قنديـــــــل الشـــــــــــام

الأدب النبطي والفصيح

قنديـــــــل الشـــــــــــام

لم أستطع أن أخفي سعادتي التي ارتسمت مشرقة على وجهي و أنا أرى الفيحــــاء دمشق تفتح ذراعيها لي لتغمرني بدفئها الذي كنت أتوق إليه منذ زمن بعيد .. وكأنهــــا أرادت أن ترحب بي على طريقتها الأصيلة فتزينت بأبهى حللها واقتربت مني لتعانقني عناقا طال الشوق إليه ..
و أنا بدوري لم أستطع أن أخفي أشواقي التي دفنتها كثيرا في أعماقي .. فرحت أجول بناظري أتغزل بجمالها الآسر وسحرها العميق الذي لا يقـــــــاوم ...
وبينما أنا ألقي بقصائدي الغزلية على مسامع دمشقي الحبيبة .. بدى لي من بعيد ذلك الحبيب الذي أتيته قاصدة لأنعم بحبه و أتعلم منه كيف أظل راسخة مثله .. دافئة كذلك الدفء الذي شعرته يغمر دمشق بأسرها .. وهو يمد ذراعيه حولها بكل الحب ويغمرها بحنانه الدافئ ..
آثرت أن أكون اليوم من زوارك أيها الجبل العظيم .. يا قاسيون الحب .. يا ذكرى المحبة والوفاء .. واخترت أقرب الطرق إليك .. وازدادت سعادتي وأنا أخترق الشوارع الجميلة الفاتنة فتتناثر خفقات قلبي تناثر الأبنية حول الطرقات مما يزيدها هيبة وجمالا ..
وهناك ...
عندما أعلن النهار الوداع .. و أقبل الليل بهدوء عميق يتسلل إلى الفؤاد فيتشربه
رأيت ذلك الشيخ الجليل الذي قد جاوز التسعين من عمره .. وقد وضع كرسيه أمام دكانه المتواضع على سفح الجبل ..
وأشعل نورا خافتا فوق رأسه و كأنما أضاء معه قنديلا في جبهته وفي كل قسمات وجهه ..
رأيته وقد أحنى ظهره وقرب كتابا من وجهه يقرؤه بتمعن وتمهل وتدبر .. ويهمس بآيات عذبة خرجت من صوته وكأنها قد أتت من زمن قديم أصيل عبق .. خرجت هادئة نقية نقــــــاء تلك الروح الشفافة التي ضمته .. خرجت وكأنها قد بددت ضجيج السوق المكتظ بأهله من بين تاجر ينادي على بضاعته و آخر يساوم وثالث يسأل ويتحرى ويشتري من هذا وذاك ..
مررت بقربه وقد تعمدت التمهل في الخطى .. لأنعم بلحظات صفاء اشتقتها .. وصوت عذب حلقت روحي معه .. في فضاءات الإيمـــــان ولحظات قصيرة من خشوع أحالت ظلمة الليل إلى نهــــــار وضاح وصبـــــــاح مشرق لا يمكن أن نمله أو أن نكف عن سمـــــاعه ..
إلا أن تلك اللحظات ولت مسرعة .. وانقضت .. مع أن بصري ظل معلقا للوراء ليستدعي روحي التي آثرت البقاء .. كي تراقب ذلك الشيخ الجليل الذي قد بدى في ظلام السوق كقنديل جميل .. وهو يرتل على سفحك يا قاسيون .. كتاب الله الكريم .. ويعيش في جنة قد اختارها لنفسه .. كي تسكنها بسعادة بعد هذا العمر الطويل ..
ولينسى مع نور هذا القنديل المسلط على الكتاب .. صخب الدنيا وجلبة الأصحاب ..

ومع أنني قد صعدتك يا قاسيون حتى القمة ورأيت أنوارك يا دمشق تتلألأ في كل
مكان .. تتنافس ألوانها في التألق والجمال .. ليغريني كل ضوء ساحر كي أتأمله .. و يحــــاول جاهدا كي أتغزل في حسنه .. و هو مدرك بأنه ينافس نجم السماء روعة وبهـــــــاء .. إلا أنني منذ تلك اللحظة التي رأيت بها ذلك الشيخ الجليل .. أدركت بأن لاجمال يفوق جمال روحه و أن لا أضواء في الكون تنافس سحر ذلك القنديل المشع ولا روعته !!
هنيئــا لك يا شـــــــام ..... فمازلت أراك الأجمل ..
بقناديلك المعلقة على أبوابك العتيقة ..
على الدرب المؤدي إلى قمة الجبل العظيم ..
4
594

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عطاء
عطاء
تلك الأنوار التي كأنهانجوماً في السماء تتلألأ ..أوكعقد ماسي لفّ على جيد زنجية...يرسم للكون

لوحة رائعة..لايمكن أن ينساها من تذوق ذلك الجمال..فعاش لحظة الشهود..وشهد بذلك الجمال..

أحييك من تلك الجبال مع عبق الذكرى يانور..:26:
زهرةالايمان
زهرةالايمان
رائعة ماشاء الله تمتلكين موهبة متميزة في عالم الأدب
تجتمع فيها البساطة والإبداع بأبهى الألفاظ راسمة شعاعاً
ذهبياً متلألئاً
كلمة سر
كلمة سر
و من بين السطور الدمشقية يسري أثير أصيل ..

يقود مراكبا إيمانية تضيئها قناديل مرتلة أعذب الحديث ..

لكأنني يانور أرقب أضواء دمشق ..

فإذا هي فصوص على مخمل أسود تجتمع،

و تتفرق و تكتب قصة بيراع أديبة مشعة ..

عنوانها قناديل ، و سطورها قناديل ، و معانيها قناديل ..

تخطو نحو التأمل و تُبرق في طريقها حقيقة جميلة ..


لاعدمنا هذا الوجيب من يراعك النير ..

بارك الله بك دائما و أتم أنواره عليك .

------------------

نــــور
نــــور
الغالية عطاء
بصراحة وأنا أكتب الخاطرة أصبت بحيرة شديدة بين الجمالين عن أيهما سأكتب
جمال جبل قاسيون وجمال ذلك الشيخ الجليل
فآثرت أن أجمعهما معا
و أتمنى أن أكون قد وفقت
بارك الله بك وبمرورك الرائع
ولاعدمناك

غاليتي زهرة الإيمان
كلماتك الرائعة تخجلني
مازلنا في البداية ونسأل العون من الله
جزاك الله كل الخير

كلمتنـــــــا الحبيبة
دائما أحتار في الرد على كلماتك المضيئة
و أعجز في مجاراة عباراتك
و كأني أراك في كل رد تكتبين موضوعا متكاملا من جمال ورقة وعذوبة
لاعدمنا أسرارك يا كلمتنا