(قصتي مع عمرتي)إذا جعل العبد حب الله همه أزال الله عنه كل ما أهمه

الملتقى العام

ألقى علينا الشهر الكريم من بركاته ... واستقت حنايانا من نسماته.
نقلني ذات مغرب إمام الحرم الملكي إلى جو روحاني عظيم .. حلقت فيه روحي إلى مكة وجسدي لا زال فـي الرياض .. حلم راودني لحظتها أن أحظى بعمرة فـي هذا الشهر الفضيل ... الشيخ يتلو بصوت شجي، وأنا ذهني يستعرض العقبات التي توالت سراعاً (أولادي ... زوجي ... بيتي ....
(أيضاً صحتي فهي ليست على ما يرام)
ألقيت نظرة أخرى على جموع المصلين فتلاشت كل هذه العقبات مع عزيمة داخلية تقول "أريد عمرة فـي رمضان".. فأنا لم أفعلها منذ زمن بل أزمان .. عقدت النية .. سجلت مع حملة أقنعت ابني الصغير ذو الثمانية عشر عاماً .....تلكأ قليلاً ثم وافق وكله عزم الرجال ...
أرهقت نفسي فـي ترتيب الشنط والبيت وتجهيز ما يمكن تجهيزه .. ضحكت على نفسي كثيراً فالرحلة قصيرة واستعداداتي أكبر منها بكثير ... ذهبت لتوديع والدتي .. حفظها الله .. رجعت إلي بيتي متأخرة (خلدت لنومة قصيرة).
فأنا أفكر فـي رحلتي !!!
توجهنا إلى مطار الملك خالد الدولي وذلك يوم الجمعة الموافق 12/9/1429هـ الواحدة ظهراً اكتشفنا أن الرحلة فاتتنا ... واضطررنا للانتظار للرحلة القادمة .. ولعل الخير فـي ذلك .. ركبنا الطائرة .. لم يبق إلا ثوان على الإقلاع ..
(لا أدري ماذا دهاني)
ضيق تنفس ... عرق غزير .. برودة أطراف .. خفقان في القلب ..
شعرت بالموت يدنو مني بخطى ثقيلة
تساءلت ماذا قدمت لحياتي الأخرى ؟؟؟
أقيام ليل .. أو صيام هواجر ؟؟ كلا والله
رددت اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ولهج لساني بدعائي الذي اعتدته عند الكرب (يا ولي نعمتي .. وملاذي عند كربتي .. أجعل ما أجد برد وسلام).
لغو وأصوات فـي المقصورة .. لا أقدر على الكلام ..
ابني الحبيب يتحرك بسرعة
لما رأيته مرتبكاً تمثلت أمامي صورة ابنتي الصغيرتين بعد خمسة عشر عاماً من الانتظار وفقدان اثنتين قبلهما ..أشفقت عليهن من اليتم .. استودعت الله ديني ... أمانتي خواتيم عملي ).
ومع هذه الصورة زاد ت غصتي فـي حلقي
وازداد دمعي سخونة على خدي ...
بحثوا عن طبيب فـي الطائرة .. تقدم طبيب أجنبي وطبية سعودية لا بأس .. إنما هو هبوط حاد فـي السكر مع الصيام والإرهاق. أفطرت رغماً عني .. وضع الأكسجين على فمي ..
ودعوات المعتمرين تلهج بالدعاء لي، بأن يزيل الله عني ما ألم بي هناك من يقرأ علي .. وهناك من يطمئن فلذة كبدي الذي لا يدري مالله فاعل بي .. أهو الأجل قد نزل على !!
أم مرض حل بي !!
عادات لي الحياة ولله الحمد والمنّة.....
سألني بعدها الملاح إن كنت أرغب فـي النزول من الطائرة أم لا ...
بعد أن تأخرت الطائرة عن الإقلاع مدة تزيد عن خمسة عشر دقيقة. تذكرت صلاة مغرب ذاك اليوم ورغبتي فـي العمرة فنطقت بكل جزم ....
ــــ سأواصل معكم بإذن الله ـــ
ولسان حالي يردد الشاهدتين .. وأسأل الله أن يقبلني وهو راضي عني .. ويتغمدني بواسع رحمته .. ويجعلني مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
تخليت نفسي وأنا مسجاة على نعشي
وقدمت جنازتي وصلي عليها فـي أفضل بقاع العالم
ــــ كم كنت سعيدة على ما أنا عليه من وجل ـــ
وضعت يدي فـي يد ابني وقلت له: لا بأس عليّ فأنا بخير ...
أومأ برأسه وكأنه يقول: أتمنى ذلك وهو فـي حال لا يعلم بها إلا بارئها...
ـــ هبطنا مطار جدة ـــ
استقلينا سيارة خاصة مع أخ مصري يكنى بـ (أبي سهل).
سهل الله عليه عناء الدنيا وعذاب الآخرة
تحدث له ولدي عما جرى لنا بالطائرة وهو يقدم لنا التمر والماء فـي السيارة للإفطار ...
فلما هممنا بالنزول. أعطى ابني كرته التعريفي. وأكد لنا أنه على استعداد تام لتقديم أي خدمة. فهو يعمل فـي أحد الفنادق فـي مكة المكرمة... نزلنا الفندق ... استلقى ابني بعد هذا التوتر على الفراش وراح فـي نوم عميق (بعد تناوله وجبة العشاء).
لم يغمض لي جفن ... لا أدري ما السبب ...
لحظات ثم عاودتني نفس الحالة
نظرت مشفقة إلى ابني فهو مرهق .. وقد أتيت به وهو غير راغب وقد مر بموقف عصيب فـي الطائرة.
وإن كان يحمل بين جنبيه صلابة الرجال كما عهدته ...
امتدت يدي إلى كرت (ذلك الأخ المصري) ... هاتفته ليأخذني لأقرب مشفى ... ذكرته بأن يصطحب معه أمه أو زوجته كتبت لابني ورقة بذهابي ... دقائق وكان أمام باب الفندق ذهبنا إلى المشفى. كنت أحمل معي بطاقة التأمين الصحي الخاصة بي. لكنها لم تُفعّل .. فدفع الحساب.
ناولت المال لوالدته .. لكنه أدخلها خلسة فـي مظروف الأشعة وناولني إياه عندما هممت بالنزول ...
تفاجأت بالمال بين الأوراق بعد نزولي للفندق. وجدت ابني لا زال نائماً ..
اتصلت به لمته لم فعل ذلك !!!
فالمال من حقه ويكفي من معروفه أنه لم يطلب أجرة على التوصيل قال لي بالحرف الواحد:((هذا أقل من الواجب الذي يمكن أن أقدمه)) وضعت هاتفي وأنا أتمتم "الدنيا لا زالت بخير")..
تماثلت للشفاء ... أخذت عمرتي بفضل ربي ..
وجدت التعاون الكبير من الناس فـي دفع عربتي فانا فـي المسافات الطويلة احتاج للعربة المتحركة كنت أنزل بنفسي لكنني احتاج ابني فـي دفع عربتي حتى الحافلة .. ولكم أحرجني أحدهم بكبير فضله أن دفع عربتي أكثر من مرة بقوله (لماذا تحرمينا الأجر يا خالة) لأفاجأ بعدها أنه مدير الفندق الذي أسكن فيه، مصري الجنسية أيضاً (فيا للتواضع الجم الذي يسكن بين جنبيه) إنه الأخ ((أحمد الشاعر)).
أجلت رحلتي لأن مرضي لم يساعدني لأداء الصلاة فـي داخل الحرم، وكان من المقرر رجوعي يوم الاثنين، أجلت الحجز حتى فجر الجمعة ذهبت إلى الصلاة التراويح ليلة الاثنين فلم أستطيع البقاء لكثرة المصلين وشدة الزحام، خرجت من الحرم وأكملت الصلاة فـي الساحات الخارجية اتصلت بي قريبة لي حديثة عهد بعمرة وأخبرتني بأن هناك فـي وقف الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مصلى للنساء فـي الدور العاشر حيث كانت من سكان ذلك الفندق.
ـــ سألت الله التسهيل ـــ
اتجهت نحو الوقف دفعت عربتي وأنا أبحث عن من يقوم بإيصالي إلى ذلك المكان سألت شاباً فـي العقد الثاني من عمرة هل تعرف أحد يقوم بإيصالي إلى الوقف. فيا عجباً لما سمعت من ذلك الشاب بقوله( أنا ولن أخذ منك ريال واحداً أريد الأجر من الله). سألته أنت من أهل مكه؟ أجاب: أنا من أهل الزلفي أتيت لأخذ العمرة مع والدي .. دعوت الله له ولوالديه بأن يجعله قره أعينهما .. ومن حفظة كتاب الله ...وأنصار الدين .. أوصلني المصلى.. سألني رجل الأمن : أين بطاقة التعريف الخاصة بنزلاء الفندق؟
علم أنني لست من سكان الفندق وقد أتيت من إحدى فنادق العزيزية عطف لحالي وقال: بكل رحابة صدر تفضلي .. دخلت المصلى صليت التراويح مع جمع غفير من النساء وكم كان مشهد مهيب ونحن ننظر إلى الكعبة وجميع المصلين.
سلمت بعد الصلاة على من كان حولي والسؤال عن الحال؟ تجاذب الكلام . سألتني إحداهن إن كنت من سكان الفندق فأجبتها من سكان فندق فـي العزيزية أتيت لأخذ العمرة والعودة قريباً إن شاء الله . قالت: إن أشكل عليك الدخول فهذه بطاقتي أملك شقة فـي البرج لقضاء شهر رمضان المبارك فـي هذه البقعة المباركة كل عام. أختك فـي الله أم الهيتم بالتاء المشددة.
من ليبيا الشقيقة : تمثلت أمامي هذه الأبيات:وكم لله من لطف خفي...
يفوق خفاه عن فهم الذكي
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً...
فثق بالواحـــــــد الفرد العلي
وكم أمراً تساءً به صباحاً...
وتأتيك المســــرة فـي العشي
سهل الله على الدخول لهذا المكان والصلاة فيه..
فله الحمد والمنّة ،،،،
أخبرت ابني الكبير بمرضي مع تكتمي على الموضوع فهرع إلى قادماً بسيارته لعدم حصوله على حجز بالطائرة ــ أسأل الله واسألوه أنتم أيضاً ...
"أن يذيقه بر أبنائه"
عاد ابني الصغير فـي سيارة أخيه .. ومكث ابني الكبير معي استعدت عافيتي ــ ولله الحمد ــ صليت بالحرم. سمعت صوت إمام المسجد الشجي دون حاجة للتلفاز فدمعت عيني أن حقق الله مناي ...
ـــ فلله الحمد من قبل ومن بعد ـــ
اتصلنا بذلك الأخ المصري لكي يوصلنا إلى مطار جدة اقتنيت له ولوالدته هدية متواضعة ... مررت على والدته بناءً على طلبها لتطمئن على صحتي ...
ووجدت منها كثير احتفاء .. وكرم جم .. أوصلنا المطار .. بقي على إقلاع الرحلة خمس ساعات سألنا أن كنا نرغب فـي قضاء بعض الوقت فـي مطعم لتناول وجبة السحور، أو الجلوس عند البحر فلم نرغب فـي ذلك.
دعوت الله بإخلاص وحضور قلب فـي جوف ليلٍ أن يكون التسهيل حليفي.. بأن نجد طائرة على الانتظار...كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل من ليلة الجمعة والإقلاع السابعة صباحاً .. الوقت طويل.. الانتظار ممل ..التعب والإرهاق أخذ منا كل مأخذ ..
أتانا عامل من بنقلادش مسلم لحمل حقائبنا.. أشار علينا ولم الانتظار .. فهناك رحلة دولية لابد أن تمر بالرياض ..
هل تريدون الذهاب عليها؟
قلنا نعم .. ساعدنا فـي أمر التذاكر ..
ساعة واحدة وإذا به يقول الآن الذهاب إلى الصالات الدولية طائرة قادمة من بشاور ذاهبة إلى الرياض لأخذ ركاب من هناك!!! أعطاه ابني مبلغ من المال وقدمت له سجادة لوالدته تقديراً له على جهوده...
"وأنا مشغولة بالتفكير"
كم من الجنسيات التي تعرفت عليها فـي هذا الزمن المبارك والمكان المبارك وهم يقدمون لي الخدمات لا يريدون جزاءاً ولا شكوراً..... شكر الله سعيهم.
وكلل بالقبول عملهم.
وجعل الفردوس الأعلى منزلتهم نزلت دموعي تترى .. فقد حقق الله مرادي وشفاني .. وسخر لي الكثير من خلقة ..
فهل هو راضيٍ عني ؟؟؟
ركبت لطائرة وأنا أردد
اللهم لك الحمد حمداً حمداً
ولك الشكر شكراً شكراً ،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،،،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،
أختكم فـي الله أم عبير وغدير

16
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بريق الإسلام
بريق الإسلام
الحمد لله على السلامه
تقبل الله طاعتكم أختي الغالية


شعور جميل ولحظات مميزه ولن تنمحى من الذاكره..
الله يبلغكم غيرها ان شاء الله
تميمية 2008
تميمية 2008
قال ابن القيم: إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها, وحمل عنه كل ما أهمه,
تاثرت اخيتي بموضوعك جزاك الله خير الجزاء البسك الله ثوب الصحة والعافية وادامها عليك ورزقك بر ابناءك بك واقر الله عينك بصلاحهم وحفظك واياهم بعينة التي لاتنام من كل سوء
سديرية
سديرية
شعور حلو وأيام حلوة مع صعوبتها ، نزلت دموعي لمن ذكرتيني بالعمره ،ادعوا لي بالشفاء العاجل وان ييسر لي العمره والحج القادم.
حبي المدفون
حبي المدفون
الحمدلله على سلامتك و تقبل الله عمرتك انتي و ابنك و الله يشفيك يارب

و يحفظ لك ابنائك اختي ،،،،،،،
بيسو*
بيسو*
الحمد الله على السلامه