لا يهمني أن أعرف من يكون أبي أو أمي

نواف شاب عصامي عاش حياته يتيماً منذ الصغر بلا أب أو أم يعرفهم، لا يكترث كثيراً كبقية أقرانه عندما يتحدث عن وضعه الاجتماعي بل يجد نفسه أكثر ارتياحاً من غيره كونه يعيش كما يريد دون أن يسأل أو يهتم به أحد، كان ذلك قبل أن يقرر ترك عالمه الصغير في دار التربية ويبدأ في بناء حياته الخاصة•
إنسان: عبدالله الشهري
بعد أن بلغت من العمر >26▪ عاماً•• هل مازلت تحفظ شيء من أيام طفولتك؟
البداية كانت في دار الحضانة بالدمام، منذ ولادتي إلى أن بلغت السابعة من عمري•
▪ ولماذا بالدمام؟
لا أعلم اسأل من كان السبب•
▪ لم أفهمكم جيداً؟
سؤال غريب لماذا بالدمام وهل لطفل يسأل لماذا ولدت•
▪ أقصد هل تم نقلك للدمام أم أنك وجدت هنالك؟
لا بل كانت ولادتي بالدمام•
▪ وهل دار الحضانة تشمل رعاية الجنسين؟
نعم دار الحضانة تشمل عدد كبير من البنين والبنات• حيث كان هناك عدد من المشرفات السعوديات وكن يقمن بدور فعال كالعمل الاجتماعي والرقابة والإشراف بما يخدم المحتضن•
▪ وكيف كانت رعايتكم في هذا العمر؟
ممتازة جداً وأنا أعتبرها أفضل دار حضانة مقارنة بغيرها•
▪ كيف حكمت وأنت لم تزرها؟
حكمت عليها من خلال زملائي الذين التقيتهم لاحقاً وكنا نتبادل الأحادي عن طفولتنا ووجدت أنها كانت الأفضل مقارنة بغيري•
▪ ومتى التحقت بدار الحضانة؟
عام 1401هـ•
▪ عندما كنت في دار الحضانة وفي سن الطفولة هل كنت تسأل عن والديك كبقية الأطفال؟
لا•• على الإطلاق فكل ما يهمني هو اللعب والمرح وقضاء وقت ممتع مع أصدقائي في الدار•
▪ ألم يكن هناك إحساس يشدك إلى حنين الوالدين؟
لا••• لم أحس بذلك أبدأ•
▪ وماذا عن أصدقائك؟
أيضاً لم يتغير عليهم شيء فكل همنا اللعب والمزاح•
▪ وكيف كنتم تسكنون؟
كنا مقسمين حسب مراحل الفئة العمرية المتقاربة لتسكن مع بعضها، فالأطفال ذوو السنتين لهم سكن خاص بهم وذوو الست سنوات أيضاً لهم سكن خاص بهم وهكذا وكان السكن يسمى >المهجع▪ وكان عددنا من 8 - 9 في المهجع بنين وبنات•
▪ ما الذي يتبادر إلى ذهنك الآن عند سماع كلمة مهجع؟
أحس بالحنين يشدني إلى تلك الأيام لأنها أيام طفولة فبالتالي لها ذكريات عزيزة وباقية في الذاكرة•
▪ هل تروي لنا شيئاً من تلك الذكريات؟
أيام الطفولة كلها أيام سعيدة ولحظات ممتعة، فتخيل أنك بوسط 150 شخص ما بين طالب وطالبة أقصى همومكم الأكل والشرب والمرح واللعب ليس لدينا هموم أو إحساس بالوقت أو أي أحزان وفي العيد كان هنالك برنامج جميل يتخلله زيارة الملاهي وإقامة احتفال خاص بالدار وتوزع الحلوى•
▪ ما هو تقييمك لدار الحضانة؟
كانت جميلة فلك أن تتخيل دار يشرف عليها نساء فاضلات يخفن الله تعالى ويبحثن عن الأجر فكنا كالأمهات في رعاية أبنائهن مع العلم أنني لا أعلم عن الأم سوى الاسم ولم أجرب يوماً أن أقول أمي أو أبي•
▪ المشرفات هل هن سعوديات؟
قليل سعوديات أما الغالبية فكانت من الجنسية الفلبينية حيث كن يتولين مهمة رعايتنا كاملة وكانوا لطيفات جداً جداً•
▪ متى كنتم تنامون؟
الساعة التاسعة مساء لا تجد أحد مستيقظ وعند 12 ليلاً يتم إيقاظنا لقضاء الحاجة بسبب كثرة حدوث التبول من الأطفال في أسرته والذي ينتج عادة عن تعرضهم للمكيفات•
▪ بعد بلوغك سن الرشد إلى أين انتقلت؟
لا تذكرني فهذه أصعب لحظات عشتها في حياتي ولكن صدقني أنها أصعب من لحظة معرفتي بوضعي وأنني طفل بلا أم أو أب!!
▪ لماذا؟
لأننا انتقلنا من جنتنا الصغيرة وعالمنا الذي كنا نعتقد بعدم وجود غيره إلى عالم آخر مليء بالألم والحزن تخيل أن تحاول خطف طفل من أسرته من أحضان أمه وعطف أبيه هكذا كان حالنا فبعد ست سنوات من الحياة الجميلة السعيدة نتفاجأ بمن يحرمنا ذلك وكان الموقف الأصعب في ذلك مشاركة الاختصاصيات اللاتي كن نحبهم كثيراً في هذا•
▪ كيف؟
بعد أن تم تحديد وجهتنا من قبل مسؤولي الدار حضرت إلينا المشرفات وقلن لي أنا والمجموعة التي كانت معي وعددنا (15) على ما أذكر سوف تذهب معنا إلى الإحساء لعمل جولة ومن ثم العودة (لعب أطفال) ولم نعترض في حينها حيث لم نكن نعلم بأنه الوداع الأخير لهذا المكان الجميل•
ولدى وصولنا دار التربية بالإحساء وبعد استقبالنا من قبل مسؤولي الدار وعمل واجب الضيافة والذي كان أبغض واجب ضيافة لي في حياتي رأينا المشرفات يودعننا فحاولنا الحاق بهم ولكن منعنا من ذلك وأخذنا بالصراخ والبكاء لعلهم يرحموننا عندها فقد أحسست بأن أجمل لحظات حياتي قد ولت إلى غير رجعة (قالها وهو يمسح دموع عينيه)•
▪ الجو تغير عليك؟
نعم فلم نعد نشعر بأننا الأطفال المدللون وكان أول القرارات فصلنا عن بعضنا البعض (البنين) فلم يسمح لنا بالاختلاط مع من هم في سن الحادية عشر وهكذا•
▪ كيف كان أول يوم لك في المدرسة؟
لا أذكره جيداً ولكن بصورة عامة كانت المدرسة عادية لا تحمل الشيء الكثير مما يهم ذكره•
▪ ومدير المدرسة والمدرسين هل يعلمون بوضعكم؟
نعم•
▪ هل هنالك مواقف معينة تعرضت لها خلال دراستك في المرحلة الابتدائية؟
أذكر جيداً موقف أحد المدرسين عندما كلفني أن أكون عريف الفصل وأنا في الصف الثاني الابتدائي وكان بالفصل ابن ذلك المدرس فكنت أخيف الطلاب بحركات عفوية بسبب الجرح الذي أعاني منه في وجهي فلم يتمالك الطالب نفسه وبكى ولدى دخول والده (المدرس) للفصل وشاهد ما حدث قام بصفعي كف على وجهي أبكاني كثيراً علماً أنه كان يعلم أنني (يتيم)•
▪ وزملائك بالفصل؟
كانوا لا يسألون ولا يهتمون بمعرفة وضعي حيث كنا كأطفال لا نعي مثل هذه الأمور•
▪ ذكرت أنكم تسمون المشرفة >بالأبلة▪ وماذا كنتم تسمون المشرف؟
كنا نقول له >عمو▪•
▪ حدثنا عن السلوكيات الإيجابية أو السلبية التي تكونت لديك في تلك المرحلة؟
حياتي طبيعية وسوية ولم اكتسب أي سلوكيات سلبية في دار التربية الاجتماعية والحمد لله•
▪ كم كان عمرك عندما انتقلت من دار التربية؟
ما يقارب الـ>15 عاماً▪ تقريباً•
▪ وهل تذكر في أي لحظة دراسية كنت؟
في الصف الرابع لأنني متأخر دراسياً•
▪ وماهو العقاب الذي يتلقاه المتأخر دراسياً؟
حرمان•• ونسبة الخروج تقل مقارنة بالناجحين كما أن المتأخر يتحمل ضغوط المذاكرة الصيفية•
▪ هل هناك حوافز للمتفوقين؟
نعم تقدم لهم جوائز عن طريق تنظيم حفلات آخر السنة•
▪ وهل كنت تفضل النقل إلى الرياض؟
نعم كنت أفضل النقل إلى الرياض•
▪ كيف تم نقلكم؟
بواسطة القطار ونحن عبارة عن مجموعة مكونةمن >25▪ طالب•
▪ وهل أخبروكم بأنكم سوف تنقلون إلى الرياض؟
نعم أخبرونا وشرحوا لنا بأننا أنهينا تلك المرحلة وأننا مقبلون على مرحلة أخرى•
▪ هل تصف لنا شعورك إثر دخولك مدينة الرياض؟
عند وصولنا مدينة الرياض فوجئت بآخرين كبار في السن يبلغون من العمر حوالي الـ>25▪ عاماً وأنا عمري >15▪ عاماً وكنت المعاملة واحدة تشمل كل الفئات العمرية وهم لا يفرقون الكبير عن الصغير في المعاملة•
▪ هل تذكر في أي عام دخلت دار التربية بالرياض؟
على ما أذكر أنه كان في عام >1414▪•
▪ وكم بقيت في المؤسسة؟
سنتين تقريباً•
▪ وإلى أي مرحلة دراسية وصلت؟
إلى السادس•
▪ ألم يكن يشغل تفكيرك في تلك المرحلة الانتماء الأسري؟
لا•• فنحن كنظام التربية والحضانة كما أن الدار لا تسمح لنا بالخروج إلا مرة واحدة في الأسبوع ويكون جل تفكيرنا >الوناسة▪ واللعب•
▪ وماذا عن وضعكم بين الطلاب في المدرسة؟
كان الطلاب يعرفون بوضعنا والأمر عادي ولا أحد يسيء لنا أو يتلفظ بكلام جارح•
▪ ألم تسأل نفسك يوماً عن أسرتك؟
نعم، قبل خروجي من المؤسسة بدأت تلك الأسئلة تخطر على بالي•
▪ هل يطرأ على بالك شيء من الذكريات خلال فترة السنتين في المؤسسة؟
كانت المعاملة جافة وقاسية وكأنهم يريدون أن يجعلوا منا رجالاً قادرين على مواجهة الحياة•
▪ هل تعاني من كلمة >ذو الظروف الخاصة▪؟
على العكس أفتخر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتيماً•
▪ ألم تسأل نفسك يوماً ما أين عائلتي؟
نعم سألت نفسي وسألت الاخصائي وقال >لي▪: كل ما ذكر في ملفك أنهم جاءوا بك من المستشفى وعليك آثار جروح في وجهك كما أنه نصحني وقال هذا أمر الله ويجب أن ترضى به•
▪ هل تتوقع أن تلتقي بعائلتك؟
لا•• لا أتوقع•
▪ هل هذه حالة يأس؟
لا أنا هكذا أفضل ومرتاح••!!
▪ ماذا تقول والديك؟
إذا كانوا أحياء أقول لهم سامحكم الله، وإذا كانوا أمواتاً أقول رحمة الله عليكم•
▪ وهل هذا الشعور ينطبق على كل ذو الظروف الخاصة؟
أحدثك عن نفسي والحاقد لا يلام لأنه عاش حياة مرة••!
▪ هناك بعض السلبيات التي تتهمون بها كالخوف مثلاً•• ما تعليقك؟
هذا ربما يكتسب من الدار عند البعض ولكن خارج الدار لا توجد هذه السلبيات ونعيش حياتنا الطبيعية•
▪ هل تجدون حرجاً أمام المجتمع بأنكم من الدار؟
ليسوا سواء فهناك من يجد الحرج وهناك من لا يعني له الأمر شيئاً•
▪ هل هناك ميزة تميزكم عن الغير؟
مرتاحين من >الغثا▪ لا صلة رحم ولا بر والدين ولا غيره••!! "يقولها ويضحك"•
▪ من هم أصدقائك الآن؟
أصدقائي ممن عاشوا معي في الدار وكذلك بعض الكبار الذين يبدون النصيحة لي•
▪ يتهم الأبناء >بالجحود لمن يقدم لهم معروفاً هل هذا صحيح؟
بالعكس أنا أصون المعروف ولكن ربما كان هناك قلة من يتصفون بذلك ولا يجوز التعميم•
▪ قد يوصف الابن بأنه >سليط لسان▪ على المشرف أو المراقب•• كيف ترى ذلك؟
لا أعتقد ذلك•• فهذه دولة وهناك حدود وأنظمة لا يستطيع أحد أن يتجاوزها•
▪ قد يواجه الابن الناجح حسداً من زملائه، ما مدى صحة ذلك؟
الحسد موجود في كل مكان وليس مقتصراً على الدور•
▪ هل يوجد أبناء حققوا ذواتهم ونجاحاتهم؟
نعم كثير جداً من حققوا أحلامهم وتجاوزوا كل الصعاب التي أمامهم•
▪ متى فكرت في إكمال نصف دينك؟
منذ أن بلغت من العمر >22▪ عاماً فكرت في الارتباط لأنني رأيت زملائي تزوجوا واستقروا فحذيت حذوهم كذلك فقد وجهت لي النصائح بإكمال نصف ديني•
▪ هل الحياة الزوجية لذوي الظروف الخاصة مستقرة؟
نعم حالات كثيرة مستقرة ويعيشون حياة طبيعية هادئة حالهم حال الكثير من الناس•
▪ من أين تزوجت؟
من نفس الدار•
▪ من سعى لك في ذلك؟
لم يسعى أحد لي بذلك، فأنا ذهبت بنفسي وقدمت خطاب للوزارة بينت فيه رغبتي في الزواج وحولت على القسم النسائي وتم الأمر والحمد لله•
▪ ومن كان معك في تلك اللحظة؟
مديرة الدار•
▪ هل أخذت النظرة الشرعية؟
نعم وتم القبول بعد أن رفضت >اثنتين▪ من بنات الدار وهديت إلى الثالثة•
▪ وهل كانت موافقتك بنفس اللحظة؟
نعم لأنني وجدت ما يناسبني•
▪ بالنسبة للفتاة التي رغبت بالزواج منها هل بادلتك نفس الرغبة؟
نعم والحمد لله فقد كان القبول من الطرفين•
▪ من دفع لك تكاليف الزواج والتجهيزات؟
الوزارة وجمعية إنسان•••
▪ كيف تصف حياتك بعد الزواج؟
الحمد لله أعيش في استقرار وسعادة•
▪ هل رزقت بأطفال؟
نعم عندي >بنتين▪ حنان وجمانة•
▪ هل ترغب في الأولاد؟
الحمد لله أنا راضي•
▪ ماذا كنت تتمنى أن تكون؟
طبيب•
▪ لماذا؟
لا أدري ولكن يمكن أن يكون بسبب كثرة دخولي المستشفيات•
▪ ماهي طموحاتك؟
أن أصبح تاجر عقار•
▪ ماذا تتمنى لبناتك؟
أتمنى لهن التوفيق والسعادة•
▪ هل هناك إنسجام تام بينك وبين زوجتك؟
نعم• ونحن في سعادة واستقرار ولا شيء يعكر صفونا•
▪ زوجتك هل تعمل؟
لا•• هي ربة منزل•
▪ هل نقلت لك زوجتك ما عانته من أوضاع في الدار؟
لا لم نتطرق إلى مثل تلك المواضيع ونحاول دائماً أن يكون الوضع طبيعي ولا نعود بالتفكير إلى الخلف•
▪ حدثنا عن حياتك اليومية؟
استيقظ باكراً وأذهب إلى عملي وعندما أعود لتناول طعام الغداء واسترخي إلى المساء ثم أباشر أعمالي الأخرى وارتباطاتي الخاصة وأهم شيء عندي هو الصلاة لكي يوفقني الله في الدنيا والآخرة•
▪ متى تتفرغ لأسرتك؟
في عطلة نهاية الأسبوع•
▪ هل أنت متعلق بأسرتك؟
أكيد هؤلاء أطفالي ولو سألت أي شخص لأجابك بنفس إجابتي•
▪ كم عمر بنتك حنان▪؟
عمرها ثلاثة سنوات•
▪ بعد أن كونت أسرة أصبحت مسؤولاً هل طويت صفحة الماضي؟
نعم وكلياً وإلى الأبد•
▪ ألم تحاول معالجة الجرح الذي في وجهك؟
حاولت سبع مرات أولها في مستشفى القطيف ومن ثم مستشفى الشميسي بعد ذلك جمعية إنسان جزاهم الله خير الجزاء•
▪ ألم يحدث تحسن؟
عملية الوجه صعبة جداً لأنها في موضع حساس وأنا متفائل وأسأل الله أن يكتب لي الشفاء•
▪ هل هناك من كلمة تود إضافتها؟
أشكر الأستاذ عوض الردادي وكيل الوزارة للشؤون الاجتماعية وكذلك أوجه شكري للشيخ منصور العمري على مساندته لي ومساعدته لي ومساعيه معي في شراء بيت ولا أنسى وقفته في ذلك كما أنه منحني الأمل الكبير في الحياة مما جعلني استمر وأكافح واجتهد وأطوي صفحة الماضي•