جوري بلس
جوري بلس
ان مع كلام اختي (ياسمينة الدمشقية):icon28:
ربة منزل محترفة
بسم الله الرحمن الرحيم
حُـكـم الغناء والمزامـير

بالنسبة للغناء من غير موسيقى كرهه كثير من السلف
والكراهة في كلام العلماء المتقدمين تُطلق على التحريم

وقد كثُرت الأقوال عن سلف هذه الأمة في النهي عن الغناء ، وإن كان من غير آلة موسيقية
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى :
( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) قال : هو الغناء وأشباهه .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : والله هو الغناء .
وقال رضي الله عنه : الغناء يُنبت النفاق في القلب .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليه بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدا ، فيُبيّتهم الله ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . رواه البخاري موصولاً وليس مُعلّقاً .
والعَلم هو الجبل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والآلات الملهية قد صح فيها ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به داخلا في شرطه .

وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا .
وقال الخليفة يزيد بن الوليد : يا بني أمية إياكم والغناء ، فإنه يُنقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بُدّ فاعلين فجنبوه النساء ؛ إن الغناء داعية الزنا . رواه البيهقي في شعب الإيمان .

قال خالد بن عبد الرحمن : كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل ، فأرسل إليهم بكرة فجيء بهم ، فقال : إن الفرس لتصهل فتسوق له الرمكة ، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة ، وإن التيس لينبّ فتسترمّ له العنز ، وان الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة ، ثم قال : اخصوهم ! فقال عمر بن عبد العزيز : هذا مُثلة ، ولا يحل ، فخلَّى سبيلهم . رواه البيهقي في شعب الإيمان .

قال ابن القيم رحمه الله :
فالغناء يُفسد القلب ، وإذا فسد القلب هـاج في النفاق . اهـ .

ولا شك أنه إذا كان من خلال آلة موسيقية فهو أشـدّ في التحريم .

قال الإمام البيهقي - رحمه الله - : وان لم يداوم على ذلك ( يعني على الغناء ) لكنه ضرب عليه بالأوتار ، فإن ذلك لا يجوز بحال ، وذلك لأن ضرب الأوتار دون الغناء غير جائز لما فيه من الأخبار . ( يعني لما ورد فيه من الأحاديث ) .

والغناء والأغاني من الباطل .
ولذا لما سُئل القاسم بن محمد عن الغناء . فقال : أنهاك عنه وأكرهه . قال الرجل : أحرام هو ؟ قال : انظر يا ابن أخي إذا ميّـز الله الحق من الباطل . في أيهما يجعل الغناء ؟
يعني أنه يكون مع الباطل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولقد حدثني بعض المشايخ أن بعض ملوك فارس قال لشيخ رآه قد جمع الناس على مثل هذا الاجتماع ( مجالس السماع ) : يا شيخ إن كان هذا هو طريق الجنة فأين طريق النار ؟!!

قال الحليمي رحمه الله : وإنما خرج ذلك ( القول بتحريم الغناء ) لما فيه من الإغـراء بالحـرام ، فدخل في قوله تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) انتهى .

وقال الإمام البيهقي – رحمه الله –
وروينا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ترنمهم بالأشعار ، وهذا في الأشعار التي يكون ****دها حلالا ويكون الترنّم بها في بعض الأحايين دون بعض ، فإن كان يُغني بها فيتخذ الغناء صناعة يؤتى عليه ويأتي له ويكون منسوبا إليه مشهوراً به ، فقد قال الشافعي رحمة الله عليه : لا تجوز شهادته ، وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يُشبه الباطل ، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السَّفه وسقاطة المروءة ، ومن رضي هذا لنفسه كان مستخفّـاً وإن لم يكن محرما بيّن التحريم . انتهى .

فإذا كان هذا في الغناء وحده دون آلة ، فكيف إذا كان بآلـة ؟؟؟

وإن كانت الأغاني تدعو إلى الجهاد أو كانت تدعو إلى فعل الفضائل أو فيها مدح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فلم تكن معروفة عند السلف ، إنما عُرفت عند دراويش الصوفية .
ولا يُنال رضا الله بسخطه ، إنما يُنال رضا الله عز وجل بما يُحبه ويرضاه سبحانه وتعالى .
ولو كان الغناء محبوبا مرضياً لله عز وجل لسبقنا إليه وإلى التقرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام .
ولو كان يُـنشّط العزائم على الجهاد ونحو ذلك لسبقونا إليه .
إلا أن المشاهد أنهم كانوا يحرصون على التّقرّب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات والكفّ عن المحرّمات ، حتى في الجيوش ، كما تقدّم عن سليمان بن عبد الملك – رحمه الله – وهو إنما سمع غناء من الليل في عسكره ، وقد همّ بأن يخصي أولئك الذين اشتغلوا بالغناء تلك الليلة .

وإن كانت في مدائح النبي صلى الله عليه وسلم فهي مُحدَثَة ، فإن الغناء والتّغني في مدحه صلى الله عليه وسلم لم يُعرف إلا بعد القرن الثالث الهجري .

وأي خير في إنسان ينسى سُنة النبي صلى الله عليه وسلم عاماً كاملاً ويذكره ويتغنّى به في ليلة واحدة ؟!
حاله كحال أولئك الغربيين مع أمهاتهم . يهجرونهن عاماً كاملاً ويزورونهنّ يوماً في السنة !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : التطريب بالآلات الملهية محرم في السماع الذي أحبه الله وشرعه ، وهو سماع القرآن ، فكيف يكون قربة في السماع الذي لم يشرعه الله ؟ وهل ضمّ ما يشرعه الله إلى ما ذمه يصير المجموع المعين بعضه لبعض مما أحبه الله ورضيه ؟؟

ولا يُمكن أن يجتمع حبّ القرآن ، وحبّ مزامير الشيطان .

قال ابن القيم - رحمه الله - :
حُبّ الكتاب وحُبّ الحان الغناء *** في قلب عبد ليس يجتمعان

ومما هو مشاهد محسوس معلوم
أن من استلذّ بسماع الأغاني لا يُمكن أن يجد حلاوة تلاوة كلام الله عز وجل .

نعم . قد تجتمع تلاوة القرآن مجرّد تلاوة مع سماع الغناء ، لكن سماع انتفاع وتلذذ لا يمكن أن يجتمعـا .

والغناء يصدّ عن سبيل الله ، ولذا لما ذكر الله الغناء – وهو لهو الحديث – قال :
(
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) .
فتأمل قوله سبحانه (
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ثم تأمل قوله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ) تجد أن الغناء سبب في الصدّ عن سبيل الله ، وأن مُحب الغناء لا يُحب سماع كلام الله ، بل قد يستثقله .
وهذا أمر مُشاهد
فمحبّ الغناء لو كان يبحث عن الأغاني من خلال إذاعة وسمع القرآن فجأة فإنه ربما يتأفّـف منه !
فانظر إلى أثر الغناء على القلب .

والمُـشاهَـد أن الأغاني لا تدعو إلى مكارم الأخلاق ، ولا تدعو إلى الأخلاق الفاضلة
وإنما تدعو إلى العشق والغرام ، والحب والهيام .
وتشتمل على ذكر محاسن النساء والغلمان !
فأي خير فيها ؟؟؟

وقفـة وشُبهـة :
قد يدّعي أقوام أن الموسيقى الهادئة تُريح الأعصاب !
وليس الأمر كذلك ، فقد ثبّت طبيّاً أن النفس تجد الراحة في القرآن وليس في الغناء
وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله حديثاً : (
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )

وقد يقول البعض : إن هناك من أفتى بأن سماع الغناء جائز !
فأقول : استفت قلبك !
إن أكثر الشباب الذين يستمعون إلى الغناء يتركون سماعه في نهار رمضان .
فعلى أي شيء يدلّ صنيعهم هذا ؟
يدلّ على أنهم يتحرّجون من سماعه أثناء صيامهم .
ولو اعتبروه مباحاً لما تركوه ! فتأمل هذا الفعل من مستمعيه ومُتّبعي فتوى الترخيص فيه !

وقبل فترة سألني أحد الشباب عن حُـكم الغناء ، وأن الشيخ فلان في فضائية من الفضائيات يُفتي بجواز سماعه !
فقلت : دعنا من الفتوى الآن !
ما تقول أنت ؟
وما تجد في قرارة نفسك ؟
هل إذ استمعت إلى الأغاني لا تجد حرجاً من سماعه ؟
وهل إذا استمعت إلى أغنية تكون كما تستمع إلى درس أو محاضرة ؟
قال : لا والله !
قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم قال :
البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس . رواه مسلم .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : الإثم حـوازّ القلوب .
أي أنه يبقى له أثر يحـزّ في القلب وفي النفس ، فلا ترتاح له النفس .

ونبي الله صلى الله عليه وسلم قد جعل لنا قاعدة ، ألا وهي :
دع ما يريبك إلى مالا يريبك . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .

سؤال وجوابه :
لماذا الغناء يُنبت النفاق في القلب ؟؟
أورد ابن القيم – رحمه الله – هذا السؤال ثم قال :
فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي .
قيل : هذا من أدلّ شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها فكانوا كالمداوي من السقم بالسم القاتل ، وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركبوها أو بأكثرها فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السلف . والعدول عن الدواء النافع الذي ركّبه الشارع وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض فاشتد البلاء وتفاقم الأمر وامتلأت الدور والطرقات والأسواق من المرضى ، وقام كل جهول يطبب الناس .
فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء .
فمن خواصِّـه :
أنه يلهي القلب ويصدّه عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه . فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد .
فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفوس ، وأسباب الغيّ ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان .
والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسِّـنه ويهيّج النفوس إلى شهوات الغيّ ، فيُثير كامنها ويزعج قاطنها ، ويحركها إلى كل قبيح ، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح ... وهو جاسوس القلب ، وسارق المروءة ، وسوس العقل . يتغلغل في مكامن القلوب ، ويطلع على سرائر الأفئدة ، ويدب إلى محل التخيل فيُثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة . فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن ، فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقلّ حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه . انتهى بطوله من كلامه - رحمه الله - .

ولا مزيد عليه يا إمام .
رحم الله ابن القيم برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته .

والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
assuhaim@al-islam.co
ربة منزل محترفة
الحرام ما حرمه الله في كتابه‚ أو حرمه رسول الله عليه الصلاة والسلام في سنته‚ كما أن الواجب ما أوجبه الله أو أوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم‚ ومن زعم الاكتفاء بالقرآن الكريم والاستغناء به عن السنة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه‚ وكان في زعمه للإسلام واكتفائه بالقرآن كاذباً‚ وبيان ذلك أن السنة شارحة للقرآن مبينة له‚ وقد تأتي منشئة للأحكام‚ لأنها وحي من الله تعالى إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: «وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى» (النجم:3‚ 4) وقال تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » (الحشر: 7 )

ومن زعم الاكتفاء بالقرآن لم يمكنه أداء الصلاة ولا إخراج الزكاة ولا الحج ولا كثيرا من العبادات التي ورد تفصيلها في السنة‚ فأين يجد المسلم في القرآن أن صلاة الصبح ركعتان‚ وأن الظهر والعصر والعشاء أربع‚ والمغرب ثلاث؟

وهل يجد في القرآن كيفية أداء هذه الصلوات‚ وبيان مواقيتها؟‚

وهل يجد في القرآن أنصبة الذهب والفضة وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض‚ وهل يجد بيان القدر الواجب إخراجه في ذلك؟

وهل يجد المسلم في القرآن كفارة الجماع في نهار رمضان‚ أو حكم صدقة الفطر والقدر الواجب فيها؟

وهل يجد المسلم تفاصيل أحكام الحج من الطواف سبعاً وصفته وصفة السعي‚ ورمي الجمار والمبيت بمنى؟ إلى غير ذلك من أحكام الحج‚

وبهذا يعلم قطعاً أنه لا يمكن لأحد أن يكتفي بالقرآن ثم يظل يزعم أنه من المسلمين‚ وكذلك فالسنة تستقل بإيجاب بعض العبادات كزكاة الفطر‚ ووجوب الختان وإيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل عند من أوجبهما‚ أو الوضوء من النوم‚ أو إيجاب الغسل من التقاء الختانين ولو بلا إنزال‚ وإيجابه بإسلام الكافر‚ وكوجوب غسل نجاسة الكلب سبعاً عند من أوجبه‚ إلى غير ذلك مما أوجبته السنة استقلالاً‚

وإن السنة تستقل بتحريم بعض الأمور أيضاً‚ ومن ذلك تحريم لبس الرجل للذهب والحرير‚ وتحريم نكاح المتعة‚ وتحريم أكل الحمر الأهلية وتحريم أكل كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير‚ وتحريم بيع المسلم على بيع أخيه وخطبته على خطبة أخيه‚ وتحريم التفاضل في الأصناف الستة‚ والأمثلة على ذلك كثيرة لمن تتبع أبواب الفقه‚

فقول السائل: ( فالقرآن الكريم لا يحرم الموسيقى كما جاء عن الخمر والميسر والزنا ) جوابه: والقرآن لا يحرم لبس الرجل الذهب والحرير‚‚‚‚‚‚إلخ‚

وقد ثبت في السنة تحريم آلات المعازف في جملة من الأحاديث الصحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» رواه البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم‚ وقد رد العلماء على ابن حزم في تضعيفه لهذا الحديث‚

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: « صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نغمة‚ ورنة عند مصيبة» رواه البزار بسند حسن‚

وقوله صلى الله عليه وسلم: « إني لم أنه عن البكاء‚ ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان‚ وصوت عند مصيبة‚ لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان»‚رواه الحاكم والبيهقي وابن أبي الدنيا‚ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: « إن الله حرم علي -أو حرم- الخمر والميسر والكوبة‚ وكل مسكر حرام» رواه أبو داود وأحمد والبيهقي‚ وسنده صحيح‚ والكوبة: الطبل‚

وقد انعقد إجماع العلماء قديماً على تحريم استعمال آلات اللهو والمعازف إلا الدف‚ وممن حكى هذا الإجماع أبو الطيب الطبري والقرطبي وابن رجب وابن الصلاح وابن حجر الهيثمي وغيرهم‚

وللعلماء في هذه المسألة مصنفات مشهورة منها: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيثمي‚ ومنها إغاثة اللهفان لابن القيم‚ وله رسالة مستقلة في حكم الغناء‚ ولابن رجب رسالة في ذلك‚ ومن أراد الوقوف على الأحاديث القاضية بتحريم المعازف وتخريجها وتفصيل الكلام عليها فلينظر كتاب: « تحريم آلات الطرب» للشيخ الألباني رحمه الله‚

ونصيحتنا للأخ السائل أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره مما بدر في كلامه الموحي بعدم التسليم للسنة والانقياد لها‚ والاكتفاء بالقرآن الكريم في تحريم المحرمات‚ وليحذر أن يكون ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته‚ يأتيه الأمر من أمري‚ مما أمرت به‚ أو نهيت عنه‚ فيقول: لا أدري‚ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع رضي الله عنه‚

وفي لفظ لأحمد والترمذي وابن ماجه: «ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله»‚ على أن من أهل العلم من استنبط تحريم استماع اللهو من كتاب الله تعالى‚ لكن ما جاء في السنة أصرح وأظهر‚

ولو قال قائل: إن التحريم الصريح للمعازف موجود في كتاب الله لكان صادقاً لما ثبت في الصحيحين - وهذا لفظ مسلم - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله»‚ فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن‚ فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله‚ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله‚ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته‚ فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه‚ قال الله عز وجل: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» الحديث‚ وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى‚
ربة منزل محترفة
الإجماع على تحريم الموسيقى الفصل الثاني
إجماع علماء الأُمّة على تحريم آلات الموسيقى
الإجماعان الأول والثاني:
سيأتي ذكرهما في الآخر؛ لأن الكلام عليهما سيطول.
الإجماع الثالث: نَقَلَهُ الإمام ابن جرير الطبري (وُلد 224هـ):
قال الإمام ابن جرير الطبري في كتابه «تهذيب الآثار»: (النبي r أمر عليا بكسر الصنم .. فإذا كان أمر النبي r عليا بكسره وتغييره عن هيئته المكروهة التي يُعصى الله به من أجلها .. فمعلوم أن ما ذكرت من الطنابير والعيدان والمزامير، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يعصى الله باللهو بها، أولى وألزم للمرء المسلم تغييرها عن هيئتها المكروهة التي يعصى الله بها..، وبنحو الذي قلنا في ذلك وردت الآثار عن السلف الماضيين من علماء الأمة، وعمل به التابعون لهم بإحسان .. حدثنا ابن بشار .. عن إبراهيم، قال:- كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري معهن الدفوف في الطرق فيخرقونها-) .. انتهى
وخبر خرق الدفوف ذكره الشيخ الألباني، وقال: (رواها ابن أبي شيبة أيضاً بسند صحيح) () .. انتهى.
الإجماع الرابع: نقله الإمام أبو بكر الآجري (ولد نحو 280هـ):
قال الإمام أبو بكر الآجري في مقدمة كتابه (تحريم النرد والشطرنج): (أما بعد: فإن سائلاً سأل عن هذه الملاهي التي يلهو بها كثير من الناس ويُلعب بها، مثل: النرد والشطرنج والزمارة والصفارة والصنج والطبل والعود والطنبور .. الجواب وبالله التوفيق: جميعُ ما سأل عنه السائل والعمل به واللعب به باطل وحرام العمل به، وحرام استماعه بدليل من كتاب الله عز وجل، وسنن رسول الله r، وقول الصحابة رضي الله عنهم).. انتهى
وقال الحافظ ابن رجب: (سماع آلات الملاهي كلها، وكلٌ منها مُحَرَّمٌ بانفراده. وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك) (). انتهى
الإجماع الخامس: نقله الإمام أبو الطَّيب الطَّبري (ولد 348هـ):
قال الحافظ ابن رجب: (وقد صنف القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي رحمه الله مصنفاً في ذم السماع وافتتحه بأقوال العلماء في ذمه .. ثم ذكر بعد ذلك قول فقهاء الأمصار، ثم قال: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهته والمنع منه .. فأما سماع آلات اللهو فلم يَحْكِ في تحريمه خِلافاً، وقال: إن استباحتها فسق) (). انتهى
وقال الإمام ابن القيم: (قال القاضي أبو الطيب: .. وأمّا العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق واتِّباع الجماعة أولى) (). انتهى
الإجماع السادس: نقله الإمام أبو الفتح سليم الرازي (ولد قريباً من 360هـ):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (وممن نقل الإجماع على ذلك أيضاً –أي على تحريم المعازف- إمام أصحابنا المتأخرين: أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي، فإنه قال في تقريبه بعد أن أورد حديثاً في تحريم الكوبة: «وفيه حديث آخر: «إن الله يغفر لكل مذنب إلا صاحب عرطبة أو كوبة». والعرطبة: العود، ومع هذا فإنه إجماع) (). انتهى
قلت: ولا نحتاج إلى الكلام على سند الحديث الذي ذكره، إنما يهمنا هنا أن الإمام أبا الفتح سليم الرازي قد صرَّح بالإجماع على تحريم آلة موسيقية.
الإجماع السابع: نقله الإمام البغوي، الحسين بن مسعود (ولد 436هـ):
قال الإمام البغوي في كتابه (شرح السنة): (واتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف) (). انتهى
الإجماع الثامن: نقله الإمام جمال الإسلام ابن البرزي (ولد 471هـ):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (وقال الإمام جمال الإسلام ابن البزري – بكسر الباء، نسبة لبزر الكتان-: الشبابة زمر لا محالة حرام بالنص، ويجب إنكارها ويحرم استماعها، ولم يقل العلماء المتقدمون، ولا أحد منهم بحلها وجواز استعمالها) (). انتهى
الإجماع التاسع: نقله الإمام ابن أبي عصرون، عبد الله التميمي (ولد 492هـ):
قال ابن أبي عصرون في الشبابة: (الصواب تحريمها، بل هي أجدر بالتحريم من سائر المزامير المتفق على تحريمها؛ لشدة طربها). انتهى
الإجماع العاشر: نقله الإمام ابن قدامة، عبد الله المقدسي (ولد 541هـ):
قال الإمام ابن قدامة: (آلة اللهو كالطنبور، والمزمار .. آلة للمعصية بالإجماع) ().انتهى




الإجماع الحادي عشر: نقله الإمام الرافعي، عبد الكريم بن محمد (ولد 555هـ):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (قال الرافعي في «العزيز»، والنووي في «الروضة»: المزمار العراقي وما يضرب به مع الأوتار حرام بلا خلاف) (). انتهى
الإجماع الثاني عشر: نقله الإمام ابن الصلاح، أبو عمرو (ولد 577هـ):
قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح: (فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ولم يثبت عن أحد ممن يُعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع) (). انتهى
الإجماع الثالث عشر: نقله الإمام أبو العباس القرطبي (ولد 578هـ):
قال الإمام أبو العباس القرطبي: (أما المزامير والأوتار والكوبة – وهو طبل طويل ضيق الوسط .. فلا يختلف في تحريم سماعه، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك) (). انتهى.
الإجماع الرابع عشر: نقله الإمام محيي الدين النووي (ولد 631هـ):
قال الإمام النووي في كتابه (روضة الطالبين وعمدة المفتين): (المزمار العراقي وما يضرب به الأوتار حرام بل خلاف) (). انتهى
الإجماع الخامس عشر: نقله الإمام ابن تيمية (ولد 631هـ):
قال الإمام ابن تيمية: (وكل ما كان من العين أو التأليف –أي التركيب- المحرم فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين، مثل إراقة خمر المسلم، وتفكيك آلات الملاهي) (). انتهى.
وقال الإمام ابن تيمية أيضاً: (فدلَّ هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها، ولهذا قال الفقهاء: إن من أتلفها فلا ضمان عليه إذا أزال التالف المحرَّم) (). انتهى.
وقال الإمام ابن تيمية أيضا: (إتلاف الآلة التي يقوم بها صورة التأليف المحرم وهي آلات اللهو؛ فإن هذه العقوبات المالية ثابتة بالسنة وسيرة الخلفاء) ().
الإجماع السادس عشر: نقله الإمام ابن القيم (ولد 691هـ):
قال الإمام ابن القيم: (أصوات المعازف التي صح عن النبي تحريمها، وأن في أمته من سيستحلها بأصح إسناد، وأجمع أهل العلم على تحريم بعضها، وقال جمهورهم: بتحريم جملتها) (). انتهى.
قلت: فهذه النقول تبين لك أخي القارئ أنه قد أجمع أهل العلم على تحريم المعازف من حيث الجملة، لكن اختلفوا فيما يُستثنى من ذلك، حيث استثنى البعض ضرب الدف عند قدوم الغائب أو للقادم من الجهاد، بينما جزم الباقون بتحريمه، كذلك استثنى البعض ضرب الدف في العيد والنكاح للرجال، بينما جزم الباقون بتحريمه لأن استثناء الدف في العيد والنكاح خاص بالنساء فقط.
الإجماع السابع عشر: نقله الإمام شهاب الدين الأذرعي (ولد 708هـ):
قال الإمام شهاب الدين الأذرعي – فيمن يصفر بالشبابة على القانون المعروف -: (فهي حرام مطلقاً، بل هي أجدر بالتحريم من سائر المزامير المتفق على تحريمها) (). انتهى.
الإجماع الثامن عشر: نقله الحافظ ابن رجب (ولد 736هـ):
قال الحافظ ابن رجب: (سماع آلات الملاهي .. لا يُعرف عن أحد ممن سف الرخصة فيها، إنما يُعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به) (). انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): (وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرَّمٌ مجمعٌ على تحريمه، ولا يُعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذلك، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يُعتد به فقد كذب وافترى). انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب أيضاً: (سماع آلات الملاهي كلها، وكل منها محرم بانفراده. وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره إجماع العلماء على ذلك) (). انتهى
الإجماع التاسع عشر: نقله حافظ الدين محمد البزازي الكردي (ولد 827هـ):
قال الإمام ابن نجيم –من كبار فقهاء الحنفية-: (ونقل البزازي في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان على آلة كالعود) (). انتهى.
الإجماع العشرون: نقله شهاب الدين ابن حجر الهيتمي (ولد 909هـ):
قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: (الأوتار والمعازف كالطنبور والعود والصنج، أي ذي الأوتار، والرباب والجنك والكمنجة والسنطير والدريج وغير ذلك .. هذه كلها محرمة بلا خلاف ، ومن حكى فيها خلافاً فقد غلط عليه هواه حتى أصمَّه وأعماه، ومنعه هداه، وزل به عن سنن تقواه .. وممن حكى الإجماع على تحريم ذلك كله الإمام أبو العباس القرطبي، وهو الثقة العدل) (). انتهى

وفيما يلي ننقل لكم الإجماعين الأول والثاني:
الإجماع الأول: نقله وأقره أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين: عمر بن عبد العزيز:
روى الإمام النسائي في سننه (رقم: 4135)، قال: (أخبرنا عمرو بن يحيى، قال حدَّثنا محبوب –يعني ابن موسى-، قال أنبأنا أبو إسحق –وهو الفزاري- عن الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه: .. «وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمَّتك جمّة السوء»).
وهذا إسناد صحيح، لأن رواته ثقات، والإسناد متصل، وبيانه كما يلي:
1/ عمرو بن يحيى: ثقة.
2/ محبوب بن موسى: ثقة.
3/ أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد: ثقة حافظ.
4/ الإمام الأوزاعي، هو عبد الرحمن بن عمرو: إمام ثقة حافظ.
5/ عمر بن عبد العزيز، هو خامس الخلفاء الراشدين:
قال الإمام الذهبي: (عمر بن عبد العزيز .. الإمام، الحافظ، العلامة، المجتهد، الزاهد، العابد، السيد، أمير المؤمنين حقاً، .. الخليفة،الزاهد، الراشد..
حدَّث عن: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (الصحابي)، والسّائب بن يزيد (الصحابي)، وسهل بن سعد (الصحابي)، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأم بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى .. وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين .. وكان إمام عدل –رحمه الله، ورضي عنه) (). انتهى.
والخلاصة: أن الإسناد صحيح، بفضل الله تعالى.
وقال الشيخ الألباني: (أخرجه النسائي .. بسند صحيح) (). انتهى.
وهذا فيه إجماعان قطعيان على تحريم الموسيقى:
الإجماع الأول: هو ما أخبر به أمير المؤمنين، وخامس الخلفاء الراشدين: عمر بن عبد العزيز، وهذا هو صريح قوله: (وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام).
فهذا إخبار صريح بأن المعازف لم يُظهرها أحد في عهد النبي r ولا في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، وهكذا إلى زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز.
فهذا هو صريح قوله: (وإظهارك المعازف بدعة في الإسلام).
وعمر بن عبد العزيز قد أدرك عدداً من الصحابة –ذكرهم الإمام الذهبي-، وقد صلَّى خلفه الصحابي أنس بن مالك –رضي الله عنه-، أي أن الإمام في الصلاة كان هو عمر بن عبد العزيز.
وهنا نسأل سؤالين غاية في الأهمية:
السؤال الأول: ما هو حكم المعازف الذي عَلِمَه أمير المؤمنين من الصحابة رضي الله عنهم؟
الجواب: يتضح من قوله: (وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام).
السؤال الثاني: وما حكم هذه البدعة التي لم تكن موجودة قبل عهده؟
الجواب: يتضح من قوله: (ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمَّتك جُمّة السّوءِ).
وإليكم تصريحات أئمة اللغة بتعريف البدعة:
1/ جاء في كتاب (العين) ، (باب العين والدال والباء): (البِدْعةُ: ما استحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من أهواء وأعمال). انتهى.
2/ وجاء في (تهذيب اللغة): (كلٌ من أنشأ مالم يُسْبَقْ إليه قيل له: أبدعت. ولهذا قيل لمن خالف السنة: مُبتدع. لأنه أحدث في الإسلام مالم يسبقه إليه السَّلف. وروى عن النبي r بإسناد صحيح أنه قال: إياكم ومُحدثات الأمور، فإن كل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (). انتهى.
3/ وجاء أيضاً في (تهذيب اللغة) للأزهري: (ومحدثات الأمور: ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء التي كان السلف الصالح على غيرها وقال r: «كل محدثٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة»)(). انتهى.
4/ وجاء في (المخصص في اللغة): (قيل «بدعة» للأمر المختلق الذي لم تجر به عادةٌ ولا سنة) (). انتهى.
5/ وجاء أيضاً في مرجع (المخصص في اللغة): (البِدْع: الشيء الذي يكون أولاً. و «لستُ ببِدْعٍ في كذا» أي: لَسْتُ بأول من أصاب هذا .. والبِدْعة: ما ابتُدع من الأديان والآراء والأهواء). انتهى.
6/ وجاء في (جمهرة اللغة) لابن دريد: (بدعت الشيء، إذا أنشأته .. وكُلٌّ من أحدث شيئاً فقد ابتدعه، والاسم: البِدعة). انتهى من مادة (ب – د – ع).
وفيه أيضاً: (ويقال: جاء الرجل ببدعة، إذا جاء بأمر مُنكَر). انتهى من باب (الباب والدال).
7/ وجاء في (لسان العرب): (بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه: أنشأه وبدأه ..، والبِدع: الشيء الذي يكون أولاً .. ، وكل محدثة بدعة: إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة) (). انتهى.
8/ وجاء في (الفروق اللغوية)، لأبي هلال العسكري: (الابتداع إيجاد ما لم يسبق إلى مثله) (). انتهى
والخلاصة:
أنه يتضح بذلك أن أمير المؤمنين أنكر إظهار المعازف لِما في ذلك من مخالفة إجماع السابقين على كون المعازف من المنكرات التي حرَّمها الشرع.
قال إمام الحرمين الجويني: (قد علمنا قطعاً انتشار احتجاج السلف في الحث على موافقة الأمة واتباعها والزجر على مخالفتها .. وما أبدع مبدع في العصر الخالية بدعة إلا وبخه علماء عصره على ترك الاتباع وإيثار الابتداع .. وهذا ما لا سبيل إلى جحده، وقد تحقق ذلك في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم) (). انتهى
وقال الإمام ابن برهان –من كبار علماء أصول الفقه – في كتابه (الوصول إلى علم الأصول): (رأينا السابقين من السلف الصالحين يعظمون النكير ويشددون النفير على من خالف إجماع الأمة قبله .. ومثل هذا لا يتفق الناس عليه إلا من توقيف رسول الله r، فكانت الحجة لازمة) (). انتهى.
الإجماع الثاني:
وقع في عهدي عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وهو أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قد صرَّح بأن إظهار المعازف بدعة منكرة يستحق فاعلها العقاب الشديد، حيث قال: (ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جُمة السوء).
والجُمة: مجتمع شعر الرأس. «الصحاح في اللغة»، مادة (جمم).
والجز: معناه: القطع. انظر: القاموس المحيط، فصل الجيم، لسان العرب، (جزز)
وقوله (يجز جُمتك): معناه يقطع مجتمع شعر رأسك.
وقد أقرَّه على ذلك إمام أهل عصره، وفقيه الشام: الإمام الأوزاعي.
إذ كان الأوزاعي أعلم أهل عصره بالسنة، فلو كان قول عمر غير صحيح –لكان أنكره وما حدَّث به.
فالإمام الأوزاعي حدَّث بخبر عمر بن عبد العزيز ولم ينكره، وقد كان الأوزاعي شديداً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم.
قال الإمام الذهبي: (قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً، سفاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق ما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذي يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقاً –قاتلهم الله- أو يسكنون مع القدرة على بيان الحق) (). انتهى
وقال الإمام الذهبي أيضاً: (الأوزاعي .. شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام .. كان مولده: في حياة الصحابة .. قال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس في سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة .. ، عن مالك، قال: الأوزاعي إمام يقتدى به ..، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس) (). انتهى.
وقال الحافظ المزي: (أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه .. وقال أبو عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالشام أحدٌ أعلم بالسنة من الأوزاعي .. وقال أبو حاتم: إمام مُتَّبع لما سمع)().
فالإمام الأوزاعي مُتَّبع لما سمعه عن عمر.
وأقرَّهما على ذلك الإمام مالك؛ وسيأتي تصريح الإمام مالك بعدم جواز المعازف.
قال الإمام أبو يعلى الخليلي في (الإرشاد في معرفة علماء الحديث): (أبو عمرو الأوزاعي إمام بلا مدافعة، ورعا، وعلما، رُئي بمكة يركب ومالك بن أنس آخذ بركابه، وسفيان الثوري يقوده، أجاب عن ثمانين ألف مسألة من الفقه من حفظه). انتهى.
وقال الإمام الذهبي: (ولقد كان مذهب الأوزاعي ظاهراً بالأندلس إلى حدود العشرين ومائتين، .. وكان مذهب الأوزاعي أيضاً مشهوراً بدمشق إلى حدود الأربعين وثلاثمائة. وكان القاضي أبو الحسن بن حذلم له حلقة بجامع دمشق ينتصر فيها لمذهب الأوزاعي) (). انتهى.
قلت: فلو كان الإمام الأوزاعي أنكر قول عمر بن عبد العزيز: لاشتهر ذلك عنه بلا شك.
قلت: وأقرهم على ذلك أيضاً الإمام أبو إسحاق الفزاري، فهو الذي روى هذا الأثر عن الإمام الأوزاعي، ولم يُنكره. فقد كان أبو إسحاق لا يخشى في الله لومة لائم.
قال الإمام الذهبي: (أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد الإمام الكبير، الحافظ، المجاهد .. وكان من أئمة الحديث ..، حدث عنه: الأوزاعي والثوري –وهما من شيوخه- وابن المبارك ..، ذكره أبو حاتم فقال: الثقة المأمون الإمام. وقال النسائي: ثقة مأمون أحد الأئمة.
قال الخليلي: قال الحميدي: قال لي الشافعي: لم يُصنِّف أحدٌ في السير مثل كتاب أبي إسحاق.
وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أنَّ أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به، بلا مدافعة.. وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سُنة، صالحاً، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلَّمهم السنة، وكان يأمر وينهى، وإذا دخلالثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه. أمر سلطانا ونهاه، فضربه مائتي سوط، فغضب له الأوزاعي .. ويروى: أن هارون الرشيد أخذ زنديقاً ليقتله، فقال الرجل: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك يتخلَّلانِها، فيخرجانها حرفاً حرفاً..
قال علي بن بكار الزاهد: رأيتُ ابن عون فمن بعده، ما رأيت فيهم أفقه من أبي إسحاق الفزاري ..، قال ابن مهديِّ: كان الأوزاعي والفزاري إمامين في السنة) (). انتهى.
قلتُ: هذا هو الإمام أبو إسحاق الفزاري الذي حدَّث بقول عمر بن عبد العزيز، فلو كان يُنكره: لكان صرحَّ بذلك، ولكنه كان إماماً في السُّنّةِ، وإماماً في الحديث، وإماما فيالفقه.
فدلَّ ذلك على اتفاقهم على صحة قول عمر بن عبد العزيز.
ونعلمُ قطعاً أن مسألة المعازف هي من المسائل التي يكثر الخوض والكلام فيها على مر الزمان، فكان اتفاقهم هذا إجماعاً قطعياً تحرم مخالفته، كما صرَّح به كبار الأئمة.
وقد تقدم تفصيل ذلك في كتابنا هذا. فمن شاء فليراجع تصريحاتهم هذه في هذا الكتاب: (الباب الأول/ القواعد الأصولية/ القاعدة الثامنة/ المطلب الخامس).
ربة منزل محترفة
منقول من شبكة نور الأسلام