خرجت من عند خالتي
وقلبي يتقطّع على بُنياتها ، يتناوبن عليها بعد ما تدهورت حالتها الصحيه ، وسيطر عليها الخرف ، تنظر اليهم كأنهن غريبات ، يخدمنها ، لكنها نسيت لذة هذه الخدمه ، يتحدثن معها ، لكنها لا تعي حديثهن ، يحاولن اضحاكها لكن الأمر تفسره بأسلوب آخر ويبعث في نفسها الضيق ، يشتكين لها من الحياه وصعوبتها ، تهز رأسها وكأنها تقول : لم يبق عندي ما أواسيكن به .
نزلت دمعه من عين ابنتها التي أخذت دورها في العنايه بأمها ، قلت : ما بك ؟ قالت : ضاعت الأيام ، يا ليتني استغليتها ، يا ليتني ما انشغلت بهذا القدر عنها ، قلت : بالطبع ، انتِ متزوجه ولك عذرك ، قالت : الآن ؟ لا أجد هذا العذر كافياً لأغيب عنها أسبوع ، كنت أشعر بأني واصله وحريصه على جمعتنا في بيتها مره في الاسبوع وكنت مقتنعه بأنها كافيه ، وأرى سعادتها ، واجتهادها في ضيافتنا ، وكانت هذه السعاده تكفيني لأغيب أسبوع حاملةً معي دعائها لي ولأبنائي عند مغادرتنا لبيتها ، كان يكفيني اتصالها لتطمئن علي اذا انشغلت ولم أتصل فهي لا تنشغل عنّا .
اليوم وأنا استرجع الماضي ، واحسبُ الساعات أجدها ست ساعات من اصل 168 ساعه في الاسبوع يعني لم تكن الا 1،6 في الميه ، ولم تكن لي وحدي ، كانت مشتركة مع الأسف .
كانت تناديني باسمي ، وتدعو لي باسمي ، نظراتها الحانيه كانت بلسم يرمم جروح حياتي ، بعدد بسيط من الساعات ، ليتها كانت أكثر ، خسرتها ، نعم خسرتها تلك الساعات التي تُقارب 160 ساعه ، ما كنت أتصور أن هذا اليوم سيأتي ، لا تعرف اسمي ! بل لاتعرف من أنا !! تنظر إلي نظرة انسانه غريبه ! بل تخاف مني أحياناً !
بحكم مرضها ، أنا أقضي معها الان وقت أطول ، أنام عندها أحياناً ، لكنها لا تشعر بوجودي ولا تستمتع .
أشتاق لكلامها ..دعائها المبارك ... لمساتها الحانيه .... حضنها الدافئ .
قلت لها : هوني عليكِ ، أمك موجوده ، ولا زلت قادره على بِرها .
قالت ونظرات الحسرة في عينيها : نعم موجوده ، ولكن أنانيتي لا تفارقني ، أنانيتي التي لازمتني طول عمري بأن أأخذ منها وأعرف أنها لا تنتظر مني مقابل ......الآن : أُعطي ولا أزال أنتظر أن تفرح بعطائي ، أهتم وأنتظر دعوةً مقابل تعبي ، أسهر وأنتظر يداً حانيه تمسح على رأسي ، فقدت كل هذا ، وهذا الشئ يعذبني ، يا ليت الأيام تعود ، يا ليت الأيام تعود .
قلت : هاذه ليست أنانيه ، هذه نفسك التواقه لنيل الخير والعطاء من أم لطالما أعطت ( وكنت أرجو بهذا الحديث أن أجبر خاطرها وأخفف ألمها ).
ولكن كيف وقد أخافني حديثها .
ردت وقالت : لن يتمكن أحد من معرفة شعوري الا من وصلت أمه الى مثل حالة أمي .
خرجت من عندها مسرعةً لاهثةً الى بيت أمي ، عازمةً على ألا أدخل من ذلك الباب الذي دخلت منه ابنة خالتي ( فهو مخيف ومؤلم ) سأزيد من ساعات لقائي بأمي موزعةً على أيام الأسبوع ، سأحوّل خروجي الى السوق أو الكافيه أحياناً واتوجه الى بيت غاليتي ، سأحمل من عندها الخير بدون أن أدفع له مقابل من جيبي ، سأرتشفُ معها أجمل شاي وقهوه ، لا يستطيع أشهر كافيه أن يصنع مثلهما لأنهما صنعا بحب أمي .
سأستمتع بسماع نغمة إسمي من لسانها فهي أعذب أغنيه تمر من أذني ، سأنتظر دعاءها لتهنأ روحي وتستكين وتحمل اطمئناناً يصِلُ أثرهُ في بيتي ، سأتلمّسُ احتياجاتها فمن المؤكد أنها ستكون واضحه أمامي كلما قضيتُ فترةً أكثر عندها ، وسأُوفّرُها دون أن تطلب ، لأرسم السعاده في روحها .
سأترك أنانيتي وراء ظهري ، حتى لا تنقلب علي في يوم من الأيام وتعذبني ، سأستمتع بقدر ما أجتهد في امتاعها ، سأحفُر اسمي قوياً في ذاكرتها حتى لا تضعف ، سأتبادل معها الأحاديث التي تسعدها وتحرك مشاعر الفرح لديها ، سأُمارس معها ما تحب عمله لأجدد نشاطها ، صورتي ستبقى في مخيلتها .
سأبدأ ، نعم سأبدأ اليوم برغبتي ، ولن انتظر اليوم الذي سأكون فيه مجبره للتواجد عندها للعنايه بها .
سامحيني يا ابنة خالتي ، رُغم ألمكِ ، لكني حمدت الله أنك أفضيتِهِ لي اليوم ، لا زالت فرصتي موجوده ( ولله الحمد ) وسأعمل على استغلالها ، قبل فوات الأوان ..... قبل فوات الأوان .
واعذريني ، فسأُرسلُ لأخواتي وحبيباتي ، لتتدارك كل واحده منهن تقصيرها فتجبره .
وأتمنى أن يكون في هذا جبراً لكِ يُخفف من ألمكِ .
راقت لي فأحببت أن أفيدكم منها .
فأفيدو غيركم .
اللهم احفظ لنا أمهاتنا وأعنّا على بِرهم .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️