قوة التحكم بالألم

ملتقى الإيمان


وأخيراً أثبت العلماء أن الألم هو مجرد وهم! ويمكن لأي إنسان أن يتحكم فيه إذا عوّد دماغه على قبول الألم، والعجيب أن القرآن تحدث عن هذه الحقيقة بوضوح كامل....






يؤكد معظم العلماء أن الألم يبدأ في الدماغ ومقاومته تأتي من الدماغ أيضاً! ولذلك يتوجهون اليوم لمعرفة أسرار الدماغ وكيف يقوم بالتحكم بالألم، عسى أن يتوصلوا إلى طرائق طبيعية لعلاج الألم من دون أدوية أو مخدرات.
والشيء الذي أود أن أقوله أن القرآن والسنَّة أشارا إلى هذه القضية من قبل، فنجد أن المؤمن بمجرد سماعه لآيات من كتاب الله، يطمئن قلبه، ويخف ألمُه، ويزول همّه. بل إن القرآن يحدثنا عن أمر مهم وهو دور القلب في تخفيف الألم، وهذا ما يهمله علماء الغرب، لأن معرفتهم محدودة، ولم يتجاوزوا بعد حدود الدماغ.
يقول تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) . فالقرآن يؤكد على دور القلب لأن أي خلل في نظام عمل القلب سوف ينعكس على نظام عمل الدماغ.
الألم ضروري لوقاية الجسم
يعتبر الألم آلية وقائية في الجسم، وعلى الرغم من اختلاف العوامل المرتبطة بشدة الآلام، إلا أن الأطباء يرون أن الإنسان قادر على التحكم ببعضها. وينصحون المرضى بالقيام بتدريبات معينة للتأثير على الطريقة التي يتعامل من خلالها المخ مع الألم. عدّاء المراثون مثلاً يمكنه السير بسرعة كبيرة ولمسافات طويلة، ولا يشعر بأي معاناة، لأنه يستطيع استبعاد الألم من عقله.

يقول رويديغر فابيان، رئيس الجمعية الألمانية لعلاج الآلام : "الألم هو رد فعل شعوري على عملية تقييم جرت في المخ"، مشيراً إلى أنه بمقدور أي إنسان أن يتحكم بهذه العملية.

كيف يتعامل الدماغ مع الألم؟
ويشير فابيان إلى أنه "على المخ أن يقرر ما هو مهم وما هو غير ذلك". ويقول إن الألم آلية وقائية في الجسم وأن منبّه الألم في طريقه إلى المخ يكون له دوماً السبق على المنبهات الأخرى. لكن من الممكن مهاجمة منبه الألم قبل أن يصل إلى هناك بدواء على سبيل المثال. ومن يذهب إلى طبيب الأسنان يعرف ذلك، حيث أن المخدر الموضعي الذي يستخدمه الطبيب يمنع إشارات الألم من الوصول إلى المخ.


الخوف من الألم أسوأ من الألم نفسه!
وينطبق هذا الأمر بشكل كبير على الأطفال بالذات، حيث يكون الخوف من الألم عادة أكبر من الألم نفسه، وعندما يصاب الأطفال بجروح، فعادة ما يعتمد رد فعلهم على تصرفات الآباء حسبما يوضح أولريتش فيجلر، عضو رابطة أطباء الأطفال ويضيف: "كلما كانت صرخات الطفل أعلى وأقصر كانت الإصابة أقل ضررا في العادة". لذلك ينصح الخبراء الآباء بألا يظهروا فزعاً عند تعرض أطفالهم لإصابة. ويقول فابيان في هذا السياق: "الهدوء في رد الفعل يعطي الطفل إحساساً بأن الإصابة ليست خطرة"، وهذا يقلل بدرجة كبيرة من حجم الإحساس بالألم.
القرآن يعودنا على ألا نخاف إلا من الله تعالى، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) . انظروا إلى هذه الآية كم تمنح الإنسان من قوة وتوكل على الله تعالى، وتبعد عنه شبح الألم والخوف والقلق والاضطرابات النفسية.

هذه آية تمنحك السعادة وبخاصة في مثل عصرنا هذا، فما أكثر المشاهد الحزينة، وما أكثر أولئك الملحدين والمشككين، وهؤلاء لن يضروا الله شيئاً، يقول تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

أما هذه الآية فنجد فيها مثالاً رائعاً لعلاج الألم والخوف والحزن، عندما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع صاحبه في الغار، يقول تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) . وهنا نلاحظ أن القرآن يجعلك تعيش مع الله دائماً لتنسى همومك وآلامك وأحزانك، فأنت عندما تقرأ القرآن تكون مع خالق الكون جل جلاله، فهذا الإحساس لا يمكن لأحد أن يمنحك مثله إلا إذا قرأت القرآن!

ولذلك قال تعالى مخاطباً حبيبه محمداً ومن ورائه كل من يحب هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) . فعندما يعود الإنسان نفسه على الصبر فإنما يعطي رسائل إلى الدماغ لكبت الألم، وعندما يشعر بوجود الله إلى جانبه وأن الله معه ينسى كل شيء، إلا الله! وهذا الشعور يجعل صاحبه في قمة السعادة. فحيث يعجز علماء الدنيا عن منحه السعادة الحقيقية، فإن مثل هذه الآية كافية لجعل الإنسان فرحاً برحمة ربه.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) .

الألم نعمة من الله!

يشير البروفيسور الألماني إلى أنه بعد وقوع حادث مروري مثلا تمكن مادة الإندورفين الشخص من تحريك رجله المكسورة والخروج من السيارة. لكن الناقلات العصبية لا تطلق في المواقف البالغة الخطر فحسب، إذ يمكن أيضاً بتناول حبة علاج وهمي- ليس لها تأثير طبي- أن تغير من إدراك المريض للألم. ويضيف قائلاً: "المسألة إذن تتعلق بقناعة الشخص المصاب".
فالألم هو مؤشر ضروري على وجود خلل في الجسم مثل الإصابة بكسر أو مرض أو حروق أو غير ذلك، وكلما كان الألم أشد كانت الإصابة أكبر، وينبغي الإسراع في علاجها. ولولا هذه الميزة التي ميَّز الله بها الإنسان فإن البشر سيموتون ولا يشعرون بذلك. وهنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) .





كل شيء يتم في الدماغ، ولكن إذا تركت دماغك وشأنه فإنه سيعطي رسائل لأعضاء جسدك، فتتألم لدى حدوث أي مشكلة، ولكن إذا عودت دماغك على أن جميع المشاكل والأمراض والهموم، ما هي إلا أمور يسهل التحكم بها وعلاجها، فإن دماغك تدريجياً سيستجيب لهذه الرسائل وبالتالي تساعده على التحكم بالألم!


القرآن مليء بالآيات التي تساعدك على التحكم بالألم
طبعاً نرى أن العلماء يحاولون إدراك طبيعة الألم لإيجاد وسائل للتغلب عليه، ويرون أن أفضل الطرق أن يعود الإنسان نفسه على تحمل الألم، وقد نعجب إذا علمنا أن القرآن هو أكثر كتاب حدد لنا طرق التغلب على الألم، ومن خلال آيات كثيرة جداً، بل إن كل آية من آياته تعتبر بمثابة علاج وشفاء وراحة وطمأنينة.
يقول تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . فتأملوا معي هذه الآيات كيف تمنح المؤمن الثقة والقوة وتبعد عنه الحزن والخوف وهما أهم عاملين من عوامل الألم، الحزن على ما مضى والخوف مما سيأتي، أي أن الله تعالى شمل بهذه الآية الماضي والمستقبل: (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وحتى نصل إلى هذه المرحلة يجب أن نحقق شرطين: الإيمان والتقوى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

وانظروا معي إلى ذلك النبي الكريم: سيدنا يعقوب عليه السلام الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر وعلاج الألم، فقد فقَد ابنه ثم فقد ابنه الثاني ثم فقَد بصرَه، وعلى الرغم من ذلك لم يفقد الأمل من الله تبارك وتعالى! انظروا ماذا قال لأبنائه بعد سنوات طويلة من الحزن والمعاناة: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) . كلما قرأتُ هذه الآية أحس بسعادة لا يمكن للكلمات أن تصفها، ومهما كان حجم المشكلة التي أتعرض لها، فإنني كلما تذكرت هذه الكلمات: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فإن الهموم تزول والآلام تتبدّد، ولا يبقى في ذاكرتي إلا الفرح والسرور بهذا الإله الرحيم.

وأخيراً أتذكر دعاء سيدنا أيوب عندما أنهكه المرض والألم فنادى ربه بهذا الدعاء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) . فهذا الدعاء أنصح به كل من يعاني من ألم أو مرض أو مشكلة، وستزول سريعاً بإذن الله تعالى.
منقول
المحاضرعبد الدائم الكحيل


0
446

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️