السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال المغيرة بن حبيب
كنت أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطّلع على شيء من ذلك
فقصدت مالك بن دينار، فرمقته على غفلة وراقبته من حيث لا يعلم ليالي عدة.
كان يتوضأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم إلى الصلاة، فتارة يفني ليله في تكرار آية أو آيتين،
وتارة يدرج القرآن درجًا، فإذا سجد وحان انصرافه من صلاته، قبض على لحيته،
وخنقته العبرة،(من شدة البكاء) وجعل يقول:
بحنين الثكلى وأنين الولهى، يا إلهي، ويا مالك رقّي، ويا صاحب نجواي،
ويا سامع شكواي، سبقت بالقول تفضلًا وامتنانًا، فقلت وقولك الحق في كتابك الكريم
{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، والمحبّ لا يعذب حبيبه، فحرم شيبَةَ مالكٍ على النار.
إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأيّ الرجلين مالك، وأي الدارين دار مالك؟
ثم يبقى كذلك يناجي ربه إلى أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح بوضوء العتمة رحمه الله تعالى
وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال
دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار حسن السيرة
حسن الأخلاق، فرجوت أن يوفقه الله عند الموت، ويميته على الإسلام
فقلت له : ما تجد، وكيف حالك ؟
فقال : لي قلب عليل ولا صحة لي ، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي،
وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي
وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قال الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له لم لا تسلم حتى تسلم ؟
قال: إن المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار إلى صدره وغشي عليه.
قال الحسن: فقلت:
إلهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها إليه قبل
فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، إن الفتاح أرسل المفتاح.
أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله،
ثم خرجت روحه وصار إلى رحمة الله
ويروى عن المزني انه قال:
دخلت على الشافعي رضي الله عنه في علته التي مات منها، فقلت له: كيف أصبحت؟
قال: أصبحت في الدنيا راحلًا، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيّة شاربًا، ولسوء عملي ملاقيًا،
وعلى الله واردًا، فلا أدري: أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟
ثم بكى بكاءً شديداً
وكذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يكن له وقت ينام فيه، فكان يصيبه النعاس
وهو جالس بين الناس، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ألا تنام؟
فقال : وكيف أنام؟
إن نمت بالنهار، ضيّعت حقوق الناس، وإن نمت بالليل ضيّعت حظي من الله
ُأخي الحبيب, أختي االغالية
ما هذه السكرة ونحن صاحون؟ وما هذا السكون ونحن مطالبون؟
وما هذه الاقامة ونحن راحلون؟ أما آن لنا أن نستيقظ ؟
أما حان لنا نحن ابناء الغفلة أن نتعظ؟
إلى كم نماطل بالعمل، و نطمع في بلوغ الأمل؟
ونغتر بفسحة المهل، ولا نذكرهجوم الأجل؟
لنبادر بالتوبة من الذنوب، ولنقتف آثار التوّابين، ولنسلك مسالك الأوّابين، الذين نالوا
التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن، كانوا في ظلم الليالي قائمين،
ولكتاب ربهم تالين، بنفوس خائفة، وقلوب واجفة، قد وضعوا جباههم على
الثرى ورفعوا حوائجهم لمن يرى ولا يُرى
أخي الحبيب, أختي االغالية
كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها،
وكلما طردته، تقرّب إليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها
أخي الحبيب, أختي االغالية
ونختم بهذه الدرر الثمينة للحسن البصري اذ يقول :
يا ابن آدم، إن لك عاجلًا وعاقبة، فلا تؤثر عاجلتك على عاقبتك، فقد والله، رأيت
أقوامًا آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا وافتضحوا.
يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا.
يا ابن آدم، لا يضرّك ما أصابك من شدة الدنيا إذا ادّخر لك خير الآخرة، وهل ينفعك ما
أصبت من رخائها إذا حرمت من خير الآخرة.
يا ابن آدم، الدنيا مطيّة، إن ركبتها حملتك، وإن حملتها قتلتك.
يا ابن آدم: إنك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ مما في يديك
لما بين يديك، وعند الموت يأتيك الخبر.
منقووووووووول
كوين جاليري* @koyn_galyry
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
كوين جاليري*
•
اب
الصفحة الأخيرة