قصه ( التغريب)
يقول راوياً هذه القصة : خرجت في أحد الأيام مع والدي وأنا لم أتجاوز حينها العاشرة من عمري إلى صيدلية تبعد قليلاً عن منزلنا فصادفنا جارنا الذي لم نره منذ زمن خارجاً منها وبيده بعض حاجيات الأطفال فبعد أن سلّم عليه والدي سأله عن سر هذه الأشياء وإن كان قد رزق بطفل؟ فأجابه : بنعم ولكن من زوجتي الجديدة وهاهو ابني الأول منها قد رأى النور ثم أردف ممازحاً له : بادر بالتجديد وأفعل كما فعلت! لم يطل الحديث حتى تركناه بعد أن ودّعه والدي وإذا بي اسأله عن هذا الرجل فقال : ألم تعرفه؟ جارنا أبو زيد ولكن قد غيّر قليلاً من شكله بصبغ لحيته والتحرر من غترته ، وكان حينها والدي يتبسّم وكأنه قد رغب في خوض تلك التجربة بعد أن رأى حال صاحبه وقد عاد إليه رونقه ولو كلّفه ذلك حلق لحيته وإظهار صلعته ولبس شورتٍ حتى!
مرّت السنين على عجل وقد نسيت ذلك الموقف تماماً حتى أصبحت شاباً يافعاً يتجاوز العشرين بقليل ، خرجت لقضاء حاجةٍ مع والدي وإذا بشخصٍ يستوقفه ويحتضنه ويسأله عن حاله وعياله فأجابه والدي ثم سأله مشدوهاً وكأنه لم يعرفه : من أنت؟ فردّ عليه بعد تنهيدةٍ طويلة : أنا جارك أبا زيد ولا تلام في ذلك فالزمن قد أكل من صحتي وشرب! بعد ذهول طويل سأله والدي قائلاً : وأين تلك البهجة والنظارة وقد خُطِفَت منك؟! فلم يصمت طويلاً بعد أن سقطت دمعةُ من عينه : هذا ما جنيته على نفسي ألا تذكر عندما التقينا قبل عشر سنين وأنا فرح بمقدم أول أبنائي من زوجتي الثانية ولكن الحال لم يدم طويلاً حتى أرتني وجهها الآخر فلم أهنأ ولم أطمئن ، عشت معها في كابوس مظلم فكانت سليطة اللسان بذيئة عديمة الأخلاق كساها الله حسناً أعمى عينيَّ عن جوهرها القبيح ، لا يمر يوم دون أن تجرحني بكلمة أو تشتمني بأقذع الكلمات صبرت وصبرت كل ذلك خوفاً على أبنائي من الضياع وكلما طفح الكيل وأردت تطليقها منعتني نظرات أبنائي وخوفي عليهم من المستقبل المجهول ، لم يتوقف الأمر على ذلك فأخلاق أبنائي قد فسدت نتاج تربيتها السيئة ، حتى أتى ذلك اليوم حينما طلبت مني إحضار شيء ما إلى البيت وأنا في طريق عودتي إلى المنزل وقد أنساني الشيطان ذلك وحينما دلفت قدماي من عتبة الباب سألتني أين ما طلبت؟ فأخبرتها أني سأجلبه لها لاحقاً فثارت في وجهي كبركان لتعيد عليّ اسطوانتها المعهودة ولكن زادت هذه المرة وصفعتني على وجهي وكأنها أرادتني أن أستيقظ من هذا الكابوس المزعج ، كظمت غيضي واستجمعت قواي واتصلت على والدها حتى يأتي ليأخذها ثم ذهبت إلى القاضي وقلت له قد طلقتها عشراً طلاق بيّن لا رجعة فيه فقال لي : لها منها ثلاث والبقية تذهب مع الريح ، أخذت أبنائي لا أدري أين أذهب ضاقت الدنيا بوجهي استغفرت ربي ودعوته خطر في بالي ابني زيد هاتفته وأنا أبكي حضر إليَّ مسرعاً تعلوه ابتسامة شَرَحَت صدري وخففت عنّي ، قبّل رأسي ويديّ ونزل ليقبّل قدميّ منعته من ذلك وأمتنع بعد جهد ، أخبرته بما حلّ بي احتضنني وقال بيتك ينتظرك وأم زيد تزداد كل يومٍ شوقاً للقائك استحييت منه ورفضت حلف بأغلظ الأيمان أن آتي معه وسأرى صدقه بعينيّ ، ذهبت معه وأنا يكسوني الندم على ما فرّطت دخلت البيت فإذا بها صابرة محتسبة تلهج بكل كلمات الشوق والتراحيب كما عهدتها طوال عشرتي معها حلوة اللسان طيبة المعشر ودودة عطوفة احتضنتني ومعي أولادي من المرأة الأخرى بَكَت وبَكَيّتُ طلبتها السماح والعفو فلم تزد على أن قالت مثلك لا يطلب السماح يا خليل القلب وحبيبه .
رجوتها أن تعيد تربية أبنائي وتنشّئتهم من جديد حتى يصبحوا كإخوانهم دمثي الأخلاق حافظين لكتاب الله بارّين بوالديهم ثم طلبتها أيضاً أن تعيد تربية والدهم فهو أحوج إلى ذلك منهم!
الآن مرّ عام على عودتي وقد بدأت أخلاق أبنائي بالتحسن وحفظوا بعض أجزاء القرآن وقد عادت إليّ بعض من نظارتي وتحسنت صحتي كثيراً ولو رأيتني قبل ذلك لتمنيت بأنك لم تلقاني على ذلك الحال أبداً .
لذلك عزيزي القارئ لا يغرّك البهرج البرّاق ويعمي عينيك عن الجوهر فدعاة التغريب لا همّ لهم سوى سلخ فلذات أكباد الأمة الإسلامية عن حضارتهم وإرثهم الديني بتزيين حضارة الغرب الزائفة وتقدّمهم في أعينهم حتى ينفذّوا تلك الأجندة التي تُطلب منهم مقابل حفنةً من الدولارات ثم لا يمكن بعد ذلك العودة بعد أن تنزلق قدماك في براثن تلك الخديعة وإن عدت فلن تعود إلّا محمّلاً بخسائر جسيمة كخسائر صاحبنا ذلك وربما أعظم يصعب معها التعويض إن لم يكن مستحيلاً .
ليس هناك حقائق غائبة , فقط توجد عقول مُغيّبة ! أرادت الهوان فحازته مع مرتبة الشرف .
3
391
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ليس هناك حقائق غائبة , فقط توجد عقول مُغيّبة ! أرادت الهوان فحازته مع مرتبة الشرف .
نعم بارك الله فيك هو ذا التغيب والانجراف وراء بريق الحضاره المزيف
لو انشأنا وغرسنا ووجهنا وتابعنا وغذينا لما اصبح شبابنا كالنبات الهشيم تذره الرياح
قال تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا
نعم بارك الله فيك هو ذا التغيب والانجراف وراء بريق الحضاره المزيف
لو انشأنا وغرسنا ووجهنا وتابعنا وغذينا لما اصبح شبابنا كالنبات الهشيم تذره الرياح
قال تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا

الصفحة الأخيرة
الله يجزاك خير