**متفائلة دوما**
متابعة :35:
متابعة :35:



~~ ( 3 ) ~~

كما توقعت هند..
تجمع كثير من الناجين قريبين من بعضهم، في المكان الذي حددته مسبقاً..
قدّرت عددهم بأنهم أكثر من المائتين وأقل من الثلاثة..
الآن، صار عليها أن تحدد الخطوة التالية..
فلا يبدو أن أحداً ينوي تحديدها سواها.!..

تطوع من لديهم خلفيات طبية بفحص المصابين، بطريقة بدائية طبعا..
ساعدوا من يمكنهم مساعدته، أو أمكنهم إبقاء حالته مستقرة..
أشارت عليهم هند بتصنيف المصابين، حتى تتضح لديهم أولويات المتابعة.
أخبرها الطبيب الوحيد الموجود معهم أن ذلك ما ينوي فعله، ليسهل على فرق الإنقاذ عملهم عند وصولهم وينقلون الحالات العاجلة أولاً..

"فرق الإنقاذ"!!
ذكرتها هذه العبارة بما تمنت أنها لا تعرف..
كانت تتمنى لو كان كلام الرجل من محطة النانو غير صحيح..
إلا أن لا إشارة لقدوم أحد..

كان الظلام قد حل، إلا أنها ليلة قمراء، من حسن حظهم..
طلبت هند من الرجال الأربعة الذي ساعدوها سابقاً أن يبحثوا عن كل ما يمكنهم من إشعال النار، وقد تدبروا أمرها..
الواقع أن هذه النار لم تكن فقط للدفء، إنما كانت تشعرهم بالأمان..
فقد تحلق الناس حول شعل النار..
ربما تحديقهم إلى لهبها المتراقص ساعدهم على تمضية بعض الوقت أيضاً..

صلت هند، ودعت الله تعالى أن يعينها على إيجاد هيفاء، صار همها الأول أن تجدها..
كل من كان مصاباً وأمكن تحريكه موجود هنا.. إلا أن هيفاء ليست هنا..!

طلبت من بعض (معاونوها!) أن يأخذوا معهم شعلاً من النار لمساعدتها في البحث عن هيفاء..
أخذتهم للمكان الذي خمنت أنهما كانتا فيه تقريباً..
بالرغم من الظلام فإن البحث يبدو أسهل وأكثر تحديداً..
و.. هناك من يبحث معها هذه المرة..
كانوا يرفعون بقايا الألواح والحاويات وما تناثر من بقايا الحادث..
وهي تنادي عليها..
وفي هدوء الليل..
وسط الصحراء..
وبعزلة عن كل العالم..
تهيأ لهند أنها تسمع صوتاً..

هتفت مسرورة "إنها هيفاء"

حددوا معها مصدر الصوت ، وتمكنوا من الوصول إليها أخيراً..
ها هي هيفاء.. بالكاد تفتح عينيها، والجروح في سائر جسدها..
بكت هند وهم يرفعون هيفاء ثم حضنتها بكل ما تبقى لديها من قوة..

كانت تستمد من هيفاء كل عزاء بقي لها في هذه الدنيا..
كانت كل ما تحتاجه الليلة.

***

بعد صلاة الفجر الثانية من بعد الحادث، كان الأمر قد اتضح للجميع..
لن يأتي لنجدتهم أحد!!!
ترددت هذه العبارة وعبارات أخرى مشابهة لها بين الجميع..
البعض أخذ في الصراخ، والبعض الآخر يبكي ويولول مما سوف يحل بهم..
"سنموووت" كانت هذه أكثر الكلمات تردداً..
والمشكلة الكبرى أن أحدهم قد أخبر البعض عن النظرية التي طرحها مختص النانو سابقاً..
البعض ثار وهاج وكأنه يشعر بالخيانة، وعمت الفوضى ...
هتفت بهم هند بضرورة تمالك أعصابهم، وبأنهم سيجدون حلاً بعون الله تعالى، وأن الله سبحانه معهم إن هم أبعدوا الشيطان الرجيم عنهم..
أحست أنها قوية بعد أن اطمأنت بوجود هيفاء معها..
ومن حسن حظها، أو بالأحرى حظهم جميعا، ثقة بعض الموجودين بها، ودعمهم إياها..
بالرغم من وجود بعض المحبطين..
اتفقت مع معاونيها على أن يكوّنوا مجموعات بحث، البحث عن حاويات الماء والطعام أو حبوب مصادر الطاقة.. كانت الحاويات متوفرة في كل مكان في المدن العصرية، فلابد من نجاة بعضها من الحادث..
كما أن عليهم البحث عن أي وسيلة اتصال تعمل ، تمكنهم من التواصل مع بقية العالم..
كما أن عليهم إعداد أماكن الاستظلال، فبعد ساعتين ستصبح الشمس قاتلة من شدة الحرارة التي تبعث بها، وأجسادهم لم تعتاد على التعرض لأشعة الشمس هكذا بدون حواجز..

***


لم تكن نتائج البحث سارّة..
فالقليل فقط من حبوب الطاقة تم جمعها، أما الطعام فكان أقل بكثير، نتيجة شدة الضرر الذي تعرضت له أغلب حاوياتها التي وجدوها..
و الماء، لا نتيجة!
أما وسائل الاتصال فلم يعمل منها شيء حتى الآن..
أغلبها محطمة، وما لم يتحطم منها فلم يعمل..
"لا يوجد طاقة لتشغيل الأجهزة" قال أحد أعضاء مجموعة البحث " سنرتاح قليلاً ثم نعاود البحث في جهات أخرى عن أي شيء يمكننا الاستفادة منه كمصدر للطاقة" فكامل المدينة العصرية كانت تعتمد على مصدر الطاقة المركزي، لا وجود لبدائل معروفة!
النتيجة الأفضل كانت مع مظلات الإيواء البدائية التي تم إعدادها.. فباستخدام بقايا ألواح الحاويات، مع بعض قطع الملابس، كونوا ما يشبه الخيام الصغيرة، وابتدئوا بإيواء الجرحى والأطفال والنساء وكبار السن أولاً..
أحضرت هند لصديقتها حبة للطاقة، وجلست معها وهي تـُحكم الغطاء حول كتفي هيفاء..
"تدلليني كأني ابنتك الصغيرة التي ضاعت منك! لو كنت أعلم أنك تحبينني هكذا لاستغليتك جيدا منذ زمن طويل" قالتها مازحة
"أولم تفعلي؟!!" قالت هند ضاحكة، دفعتها هيفاء وهي تضحك أيضاً..
شعرت هند بأنها استعادت أحد الأيام الخوالي، وضحكت من كل قلبها، إلا أنها شعرت بقبضة مفاجأة في قلبها..
روح هيفاء المرحة شيء جميل الآن، لكن إلى متى يمكنهم الصمود؟!!
بقي السؤال معلقاً..
شعرت بها هيفاء، كما تفعل دوما، ثم قالت بنبرة حزينة "إن لم يقتلني الحادث، فسيقتلني العطش"!!
سرحت هند قليلاً ثم قالت "سنتدبر أمرنا" وغادرت..
كانت قد اتخذت قرارها الآن..

***


جمعت هند معاونوها ومعهم أخصائي محطة النانو..
"علينا أن نتحرك الآن لنجد مخرجاً سريعاً مما نحن فيه، فالانتظار لن يعني لنا سوى الموت، والله يعلم ما المسببات التي ستحل بنا طالما نحن مستسلمون هكذا" شعرت هند أنها حمستهم بقدر كافي بحديثها هذا..
"وما بيدنا أن نفعل؟"
سألتهم هند "من منكم يعرف المنطقة القديمة هنا؟"
ظهر التردد عليهم.. نظرت هند بإلحاح لمن بدوا الأكبر سنا..
قال أحدهما "انتقلت إلى هنا بعد أن تم توظيفي في أحد الشركات المشاركة في تطوير المدينة العصرية، لم أعرف المنطقة القديمة قط"
"وأنت؟" سألت الآخر بحزم
كان متردداً ثم قال "لست متأكداً بأني أعرفها، كنت صغيراً وقتها ولا أدري حتى كيف أصل إليها..."
قاطعته "كم كان عمرك؟"
رد عليها"ربما 16 أو أقل.."
قالت بحزم "هذا يكفي".. تابعت "يمكننا أن نعرف الاتجاه بسؤال الآخرين لابد من وجود من يعرف، لكن المهم أنك قادر على أن تتعامل مع المنطقة القديمة لتسهل التحرك بها والوصول للمطلوب منها..
قال بثقة هذه المرة "نعم أستطيع"..
قالت حاثة لهم بسرعة الحركة "أنا متأكدة أننا لو سألنا سنتمكن من تحديد الاتجاه، ما أريده منكم أن يذهب فريق منكم ويحضر لنا ما يكفي من الماء"!


***


مضت أكثر من ست ساعات على مغادرة الفريق ولم يعد بعد..
في أعماقها، علمت هند أنهم لن يعودوا..!


**متفائلة دوما**
~~ ( 3 ) ~~ كما توقعت هند.. تجمع كثير من الناجين قريبين من بعضهم، في المكان الذي حددته مسبقاً.. قدّرت عددهم بأنهم أكثر من المائتين وأقل من الثلاثة.. الآن، صار عليها أن تحدد الخطوة التالية.. فلا يبدو أن أحداً ينوي تحديدها سواها.!.. تطوع من لديهم خلفيات طبية بفحص المصابين، بطريقة بدائية طبعا.. ساعدوا من يمكنهم مساعدته، أو أمكنهم إبقاء حالته مستقرة.. أشارت عليهم هند بتصنيف المصابين، حتى تتضح لديهم أولويات المتابعة. أخبرها الطبيب الوحيد الموجود معهم أن ذلك ما ينوي فعله، ليسهل على فرق الإنقاذ عملهم عند وصولهم وينقلون الحالات العاجلة أولاً.. "فرق الإنقاذ"!! ذكرتها هذه العبارة بما تمنت أنها لا تعرف.. كانت تتمنى لو كان كلام الرجل من محطة النانو غير صحيح.. إلا أن لا إشارة لقدوم أحد.. كان الظلام قد حل، إلا أنها ليلة قمراء، من حسن حظهم.. طلبت هند من الرجال الأربعة الذي ساعدوها سابقاً أن يبحثوا عن كل ما يمكنهم من إشعال النار، وقد تدبروا أمرها.. الواقع أن هذه النار لم تكن فقط للدفء، إنما كانت تشعرهم بالأمان.. فقد تحلق الناس حول شعل النار.. ربما تحديقهم إلى لهبها المتراقص ساعدهم على تمضية بعض الوقت أيضاً.. صلت هند، ودعت الله تعالى أن يعينها على إيجاد هيفاء، صار همها الأول أن تجدها.. كل من كان مصاباً وأمكن تحريكه موجود هنا.. إلا أن هيفاء ليست هنا..! طلبت من بعض (معاونوها!) أن يأخذوا معهم شعلاً من النار لمساعدتها في البحث عن هيفاء.. أخذتهم للمكان الذي خمنت أنهما كانتا فيه تقريباً.. بالرغم من الظلام فإن البحث يبدو أسهل وأكثر تحديداً.. و.. هناك من يبحث معها هذه المرة.. كانوا يرفعون بقايا الألواح والحاويات وما تناثر من بقايا الحادث.. وهي تنادي عليها.. وفي هدوء الليل.. وسط الصحراء.. وبعزلة عن كل العالم.. تهيأ لهند أنها تسمع صوتاً.. هتفت مسرورة "إنها هيفاء" حددوا معها مصدر الصوت ، وتمكنوا من الوصول إليها أخيراً.. ها هي هيفاء.. بالكاد تفتح عينيها، والجروح في سائر جسدها.. بكت هند وهم يرفعون هيفاء ثم حضنتها بكل ما تبقى لديها من قوة.. كانت تستمد من هيفاء كل عزاء بقي لها في هذه الدنيا.. كانت كل ما تحتاجه الليلة. *** بعد صلاة الفجر الثانية من بعد الحادث، كان الأمر قد اتضح للجميع.. لن يأتي لنجدتهم أحد!!! ترددت هذه العبارة وعبارات أخرى مشابهة لها بين الجميع.. البعض أخذ في الصراخ، والبعض الآخر يبكي ويولول مما سوف يحل بهم.. "سنموووت" كانت هذه أكثر الكلمات تردداً.. والمشكلة الكبرى أن أحدهم قد أخبر البعض عن النظرية التي طرحها مختص النانو سابقاً.. البعض ثار وهاج وكأنه يشعر بالخيانة، وعمت الفوضى ... هتفت بهم هند بضرورة تمالك أعصابهم، وبأنهم سيجدون حلاً بعون الله تعالى، وأن الله سبحانه معهم إن هم أبعدوا الشيطان الرجيم عنهم.. أحست أنها قوية بعد أن اطمأنت بوجود هيفاء معها.. ومن حسن حظها، أو بالأحرى حظهم جميعا، ثقة بعض الموجودين بها، ودعمهم إياها.. بالرغم من وجود بعض المحبطين.. اتفقت مع معاونيها على أن يكوّنوا مجموعات بحث، البحث عن حاويات الماء والطعام أو حبوب مصادر الطاقة.. كانت الحاويات متوفرة في كل مكان في المدن العصرية، فلابد من نجاة بعضها من الحادث.. كما أن عليهم البحث عن أي وسيلة اتصال تعمل ، تمكنهم من التواصل مع بقية العالم.. كما أن عليهم إعداد أماكن الاستظلال، فبعد ساعتين ستصبح الشمس قاتلة من شدة الحرارة التي تبعث بها، وأجسادهم لم تعتاد على التعرض لأشعة الشمس هكذا بدون حواجز.. *** لم تكن نتائج البحث سارّة.. فالقليل فقط من حبوب الطاقة تم جمعها، أما الطعام فكان أقل بكثير، نتيجة شدة الضرر الذي تعرضت له أغلب حاوياتها التي وجدوها.. و الماء، لا نتيجة! أما وسائل الاتصال فلم يعمل منها شيء حتى الآن.. أغلبها محطمة، وما لم يتحطم منها فلم يعمل.. "لا يوجد طاقة لتشغيل الأجهزة" قال أحد أعضاء مجموعة البحث " سنرتاح قليلاً ثم نعاود البحث في جهات أخرى عن أي شيء يمكننا الاستفادة منه كمصدر للطاقة" فكامل المدينة العصرية كانت تعتمد على مصدر الطاقة المركزي، لا وجود لبدائل معروفة! النتيجة الأفضل كانت مع مظلات الإيواء البدائية التي تم إعدادها.. فباستخدام بقايا ألواح الحاويات، مع بعض قطع الملابس، كونوا ما يشبه الخيام الصغيرة، وابتدئوا بإيواء الجرحى والأطفال والنساء وكبار السن أولاً.. أحضرت هند لصديقتها حبة للطاقة، وجلست معها وهي تـُحكم الغطاء حول كتفي هيفاء.. "تدلليني كأني ابنتك الصغيرة التي ضاعت منك! لو كنت أعلم أنك تحبينني هكذا لاستغليتك جيدا منذ زمن طويل" قالتها مازحة "أولم تفعلي؟!!" قالت هند ضاحكة، دفعتها هيفاء وهي تضحك أيضاً.. شعرت هند بأنها استعادت أحد الأيام الخوالي، وضحكت من كل قلبها، إلا أنها شعرت بقبضة مفاجأة في قلبها.. روح هيفاء المرحة شيء جميل الآن، لكن إلى متى يمكنهم الصمود؟!! بقي السؤال معلقاً.. شعرت بها هيفاء، كما تفعل دوما، ثم قالت بنبرة حزينة "إن لم يقتلني الحادث، فسيقتلني العطش"!! سرحت هند قليلاً ثم قالت "سنتدبر أمرنا" وغادرت.. كانت قد اتخذت قرارها الآن.. *** جمعت هند معاونوها ومعهم أخصائي محطة النانو.. "علينا أن نتحرك الآن لنجد مخرجاً سريعاً مما نحن فيه، فالانتظار لن يعني لنا سوى الموت، والله يعلم ما المسببات التي ستحل بنا طالما نحن مستسلمون هكذا" شعرت هند أنها حمستهم بقدر كافي بحديثها هذا.. "وما بيدنا أن نفعل؟" سألتهم هند "من منكم يعرف المنطقة القديمة هنا؟" ظهر التردد عليهم.. نظرت هند بإلحاح لمن بدوا الأكبر سنا.. قال أحدهما "انتقلت إلى هنا بعد أن تم توظيفي في أحد الشركات المشاركة في تطوير المدينة العصرية، لم أعرف المنطقة القديمة قط" "وأنت؟" سألت الآخر بحزم كان متردداً ثم قال "لست متأكداً بأني أعرفها، كنت صغيراً وقتها ولا أدري حتى كيف أصل إليها..." قاطعته "كم كان عمرك؟" رد عليها"ربما 16 أو أقل.." قالت بحزم "هذا يكفي".. تابعت "يمكننا أن نعرف الاتجاه بسؤال الآخرين لابد من وجود من يعرف، لكن المهم أنك قادر على أن تتعامل مع المنطقة القديمة لتسهل التحرك بها والوصول للمطلوب منها.. قال بثقة هذه المرة "نعم أستطيع".. قالت حاثة لهم بسرعة الحركة "أنا متأكدة أننا لو سألنا سنتمكن من تحديد الاتجاه، ما أريده منكم أن يذهب فريق منكم ويحضر لنا ما يكفي من الماء"! *** مضت أكثر من ست ساعات على مغادرة الفريق ولم يعد بعد.. في أعماقها، علمت هند أنهم لن يعودوا..!
~~ ( 3 ) ~~ كما توقعت هند.. تجمع كثير من الناجين قريبين من بعضهم، في المكان الذي حددته...


~~ ( 4 ) ~~


في اليوم التالي، كانت النفسيات منهارة تماما..
عطش، جوع، خوف..!
"عندما يفقد الإنسان احتياجاته الأساسية في الحياة، يفقد عقله معها!" قالتها هيفاء وهي خائفة مما يمكن أن يحصل من هذه الفوضى، وهي لا تلوم أحداً منهم..
"أنا خائفة" قالتها ثم نظرت لهند بعيون دامعة..
ضمتها هند لتواسيها، لكنها في الواقع كانت تواسي نفسها بها أولا..!!
قررت هند في حال عدم رجوع الفريق عند الفجر، ستنطلق بنفسها، ومعها كل ما تبقى لها.. هيفاء.


***

حاولت هند النوم قليلاً هذه الليلة، لتكون لديها بعض الطاقة لرحلة الغد..

***

في هدوء الليل والناس نيام، قطعت هذا الصمت صرخة فزع..
ثم صرخات!!
لم يكن أحد بحاجة لشحنة جديدة من الفزع..
تقافزوا ليكتشفوا ما يحدث..
كانت رائحة الجثث قد جذبت وحوش الصحراء..
طردها بعض الرجال بشعل من النار..
"إنها الضباع" قال أحدهم "علينا أن ندفن هذه الجثث فهي ستستمر في جلب المزيد إلينا"
كانت هند تعلم أنها مهمة شاقة، بل خرافية، وهم إلى الآن بدون ماء..
صار عليهم تدبر أمر مصادر إشعال النار بصعوبة أكبر أيضاً، لأنهم سيوزعون نيران صغيرة بحيث تحيط بالناجين من كل اتجاه ، لتخويف الحيوانات من الاقتراب منهم..


***


تحركت مجموعة هند باكراً قبل الفجر..
لم يعد للانتظار معنى سوى المزيد من المشاكل..
اتخذوا نفس وجهة المجموعة التي سبقتهم..
لم يكن لديهم أدنى فكرة عما يمكن أن يكون قد حل بهم..
كانوا يقطعون الطريق بالحديث حول ذلك..
وحول الحادثة التي حصلت ولم تفسر بعد..
وحول الإنقاذ الذي لم يصل..
إلا أن الصمت صار مطبقاً أغلب الوقت بعد ذلك..!
فبعد بضع ساعات من المسير، عرفوا ما الذي عطّل المجموعة التي سبقتهم..
لقد تاهوا!!!
لا يعرفون كيف يحددون وجهتهم الآن..
فلم يضطروا في حياتهم مسبقاً أن يقطعوا مثل هذه الفيافي..
ولا أن يسيروا اعتماداً على معرفتهم الشخصية..
لقد كانت التكنولوجيا توفر لهم كل شيء..
وتقوم بدلاً عنهم بكل شيء أيضاً..
كل شيء..!
حتى وجهاتهم والطرق التي عليهم اتخاذها..!
لم يعودوا يعلمون أين وجهتهم، ولا كيف يمكنهم أن يعودوا..
فضلاً عن أن العودة لا فائدة منها الآن..
سيموتون عطشاً في كلا الحالتين!

سيطر عليهم اليأس تماماً..
وأخذوا بالشجار وإلقاء اللوم على بعضهم البعض..
لم يكن ذلك إلا هدراً لما تبقى لديهم من طاقة..
كانت هند أول من سقط من شدة الإعياء..
شعرت بالرمال الساخنة وكأنها تشوي بشرة وجهها الرقيقة..
وبحبات الرمل المتطايرة من أثر السقوط وهي تندفع بعشوائية داخل تجويفات أنفها وفمها..
ساعدتها هيفاء مع أحدهم للوقوف على قدميها، لكن ذلك لم يدم طويلاً..
هيفاء كانت التالية..
ولم يبطئ الباقون عنها..
ستة أجساد ملقية على الرمال الساخنة، بينها مسافات لا تزيد عن بضع مئات من الأمتار..
تلعب بهم الرمال بعد أن ألعبتهم لعبة المتاهة وتغلبت عليهم..
إنها تسخر من عجزهم الآن!


***


حلمت هند بأنها تشرب ماء!!
لم يكن طعمه مستساغاً، لكنه ماء على أي حال..
"على الأقل شربت الماء في نومي" قالت ذلك لهيفاء في الحلم أيضاً..