
قيام الليل فضله، وآدابه، والأسباب المعينة عليه
في ضوء الكتاب والسنة

التهجد وقيام الليل

أولاً:مفهوم التهجد، يقال:
هجد الرجل إذا نام الليل، وهجد إذا صلى بالليل.
وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم
(انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الدال، فصل الهاء، 3/432،
والقاموس المحيط للفيروز آبادي، باب الدال، فصل الهاء، ص418.).
ثانياً:صلاة التهجد سنة مؤكدة
(مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، 11/296.)،
ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة،
قال الله -عز وجل- في صفة عباد الرحمن:
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} .
وقال الله –عز وجل- في صفة المتقين:
{كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، فَلاتَعْلَمُ نَفْسٌ
مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
.
وقال سبحانه:{يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}
. وقال سبحانه وتعالى:
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}
.ووصف الله –عز وجل-
أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم،
فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًايَحْذَرُ
الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}
؛
ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه صل الله عليه وسلم:
{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً،
أَوْزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}
.
وقال سبحانه:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}
،وقال –عز وجل-:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}
.
وقال سبحانه وتعالى:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}
.
وقال عز وجل:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}
،
وحث عليها النبي صل الله عليه وسلم بقوله: ”
أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم،
وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل“
(مسلم، كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم،
برقم 1163 من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.).
1- عناية النبي صل الله عليه وسلم بقيام الليل
حتى تفطرت قدماه:فقد كان صل الله عليه وسلم يجتهد
في القيام اجتهاداً عظيماً، فعن عائشة – رضي الله عنها -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه،
فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ”أفلا أحب أن أكون عبداً شَكُورا“
(متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الفتح، باب قوله:
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} برقم 4837،
ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة،
برقم 2820.)،
وعن المغيرة – رضي الله عنه - قال:
"قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه، فقيل له:
غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:
”أفلا أكون عبداً شكورا“"(متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير،
سورة الفتح، باب قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
برقم 4836، ومسلم، كتاب صفات المنافقين،
باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم 2819.).
وقد أحسن القائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه.... إذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه.... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
2- من أعظم أسباب دخول الجنة:
فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: لما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فجئت في الناس؛ لأنظر،
فلما تبيَّنت وجْهَهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب،
فكان أول شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: ”يا أيها الناس،
أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام،
وصلُّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام“(أخرجه ابن ماجة).
وقد أحسن القائل حين قال:
ألهتك لذةُ نومةٍ عن خير عيشٍ.... مع الخيرات في غرف الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها..... وتنعم في الجنان مع الحسانِ
تيقظ من منامك إنَّ خيراً.... من النوم التهجد بالقرآن
(قيام الليل للإمام محمد بن نصر المروزي ص90،
والتهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا ص317،
وقيل الأبيات لمالك بن دينار.)
3- قيام الليل من أسباب رفع الدرجات في غرف الجنة:
لحديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
”إن في الجنة غُرفاً يُرى ظَاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها،
أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام
(تابع الصيام، أي أكثر منه بعد الفريضة بحيث تابع بعضها بعضاً ولا يقطعها رأساً،
وقيل: أقله أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، تحفة الأحوذي
بشرح جامع الترمذي، 6/119.)، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام
“(أحمد، 5/343،.).
4-المحافظون على قيام الليل محسنون مستحقون لرحمة الله وجنته
لأنهم {كَانُواقَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
.
5- مدح الله أهل قيام الليل في جملة عباده الأبرار عباد الرحمن،
فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}
.
6- شهد لهم بالإيمان الكامل
فقال سبحانه: {إِنَّمَايُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْبِهَا خَرُّواْ سُجَّدًا
وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}
.
7- نفى الله التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم،
فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًايَحْذَرُ الآخِرَةَ
وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}
.
8- قيام الليل مكفِّر للسيئات ومنهاة للآثام:
لحديث أبي أمامة –رضي الله عنه- عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال:
”عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قُربة إلى ربكم،
ومكفِّر للسيئات، ومنهاة للآثام“
(الترمذي، كتاب الدعوات، باب فتح له منكم باب الدعاء،
برقم 3549، والحاكم، 1/308، والبيهقي، 2/502،
وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/199، برقم 452،
وفي صحيح سنن الترمذي، 3/178.).
9- قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة:
لحديث أبي هريرة –رضي الله عنه- يرفعه، وفيه:
”أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم،
وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل“
(مسلم، برقم 1163).
10- شرف المؤمن قيام الليل
:لحديث سهل بن سعد –رضي الله عنه-
قال: جاء جبريل إلى النبي صل الله عليه وسلم فقال:
”يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه،
واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به“ ثم قال:
”يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس“
(أخرجه الحاكم 4/325.).
11- قيام الليل يُغْبَطُ عليه صاحبه
:لعظم ثوابه، فهو خير من الدنيا وما فيها؛
لحديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صل الله عليه وسلم:”لا حسد إلا في اثنتين:
رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار،
ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار
“؛ولحديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
”لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق،
ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها“(
متفق عليه..).
12- قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة
عظيمة:لحديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-
قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
”من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين،
ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين
(المقنطرين: أي ممن كتب له قنطار من الأجر،
الترغيب والترهيب للمنذري، 1/495.)
“( أبو داود، كتاب شهر رمضان، برقم 643.).
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه-
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله
أن يجد فيه ثلاث خَلِفَاتٍ عظام سمانٍ"؟
قلنا: نعم، قال: ”ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له
من ثلاث خلفات عظام سمان“
(مسلم، كتاب صلاة المسافرين، ، برقم 802.).
وقد حدد النبي صل الله عليه وسلم أقصى
مدة وأدنى زمن يُختم فيه القرآن
لعبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عندما سأله، فقال له:
”في أربعين يوماً“ ثم قال:”في شهر“
ثم قال:”في خمس عشرة“ ثم قال:”في عشر“
ثم قال: ”في سبع“
(سنن أبي داود، كتاب شهر رمضان، باب تحزيب القرآن،
برقم 395، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/262.).
قال: إني أقوى من ذلك، قال:
”لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث“
(أبو داود، كتاب شهر رمضان، باب في كم يقرأ القرآن،
برقم 1390، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/261.).