كان أشراف مكة قد دأبوا على إرسال ما يولد لهم من الأطفال إلى البادية لقضاء فترة رضاعهم فيها لدى المراضع اللواتي كن يتخذن من الرضاع عملا ينلن عليه الأجر من أهل المولود ، فيستعن به على متطلبات الحياة ، وينشأ الأطفال نشأة قوية في جو البادية النقي0
وفي أحد المواسم جاءت نسوة من بني سعد إلى مكة بطلب الرضع ، وفازت كل منهن برضيع باستثناء حليمة السعدية ، إذ لم تجد من تسلمها طفلها إلا آمنة بنت وهب التي ألحت عليها بأخذ طفلها اليتيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأدركت حليمة سبب إعراض صواحبها عن أخذه ، إنه يتيم لا يرجى من جده ولا من أمه شيء ، ولو كان أبوه حيا لأفاض الخير على مرضعته كثيرا ، ولكن حليمة حين رأت لهفة عبد المطلب الجد وآمنة الأم لتأمين من ترضع ابنهما ، قالت لهما : إن زوجي الحارث السعدي قريب مني ، وسأشاوره في أخذ ابنكما أو تركه ، ثم أعود إليكما بجوابه بعد قليل ، وكانت سعادة عبد المطلب وآمنة كبيرة حين علما بموافقة زوج حليمة على أخذ ابنهما لإرضاعه ، قال الحارث لزوجه حليمة : من الأفضل لنا أن نأخذ هذا الطفل اليتيم ، من أن نرجع بدونه ، ولعل البركة تحل في ديارنا من ورائه0
ودخلت آمنة مع حليمة إلى الغرفة التي يرقد فيها طفلها الحبيب ، ولما دنت حليمة من مهده شمت منه ريحا أطيب من المسك عبقا ، وأدهشها ذلك النور المشرق الذي يغمر طلعته ، كان مستغرقا في نومه ، لكنه فتح عينيه وابتسم حين مدت حليمة يدها لتتحسس صدره ، ثم أحست أن اللبن قد ملأ صدرها الخاوي ، فأسرعت إلى حمل الصغير من مهده ، وعرضت عليه ثديها الأيمن ، فأخذ يمتص لبنه بشغف ، حتى إذا عرضت عليه ثديها الأيسر لم يقبله ، ولعل الله سبحانه وتعالى جعل رزق أخيه – ابن حليمه – فيه ، فعلمه ذلك0
كانت حليمه قادمة ، وهي تركب على أتان عجفاء – ضعيفة – وكان الحارث زوجها يركب شارفا – ناقة مسنه – مع صغيره عبد الله ، وذهل الرجل حين رأى ضرع شارفة قد امتلأ باللبن ، وازدادت دهشته حين رأى أتان حليمة العجفاء ، قد نشطت حتى أصبحت – في طريق العودة – تسبق الأتن التي كانت صواحب حليمة يركبنها ، في الوقت الذي كانت فيه في مؤخرة الركب حين قدمن إلى مكة يلتمسن الرضعاء ، وأخذت صواحب حليمة الدهشة ، ورحن يتساءلن : ما الذي بعث النشاط في الأتان التي تركبها حليمة بعد أن لمسن ضعفها وتخلفها من قبل أثناء الذهاب إلى مكة ، وحلب الحارث شافه ، وشرب مع زوجه حليمة حتى اتويا ، وما زال الضرع ممتلئا باللبن ، ووضعت حليمة في رحلها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخذت طفلها عبد الله ، وألقمته ثديها الأيسر ، فشرب حتى ارتوى ثم تركه وهو ملآن ، ولم يخف الحارث حيرته ، وقال : أي خير أصابنا يا حليمه من هذا اليتيم ؟
وكانت ابنتهما الشيماء تنتظر عودتهما ، وأدهشها ما رأته من نشاط أتان أمها وشارف أبيها ، وامتلاء ضرعها وأسرها ذلك الرضيع الراقد في رحل أمها بطلعته البهية ، فراحت تقبله وتملأ عينيها من جماله الخلاب ، لقد رزقها الله أخا ليس له مثيل ، وباتت الشيماء واسمها الحقيقي حذافة حاضنة له ، وحليمة المرضع ، ولم يكد أحد يستطيع أن يعبر عن الفرحة والسعادة الغامرة التي لم تعرفها من قبل ، ولم يفكر أحد بما فكرت به الشيماء أو بما تريد 0 أجل ! إن رغيتها تحتاج إلى وقت ليس بالقصير حتى تصبح حقيقة دانية ، إنها تريد أن ينمو سيدنا محمد فورا ليشاركها في الأنطلاق إلى المرعى حين تسرح بالغنم ، ولكن الشيملء حين أدركت أن رغبتها بعيدة المنال قنعت بمداعبته ومناغاته داخل البيت ، وكانت حليمة سعيدة باهتمام ابنتها الشيماء بضيفهم المبارك ، لقد سمعتها ترقصه وتلاعبه وتقول له :
يا ربنا أبعد أخي محــمدا حتى أراه يافها وأمردا
ثم أراه سيـدا مسودا
واكبت أعاديه معا والحـسدا وأعطه عزما يدوم أبدا
يا له من دعاء ، معبر عن صفاء ، تتمتع به الشيماء ،وتستحق عليه الثناء! ، لقد أصبح هذا اليتيم موضع اهتمام الشيماء ، والشغل الشاغل لأخته ، وأولته كل الرعاية ، وا‘ظم الأهتمام ، وأخذ الجسد الصغير ينمو ويكبر يوما بعد يوم ، والبركات تنهمر على أسرة الحارث السعدي انهمارا ، وأدركت حليمة بعد نظر زوجها حين نصح لها أن تحمله لترضعه وألا يرجعا إلى ديارهما بدونه 0
واستيقظت الشيماء ذات صباح ، لتؤدي واجبها اليومي ، وتسرح بغنيمات أمها حليمة وترعاها ، وتعلق بها أخوها الصغير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، يريد أن يخرج معها إلى المرعى0
وللقصة بقيه00 فتابعوها 0

عيون المهــا @aayon_almha_8
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️