الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
إن من الأساليب التي وردت في كتاب الله عزوجل للترغيب والترهيب إيراد قصص السابقين ليعتبر الناس بها ، ولقد كان للنساء نصيب كبير من القصص التي حواها الكتاب العزيز ، فمن هذه القصص :
إن المرأة الصالحة تتميز عن غيرها من النساء ، فهي ذات عفة وحياء تستتر بحجابها عن الرجال الأجانب ولا تخالطهم إلا لحاجة ، ولو خالطت الرجال وهي في حاجة إلى ذلك فإنها لا تزاحمهم ، وهكذا يربي الإسلام المؤمنة على هذه الصفات قال تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين... الآية ) الأحزاب
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد ) صحيح البخاري
وقد أورد القرآن الكريم قصة امرأتين كانتا في الأمم السالفة واتصفتا بتلك الصفات الحميدة ، وقد وردت تلك القصة في موضع واحد من كتاب الله العزيز :
قال تعالى : ( ولما وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)) سورة القصص
كان بمدين أسرة صالحة اتصفت بالبر والإحسان والعفة والحياء ومما قص لنا القرآن الكريم من أخبار تلك الأسرة أنه كان منها بنتان تسقيان الغنم عن أبيهما الشيخ الضعيف إذ ليس له معين سواهما بعد الله ، وقد كانت البنتان في سقيهما غنمهما لا تزاحمان الرجال الذين يسقون بهائمهم بل إنهما تنتظران انصراف الرعاء ببهائمهم فتسقيان غنمهما مما فضل من الماء بعدهم .
وفي أحد الأيام رآهما نبي الله موسى عليه السلام حينما ورد ماء مدين ورأى حالهما فسألهما عن حاجتهما فأخبرتاه وبيّنتا له سبب قيامهما بسقي الغنم وهو كون أبيهما شيخاً كبيراً ، فبادر عليه السلام بمساعدتهما فسقى لهما ماشيتهما فرجعتا إلى أبيهما سريعاً على خلاف العادة ، فأخبرتا أباهما خبر ذلك الرجل الذي سقى لهما .
فرأى ذلك الشيخ أن يدعوه ويكافئه على حسن صنيعه ، فبعث إحداهما لتدعوه إليه ( وهذا الكلام لم تنص عليه سياق الآيات وإنما يُفهم من سياق القصة ) فاستجابت البنت لأمر أبيها ، فجاءت موسى عليه السلام مستحية تمشي مشية الحرة مشية من لم تعتد الدخول والخروج .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ليست بسلفع خرّاجة ولّاجة )
معنى سلفع.. الجريئة على الرجال
فقالت له : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فاستجاب موسى عليه السلام لدعوة الشيخ ، فأتاه فقص عليه خبره ، فطمأنه الشيخ وأمّنه .
ثم إن إحدى البنتين عرضت رأيها على أبيها بأدب ولطف قائلة له : ( يا أبتِ استئجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) استأجره ليرعى ماشيتك فإن خير من تستأجره القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها ، الأمين الذي لا تخاف خيانته .
فقبل الأب رأي ابنته وعرض على موسى عليه السلام أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل خدمته له في رعي الغنم وسقيها ، فقبل ذلك وتزوج إحدى ابنتي صالح مدين
فنعم الزوج ونعم المرأة ونعم الأصهار
🍃 البر بالوالدين ولا سيما عند الكبر والتعاون بين الإخوة على ذلك أخذاً من بر المرأتين بأبيهما العاجز وتعاونهما على ذلك في القيام بسقي الماشية لأبيهما.
🍃 بيان فضل الحياء والعفة وبُعد النساء عن مخالطة ومزاحمة الرجال الأجانب أخذاً من قوله تعالى ( قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ )وقوله تعالى ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ) .
🍃 الرحمة والإحسان إلى الخلق من عرفه العبد ومن لم يعرفه، من أخلاق الأنبياء عليهم السلام .
🍃 الفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال ويكون حياؤها عند قدومها على الرجال الأجانب وتكليمها إياهم أشد من حيائها عند قدومهم عليها وتلقيها الكلام منهم .
🍃 كلام المرأة مع الأجنبي إنما يكون على قدر الحاجة أخذاً من عدم استرسال البنتين في الكلام مع موسى عليه السلام .
ألتقيكم بعون الله مع شخصية أخرى من النساء التي ذكرت قصتها في القرآن الكريم .