دبه تسوي ريجيم
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في مدينة بريدة .. الشيخ سليمان العلوان لمن لا يعرفه كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره .. آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث .. والفهم الثاقب وسعة الإطلاع ما يبهر الأبصار ويحير الألباب تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان .. ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعلا الشهادات العلمية وقد ثنى ركبتيه بين يديه.. وكان درسه بعد صلاة الفجر .. حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الدرس وكان ذلك يوم خميس أعترضتهم فجأة سيارة يقودها رجل مسن ومعه مرافق مسن أيضا.. فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين .. وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال.. وتوفي أيضا قائد السيارة الأخرى رحمه الله.. وتهشمت السياراتان حتى تلفتا تماما ولم تعد تصلحان للانتفاع بتاتا.. كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!! فقد خطف الموت طالبا مجدا وهو الأخ محمد العباد رحمه الله وأصوله من اليمن وفقد أحد الطلبة إحدى عينيه وكاد يعمى ومكث في الإنعاش أسابيع عديدة وهو الأخ محمد الأمين السوداني وكسر أللحي السفلي لأحدهم وكاد يتلف ويهلك.. وهو الأخ عبد الله حافظ الباكستاني والآخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلاعه وشل شللا نصفيا وهذا للأسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب وقد كان الأشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خيرا حينما سمع شيخنا بالخبر .. أراد الذهاب للمستشفى في عصر ذلك اليوم للاطمئنان عليهم بنفسه .. وقال لي : جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!! سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد و هي سيارة شبه متهالكة!! و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف لا تليق بي أنا كطالب علم فكيف بشيخنا !! قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !! حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيث توشك أن تحتك بالطريق !! تفهمون ما أعنيه جيدا !! عندما قال لي الشيخ: سأذهب معك بسيارتك.. قلت له: ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملاء .. فقال: ولما ؟؟ أبي أشوف سيارتك ونجربها!! توكل على الله وجهزها لي بعد الصلاة عند باب المسجد!! وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شيخنا على مثل هذه السيارة المريعة !! بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة .. فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي: مبارك !! هل هذه سيارتك؟؟ فقلت له : لا ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لأحد الزملاء!! فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر فركب معه وتركني!! لحقتهم للمستشفى فوجدت سيارتي التي تركتها مع صاحب السيارة التي أقودها .. فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة.. فأوقفتها أمام باب المستشفى !! فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!! لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى .. وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الدكتور عبد الله البداح المشرف العام على المستشفى وعدد من الإداريين .. حينما زرنا الأخ محمد الأمين وكان في غيبوبة تامة قال لنا الممرض: هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات.. كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة ..!! وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث.. ثم تنقلنا في غرف الإخوة الآخرين عبد الله والأخ الذي نسيت اسمه.. وكان وضع الأخير حرج للغاية مما استلزم نقله لجدة بعد عدة أسابيع كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطور في أي لحظة وكان في غيبوبة .. وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيه ولكنه لا يعرف من حوله ولا يعقل .. وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوما حدث موقف عجيب وغريب .. عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة.. حينها نظر الأخ في وجه الشيخ فتأمله وكأنه عرفه فابتسم وضحك !! فقال الشيخ وهو ممسك بيده : هل يعرف من حوله ؟؟ فقال الطبيب: أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !! وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهه .. فسبحان من ملأ قلوب عباده حبا لهذا العلم الجليل وخصوصا تلاميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!! وليخسأ الخاسئون!! همس أحد الطلاب في أذن الشيخ وقال له: ياشيخ نريد رؤية الأخ محمد العباد فقال الشيخ : هو ميت !! فقال : ياشيخنا لا بأس للاعتبار!! الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال .. حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه زوجته وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره .. وسلمت زوجته وأبناؤه.. وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة.. فقال لي: هل سمعت بفلان لقد صار عليه حادث وصلينا عليه اليوم.. حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا : نريد الاعتبار.. واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله.. من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة.. دخل الطلبة على جثة الأخ محمد وقد وضعت في داخل الثلاجة.. ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليلا .. وهز رأسه ثم دعا له و انصرف.. خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهي كرها لما فعله معي فقال لي: هل أحضرت سيارتك؟؟ فقلت بخجل وحياء: نعم.. استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!! وصلنا للباب وخرج الشيخ .. وودع مرافقيه وفتحت له باب السيارة.. وقال قبل أن يركب: هذه هي؟؟ قلت : هي والله !! فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخذ يلمس مراتبها ويمسح على مقدمها ويقول: مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!! فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني فقال : لا تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك.. ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر في سقفها والتبريك والدعاء وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز .. رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه.. في اليوم التالي صلينا على الأخ محمد العباد بعد صلاة الجمعة.. وأمنا شيخنا رحمه الله .. ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجلا .. وقد حملت على الأكتاف حتى المقبرة والتي تقع في الجهة الشمالية من عنيزة وكأن الإخوة الذين يحملون الجنازة استعجلوا في السير ليلحقوا الشيخ فقال لهم معاتبا : سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟ وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب .. حتى يصلي على الجنازة من لم يصل.. وحتى يحضر الميت ويدفن .. وضع الأخ محمد رحمه الله في القبر .. وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده .. وقرة عينه .. خلف الله عليه خيرا .. وجعله فرطا له إلى الجنة.. بكى والده على قبره فأبكى من حوله .. نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر.. رأيت رجلا يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه .. فسالت : أين يذهب؟؟ فقالوا: يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله جاء والد الأخ محمد وسلم على شيخنا وقبل يده وبكى بكاء كما تبكي الثكلى فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال : يخلف المولى سبحانه عليك في إخوان محمد.. فلا تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال .. الخ كلامه رحمه الله ولقد واساه شيخنا ودعاه في بيته واستضافه طوال بقاءه في عنيزة .. مرت الأيام تترى وبوتيرة سريعة .. وما أسرع ما جاء موسم الاستعداد للحج.. حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة .. وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومن كتب المناسك وكذلك كتابه الصغير في حجمه الكبير في قدره المتعلق بالأضاحي .. وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا .. فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الإحاطة بتوفيق المولى بجميع ما يتعلق بالحج والمناسك والأضحية من تلك الدروس.. فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعل قبره روضة من رياض الجنة في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة .. وقبل رؤية هلال ذي الحجة توجهت مع شيخنا لأداء الحج.. وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والأخ علي السهلي وجمع كريم من الإخوة المحبين.. توجهنا لمكة شرفها الله لأداء العمرة وتحللنا بعد ذلك .. فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك.. أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا ..!! سألت شيخنا: ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟ فقال: كلا ، هذه السيارة تابعة لوزارة الشئون الإسلامية حيث أشرف سنويا على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !! يتبع إن شاء الله
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في...
الحلقة الثامنه والأربعون

برنامج شيخنا في فترة الحج برنامج شاق ومرهق بما تعنيه الكلمة من معنى

حيث يحتوي على برامج متتابعة من دروس ومحاضرات وفتاوى وتنقل بين

المخيمات قبل وبعد الحج وأثناءه ..

ولقد كان يصيبني الفتور والإعياء من كثرة البرامج وشيخنا في قمة نشاطه!!

في الحج كنت أنا رديف شيخنا ولم يرافقنا أحد من أقارب الشيخ أو أصحابه

وكنا طوال فترة بقاءنا في مكة وكذلك في مخيم الحج في ضيافة شهم

سأتحدث عنه لاحقا..

توجهنا بسيارتنا الجديدة (وهي جيب تايوتا لون رمادي)

لمكتب التوعية الإسلامية الواقعة في حي الششة والذي يقابله

جامع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

حيث كان شيخنا يمكث كثيرا في ذلك المكتب لاستقبال

الزوار من العلماء والمشائخ والمستفتين وأمامه هاتف لا يتوقف عن الرنين

لأربع وعشرين ساعة للفتاوى..

ولسائل أن يتساءل كيف يعرف الناس رقم تلفون الشيخ في مكة

أو في جده أو غيرها من المدن؟؟

والجواب: أن شيخنا قام بطريقة جميلة وسهلة بحل هذا الإشكال!!

وذلك أن جهاز التلفون في عنيزة فيه خاصية تحويل المكالمات ..

فمثلا لو اتصل شخص لعنيزة على رقم الفتاوى المعروف

فسوف يرد عليه التلفون بصوت الشيخ يقول له :

اتصل على الرقم كذا .. فمرة يعطيهم رقمه في الرياض ومرة في جده

ومرة في المدينة وهكذا..

وكان رقم التلفون يتغير في بعض الأحوال يوميا وذلك بالاتصال

على الجهاز وإدخال شفرة معينه فيملي الشيخ بصوته الرقم الجديد..

وللمعلومية فشيخنا لديه اهتمام كبير بالتقنيات وخصوصا أجهزة الاتصالات

وكل من أراد أن يدخل السرور على شيخنا ويفرحه فعليه أن يخبره

بجهاز اتصال جديد نزل في السوق فستجده بعد أيام في بيته أو مكتبته !!

أذكر مرة أنني طلبت من الشيخ أن يعطيني مبلغا من نفقتي التي يرسلها

الوالد لي على حساب الشيخ حيث أن شيخنا يحتفظ بها عنده وينفق علي

منها كما ينفق الوالد على ولده ..


فقال لي : تعال عندي في البيت وسأعطيك الجهاز الذي تحتاجه..!!

فجئته ودخلت معه للبدروم حيث مكتبته الثانية ..

فأراني دولابا كبيرا به رفوف كثيرة وقد حشرت به عشرات الأجهزة

من كل الأنواع والأصناف ..!!

علما أن غالبها مهدى لشيخنا من قبل أحد أصحابه الذين اعرفهم جيدا

وبمناسبة ذكر الأجهزة أذكر هذا الموقف..

كنا مرة في جده وبعد صلاة عصر ..

ذكر أحدهم للشيخ محمد أن هناك أجهزة للاتصالات

جديدة وفيها من المواصفات كيت وكيت ..

وهي متوفرة في معرض تجاري لشركة سوني في سوق حراء الدولي

فقال الشيخ لي: توجه لذلك السوق

وكان لدينا فراغ بسيط من الوقت ..

فانطلقنا للسوق وترجلنا ودخلنا ذلك المعرض..

فتجول شيخنا فيه دون أن يعرفه أحد من البائعين أو المشترين ..

فاختار جهازا أو جهازين ..

فقال البائع: للأسف لا يوجد لدينا جهاز جديد

وهذا الجهاز للعرض ولكن لو تعطينا عنوانكم فسوف نبعثه لكم ..

فقال الشيخ: أنا مقيم في عنيزة!!

فقال : سنبعثه لك لعنيزة وستتكفل أنت بقيمة الشحن..

فقال الشيخ : لا بأس بذلك ..

فأعطاه العنوان ورقم الهاتف..

ودون له الاسم : محمد بن صالح العثيمين !!

وخرجنا من المحل..

يقول الشيخ لي : بعد وصوله لعنيزة بأيام تلقى اتصالا هاتفيا من مالك المحل

وكان يبكي في التلفون ويقول: والله ياشيخ لو علمت أنك ستأتي لمحلي لتشرفت

أنا باستقبالك ..

وقد بعث الجهاز للشيخ وأهداه له ورفض رفضا باتا أن يأخذ قيمته من الشيخ..

في مكة حيث كنا نمكث في مكتب التوعية ..

كان شيخنا يجلس في صالون بجوار مكتب كبير مكتوب عليه

( مكتب معالي النائب)؟؟؟؟

فقلت لشيخنا : مكتب من هذا ؟؟

فقال : هذا مكتب الشيخ إبراهيم بن صالح ** الشيخ نائب الشيخ

عبد العزيز بن باز ...

هذا الرجل تعجز والله كلماتي المختصرة عن الثناء عليه ..

ويكفي أن أقول عنه أنه رجل بما تعنيه تلك الكلمة..

تواضع في تعامله ..

سماحة في نفسه..

حسن المعشر..

حلاوة الحديث..

الطرافة الكرم الطيبة الحنان التفاني .. بارك الله في أبي صالح

ولا عجب فهو سلالة كريم بن كريم بن كريم بن كرام..

فجده هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ..

وأبوه هو الشيخ صالح ** الشيخ قاضي الرياض المشهور وشيخ العلماء الكبار..

صاحب المواقف المشهورة مع الملك عبد العزيز رحمه الله ..

وأقرؤوا سيرته العطرة في كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ العلامة

عبد الله البسام عليه رحمة الله..

في ذلك العام والذي يليه مكثنا في ضيافته في الحج قبله وخلاله وبعده

في أيام فضيلة وذكريات ممتعة ولحظات مباركة

لو لم يكن مكسب لي من صحبة شيخنا ومرافقته سوى معرفة أمثال

الشيخ إبراهيم لكان والله ذلك كافيا لي..

فكيف إذا اجتمع لنا في تلك اللحظات فوائد ونكت علمية ودقائق

يندر أن يتمكن الإنسان من تحصيلها من جوف و أعماق بطون الكتب..!!

والله لقد سمعت من العلم واستفدت من الفوائد والمسائل في تلك السفرات

ما قد يحشى في رأس طالب علم فيستحق أن يسمى عالما!!

ولكن كم بقي لي منه وكم احتفظت به وكم عملت به ؟؟

هل العلم بالمعرفة فحسب ؟؟

هل العلم أن تحيط بالمسائل دون أن تفقه فتصير مثل حمار الفروع!!

يؤسفني أن أقول مثل هذا الكلام ولا أحب ترديده وذكره والله ..

ولكن بعض الجهلاء وفاسدوا القصد اتهموني ظلما وزورا بأنني اصحبه

لأغراض وأهداف دنيئة ..

حسبهم الله ...

والموعد بين يديه تعالى ...

نزلنا في بيت الشيخ إبراهيم بن صالح والكائن في حي العزيزية بجوار

جامع الحارثي والذي كان إمامه حينها الدكتور ناصر الزهراني وفقه الله

فكنا نصلي في المسجد ويلقي شيخنا فيه درسا بعد صلاة العصر

ودرسه الآخر يلقيه في جامع فقيه المعروف..

ولم يكن شيخنا يصلي في الحرم سوى الجمعة ولم يكن يلقي

فيه الدروس لتعذر ذلك بسبب الزحام الهائل في الحرم وحوله..

وغالب من يحضر تلك الدروس هم من الحجاج من الدول العربية وغيرها

والعجيب والغريب ..

هو حضور عدد من أصحاب العمائم السوداء !!

من الروافض لدروس الشيخ...!!

ولقد تساءلنا حينها : هل يفهمون العربية وهل يسمعون الدروس ليستفيدوا؟؟

في درس جامع الحارثي كان أحدهم يداوم الحضور وكان يناقش شيخنا كثيرا

وشعر شيخنا منه رغبة في البحث عن الحقيقة أو هكذا بدا ؟؟؟

عرف نفسه للشيخ أنه مدرس في إحدى الحوزات العلمية في قم في إيران

وطلب من الشيخ أن يجلس معه جلسة خاصة في بيته ليتجادل مع شيخنا

حول بعض المسائل العقدية والمختلف فيها بين الروافض وأهل السنة والجماعة

دعاه شيخنا لبيت الشيخ إبراهيم .. فحضر الرافضي وكان ذلك بعد درس العصر

أظهر الفرح وتملق في كلامه وأنه باحث عن الحقيقة فجاراه شيخنا حتى

يبلغه الحجة الناصعة..

قدمنا له القهوة والشاي وكنت أنا حاضرا وكذلك الأخ أحمد البغدادي

قام بإيراد عدد من المسائل المشهورة والمتعلقة بالصحابة رضي الله عنهم

وخصوصا عن أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وخليفته أمير

المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ..

وكذلك عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

وتنوقش أيضا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..

وكان يقول ويؤكد أن الخلاف على هذه المسائل ليس من أصول الدين

فقال له شيخنا: بل هي من أهم المهمات فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه

وسلم وهم نقلة الوحي وخير أصحابه..

فالقدح فيهم قدح في رسول الله عليه الصلاة والسلام وقدح في دين الله جل وعلا

ومن خلال الحديث لمز الرافضي عثمان ابن عفان ..

فدحر الشيخ كلامه ودحض حججه وترضى عن عثمان ..

وقال أيضا : لا أظن أحد يختلف في كفر معاوية وابنه يزيد !!

فبين له شيخنا فضل معاوية رضي الله عنه وأنه أحد كتبة الوحي ونقل له

موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة التي وقعت بينه وبين أمير المؤمنين علي

بن أبي طالب رضي الله عنه

و أن ما وسع العلماء والسلف يسعنا.. فيهما رضي الله عنهما

وكذلك موقفهم من ابنه يزيد ونقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه ..

فقال الرافضي: تمنيت أن اطلع على كتب ابن تيمية..

فقد سمعت أن الرجل له مؤلفات في الرد علينا وفيها قوة حجة وجزالة ألفاظ!!

فقال الشيخ: إن شئت اشتريت لك كتب ابن تيمية ..

لتحملها معك إلى إيران فتقرأها فلعل الله تعالى بفتح على قلبك

فيظهر لك الحق..

فأظهر الفرح وشكر الشيخ ..

وبعد استكمال الحوار والنقاش ..

خرجنا معه من السكن وتوجهنا به وبرفقة شيخنا للمكتبة ..

ويا للعجب !!

رافضي في صحبة ابن عثيمين في سيارة واحدة؟؟

اشترينا له كتاب منهاج السنة وكتاب درء تعارض العقل والنقل..

فتعجب من كبر حجمهما فقال له الشيخ:

إن قرأتهما قراءة بحث وطلب للحق فسوف تجد بغيتك إن شاء الله

أما إن قرأته لتنقده ولتبحث عن زلاته فلن تستفيد منه شيئا..

فقبل الرافضي رأس الشيخ وشكره وقال : هذا رقم هاتفي ولعلكم

تتصلون علي بعد شهر أو شهرين فأعطيكم رأيي وما وصلت إليه

فحفظت الرقم عندي وبعد مرور شهرين ..

ذكرت شيخنا به ..

فاتصلنا عليه ..

فردت علينا امرأة فرطنت بكلام لا نفقهه..!!

فقلت لها : نريد فلان .. وكررت اسمه ..

فما فهمت كلامي فأغلقت السماعة في وجهي !!

ولعل الله تعالى أن يكون هداه.... !!



يتبع إن شاء الله
دبه تسوي ريجيم
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في مدينة بريدة .. الشيخ سليمان العلوان لمن لا يعرفه كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره .. آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث .. والفهم الثاقب وسعة الإطلاع ما يبهر الأبصار ويحير الألباب تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان .. ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعلا الشهادات العلمية وقد ثنى ركبتيه بين يديه.. وكان درسه بعد صلاة الفجر .. حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الدرس وكان ذلك يوم خميس أعترضتهم فجأة سيارة يقودها رجل مسن ومعه مرافق مسن أيضا.. فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين .. وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال.. وتوفي أيضا قائد السيارة الأخرى رحمه الله.. وتهشمت السياراتان حتى تلفتا تماما ولم تعد تصلحان للانتفاع بتاتا.. كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!! فقد خطف الموت طالبا مجدا وهو الأخ محمد العباد رحمه الله وأصوله من اليمن وفقد أحد الطلبة إحدى عينيه وكاد يعمى ومكث في الإنعاش أسابيع عديدة وهو الأخ محمد الأمين السوداني وكسر أللحي السفلي لأحدهم وكاد يتلف ويهلك.. وهو الأخ عبد الله حافظ الباكستاني والآخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلاعه وشل شللا نصفيا وهذا للأسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب وقد كان الأشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خيرا حينما سمع شيخنا بالخبر .. أراد الذهاب للمستشفى في عصر ذلك اليوم للاطمئنان عليهم بنفسه .. وقال لي : جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!! سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد و هي سيارة شبه متهالكة!! و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف لا تليق بي أنا كطالب علم فكيف بشيخنا !! قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !! حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيث توشك أن تحتك بالطريق !! تفهمون ما أعنيه جيدا !! عندما قال لي الشيخ: سأذهب معك بسيارتك.. قلت له: ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملاء .. فقال: ولما ؟؟ أبي أشوف سيارتك ونجربها!! توكل على الله وجهزها لي بعد الصلاة عند باب المسجد!! وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شيخنا على مثل هذه السيارة المريعة !! بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة .. فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي: مبارك !! هل هذه سيارتك؟؟ فقلت له : لا ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لأحد الزملاء!! فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر فركب معه وتركني!! لحقتهم للمستشفى فوجدت سيارتي التي تركتها مع صاحب السيارة التي أقودها .. فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة.. فأوقفتها أمام باب المستشفى !! فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!! لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى .. وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الدكتور عبد الله البداح المشرف العام على المستشفى وعدد من الإداريين .. حينما زرنا الأخ محمد الأمين وكان في غيبوبة تامة قال لنا الممرض: هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات.. كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة ..!! وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث.. ثم تنقلنا في غرف الإخوة الآخرين عبد الله والأخ الذي نسيت اسمه.. وكان وضع الأخير حرج للغاية مما استلزم نقله لجدة بعد عدة أسابيع كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطور في أي لحظة وكان في غيبوبة .. وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيه ولكنه لا يعرف من حوله ولا يعقل .. وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوما حدث موقف عجيب وغريب .. عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة.. حينها نظر الأخ في وجه الشيخ فتأمله وكأنه عرفه فابتسم وضحك !! فقال الشيخ وهو ممسك بيده : هل يعرف من حوله ؟؟ فقال الطبيب: أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !! وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهه .. فسبحان من ملأ قلوب عباده حبا لهذا العلم الجليل وخصوصا تلاميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!! وليخسأ الخاسئون!! همس أحد الطلاب في أذن الشيخ وقال له: ياشيخ نريد رؤية الأخ محمد العباد فقال الشيخ : هو ميت !! فقال : ياشيخنا لا بأس للاعتبار!! الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال .. حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه زوجته وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره .. وسلمت زوجته وأبناؤه.. وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة.. فقال لي: هل سمعت بفلان لقد صار عليه حادث وصلينا عليه اليوم.. حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا : نريد الاعتبار.. واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله.. من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة.. دخل الطلبة على جثة الأخ محمد وقد وضعت في داخل الثلاجة.. ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليلا .. وهز رأسه ثم دعا له و انصرف.. خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهي كرها لما فعله معي فقال لي: هل أحضرت سيارتك؟؟ فقلت بخجل وحياء: نعم.. استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!! وصلنا للباب وخرج الشيخ .. وودع مرافقيه وفتحت له باب السيارة.. وقال قبل أن يركب: هذه هي؟؟ قلت : هي والله !! فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخذ يلمس مراتبها ويمسح على مقدمها ويقول: مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!! فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني فقال : لا تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك.. ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر في سقفها والتبريك والدعاء وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز .. رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه.. في اليوم التالي صلينا على الأخ محمد العباد بعد صلاة الجمعة.. وأمنا شيخنا رحمه الله .. ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجلا .. وقد حملت على الأكتاف حتى المقبرة والتي تقع في الجهة الشمالية من عنيزة وكأن الإخوة الذين يحملون الجنازة استعجلوا في السير ليلحقوا الشيخ فقال لهم معاتبا : سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟ وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب .. حتى يصلي على الجنازة من لم يصل.. وحتى يحضر الميت ويدفن .. وضع الأخ محمد رحمه الله في القبر .. وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده .. وقرة عينه .. خلف الله عليه خيرا .. وجعله فرطا له إلى الجنة.. بكى والده على قبره فأبكى من حوله .. نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر.. رأيت رجلا يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه .. فسالت : أين يذهب؟؟ فقالوا: يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله جاء والد الأخ محمد وسلم على شيخنا وقبل يده وبكى بكاء كما تبكي الثكلى فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال : يخلف المولى سبحانه عليك في إخوان محمد.. فلا تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال .. الخ كلامه رحمه الله ولقد واساه شيخنا ودعاه في بيته واستضافه طوال بقاءه في عنيزة .. مرت الأيام تترى وبوتيرة سريعة .. وما أسرع ما جاء موسم الاستعداد للحج.. حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة .. وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومن كتب المناسك وكذلك كتابه الصغير في حجمه الكبير في قدره المتعلق بالأضاحي .. وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا .. فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الإحاطة بتوفيق المولى بجميع ما يتعلق بالحج والمناسك والأضحية من تلك الدروس.. فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعل قبره روضة من رياض الجنة في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة .. وقبل رؤية هلال ذي الحجة توجهت مع شيخنا لأداء الحج.. وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والأخ علي السهلي وجمع كريم من الإخوة المحبين.. توجهنا لمكة شرفها الله لأداء العمرة وتحللنا بعد ذلك .. فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك.. أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا ..!! سألت شيخنا: ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟ فقال: كلا ، هذه السيارة تابعة لوزارة الشئون الإسلامية حيث أشرف سنويا على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !! يتبع إن شاء الله
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في...

الحلقة التاسعه والأربعون


لم يكن البرنامج في تلك الأيام يسير على نمط واحد كما هو في رمضان

بل كان لكل يوم برنامج على حده ..

كان شيخنا يجلس في مكتب التوعية الساعات الطويلة يجيب على الفتاوى

وحيث أنني لا يمكنني الاستفادة من بقائي ..

استأذنت شيخنا لكي أقضي فراغي في المكتبة التابعة للتوعية..

وجدت أن المكتبة ليست غنية بالمراجع المتنوعة بل غالب كتبها

حول صنف أو صنفين من أصناف العلوم ..

و كان قد كلفني شيخنا سابقا بتدوين بعض البحوث

فاحتجت أن اطلع على عدد كبير من المراجع ..

فلم تشبع تلك المكتبة نهمي ولم تكن مناسبة لخصوص البحث..

فاخترت كتابا وقعدت لقراءته وكنت أحيانا من الإعياء يسقط رأسي على دفة

الكتاب وأنا لا أشعر...

لاحظت رجلا يداوم الجلوس في المكتبة ..

ووضع أمامه مجلدات ضخمة يراجع فيها ويقرأ منها

ويبدوا أنها رسائل علمية ويشرف هو عليها أو هي له ..!!

وجهه مستدير ولحيته بيضاء ووجهه أبيض وممتلئ الجسم

وليس بالطويل ولا بالقصير..

طويل الصمت واضح عليه شدة الحياء ..

ولقد جاورته ساعات طويلة دون أن أسمعه ينطق أو يهمس بكلمة..!!

سألت عنه فقيل : هذا العالم الجليل الشيخ صالح بن خزيم ..

ولقد توفي بعد سنوات في حادث مروري في بريدة رحمه الله وعفا عنه

زارنا في يوم الأيام وكنت مع شيخنا ..

رجل طالما أحببته وقدرته ..

إنه شيخي وأستاذي الدكتور الشيخ أحمد بن موسى السهلي..

أحد تلاميذ علامة الجنوب الشيخ حافظ الحكمي ..

داومت على حضور دروسه في الطائف لأكثر من عامين

ومع ذلك فلم يكن يعرفني فقد كان عدد الطلبة كبيرا

ولم يكن لي مع الشيخ احتكاك مباشر..

دخل على الشيخ محمد وسلم عليه وتحدث معه..

حيث هو أيضا من المشاركين في برامج التوعية في الحج ..

وبعد انتهاء لقاءه وحديثه مع الشيخ ..

استأذنت شيخنا محمد ولحقت الشيخ احمد..

فعرفته بنفسي ورويت له أنني أحد تلاميذه السابقين..

قال لي : ظننتك ابن الشيخ!!

وفرح بذلك وسر ودعا لي حيث أنني لم انقطع عن الطلب وقال لي:

استمسك بغرز هذا العالم الجليل .. وأنا والله أغبطك على هذه المزية

فاحرص على الاستفادة من علمه فهو فقيه نادر الطراز ..

صارت لي علاقة وثيقة بالشيخ أحمد استمرت حتى هذه

الأيام وإن له الفضل علي بعد الله في حبي للعلم وطلبه أول الأمر

فجزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..

بجوار منزل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الششة ..

تقع عمارة جميلة ذات طوابق عديدة ..

أوقفها أحد المحسنين وهو الشيخ صالح التو يجري عليه رحمة الله

أحد الأخيار والوجهاء من سكان مكة..

أوقف هذه العمارة على الدعوة والدعاة فكانت في أيام الحج تغص

بالعلماء الأجلاء والدعاة و طلبة العلم الكبار والصغار ..

وكانوا جميعا في ضيافة مكتب التوعية الإسلامية ..

ومن هناك يكون انطلاق المجموعات الدعوية للمخيمات والمساجد والتجمعات

السكنية وغيرها

كانت تلك العمارة كأنك ترى فيها خلية نحل..!!

فهم جنود الإسلام وحماة العقيدة ..

جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..

كان لشيخنا أيضا غرفة خاصة في ذلك السكن ..

ولكنه حسب علمي لم ينزل فيها مطلقا..

والسبب أن لشيخنا مراجعين كثر

وحتى لا يشق على الناس رأى أن يستقل في مكان خاص له ..

فكان زوراه ومراجعوه يرتادون مكانه السابق الذكر..

من المشائخ الذين ينزلون ذلك السكن ..

سماحة الشيخ عبد العزيز ** الشيخ المفتي العام الحالي..

ومنهم فضيلة الشيخ صالح الفوزان..

ومنهم أيضا الشيخ محمد الدريعي ..

ومنهم الشيخ عبد الله القصير..

والشيخ سليمان الشبانه رحمه الله..

والشيخ عبد الله الشبانه ...

وعدد من مدراء الدعوة في الداخل والخارج

وغيرهم كثر ممن أعجز عن عدهم .. ولا تحضرني أسماؤهم

وظني أن المشائخ يتجاوز عددهم المائة..غير الطلبة والدعاة..

ذات مرة دعانا أحد المحبين لشيخنا للغداء في ذلك السكن..

وكان رفيقه في الغرفة الشيخ صالح الفوزان..

كان الغداء الموضوع لنا هو عبارة عن علب بروست !!

أي والله هذا هو الغداء..!!

والسبب أن الغرفة ضيقة والمشائخ عددهم كثير فأين يضع لهم طعاما وفيرا

فكان اختياره اضطرارا قد فهمه الجميع وما لا موه عليه

والظاهر أن ذلك من عادتهم طوال تلك الأيام ..

حصل في ذلك اليوم موقف ظريف..

حيث جلس المشائخ منحشرين بجوار الأسرة المتواضعة ..

وكان أمامي في صف واحد كأنني أراهم أمامي ..

شيخنا ابن عثيمين رحمه الله

وبجواره عن يمينه الشيخ عبد العزيز ** الشيخ

وبجواره عن يساره الشيخ صالح الفوزان ..

بالإضافة لعدد من المشائخ والمرافقين ..

وقد وضع الطعام بين أيدينا ..

و لم نضع يدنا في الطعام انتظارا لأحد المشائخ..

انتظرناه وطال الانتظار..

وكاد الطعام يبرد..

وكان الشيخ المنتظر هو الشيخ محمد الدريعي..

والشيخ الدريعي لمن لا يعرفه رجل كفيف وهو رجل صاحب نكتة وطرفة ومزاح..

وشيخنا يحبه وقد زال بينهما حاجز التكلف ..

قال شيخنا للمضيف: اتصل لي على الأخ محمد وسوف أستعجل حضوره..

فأحضر جهاز الهاتف واتصل على غرفة الشيخ الدريعي ..

فلما رفع الدريعي السماعة .. وهو جهوري الصوت

و ربما من قوته لا يحتاج لميكرفون !!

غير شيخنا صوته وفخمه وصار يغمغم

ويقول: هل أنت محمد الدريعي ؟؟

فقال : من معي؟

فقال: يا أبا فلان أنزل وإلا فلن ننتظرك ..

وتبادلا الحديث والتعليقات وضحكنا من حديثهما ..

ولقد رأيت المشائخ يتمايلون من الضحك وخصوصا الشيخ عبد العزيز ** الشيخ

حتى دمعت أعينهم من الضحك!!

ولم يعرف الدريعي حتى أغلق سماعة الهاتف أن شيخنا هو محدثه ..

وعلق بتعليقات ساخرة على شيخنا وصوته وقال:

من هذا البزر الذي يكلمني ؟؟

وقال: الحين أنزل أؤدبك بعصاي!!

وحين نزل لنا وسمع صوت شيخنا وعرف انه هو من كلمه

انكب على شيخنا يقبله وضمه واعتذر منه ..

رحمهم الله وعفا عنهم..

وكما قلت فقد نزعت الكلفة بين شيخنا وبين الشيخ الدريعي ..

وعلى النقيض منه تماما شيخ آخر لم أرى شيخنا يتعامل بمثل هذا

الأسلوب سوى معه ومع شيخه سماحة الشيخ ابن باز..
حيث يجله إجلالا كبيرا ويتبسط معه في الكلام ويقوم له !!

فسألت شيخنا ذات مرة..

قلت:لاحظت عليكم حينما تقابلون هذا الشخص أنكم تجلونه وتقدرونه تقديرا

كبيرا؟؟

فقال لي: أنت لا تعرف هذا الرجل فله في قلبي مهابة ومحبة واحترام

وأخذ في الثناء عليه وذكر أعماله الجليلة ومواقفه في الحق حتى والله أحببته..

وهذا الرجل المعني هو الشيخ عبد الرحمن الفريان رحمه الله

مدير جمعية تحفيظ القرءان الكريم في الرياض ..

وهو علم من أعلام مدينة الرياض عليه رحمة الله..




ذات ليلة في تلك الأيام ألقى شيخنا درسا في العقيدة في جامع فقيه..

في العزيزية بمكة شرفها الله..

فلما انتهى الدرس قال لي الشيخ : هل سجلت كلامي؟؟

فقلت : لا والله ولم أكن احمل معي مسجلتي تلك الأيام!!

فقال: الدرس اليوم كان مفيدا فلعلك تبحث عمن سجله حتى ننسخه منه ..

فلحقت بشاب رأيته قد سجل الدرس ..

وهو طالب علم من دولة لبنان

فقلت له: اسمح لي أن ننسخ شريطكم ..

فقال لا بأس ..

وحينما ركب في السيارة معي ..

ففوجئ أنه سينسخ الشريط لشيخنا .. ؟؟

ولا عجب فشيخنا حريص على نشر علمه ويتعبد لله بذلك..

وتوجهنا لإحدى التسجيلات الإسلامية ونسخناه ..

وبعد رجوعنا لعنيزة سلمت لمؤسسة الاستقامة تلك الأشرطة وغيرها لكي

يضيفوها لألاف الشرطة التي قاموا بتصفيتها ونشرها في الآفاق..

كنا في المساء نرجع لسكننا في منزل الشيخ إبراهيم الشيخ حفظه الله

وكان برفقته عائلته الكريمة ومنهم ابنه البكر الشيخ

صالح بن إبراهيم الشيخ والذي ورث عن والده صفاته وأخلاقه وسمته

قال لي : لم لا تستغل هذه الفرصة بوجودك مع الشيخ وتقرأ عليه بعض

الكتب؟؟

فعرضت الأمر على الشيخ فرحب بذلك

وقال : كونك تركز على كتاب واحد أفضل لك من أن تتنقل بين الكتب يمنة

ويسرة فعليك بضبط متن معين ضبطا كاملا ثم تنتقل لكتاب آخر.. وهكذا

فطلبت من الشيخ أن يختار لي كتابا هو يراه..

فاختار أن اقرأ عليه كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية

الذي جمعه علاء الدين أبو الحسن البعلي رحمه الله والمتوفى عام 803 للهجرة

وهو كتاب جليل عظيم النفع جمع فيه اغلب آراء شيخ الإسلام ابن تيمية

من خلال كتبه وفتاويه ونظمها في مجلدة واحدة ورتبه على أبواب الفقه

المعروفة ..

وقد سبق أن صور لي هذا الكتاب واحتفظ بتلك الصورة عندي وهي التي قرأتها
على شيخنا ودونت عليها تعليقاته وشروحه ..

كنت أقرأ على الشيخ في البيت أو المكتب أو في المسجد بين الأذان

والإقامة أو في الطائرة أو في السيارة إن كنا مع سائق غيري حسب ما يتيسر من

وقت فيعلق ويشرح على المسألة ثم يعطي رأيه في قول شيخ الإسلام

فيوافق أو يخالف ..

ولقد ظننت قبل أن أقرأ عليه هذا الكتاب أن شيخنا لايخالف شيخ

الإسلام ابن تيمية سوى في مسائل معدودة ..

حصرها احد الطلبة بستة عشر مسألة !!

ولكن تبين لي أن شيخنا يبحث عن الدليل ولا يتعصب لقول الشيخ

فإذا رأى انه خالف الدليل رد قوله كما هو عادة العلماء المجتهدين ..


يتبع إن شاء الله
دبه تسوي ريجيم
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في مدينة بريدة .. الشيخ سليمان العلوان لمن لا يعرفه كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره .. آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث .. والفهم الثاقب وسعة الإطلاع ما يبهر الأبصار ويحير الألباب تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان .. ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعلا الشهادات العلمية وقد ثنى ركبتيه بين يديه.. وكان درسه بعد صلاة الفجر .. حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الدرس وكان ذلك يوم خميس أعترضتهم فجأة سيارة يقودها رجل مسن ومعه مرافق مسن أيضا.. فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين .. وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال.. وتوفي أيضا قائد السيارة الأخرى رحمه الله.. وتهشمت السياراتان حتى تلفتا تماما ولم تعد تصلحان للانتفاع بتاتا.. كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!! فقد خطف الموت طالبا مجدا وهو الأخ محمد العباد رحمه الله وأصوله من اليمن وفقد أحد الطلبة إحدى عينيه وكاد يعمى ومكث في الإنعاش أسابيع عديدة وهو الأخ محمد الأمين السوداني وكسر أللحي السفلي لأحدهم وكاد يتلف ويهلك.. وهو الأخ عبد الله حافظ الباكستاني والآخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلاعه وشل شللا نصفيا وهذا للأسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب وقد كان الأشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خيرا حينما سمع شيخنا بالخبر .. أراد الذهاب للمستشفى في عصر ذلك اليوم للاطمئنان عليهم بنفسه .. وقال لي : جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!! سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد و هي سيارة شبه متهالكة!! و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف لا تليق بي أنا كطالب علم فكيف بشيخنا !! قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !! حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيث توشك أن تحتك بالطريق !! تفهمون ما أعنيه جيدا !! عندما قال لي الشيخ: سأذهب معك بسيارتك.. قلت له: ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملاء .. فقال: ولما ؟؟ أبي أشوف سيارتك ونجربها!! توكل على الله وجهزها لي بعد الصلاة عند باب المسجد!! وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شيخنا على مثل هذه السيارة المريعة !! بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة .. فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي: مبارك !! هل هذه سيارتك؟؟ فقلت له : لا ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لأحد الزملاء!! فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر فركب معه وتركني!! لحقتهم للمستشفى فوجدت سيارتي التي تركتها مع صاحب السيارة التي أقودها .. فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة.. فأوقفتها أمام باب المستشفى !! فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!! لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى .. وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الدكتور عبد الله البداح المشرف العام على المستشفى وعدد من الإداريين .. حينما زرنا الأخ محمد الأمين وكان في غيبوبة تامة قال لنا الممرض: هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات.. كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة ..!! وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث.. ثم تنقلنا في غرف الإخوة الآخرين عبد الله والأخ الذي نسيت اسمه.. وكان وضع الأخير حرج للغاية مما استلزم نقله لجدة بعد عدة أسابيع كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطور في أي لحظة وكان في غيبوبة .. وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيه ولكنه لا يعرف من حوله ولا يعقل .. وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوما حدث موقف عجيب وغريب .. عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة.. حينها نظر الأخ في وجه الشيخ فتأمله وكأنه عرفه فابتسم وضحك !! فقال الشيخ وهو ممسك بيده : هل يعرف من حوله ؟؟ فقال الطبيب: أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !! وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهه .. فسبحان من ملأ قلوب عباده حبا لهذا العلم الجليل وخصوصا تلاميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!! وليخسأ الخاسئون!! همس أحد الطلاب في أذن الشيخ وقال له: ياشيخ نريد رؤية الأخ محمد العباد فقال الشيخ : هو ميت !! فقال : ياشيخنا لا بأس للاعتبار!! الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال .. حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه زوجته وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره .. وسلمت زوجته وأبناؤه.. وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة.. فقال لي: هل سمعت بفلان لقد صار عليه حادث وصلينا عليه اليوم.. حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا : نريد الاعتبار.. واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله.. من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة.. دخل الطلبة على جثة الأخ محمد وقد وضعت في داخل الثلاجة.. ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليلا .. وهز رأسه ثم دعا له و انصرف.. خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهي كرها لما فعله معي فقال لي: هل أحضرت سيارتك؟؟ فقلت بخجل وحياء: نعم.. استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!! وصلنا للباب وخرج الشيخ .. وودع مرافقيه وفتحت له باب السيارة.. وقال قبل أن يركب: هذه هي؟؟ قلت : هي والله !! فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخذ يلمس مراتبها ويمسح على مقدمها ويقول: مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!! فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني فقال : لا تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك.. ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر في سقفها والتبريك والدعاء وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز .. رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه.. في اليوم التالي صلينا على الأخ محمد العباد بعد صلاة الجمعة.. وأمنا شيخنا رحمه الله .. ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجلا .. وقد حملت على الأكتاف حتى المقبرة والتي تقع في الجهة الشمالية من عنيزة وكأن الإخوة الذين يحملون الجنازة استعجلوا في السير ليلحقوا الشيخ فقال لهم معاتبا : سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟ وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب .. حتى يصلي على الجنازة من لم يصل.. وحتى يحضر الميت ويدفن .. وضع الأخ محمد رحمه الله في القبر .. وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده .. وقرة عينه .. خلف الله عليه خيرا .. وجعله فرطا له إلى الجنة.. بكى والده على قبره فأبكى من حوله .. نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر.. رأيت رجلا يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه .. فسالت : أين يذهب؟؟ فقالوا: يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله جاء والد الأخ محمد وسلم على شيخنا وقبل يده وبكى بكاء كما تبكي الثكلى فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال : يخلف المولى سبحانه عليك في إخوان محمد.. فلا تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال .. الخ كلامه رحمه الله ولقد واساه شيخنا ودعاه في بيته واستضافه طوال بقاءه في عنيزة .. مرت الأيام تترى وبوتيرة سريعة .. وما أسرع ما جاء موسم الاستعداد للحج.. حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة .. وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومن كتب المناسك وكذلك كتابه الصغير في حجمه الكبير في قدره المتعلق بالأضاحي .. وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا .. فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الإحاطة بتوفيق المولى بجميع ما يتعلق بالحج والمناسك والأضحية من تلك الدروس.. فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعل قبره روضة من رياض الجنة في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة .. وقبل رؤية هلال ذي الحجة توجهت مع شيخنا لأداء الحج.. وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والأخ علي السهلي وجمع كريم من الإخوة المحبين.. توجهنا لمكة شرفها الله لأداء العمرة وتحللنا بعد ذلك .. فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك.. أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا ..!! سألت شيخنا: ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟ فقال: كلا ، هذه السيارة تابعة لوزارة الشئون الإسلامية حيث أشرف سنويا على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !! يتبع إن شاء الله
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في...
الحلقة الخمسون

كون شيخنا مشرفا على الدعوة في صالة الحجاج وكذلك في الميناء

فقد توجهنا لجدة لزيارة الميناء والصالة ..

حيث عينت الوزارة عددا من المشائخ والدعاة يقومون بتوعية الحجيج

القادمين من البحر والجو ..

في أحكام الحج والدين والعقيدة وغير ذلك ..

ويوزعون عليهم الاف بل ملايين المناشير والكتب والمصاحف والأشرطة..

من الدعاة في صالة التفويج في الميناء صاحب الفضيلة الشيخ

عبد الله القصير وأكرم به وانعم من عالم جليل

لقد تعجبت والله حينما رأيته يقف بنفسه يوزع على الحجيج الكتب

ويجيب على أسئلتهم ..


رغم شدة الحر والزحام الخانق وانبعاث الروائح الكريهة بسبب القرب من

أحواض السفن ...

جاءه رجل من السودان يعترض عليه في مسألة عقدية ذكرت في كتاب قرأه

تتعلق بالقبور والزيارة ونحو ذلك..

فوقف له الشيخ عبد الله يحاوره بهدوء وأدب ويستمع لاعتراضاته ..

دون أن يضجر من كلامه وخزعبلاته!!

فلله در دعاتنا فما أحسن ما يقدمونه للأمة ..

ثم حظهم من البعض النيل من أعراضهم والقدح فيهم!!

يذكرني هو وأمثاله من الرجال بقول الشاعر :

وليس أخو الحاجات من بات نائما ولكن أخوها من يبيت على رحل!!

جعل الله ذلك في موازين حسناته هو وعشرات الجنود المجهولين

الذين يعملون تحت إشرافه..

أطمأن شيخنا على أحوالهم وتشاور مع المشائخ فيما يقترحون من برامج

ومناشط وكتب ونحو ذلك ..

ثم انطلقنا لزيارة صالة الحجاج في المطار..

كانت في تلك الأيام معرفتي بالطرق في جدة ليست بذاك..

ولقد تهنا في الوصول للصالات لأكثر من ساعتين..

أستغرقها شيخنا بقراءة ورده حتى تعب ونام !!



وصلنا لمدينة الحجاج أخيرا وقد بلغ بنا التعب مبلغه ..

وهي مدينة بما تعنيه الكلمة من معنى..

تقوم لعدة أسابيع ثم تختفي بين عشية وضحاها.. كما قامت!!

فيها أسواق وبنوك ومحال تجارية ومستشفيات وجوامع

وكل الخدمات العامة التي يحتاجها حجاج بيت الله ..

وصلنا هناك .. وكان ذلك بعد صلاة الظهر ..

وقد خرج الناس من المسجد الكبير في وسط الصالات..

حيث كان اللقاء متفق عليه في الجامع وسيلقي شيخنا كلمة للحجيج ..

ولكن لتأخرنا فقد خرج الناس وبقي المسجد شبه خال..

توضأنا ودخلنا للمسجد وصلينا الظهر ..

كان شيخنا مجهدا ومرهقا بسبب ضغط الأيام الماضية ..

كان الجو لطيفا في المسجد وبرودته معتدلة ..

فاستغل شيخنا تلك الدقائق ولف عمامته على وجهه وتوسد يده ونام..!!

فجاء المشائخ فأشرت لهم من بعيد !!

فأشاروا لي: هل هذا الشيخ ؟؟

فحنيت رأسي وقلت لهم : نعم ودعوه ينام قليلا..

فغط في نومة هنيئة حتى شخر ..!!

فسعدت بذلك.. واغتبطت ..

وجلست مع المشائخ في زاوية المسجد حتى لا نزعج الشيخ..

ذكر لي شيخنا رحمه الله ..

أنه كان في سنوات ماضية يلقي دروسا للحجاج من جميع الجنسيات

وغالبهم من أفر يقيا..

تقدم له رجل أفريقي ويتكلم العربية وقال للشيخ: أنت تعلم الناس مسائل

مهمة في العقيدة والأحكام ولكن يحول بينك وبينهم اللغة !!

فغالبهم لا يفهم العربية فما رأيك أن أترجم كلامكم بلغة قومي؟؟

فقال الشيخ : لا بأس ..

فترجم ذلك الرجل لشيخنا مدة من الزمن ..

وفي خلال كلام شيخنا سمع لغطا من خلف الصفوف ..

وقام رجل وقال: ياشيخ إن هذا المترجم رجل كذاب !!

فهو يحرف كلامكم ويبدله بعمد لفساد معتقده ..

فقام مجموعة من الناس وأكدوا كلام الرجل..

فالتفت شيخنا للمترجم وقال له: قم .. وسوف أتكلم بالعربية فمن يفهم

فليفهم وأمري على الله !!

روى لي احد طلبة العلم الثقات يقول: اجتمعت يوما في الحرم في شهر رمضان

بعدد من المسلمين الأفارقة من نيجيريا والذين تحلقوا لاستماع درس شيخنا

محمد رحمه الله في الحرم..

وكان بعضهم يبكي بحرقة ويرفع يديه بالدعاء بكلام لا افهمه!!

فسألتهم : لماذا يبكون ؟؟

فقالوا : كنا مجموعة من النصارى أهدانا أحد طلبة العلم في نيجيريا شريطا

للشيخ محمد في العقيدة فأسلم بسبب ذلك الشريط ثمانية عشر شابا

ومنهم هؤلاء الفتية الذين يبكون فرحا لرؤيتهم للشيخ

ويدعون الله له فالفضل له بعد الله في إسلامهم !!

وأذكر مرة أنه زار شيخنا في الحج مجموعة من الأمريكان السود ..

وكانوا يتكلمون العربية بفصاحة مطلقة وكأنهم عرب أقحاح؟؟

قالوا للشيخ : نحن تلاميذك!!

فقال: لا أذكر أنكم درستم عندي!!

فقالوا : ياشيخ لقد سمعنا شروحك من الأشرطة في الواسطية وكتاب التوحيد

وغيرها فنحن نعتبر أنفسنا تتلمذنا عليك!!

ذات ليلة قال لي الشيخ مازحا : لدي درس الليلة الساعة التاسعة في أمريكا!!

فقلت له ضاحكا ومتعجبا: أتسخر مني؟؟

فقال: هل تريد ترى هذا بنفسك؟؟

فدخلت معه لملحق بيته ، واتصل عليه شخص من أمريكا على هاتفه

وقال ياشيخ : نحن جاهزون ؟؟

فإذا هي محاضرة عبر الهاتف يلقيها شيخنا و يستمع لها في أكثر من خمسين

مركزا إسلاميا في الولايات المتحدة !!

استيقظ شيخنا من نومه وتلفت حوله ومسح بيديه على وجهه

فلما رآه المشائخ قاموا إليه..

وسلموا عليه وتحلقوا حوله واستمع لهم ولبرامجهم وحصروا بعض النواقص

والاحتياجات من كتب وغيرها ..

ثم رجعنا لمكة لكي نستعد لأداء مناسك الحج..

تكفل الشيخ إبراهيم ** الشيخ بتنظيم كل ما يتعلق بحجنا

من تنقل وسكن وخدمات وتغذية فجزاه الله خير الجزاء.

حيث أن لديه فريقا كبيرا من الرجال المخلصين كل قد حدد له عمله ووظيفته

أمرني الشيخ ذلك اليوم بالاغتسال للباس الإحرام كما هي السنة

واغتسل الشيخ ولبس إحرامه وتدهن بقارورة كاملة من الطيب

دهن بها شعر رأسه ولحيته

حتى رأيت الطيب يتقاطر من لحيته..

ولقد فعل شيخنا ذلك تعبدا لله تعالى واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم

كما روت عائشة رضي الله عنها في إحرامه عليه السلام ..

ركبنا الباص الصغير المخصص لنا وبرفقتنا عائلة الشيخ إبراهيم في الخلف

كان شيخنا يلبي ويرفع صوته بالتلبية حتى بح صوته ..

كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..

كان السائق محترفا وخبيرا بالطرق ..

فأوصلنا لمخيمنا في منى والملاصق لمخيم سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله

فأنعم بها من جيرة ..

يحتوي المخيم على عدد كثيرة من الخيام جزء منه مستقل للنساء

تتوسطه خيمة كبيرة للصلاة والدروس..

يلقي فيهنا الشيخ الدروس والكلمات بعد كل صلاة ..

ولا يجد شيخنا في تلك الأيام الفضيلة وقتا للراحة إلا ما ندر

فهو كما قال الشاعر:

فلو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله..

فو الله لم ترى عيني ولا ادعي أنه لا يوجد!!

لم ترى عيني رجلا يبذل وقته للعلم والتعليم وتفقيه الناس مثل شيخنا

خلا شيخه وإمام الجميع الشيخ ابن باز رحمهما الله

كان الشيخ ابن باز رحمه الله يجل شيخنا ويحبه حبا جما

وكان شيخنا يبر بشيخه ويصله كما يفعل الولد مع أبيه ..

ويفرح الشيخ ابن باز حين يعلم بوجود تلميذه البار..

ذات مرة جئنا لمنزل سماحة الشيخ ابن باز في مكة

فسلم عليه شيخنا وقبل رأس شيخه ..

ثم جلس شيخنا في مكان بعيد عن الشيخ قليلا..

وكان بجوار الشيخ ابن باز يجلس أحد المشائخ الفضلاء..

فقال الشيخ ابن باز: وين الشيخ محمد ؟؟

وضرب بيده على الكرسي الذي بجواره ..

فقام الشيخ الذي عن يمينه من مكانه واستبدله بمكان شيخنا..

فلا تسل عن الأنس وفرح الشيخ ابن باز بأن يوضع شيخنا في موضعه الذي

يستحقه ويقدر التقدير الذي يليق به..

لا اعلم أن شيخنا ذهب لمدينة يعلم أن شيخه ابن باز فيها

إلا وابتدأ بزيارته والسلام عليه قبل أي شيء آخر..

أذكر مرة ذهبنا لمكتب الشيخ ابن باز في الرياض..

فقيل لشيخنا : هو في اجتماع مع اللجنة الدائمة ..

فيهم سماحة الشيخ وكذلك الشيخ عبد العزيز ** الشيخ المفتي الحالي

والشيخ ابن غديان والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد..

حينما دخلنا عليهم ..

رأيت الشيخ ابن باز مادا رجليه على طاولة وضعت أمامه

و حاسر الرأس..

فأراد المرافق أن يلبسه شماغه فقال الشيخ ابن باز:

لا .. لم يدخل علينا غريب!!

كما قلت كان التلميذ بجوار شيخه في المخيم..

وتحابا في القلوب وتجاورا في قبريهما بمكة في مقبرة العدل..

وأرجو المولى سبحانه أن يتجاورا في القصور في الفردوس الأعلى



يتبع ما تبقى من حلقات هذه المذكرات غدا ان شاء الله تعالى
البسملة
البسملة
يالها من سيرة عطرة لشيخنا الجليل ابن عتيمين.
انني متعطشة للمزيد فارجو ان لا تحرمينا
دبه تسوي ريجيم
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في مدينة بريدة .. الشيخ سليمان العلوان لمن لا يعرفه كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره .. آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث .. والفهم الثاقب وسعة الإطلاع ما يبهر الأبصار ويحير الألباب تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان .. ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعلا الشهادات العلمية وقد ثنى ركبتيه بين يديه.. وكان درسه بعد صلاة الفجر .. حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الدرس وكان ذلك يوم خميس أعترضتهم فجأة سيارة يقودها رجل مسن ومعه مرافق مسن أيضا.. فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين .. وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال.. وتوفي أيضا قائد السيارة الأخرى رحمه الله.. وتهشمت السياراتان حتى تلفتا تماما ولم تعد تصلحان للانتفاع بتاتا.. كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!! فقد خطف الموت طالبا مجدا وهو الأخ محمد العباد رحمه الله وأصوله من اليمن وفقد أحد الطلبة إحدى عينيه وكاد يعمى ومكث في الإنعاش أسابيع عديدة وهو الأخ محمد الأمين السوداني وكسر أللحي السفلي لأحدهم وكاد يتلف ويهلك.. وهو الأخ عبد الله حافظ الباكستاني والآخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلاعه وشل شللا نصفيا وهذا للأسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب وقد كان الأشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خيرا حينما سمع شيخنا بالخبر .. أراد الذهاب للمستشفى في عصر ذلك اليوم للاطمئنان عليهم بنفسه .. وقال لي : جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!! سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد و هي سيارة شبه متهالكة!! و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف لا تليق بي أنا كطالب علم فكيف بشيخنا !! قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !! حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيث توشك أن تحتك بالطريق !! تفهمون ما أعنيه جيدا !! عندما قال لي الشيخ: سأذهب معك بسيارتك.. قلت له: ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملاء .. فقال: ولما ؟؟ أبي أشوف سيارتك ونجربها!! توكل على الله وجهزها لي بعد الصلاة عند باب المسجد!! وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شيخنا على مثل هذه السيارة المريعة !! بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة .. فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي: مبارك !! هل هذه سيارتك؟؟ فقلت له : لا ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لأحد الزملاء!! فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر فركب معه وتركني!! لحقتهم للمستشفى فوجدت سيارتي التي تركتها مع صاحب السيارة التي أقودها .. فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة.. فأوقفتها أمام باب المستشفى !! فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!! لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى .. وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الدكتور عبد الله البداح المشرف العام على المستشفى وعدد من الإداريين .. حينما زرنا الأخ محمد الأمين وكان في غيبوبة تامة قال لنا الممرض: هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات.. كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة ..!! وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث.. ثم تنقلنا في غرف الإخوة الآخرين عبد الله والأخ الذي نسيت اسمه.. وكان وضع الأخير حرج للغاية مما استلزم نقله لجدة بعد عدة أسابيع كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطور في أي لحظة وكان في غيبوبة .. وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيه ولكنه لا يعرف من حوله ولا يعقل .. وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوما حدث موقف عجيب وغريب .. عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة.. حينها نظر الأخ في وجه الشيخ فتأمله وكأنه عرفه فابتسم وضحك !! فقال الشيخ وهو ممسك بيده : هل يعرف من حوله ؟؟ فقال الطبيب: أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !! وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهه .. فسبحان من ملأ قلوب عباده حبا لهذا العلم الجليل وخصوصا تلاميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!! وليخسأ الخاسئون!! همس أحد الطلاب في أذن الشيخ وقال له: ياشيخ نريد رؤية الأخ محمد العباد فقال الشيخ : هو ميت !! فقال : ياشيخنا لا بأس للاعتبار!! الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال .. حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه زوجته وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره .. وسلمت زوجته وأبناؤه.. وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة.. فقال لي: هل سمعت بفلان لقد صار عليه حادث وصلينا عليه اليوم.. حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا : نريد الاعتبار.. واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله.. من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة.. دخل الطلبة على جثة الأخ محمد وقد وضعت في داخل الثلاجة.. ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليلا .. وهز رأسه ثم دعا له و انصرف.. خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهي كرها لما فعله معي فقال لي: هل أحضرت سيارتك؟؟ فقلت بخجل وحياء: نعم.. استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!! وصلنا للباب وخرج الشيخ .. وودع مرافقيه وفتحت له باب السيارة.. وقال قبل أن يركب: هذه هي؟؟ قلت : هي والله !! فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخذ يلمس مراتبها ويمسح على مقدمها ويقول: مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!! فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني فقال : لا تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك.. ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر في سقفها والتبريك والدعاء وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز .. رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه.. في اليوم التالي صلينا على الأخ محمد العباد بعد صلاة الجمعة.. وأمنا شيخنا رحمه الله .. ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجلا .. وقد حملت على الأكتاف حتى المقبرة والتي تقع في الجهة الشمالية من عنيزة وكأن الإخوة الذين يحملون الجنازة استعجلوا في السير ليلحقوا الشيخ فقال لهم معاتبا : سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟ وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب .. حتى يصلي على الجنازة من لم يصل.. وحتى يحضر الميت ويدفن .. وضع الأخ محمد رحمه الله في القبر .. وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده .. وقرة عينه .. خلف الله عليه خيرا .. وجعله فرطا له إلى الجنة.. بكى والده على قبره فأبكى من حوله .. نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر.. رأيت رجلا يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه .. فسالت : أين يذهب؟؟ فقالوا: يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله جاء والد الأخ محمد وسلم على شيخنا وقبل يده وبكى بكاء كما تبكي الثكلى فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال : يخلف المولى سبحانه عليك في إخوان محمد.. فلا تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال .. الخ كلامه رحمه الله ولقد واساه شيخنا ودعاه في بيته واستضافه طوال بقاءه في عنيزة .. مرت الأيام تترى وبوتيرة سريعة .. وما أسرع ما جاء موسم الاستعداد للحج.. حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة .. وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومن كتب المناسك وكذلك كتابه الصغير في حجمه الكبير في قدره المتعلق بالأضاحي .. وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا .. فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الإحاطة بتوفيق المولى بجميع ما يتعلق بالحج والمناسك والأضحية من تلك الدروس.. فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعل قبره روضة من رياض الجنة في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة .. وقبل رؤية هلال ذي الحجة توجهت مع شيخنا لأداء الحج.. وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والأخ علي السهلي وجمع كريم من الإخوة المحبين.. توجهنا لمكة شرفها الله لأداء العمرة وتحللنا بعد ذلك .. فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك.. أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا ..!! سألت شيخنا: ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟ فقال: كلا ، هذه السيارة تابعة لوزارة الشئون الإسلامية حيث أشرف سنويا على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !! يتبع إن شاء الله
الحلقة السابعه والأربعون حضر مجموعة من طلبة الشيخ درس الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في...
الحلقة الواحده والخمسون

منذ اليوم الأول لوصولنا لمنى ولا ترى شيخنا إلا في درس أو إجابة فتوى

أو عبادة وذكر وتلاوة ..

وفي فراغه إن وجد ليلا بعد العشاء كنت أجلس معه وأقرأ عليه مما ييسره الله

كانت الوفود والزوار لا تنقطع طوال تلك الأيام عن التوافد للمخيم ..

ممن سعدنا برفقتهم تلك الأيام في الحج الأخ الشيخ خالد الشريمي حفظه الله

وهذا الرجل من أصحاب شيخنا ومن محبيه لأكثر من عشرين سنة ..

قمت بتسجيل تلك الدروس والفتاوى طوال مكوثنا في منى في التروية وكذلك في

أيام التشريق .. وقد سلمت تلك النسخ لا حقا للإخوة في مؤسسة الاستقامة

كنت أتلوا على الشيخ أسئلة الناس وغالبها يتعلق بالحج والمناسك ..

وكانت بعض الأسئلة تحتاج لنقاش مع السائل لاستيضاح بعض التفاصيل

فكان الشيخ قبل أن يجيب على الفتوى يقول أين السائل ؟؟

فإن رفع السائل يده أجابه وإلا تركه !!

من المواقف التي أذكرها في تلك الليالي :

حيث صادف أن سأل أحد الناس سؤالا وكان من ضمن الحضور

الأمير بندر بن عبد العزيز.. ومعه مجموعة من حرسه وجنوده وحاشيته..

وكلهم جلوس منصتون لشيخنا وحديثه ..

يقول ذلك السائل في أول سؤاله : أنا رجل مقيم في المملكة من سنتين وليس لدي

إقامة وأكمل سؤاله ...

فقال الشيخ وهو يضحك: أين السائل ؟؟

فضج الناس بالضحك .. حيث علموا أنه لن يجرأ برفع يده !!

في اليوم التالي توجهنا بالباص إلى عرفات ..

وكان ذلك اليوم شديد السخونة والزحام حول المخيم هائلا ..

وتفرغ شيخنا ذلك اليوم كله تقريبا للتعبد والذكر وقراءة القرءان

ولا أذكر أنه ألقى دروسا أو محاضرات ..

أحضر لنا مذياع واستمعنا لخطبة مسجد نمرة ..

وبعد انتهاءها أمنا شيخنا بالظهر والعصر جمعا وقصرا

بعد صلاة العصر وانتشار الظلال وضعت بسط خارج المخيم ..

وجلس شيخنا عليها واستقبل القبلة ومكث رافعا يديه يدعوا ويستغيث

حتى غربت الشمس..

همست في أذنه وهو يدعو بكلام ..

وأرجوا الله تعالى المولى أن يستجيب لدعائه رحمه الله !!

بعد ذلك ركبنا سياراتنا وتوجهنا لمزدلفة ..

صلينا المغرب والعشاء وأوترنا ونمنا ..

عند منتصف الليل استيقظ الشيخ وتعشى .. بعد ذلك افترقنا فرقتين

الكبار في السن العوائل تذهب مبكرا للرمي كما رخص بذلك

والمجموعة الأخرى تمكث لترمي في اليوم التالي..

وكنت أنا والشيخ مع العوائل وكبار السن ..

قبل أن نصل للجمرة الكبرى أمر الشيخ سائق الباص بالتوقف ..

ثم قال لي: انظر هل غاب القمر؟؟

فخرجت ونظرت فرأيته على وشك الغياب..

فقال الشيخ : إلى أن نصل يكون قد غاب .. توجهنا للجمرة ورمينا ثم توجهنا

للحرم وطفنا الإفاضة وعدنا للمخيم بعد الصبح ..

حلقنا وتحللنا ولبسنا الثياب ..

ولا أدري هل حلقنا بعد الرمي مباشرة أم بعد رجوعنا للمخيم ؟؟

ومع ذلك فكله مباح !!

اغتسلت ذلك اليوم ولبست أحسن ثيابي ولم يكن معي سواه..!!

وتبخرت بالعود الذي أحضره الشيخ إبراهيم جزاه الله خيرا..

قال الشيخ لي: اتصل علي الملك ودعاني لقصره للمعايدة ..

فقلت له : هل ممكن أن أرافقكم؟؟

فقال : إن أردت!!

فقلت : بلى أريد..

وبما أننا متمتعون فقد بقي علينا الهدي..

وقد كلف شيخنا أحد رجال الشيخ إبراهيم العقلاء بشراء كبشين أحدهما عن

شيخنا والآخر عني..

جزا الله شيخنا عني خير الجزاء فقد تكفل عني بكل شيء..

فهل لمعاتب لي ، حق أن يلومني بكتابة هذه الرواية عن هذا الرجل الكريم ؟؟

ألا قاتل الله الظلم والبغي!!

قال الشيخ : هيا تعال اذبح هديك!!

فقلت له : والله لم يسبق لي أن ذبحت دجاجة فكيف تريدني أذبح هذا المخلوق

الكبير؟؟

فقال : اذبحه وغيرك يتولى سلخه وتقطيعه..

فقلت : أعفني..

فقال: أبدا لا أعفيك تعال وسأعلمك وافعل مثلما افعل أنا..

فقدم الكبش الأول ووضع شيخنا الشفرة على حلقه فذبحه ولم يبد لي ذلك

عسيرا .. !!

فتشجعت وقلت أنا لها!!

فأمسكت بالشفرة وقرب لي كبشي ووضعت الشفرة على حلقه ..

فلما رأيت عيون الكبش تزيغ من هول ما يقدم عليه ترددت!!

فقال الشيخ ومن حوله : هيا اذبح وسم وكبر ..

فحركت الشفرة فشخر الكبش وهاج وكاد يفلت فكبسه من بجواري وقال :

أجهز عليه !!

فأكملت ذبحه وتطاير الدم حتى امتلأ ثوبي ووجهي بالدم ..

وسكن الكبش ..

فنظرت لشيخنا فكان وجهه مضيئا كالصفيحة وهو مبتسم

رحمه الله ورضي عنه..

قلت له : لا أملك غير هذا الثوب حتى أرافقكم للملك..

فقال: مرة ثانيه إن شاء الله ..

تمنيت رفقة شيخنا فهي التجربة الأولى لي في رؤية هذه الشخصية الكبيرة

ولكن هذا قدر الله..

ولقد دخلت مع شيخنا للملك فهد رحمه الله عدة مرات ..

أذكر مرة أن شيخنا قال لي: سنذهب الليلة للملك فهد في جده ..

ولم يسبق لي رؤية الملك عيانا قبل ذلك اللقاء..

وكان ذلك بعد اجتماعات هيئة كبار العلماء في الطائف..

رجوت شيخنا أن يبدل ملابسه لذلك اللقاء

فهي شبه بالية ولديه ما هو أنظر منها وعباءته معرفطة!!

و نعله تليك مخيطة الأطراف!!

فأبى وقال : أقابلهم بما أقابل به ربي!!

وأردت أن أبدل ثيابي فقال لي: ثوبك جميل ولا داعي لتغييره !!

فقلت في نفسي: يسعني ما يسعه .. رحم الله هذا المربي والزاهد ..

نزلنا لجده ووصلنا للقصر ..قريبا من منتصف الليل..

حينما وقفنا على البوابة نظر الضابط في وجه الشيخ فعرفه ولم يطل ..

وقال للجنود : افتحوا الباب للشيخ ابن عثيمين ..

دلفنا للقصر الفخم والكبير والذي لم أشاهد له مثيلا حتى هذه الساعة

في بهائه وجماله وفخامته ..

رزقنا الله وإياكم القصور في الفردوس الأعلى..

بحثنا عن موقف لسيارتنا بجوار السيارات الفخمة والبهية .. وبالكاد وجدت

ولقد سبق أن رجوت الشيخ أن انزله أمام بوابة الإيوان

لكي ينزل هو وسوف ألحقه

فرفض وقال : ندخل معا ونخرج معا!!

وصلنا لبوابة الإيوان وكان الحرس وخدم القصر ورجاله كالذر عددا

عن اليمين والشمائل..

كل من رآنا جاء للشيخ وسلم عليه ..

فاجأني شيخنا بسرعة خطوه وعجزت عن مسايرته و كان يمر من تحت

أجهزة كشف المعادن ولا يتوقف لها ولا يعبأ بها ..

بالنسبة لي أنا فقد أمسك بيدي العسكر مرتين ليردوني للتفتيش

فكان الشيخ يشير لهم فيتركوني إكراما له ..

دخلنا الإيوان الأول ومن بعده إلى إيوان ابهر منه وأجمل وأفسح..

ومنه دخلنا لمجلس كبير وهائل ..

يكاد ضوءه وتوهجه يخطف الأبصار..

ومع كبر حجمه وفساحته واتساعه إلا أنه بلا أعمدة تحجب الرؤية!!

قد رصت في جميع أطرافه المقاعد الوثيرة والفخمة وعليها من البشر والخلق

من لا يحصيهم إلا الله ..

في صدره كان يجلس الملك .. وعرفته منذ أن رأيته ومنذا يخفاه ؟؟

رحمه الله وعفا عنه ..

حينما رأى الملك شيخنا قام فقام كل من في المجلس وهذا من عاداتهم

فخجلت واستحييت وهبت ذلك المنظر..

فدخلت عن يمين المجلس واختفيت خلف الصفوف..

وكنت أراقب ما جرى..

كنت أرى شيخنا يسير لوحده في وسط المجلس الفسيح ..

وتقدم له الملك فالتقيا في وسط المسافة .. فاحتضنا بعضهما بعضا ..

وقبل الملك على انف شيخنا كما هي عادتهم..

في إكرام العلماء..

سمعت رجلا بجواري متعجبا يقول: من هذا ؟؟

فقال الآخر وكان متكئا ويحرك سبحته قال: هذا المهندس ابن عثيمين!!

نرجع لمنى!!

من السنن أن لا يأكل المتمتع شيئا قبل أن يذوق من هديه

كما هو الحال في الأضحية..

طبخ لنا من كبد الكبشين فافطرنا عليهما ..

ثم خرج الشيخ من الخيمة ودخل على المخيم المجاور للسلام على شيخه ابن باز

للمباركة له بالعيد ..

فاستعرت ثوبا من احدهم ولحقت به ..

فوجدته مع الشيخ ومعهما الشيخ حمد الموسى

رفيق الشيخ ابن باز في حله وترحاله..

قال لي مرة الشيخ حمد: أغبطك على صحبة الشيخ محمد !!

قبلت رأس الشيخ ابن باز فسأل : من أنت ؟؟

فقال له شيخنا: هذا أحد تلاميذنا واسمه فلان بن فلان..

فدعا لي الشيخ ..

رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا بهم في جنات النعيم


يتبع إن شاء الله