آفاق .
وأخذ يأكل فى صمت وبصره مركز على الصحون وذراعاه تطوقان ما فوق المائدة من طعام كأنه يخشى أن ينتزع منه .
ومرت فتاة صينية حلوة بين الموائد حاملة صندوقا من السجائر .. فاستوقفها الرجل وتناول منها علبة .. وأرجأ دفع الثمن حتى يفرغ من الطعام .
ودفعت الفتاة بابا صغيرا جانبيا وتركته مفتوحا .. فسمع على أثر ذلك موسيقى خفيفة فعرف أن الباب يفضى إلى ملهى فى نفس البناية .
وكان الملهى يعمل فى الليل ولكن بعض فتياته كن جالسات هناك فى استرخاء وعيونهن لاتزال تشعر بالحاجة إلى النوم .
ولمح من بينهن غانية شابة جميلة جدا .. وكانت تجلس وحدها وعلى وجهها الشرود .. وما لبثت أن نهضت .. ودخلت قاعة الطعام .. واختارت مائدة جانبية خالية .. وطلبت قدحا من النبيذ تناولت منه جرعات ثم أشعلت سيجارة .
وكانت ممتقعة الوجة وعلى خديها شحوب بارز .. وشعر رأسها أسود غزير وقد تركته ينسدل على جبينها ليخفى بقايا دموع فى عينيها .
وكانت ترتدى الجونلة الصينية المشقوقة عند الفخذين وفوقها صديرية حريرية حمراء .. وبدت ضجرة وحزينة .
ولم تستطع نضارة وجهها أن تخفى أحزان قلبها .. فقد كان فمها الصغير تتفتح شفتاه قليلا .. كما تتفتح الوردة فى رعشة خفيفة عندما يمسها الطل .
ورغم الستائر المسدلة على أبواب المطعم ونوافذه .. فقد أحس بشىء حدث فى الخارج .. فقد أخذ المطر يتساقط وهبت الريح فى شدة .. ولم يكن الجو باردا حتى فى ديسمبر ولكن جهاز التكييف كان يعمل .
وتحركت السيدة السمينة صاحبة المطعم من مكانها عند " البنك " لما رأت الخدم يقدمون الحساء وهو آخر الصحون فى المطاعم الصينية .. وأخذت تحيى الزبائن وتسألهم عن المزيد من الرغبات .
وفى أثناء جولتها حدث فجأة شىء رهيب .
فقد أراد الرجل الصينى " جواب الآفاق " الذى كان يأكل بشراهة .. أن يتسلل من المطعم دون أن يدفع ثمن الطعام .. لأنه لم يكن معه نقود على الاطلاق .
وأحس به الخدم فأوقفوه ودفعوه بعنف إلى الداخل وأعادوه إلى مائدته ليكون بجانب قائمة الحساب .
وأخذت العيون كلها تحدق فيه بوحشية .
وتطلع والدى إلى الرجل فإذا هو صامت يدير عينين مذعورتين وأصابعه تعجن طرف سترته .. فقد تخاذل الرجل وانهار كلية .
وأخذت النظرات الوقحة تعرى هذا البائس من ثيابه .. حتى بلغ به التأثر مبلغه .. فارتعشت شفتاه وعبر وجهه عن أقصى حالات الألم البشرى .
وعلى اثر كلمة سمعها رآه يقلب جيوبه ويفرغ كل ما فيها .. وبعد هذه الحركة .. غامت عيناه تماما وتصلب فكاه .. وحسبه قد أصابه الصرع .
وصاحبة المطعم التى كانت توزع ابتسامتها وتفيض من عذوبتها على الزبائن .. انقلبت فى لحظة إلى نمرة متوحشة .. وأخذت تهدد بالصينية وتصدر أوامرها للخدم .. ثم أدارت قرص التليفون وهى فى حالة غضب .
وتسرب الخبر إلى العابرين فى الطريق فأخذوا ينظرون إلى الداخل من خلال الستر .. ولولا أن باب المطعم كان مغلقا ووقف عليه حارس ليمنع الرجل من الهروب .. لدخلوا وأشبعوا الرجل سخرية .
وتألم والدى لحاله .. ولكنه لم يغفر له خضوعه المطلق وذلته .. وكان يود لو يتصارع معهم ويتضارب وهو يبدو قويا ..
وخيم الوجوم على من فى القاعة عندما دخل رجل البوليس .
وفى وسط الصمت المخيم رأى الغانية الشابة التى كانت جالسة هناك وحدها وأمامها قدح من النبيذ .. تقترب من الرجل المسكين وتقول وهى تشير بيدها :
ـ هناك ورقة ساقطة من السيد .. وانحنت والتقطت ورقة بمائة دولار هونج كونجى .. ناولتها للرجل .
وكأنما بصقت بهذه الكلمات الندية على وجوه الموجودين فى القاعة جميعا ..
وتناول الرجل الورقة ولم ينبس ..
وكبرت المرأة فى نظر والدى وكبرت حتى حجبت كل من فى القاعة .
وأدرك يقينا وهو ينظر فى عينيها .. أنها ذاقت أكثر من مرة عذاب الجوع ..
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
وأنت حاسة إنها حقيقية ولا من نسيج الخيال . اطمئنى هى قصة حقيقية وحدثت فى عام 1957 .
ولربما أسلوب القص , ووصف المطعم ، لرغبتى فى أن تعيشين فى جو المطعم وما يقدم فيه وما يحدث من صاحبته ، جعلك تشعرين أنها من نسيج خيال.
وشكرا لك
ولربما أسلوب القص , ووصف المطعم ، لرغبتى فى أن تعيشين فى جو المطعم وما يقدم فيه وما يحدث من صاحبته ، جعلك تشعرين أنها من نسيج خيال.
وشكرا لك
لا بالعكس اذا هذا اسلوب انتي طرحتي فهو ممتاز بس يمكن لانها قصة تروى بشكل جديد ومختلف تغير علينا
دمتي
دمتي
والله يا أخوات حاجة تشرح القلب حينما أرى عدد قراء الواحة الأدبية يزداد ، بارك الله فيكم ويكثر من أمثالكم , ويشجعنى على أن أكثر من حكاياتنا الهادفة
اختي بتعرفي شو الغلط الي صار وجعل القصة ما تنفهم!!
الغلط انها كانت بقسم ساعدوني على ما اعتقد بينما الحين اتضح الهدف من القصة وهي الواحة الادبية
واسفة على الازعاج
ودمتي
الغلط انها كانت بقسم ساعدوني على ما اعتقد بينما الحين اتضح الهدف من القصة وهي الواحة الادبية
واسفة على الازعاج
ودمتي
الصفحة الأخيرة
وما المناسبة بذكر كل هذي التفصيل
ماقدرت امسك طرف الخيط قصص ومواضيع متشعبة دخلت ببعضها,
اعذريني
ودمتى