
بدأ يومي بمراقبة النافذة بجانب أمي ، نحمد الله ونسبح ، وأنا منبهرة بجمال وصوت الهتّان ، كان تهدئةً لأعصابي ، لم أستطع المذاكرة بدون سبب يذكر ، إلا أنه مجهول في الغيب وقابلته منذُ الساعة ال11 صباحاً ..

الساعة العاشرة الباص في انتظاري .. رحلة في الخط السريع مع المطر . منعنتي من مذاكرة جزء كبير متبقي لي من المادة ..
تحت وقع الأمطار والرياح والبرق والرعد وأخيراً إنطفاء الكهرباء والظلام .. تقول المشرفة : لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا ، (حتى أنا عندي عيال وخايفة عليهم ) .. يامشرفتي الفاضلة والتي لاذنبَ لكِ غير أنني أنا وأنتي وهنّ في عداد قافلة الأموات أو المحظوظات إن كتبَ لهُنّ عمراً جديد …هم يعرفون أنهم ناقصوا عقلاً ودين وذمة وضمير .. بلّغت الأرصاد الجوية عن أن يوم الأربعاء ستهطل الأمطار بغزارة .. لدي إختبار نعم سأحضر لوعودكم بأن كل شيء مطمئن ، وأن هناك مبنى للطواريء .. كان من المعيب والمحزن أن يكون هوَ المبنى الأول الذي تبدأ منه رحلة البحث عن ملجأ آمن … نعم من مبنى الطورايء بدئنا الرحلة .. يابُناة الجامعة الأفاضل ..في الصورة فتحات ممتازة تجلب لنا المزيد من المياة الفائضة في الشوارع .. بالفعل هيَ جامعة الموت ..

كانت الأدوار العليا في المبنى هيَ التي تضخ المياه للأدوار السفلى إذاً قاعدة الأمان الأولى وأن نصعد الأدوار العليا .. مجرد قاعدة تطبق في الدول المتحضرة .. والمتخلفة بفضلكم لن ولن تطبق .. حزينة على صراخ والدي في الهاتف ( أطلعواااااا فووووووووووووق) أبكي أم أنتحر بنفسي وأصعد للأعلى حتى أخبر والدي أنني في أمان حرمكم الله طعم الأمان يامتسببين في عدمه لأكثر من 800 طالبة ..
<<

>>
لم (نطلع فوق) .. بل عبرنا بحار الجامعة .. أن يبنى صرح تعليمي في مكان معروف بأنه وادي ..وأن لايعدونه للأمطار والسيول بل كل شيء فيه يساعد على الموت ببرود .. إشارة لروحي برغبة عارمة في القتل .. نعم من تسبب في غرق سيارة والدي من الظهر ودموع أمي وإخوتي وعائلتي انتظاراً لقدومي حيةً أرزق .. يستحق القتل .. جلوسهم متمركزين في مكاتبهم ، إجتماعاتهم حتى يقررون مصيرنا .. تسيبهم … إطمئنانهم على أهاليهم لدرجة إنعدام تفكيرهم بأنّ لنا أهلٌ ونحنُ بشر مثلهم إلاّ أننا من فصيلة المتمدنيين ذو الحض الأدنى ، وذو البطاقة الوطنية التي تشير أننا من عامة الشعب .. وحقوقنا نبتلها ونغرق معها .. والهجرة هي السبيل للإغتسال من أمثالهم ..

دخلوا رجالاً وعمالاً لجامعتنا .. بدا وجودهم مثل عدمه ، وبدوا في غاية الإستمتاع ..بعضهم مهتم ، وأغلبهم متهم بالتخلف والتسيب كغيره .. إلا أنهم هم من يصدر الأوامر العشوائية بنقلنا من مبنى لآخر دون سبب يذكر إلا أنهم أمروا بذلك .. تحت المطر المستمر والبرد والرياح .. لكم أن تتخيلوا المسافات التي عبرناها ، وحالة أقدامنا وأجسادنا وملابسنا وشنطنا تحمل الماء لتثقلنا أكثر وأكثر …
<
مبنى الشئون ومبنى الجوهرة ضرب فيه التماس وأجزاء من الجدار متفجر وطالع على برا ..! البوابة الغربية حـ تنتحر من تكدس البنات فيها فـ ألغينا فكرة إننا نخرج من هناك وعدنا أدراجنا ..
وفي طريق العودة طلعوا لنا رجال الدفاع المدني ولا ايش يطلعوا هما كمان مدري عنهم المهم شخطوا فينا عشان نخوش المكتبة المركزية بأسلوب غير حضاري بتاتاً البتة يعني احنا وضعنا الافتراضي أصلاً خايفين، لما شفنا أشكالهم خفنا بزيادة، ولما صرخوا فينا انعدم مستوى الخوف وبدينا مرحلة اللامبالاة ويااابت سوي اللي يقولوه وانتي ساكتة !
وخشينا المكتبة كان وقتها الساعة ١ تقريباً ، طبعاً مافي كهربا مافي أكل مافي أي شي مفيد ، جمعونا كلنا هناك وتركونا للقدر ،
وعلى الساعة ٣ الحمدلله افتكرونا وجابو باصات تنقل البنات للسكن وباصات تنقل كبار هيئة التدريس وأطفال الحضانة، وكثر خيرهم يعني جابو لنا كرتون موية ..! وقتها كنت أشوف بنات دايخين من الجوع (زيي مثلاً ) وبنات غرقانة ملابسهم موية ويرجفوا من البرد وبنات يبكوا من الخوف وبنات دايرين يمين شمال الين تلقط جوالاتهم الشبكة .. !
جدير بالذكر إننا كنا محجوزين في الدور الأرضي والأول من المكتبة لأنو الأدوار العلوية بيطيح سقفها ! وجدير بالذكر إنهم جابو لنا باصات تشيل ٢٠ بنت الظاهر عشان تنقلنا كلنا لسكن الطالبات ..! عدد الباصات والله أعلم انها ٣ وعدد البنات فوق الـ 800 وغنوا يا ليل ما أطولك ..!
وألتجأنا لها بعد أن أكدوا أن السيل (الموت) قادم .. كنت أعدُ الخطوات بتأني وأنظر للخلف ، الكل يجري ، لستُ متأكدة إن كان خلفهم سيل كما يدعون ، إلا أن المطر لازال مستمراً ، ولازالت السماء تخبيء الشمس .. وإرادة الله وقدره لازلنا نعيشه …
كانت آخر محطة هي المكتبة
<<
<<لم نعد نرى حتى الأرصفة ..