عاشتت احداثه في وادي الجامعة
بدأ يومي بمراقبة النافذة بجانب أمي ، نحمد الله ونسبح ، وأنا منبهرة بجمال وصوت الهتّان ، كان تهدئةً لأعصابي ، لم أستطع المذاكرة بدون سبب يذكر ، إلا أنه مجهول في الغيب وقابلته منذُ الساعة ال11 صباحاً ..
الساعة العاشرة الباص في انتظاري .. رحلة في الخط السريع مع المطر . منعنتي من مذاكرة جزء كبير متبقي لي من المادة ..
تحت وقع الأمطار والرياح والبرق والرعد وأخيراً إنطفاء الكهرباء والظلام .. تقول المشرفة : لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا ، (حتى أنا عندي عيال وخايفة عليهم ) .. يامشرفتي الفاضلة والتي لاذنبَ لكِ غير أنني أنا وأنتي وهنّ في عداد قافلة الأموات أو المحظوظات إن كتبَ لهُنّ عمراً جديد …هم يعرفون أنهم ناقصوا عقلاً ودين وذمة وضمير .. بلّغت الأرصاد الجوية عن أن يوم الأربعاء ستهطل الأمطار بغزارة .. لدي إختبار نعم سأحضر لوعودكم بأن كل شيء مطمئن ، وأن هناك مبنى للطواريء .. كان من المعيب والمحزن أن يكون هوَ المبنى الأول الذي تبدأ منه رحلة البحث عن ملجأ آمن … نعم من مبنى الطورايء بدئنا الرحلة .. يابُناة الجامعة الأفاضل ..في الصورة فتحات ممتازة تجلب لنا المزيد من المياة الفائضة في الشوارع .. بالفعل هيَ جامعة الموت ..
كانت الأدوار العليا في المبنى هيَ التي تضخ المياه للأدوار السفلى إذاً قاعدة الأمان الأولى وأن نصعد الأدوار العليا .. مجرد قاعدة تطبق في الدول المتحضرة .. والمتخلفة بفضلكم لن ولن تطبق .. حزينة على صراخ والدي في الهاتف ( أطلعواااااا فووووووووووووق) أبكي أم أنتحر بنفسي وأصعد للأعلى حتى أخبر والدي أنني في أمان حرمكم الله طعم الأمان يامتسببين في عدمه لأكثر من 800 طالبة ..
<<
>>
لم (نطلع فوق) .. بل عبرنا بحار الجامعة .. أن يبنى صرح تعليمي في مكان معروف بأنه وادي ..وأن لايعدونه للأمطار والسيول بل كل شيء فيه يساعد على الموت ببرود .. إشارة لروحي برغبة عارمة في القتل .. نعم من تسبب في غرق سيارة والدي من الظهر ودموع أمي وإخوتي وعائلتي انتظاراً لقدومي حيةً أرزق .. يستحق القتل .. جلوسهم متمركزين في مكاتبهم ، إجتماعاتهم حتى يقررون مصيرنا .. تسيبهم … إطمئنانهم على أهاليهم لدرجة إنعدام تفكيرهم بأنّ لنا أهلٌ ونحنُ بشر مثلهم إلاّ أننا من فصيلة المتمدنيين ذو الحض الأدنى ، وذو البطاقة الوطنية التي تشير أننا من عامة الشعب .. وحقوقنا نبتلها ونغرق معها .. والهجرة هي السبيل للإغتسال من أمثالهم ..
دخلوا رجالاً وعمالاً لجامعتنا .. بدا وجودهم مثل عدمه ، وبدوا في غاية الإستمتاع ..بعضهم مهتم ، وأغلبهم متهم بالتخلف والتسيب كغيره .. إلا أنهم هم من يصدر الأوامر العشوائية بنقلنا من مبنى لآخر دون سبب يذكر إلا أنهم أمروا بذلك .. تحت المطر المستمر والبرد والرياح .. لكم أن تتخيلوا المسافات التي عبرناها ، وحالة أقدامنا وأجسادنا وملابسنا وشنطنا تحمل الماء لتثقلنا أكثر وأكثر …
*راجية رحمة الله* @ragy_rhm_allh_1
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
اثنان من المباني كانت رائحتها تدل على أنّ ماس كهربائي في الطريق ، لكن لامحذر ولانداء ولاخبر لمن يمر من هناك أو يلجأ للمبنى ، احترق بالكهرباء .. نكبةٌ أخرى تزيد الهول .أعتقد أن المبنى الثالث عشر هو أول من بدأ فيه الماس الكهربائي ..
<
<قبل أن يشتد المطر وننتقل للمكتبة المركزية ..
>>
تحركنا في الباص الأخير بعد ماأقنعونا أنه لامجال للخروج من الجامعة إلاّ للسكن الجامعي ،
وبدينا رحلة التجول في فينيسيا ورؤية مناظر غير طبيعية ، سيارات غرقانة ، رجل يمشي بصعوبة من قوة دفع سي السيل ، أماكن طمست معالمها ،
عجوز مريض يقضي حاجته وسط الشارع ، شباب فزعة (لف يمين ، لف يسار، وقّف هنا رصيف !) ، شعب فوق التريلات ،
وواحد مزبط عمره ولابس العوّامات حقت الأطفال اللي فيها صورة بطة ..! بجد والله شفته ..!
وبجد كان منسوب الموية يوصل الين الكبوت لسيارات الجمس الضخمة ! وبجد والله كبري قد ايش كبره اختفى تماماً !
لغز : أوجد أي خمسة أشياء تدل إن هذه صورة كبري !
ومن المفترض المكان الذي سنلجأ له مستعد لنا على الأقل من ناحية الأكل ، لاااااااااا أحد فكر فينا وفي ملابسنا التي تقطر ، الكلية بااااااااردة ،وجلسنا على الأرض كما لو أننا في أفقرِ الدول على وجه الأرض ، شكلنا محزن ، نطلب من إدارية سجادة لنصلي ، لتجيب ( أيش الدلع هذا صلي في السيب قدامك )
، ونطلب شاحن لجاولاتنا حتى نطمئن أهالينا بعد مافرغت البطارية لتُجيب ( لااااا كمان ، باللهِ باللهِ لو سمحتو كونوا شوية ديسينت (محتشمين فيما معناه مؤدبات ) Decent ,
أي أننا قليلات أدب ، أذكر أنني أنا بغرقي هذا أحسن منها تعليماً وذوقاً واللهُ أعلم في ماذا أيضاً .. كانت هيَ العامل الذي جعلني أكره تلك السويعات هناك ، كيف يتم نقلنا لهذا المكان مع صفر من المؤونة ، صفر من التعامل معنا ، صفر صفر من كل شيء ، لو كانَ صفراً واحداً أو اثنين كنّا صبرنا ، لكن أن نقابل بعدم من الأخلاق ، عدم من الإستعداد ، شيء من المفترض أن نكون تعلمناه وحفظناه منذُ المراحل الإبتدائية..
مافعلوه الأنصارُ الكرام مع المهاجرين ، فتحوا بيوتهم وقلوبهم وآثروا وأكرموا …في هذا المكان المنكوب أعلن جوالي الإنفصال عن عالمي ، عن من كان يسأل ويتصل ، كل ماأعرفه هوَ رقم والدي ، وأنتهت البطارية وأنا أكلم أخي الذي أعتقد أنه سيستطيع العبور للجامعه مع صديقة تاركين عملهما ، لكنهما لم يستطيعان ..وهذه الصورة من كلية الطب للطالبات ..
من بعدها طلبنا من الأمن أن ندخل السكن لنا صديقة هناك ، رفضوا ، وأخبرناها على الأقل ندخل مطعمهم نأكل شيئاً ، لم يكن يبدو أن اليوم سينتهي هناك ، علينا أن نتزود ، ساعات أسوء تنتظرنا ولن يكون الأكل والشرب خياراً لنا حينها ..
أستاذة طيبة أو بالأحرى كما أسميها (ملاكُ الأرض) دلتنا على صديقة لها في السكن نأوي إليها .. بعد أن ذهب قسم من البنات لغرفة صديقتنا الصغيرة .. يالله هُنا وكما قالت لي أستاذتي أنّ بنات السكن لن يقصروا معنا وسيكونون كالأنصار تماماً وهجرتنا إليهم ستكون كما نُحبُ ونُريد ..( لو بإستطاعتي أن أنسخ من أستاذتي نسخة واحدة فقط على الأقل لفعلت ، ستصلحُ الجامعة فالعرب فالعالم .. سيصلحُ كل شيء .. أكيدة من كان مع الله قلباً وقالباً .. ومن يؤدي عمله بأمانة .. ستصلحُ الدُنيا به ، ومدينتنا غرقت وفسدت لأن مواطنيها الصالحين ليس لهم مثيل عندَ بطانة المليك ، لأنّ تلك البطانة على مستوى وقدر كبير من دنو الأخلاق والدين والتعامل …
بالفعل في الوقت الذي لم تكن فيه واحدة من المسؤولات تُعطينا أدنى إهتمام ، أو حتى على الأقل حُسن الخلق في التعامل ، أو أن تفتح عيونها أكثر لترى أشكالنا وحالتنا .. لاشيء عدم من حتى الشيء ..
في السكن عُشت تجربة من المفترض أن أكتب عنها تدوينة منفصلة ، لكن المختصر لها ، أنني لو كتب الله لي أن أدرس بعيداً عن أهلي ، وتوفر لي صديقات سكن بأخلاقِ هؤلاء ، لن أتردد ولو لثانية … تحركنا مسرعات أنا وصديقتي (آلاء ) لبقالة السكن الواقعة في مكان عجيب ننزل إليها تحت الأرض ^^ ، عجيبٌ مارأيت ، عالم زُمردة كما وصفته (سبيس تون ) ، البنات يبتاعون طحيناً ، عيشاً ولحماً ، فهُنّ عازبات ومسؤلات عن أنفسهنّ بحق .. ، يلعبن التنس هُناك ، ويحفظن ويذاكرن هنا ،.. ويقرأن كتاب هناك … كان عالماً خالياً من وجود ضلع للرجل فيه ، ومع كامل إحترامي للرجل الذي هوَ أبي وأخي وزوجي مستقبلاً وأستاذي .. الخ .. كان ذلك العالم مثالياً مثالياً ساحراً والله ..
<
<قبل أن يشتد المطر وننتقل للمكتبة المركزية ..
>>
تحركنا في الباص الأخير بعد ماأقنعونا أنه لامجال للخروج من الجامعة إلاّ للسكن الجامعي ،
وبدينا رحلة التجول في فينيسيا ورؤية مناظر غير طبيعية ، سيارات غرقانة ، رجل يمشي بصعوبة من قوة دفع سي السيل ، أماكن طمست معالمها ،
عجوز مريض يقضي حاجته وسط الشارع ، شباب فزعة (لف يمين ، لف يسار، وقّف هنا رصيف !) ، شعب فوق التريلات ،
وواحد مزبط عمره ولابس العوّامات حقت الأطفال اللي فيها صورة بطة ..! بجد والله شفته ..!
وبجد كان منسوب الموية يوصل الين الكبوت لسيارات الجمس الضخمة ! وبجد والله كبري قد ايش كبره اختفى تماماً !
لغز : أوجد أي خمسة أشياء تدل إن هذه صورة كبري !
ومن المفترض المكان الذي سنلجأ له مستعد لنا على الأقل من ناحية الأكل ، لاااااااااا أحد فكر فينا وفي ملابسنا التي تقطر ، الكلية بااااااااردة ،وجلسنا على الأرض كما لو أننا في أفقرِ الدول على وجه الأرض ، شكلنا محزن ، نطلب من إدارية سجادة لنصلي ، لتجيب ( أيش الدلع هذا صلي في السيب قدامك )
، ونطلب شاحن لجاولاتنا حتى نطمئن أهالينا بعد مافرغت البطارية لتُجيب ( لااااا كمان ، باللهِ باللهِ لو سمحتو كونوا شوية ديسينت (محتشمين فيما معناه مؤدبات ) Decent ,
أي أننا قليلات أدب ، أذكر أنني أنا بغرقي هذا أحسن منها تعليماً وذوقاً واللهُ أعلم في ماذا أيضاً .. كانت هيَ العامل الذي جعلني أكره تلك السويعات هناك ، كيف يتم نقلنا لهذا المكان مع صفر من المؤونة ، صفر من التعامل معنا ، صفر صفر من كل شيء ، لو كانَ صفراً واحداً أو اثنين كنّا صبرنا ، لكن أن نقابل بعدم من الأخلاق ، عدم من الإستعداد ، شيء من المفترض أن نكون تعلمناه وحفظناه منذُ المراحل الإبتدائية..
مافعلوه الأنصارُ الكرام مع المهاجرين ، فتحوا بيوتهم وقلوبهم وآثروا وأكرموا …في هذا المكان المنكوب أعلن جوالي الإنفصال عن عالمي ، عن من كان يسأل ويتصل ، كل ماأعرفه هوَ رقم والدي ، وأنتهت البطارية وأنا أكلم أخي الذي أعتقد أنه سيستطيع العبور للجامعه مع صديقة تاركين عملهما ، لكنهما لم يستطيعان ..وهذه الصورة من كلية الطب للطالبات ..
من بعدها طلبنا من الأمن أن ندخل السكن لنا صديقة هناك ، رفضوا ، وأخبرناها على الأقل ندخل مطعمهم نأكل شيئاً ، لم يكن يبدو أن اليوم سينتهي هناك ، علينا أن نتزود ، ساعات أسوء تنتظرنا ولن يكون الأكل والشرب خياراً لنا حينها ..
أستاذة طيبة أو بالأحرى كما أسميها (ملاكُ الأرض) دلتنا على صديقة لها في السكن نأوي إليها .. بعد أن ذهب قسم من البنات لغرفة صديقتنا الصغيرة .. يالله هُنا وكما قالت لي أستاذتي أنّ بنات السكن لن يقصروا معنا وسيكونون كالأنصار تماماً وهجرتنا إليهم ستكون كما نُحبُ ونُريد ..( لو بإستطاعتي أن أنسخ من أستاذتي نسخة واحدة فقط على الأقل لفعلت ، ستصلحُ الجامعة فالعرب فالعالم .. سيصلحُ كل شيء .. أكيدة من كان مع الله قلباً وقالباً .. ومن يؤدي عمله بأمانة .. ستصلحُ الدُنيا به ، ومدينتنا غرقت وفسدت لأن مواطنيها الصالحين ليس لهم مثيل عندَ بطانة المليك ، لأنّ تلك البطانة على مستوى وقدر كبير من دنو الأخلاق والدين والتعامل …
بالفعل في الوقت الذي لم تكن فيه واحدة من المسؤولات تُعطينا أدنى إهتمام ، أو حتى على الأقل حُسن الخلق في التعامل ، أو أن تفتح عيونها أكثر لترى أشكالنا وحالتنا .. لاشيء عدم من حتى الشيء ..
في السكن عُشت تجربة من المفترض أن أكتب عنها تدوينة منفصلة ، لكن المختصر لها ، أنني لو كتب الله لي أن أدرس بعيداً عن أهلي ، وتوفر لي صديقات سكن بأخلاقِ هؤلاء ، لن أتردد ولو لثانية … تحركنا مسرعات أنا وصديقتي (آلاء ) لبقالة السكن الواقعة في مكان عجيب ننزل إليها تحت الأرض ^^ ، عجيبٌ مارأيت ، عالم زُمردة كما وصفته (سبيس تون ) ، البنات يبتاعون طحيناً ، عيشاً ولحماً ، فهُنّ عازبات ومسؤلات عن أنفسهنّ بحق .. ، يلعبن التنس هُناك ، ويحفظن ويذاكرن هنا ،.. ويقرأن كتاب هناك … كان عالماً خالياً من وجود ضلع للرجل فيه ، ومع كامل إحترامي للرجل الذي هوَ أبي وأخي وزوجي مستقبلاً وأستاذي .. الخ .. كان ذلك العالم مثالياً مثالياً ساحراً والله ..
عبير طالبة ماجستير من جازان ، وإلهام طالبة ماجستير أيضاً من المدينة المنورة ، منذُ دخلنا غرفتهما ، دفأ جسدي حتى قبل أن نضع عبائتنا وملابسنا لتُنشفها لنا ونلبسها ، ألبسونا مايدفئنا ، قهوة ، شاهي ، أحاديث عابرة لتخفيف المُصاب ، يالله كم هنّ رائعات ، بحق فخورة بهنّ والله .
<<
>>
الآن بدأت حملات ( أرجع بيتك على مسؤوليتنا .. وكل طالبة بنوصلها لحد بيتها سالمة غانمة .. وراح يجي معاكم رجل الأمن فلان الفلاني ) توكلنا على الله ، استغفرنا وكبرنا وسبحنا مع كل خط عبرناه ، من هُنا نرجع ، ومن هُنا نعبر .. وفي الأخير تقابلنا مع الخط السريع المنكوب ، ليعلمنا رجل الأمن أنه علينا الرجوع لسكن الجامعة ليخلي مسؤوليته ، فليس بيده حيله ولايستطيع المجازفة بخطوط فيها من الحفر مالايعدّ ..
رجعنا السكن ، انتظرنا دقائق لنركب باص أكبر ، مع رجل أمن آخر .. ومشوار وخطة مجهولة جديدة ، لاأخفيكم عن مواقف ربما كانت مُخففة للتوتر في الباص ، أتحدث مع والدي الذي يحاول أن يكلم العمليات لتدلنا على الطريق ، وأخبر رجل الأمن بما يقول والدي ليريني هوَ الآخر أنّ والدي الذي تحرك منذُ الظهر وحُبسَ في الطرقات حتى وصلَ للجامعة لايعلم ولايرى الذي نراه نحن ، بالفعل يخبرني والدي بشارع معين أن نسلكه ، وأراه أمامي مقفلاً تماماً ، الكثيرون تركوا سياراتهم في الطريق …في واحدة من اللحضات أعتقدَ والدي المسكين أنه خلفي ، ونفس الباص يوجد له ٤ أو أكثر من النسخ الأخرى شكلاً وحجماً ، تحرك خلف باص ليس لي ، وعرض نفسه لما لم أريد أن يعرض نفسه له ، كل مرة أكلمه أشعر بأسى ، تمنيت لو أنه لم يتحرك من البيت ، أن أبكي نفسي شيء أحتمله ، لكن أن أبكيه شيء لن أطيقه أبداً بعد كل ماحدث لي في هذا اليوم .. في النهاية لم يكن والدي خلفنا ، ولم أكن أنا أمامه ، وعاود القفص الهوائي يتكسر بصمت بداخلي ..
كانت الخطة كالتالي ( أن نترك الخطوط الرئيسية ، ونتحرك للخطوط المجهولة والمدمرة ) كانت المناظر قاتلة ، محطمة لكل أمل كنت أتمسك فيه كي أصل للبيت ..حي النخيل ، النسيم ، وغيره من الشوارع التي تبكي الحجر وقد بكى بالفعل ..
وأنا في الباص وبما أنه ليس لدي إلا جوال صديقتي ورقم والدي الذي لم يكن في المنزل مع إخوتي ووالدتي ، اتصلت أمي أخذت الرقم من والدي ، حاولت أتمالك نفسي وأن لاأبكي حتى تطمئن لكن لم أستطع ، كنتُ أسكت تارة ، وأرد بنعم ولا تارةً أخرى ، يالله صوتها صوتها كنت أفكر وأنا في هذا الظلام الدامس وبين هذه البحار ، هل سأراها ؟ ، انتهيت من مكالمتها لتكلمني أختي المسكينة المرعوبة في الرياض ، مصيبة أخرى هي آخر من أردت أن تعلم بما حصل ، طمئنتها وأغلقت وهيَ تبكي وأنا أبكي ..
الشيء الذي أزعجني كثيراً كلما طلبت واحدة من الفتيات بالوقوف في مكانٍ ما ، حتى يقلها ذويها ، يطلب رجل الأمن الهوية ، يالله يالله ماذا إن أضعتها لن أذهب مثلاً مع والدي الذي جرفته السيول والأمطار حتى يصل إلي … كيف يعقل أن أكون في حالة خوف ورعب ومرض وألم وأذهب مع مجهول .. لن يحدث ذلك أبداً وإن حدث ، فكل طالبة عليها مسؤولية أكبر من مسؤوليتك تجاهها أن تتقي الله في سرها وعلانيتها .. لذلك كفى تخلف ، وألتزموا بإجرائات الطواريء لا الأمن القومي للرجعية والتخلف .. تخبرني صديقتي أنّ اخر ٤ بنات قررّن أن ينزلن عند صديقتهن بعد أن وضعوا البنات في ٣ نقاط .. متاجر وطني ، عزيز مول ، السامر .. سبحان الله كان من مسؤوليته عندما دخل الباص معرفاً عن نفسه أن يوصلنا حتى باب البيت ، فجأة أصبحت مسؤوليته أن يرمي البنات في النقاط المذكورة .. رفضن البنات أن ينزلن في السوق وفضلن أن يذهبن مع صديقتهن لأنّ أهلها قدموا ليأخذوها ، رفض رجل الأمن ، بكين المسكينات حتى قرر السماح لهم بالذهاب بعد الحلفان والوعد بإحضار لجنة لبيت صديقاتها تؤكد أن البنات كن على معرفة بهذه الفتاة ، ورجعن الصباح لبيوتهن .. يالله يالله كمية تخلف لم يستطع عقلي بكمية الشعر المبلل فوق رأسي أن يفهمها ، ربما أكون معقدة فيما يخص الأخلاقيات والتعامل وأسسه والظروف المحيطة كيف ومتى ولماذا؟؟؟، لأنها ببساطة لانقاش وجدال فيها للطواريء استثنائات أيها الرجل السعودي المسؤول ، إن لم تعرفها سأخبر أصغر المواطنين الأفاضل عمراً ليخبرك ببعضها .. تذكرت جملة أخرى قالها لطالبات الباص الآخر ( ياااااابنات قفلوا الشبابيك ، الشباب بيسوون لنا مشاكل ذحين ) .. أستغفر الله العظيم ، باصهم محشور والمكيفات لاتؤدي الغرض ، فتح النوافذ مطلوب ، ولم يفتحوها بالكامل حتى نصف نافذتين ربما .. والشباب يساعدون هُنا ، ويسحبون سياراتهم من هناك ..الشباب * البنات .. جعلتم منهم مائدة لشيء غير موجود وإن وجد فهوَ بفضل جهودكم بالتذكير أن المرأة فتنة فأحذروها ، وإن وجد أيضاً لن يكون في ظرف الطواريء.. وهي كائن من ضلعه فأرحموها ..
توقفت في أحد النقاط بعد أن أخبرت رجل الأمن أن والدي سيكون هُنا بعد دقائق ، ليصيح ويقول ( لو طّول بنكمل الطريق لمتاجر وطني وياخذك من هناك ) نعم نعم نعم .. لو طول بنزل أستناه وأوقف وأتكسر ولاأمشي عشانه ياعديم الإحساس ، ياكاذب ، كل ماأتذكر إنه قال بنوصلكم لباب بيوتكم ، منظر سكينة في يدي وعلى رقبته قليلة فيه … كاذب كاذب كاذب ..
أحضر ورقة مكتوب عليها اسم ولي أمر إحدانا ، توقعت أن أكون أنا فوالدي هوَ من ننتظره ، قال رجل الأمن مين( زوجها محمد ) ، أنا بدون حتى أنا أسمع مابعد كلمة مين ، قلت : أنااااااا ، صديقتي تضحك ، والبنات في الباص كلهم ضحكوا يعلمون أنني أنتظر والدي .. الجميل أن هذا الزوج كان زوج صديقتي ، في الباص الثاني ، الحمدلله أطمئنيت عليها صُدفةً …
يالله كان والدي في الخط المقابل ، سمعت صوته يصيح ( هييييييييي هيييييييييي ) … كُنتَ سأبكي فرحاً ، سأبكي حُزناً عليه .. تقدمت للأمام ونزلت حتى أستقبله من الجهة الأخرى ، ليعاود رجل الأمن ذو الصفر من الأخلاق كلامه اللئيم في الوقت والظرف غير المناسبين ( أطلعي الباص حتى يجي ولي أمرك وأطابق هويتك معاه) ، قلت له ، والدي لايعلم بالتخلف الذي ستعرضه أمامه ، ولن يراك وأنتَ خلف الباص تقدم له حتى يراك على الأقل ، ويرد( خليه هوه يلف هنااا) ، والله دماغك ملفوف بعد أن تناولت يدك سيجارتك تلك ، تقدم والدي و طابق الهوية ، ركبت سيارتنا بهدوء ، لأستوعب المكان والزمان ، كانت الساعة واحدة ليلاً تقريباً ، سيلٌ من الإتصالات منعني من الحديث عن ماحدث وعن مارأيت لأبي ، شاكرة بحق لأهلي وناسي وأصدقائي ..
عندما قربنا من منزلي ، أعتقدت أن الوضع هناك أفضل ، كانت السيارات مرتصة على الأرصفة ، يبدو أن المحركات توقفت ، أخيراً رأيت سيارة للدفاع المدني ، طوال رحلتنا وطوال إحتياجنا لمساعدة لم نراهم ، كانت السيارة غارقة تماماً ، وحافلة نقل تسحبها ، والدي يتحرك على مهل المياة انتصفت السيارة ، عاود الشعور بالخوف الإستقرار في قلبي ، تحركنا وأنا أدعي ( يارب ماتطفي السيارة ).. كما كان يدعوا أبي ..
فتحتُ باب بيتنا ، شعور لايوصف أنا التي لم أكن يوماً في ليلة كاملة خارج بيتنا ودون أحد من أهلي معي ، لوحدي دونهم ، معي الله وصديقاتي ، وكانت أول مرة لي أن أعيش حياة الليل مع صديقاتي .. تمنيت أنهم لم يبكوا فور دخولي خاصةً أمي ، لن أنسى ماحييت دموعها وشكلها المرعوب وقلبها المفجوع ، قلت لها مرة ، أمي أرجعيني جنيناً في بطنك إن كنتِ تخافين بهذا القدر عليّ سأتعبك كثيراً .. ولم تسمع وتعبت كثيراً ، آآآآآآآآآآآسفة أمي آسفة حتى تجف دموع أهالي جدة ..
انفجعَ والدي من لون قدمي ، أبيض بياض جسد ميت ، جسد بقي تحت الماء لمدة طويلة ( أو كما قلت لصديقاتي ، كان أطول حمام شاور لنا وتجعدت أجسادنا لدرجة عجيبة ، للأسف الماء ليسَ نظيفاً ) فالماء يحمل بين جزيئاته أرواح من ماتوا ، ويحمل أكثرُ من ذلك وأكثر .. أتمنى أن تكون ١٠ استحمامات متتالية بالديتول والمعقمات والمنظفات المطهرات كفيلة بأن أنسى أنني كنت في ذلك الوضع والمكان الذي لاأعرف كيف صمدت فيه .. كانت آخر الصور هذه ، وهي إختصار لكل ماكُنا نراه في الباص .. الظلام والخوف ..
ختاماً :
١) وبما أنّ الباصات تقسمت كلاً حسب الحي ، فأنا ذكرت ماذكرته نسبةً لما عاينته بنفسي أنا وصديقاتي ، كان شخص واحد من المسؤولين في الجامعة معنا قلباً وقالباً دكتور تنكل ، السؤال أين البقية ، وإن كانوا هناك لما لم يبدوا عليهم الفزعة والإهتمام ، ولماذا لم يوفروا لنا الطعام بعد ساعات وساعات من التنقل من مبنى لآخر ، سيارة كبيرة فيها كراتين ماء هيَ ما وفروه لنا بعد أن أجتهدنا وتحركنا في السكن بأنفسنا بحثاً عن أكل وشرب ..
٢) هيَ تجربة وعشتها ، وكانت أشبه بلعبة بلاي ستيشن من النوع الدرامي والرعب ، لم ننتصر أنا وصديقاتي نهايتها بل كُتبَ علينا أن نرجع منازلنا ونلعن الظلام كما عودونا أن نفعل ، ماذا لو أشعلت شمعة يابِطانة المليك ، هل ستحرقوننا بها … بلا شك ستفعلون .
٣) لو أن أُسس التوظيف تقوم على مبدأ لاترى شهادته قبل أخلاقه ، ولاتتنشط بمغذيات الواسطة من مال وحرام ، حتى تضع شخص في منصب لايستحقه ، لكان حلنا أفضل بكثير ، مالذي يعيب ذلك الشاب الذي وقف في منتصف الطريق يساعد من تعثر ، أو ليحذر من حُفر ، لو جعلناه في الدفاع المدني الذي اختفى وقت الحاجة إليه في أغلب المناطق .. لماذا هوَ عاطل عن العمل .. آسفة لهم ولأحوالهم وأعلم أنهم يستحقون مناصبكم وأكثر والله ..ولو أستطيع لبنيت لهم مدينة كاملة تكرمهم وتعطيهم مايستحقون …
٤) تحيتي لبطانة المليك التي لاعلمَ لهُ بها ، هي دعوة منذُ الأمس واليوم وحتى آخر أنفاسي ، أن يحرمكم ربي ماحرمتم عائلات وأهالي جدة منه ، النوم والأمن والصحة ، أن يجعلكم ربي في أدنى أدنى جهنم إن كنتم تعبثون في مال الإصلاحات بمشاريع متهالكة تشبه قلوبكم ، ويموت بسببها العشرات .. ، وإن كنتم هُنا في أعلى دار ومكانة .. إن نسيت هذا اليوم ، سأسترجع كوني طيبة خُلق وأدعوا لكم بالهداية ولاتكون إلا بموتكم فمن أعتاد القتل لن يتركه إلا إن قُتل ، نعم أنتم قتلة ، وقتلة محترفون لاصوت لأسلحتكم ، لكن الله وحده من أظهر ماأخفيتم ، من فضح نصبكم وإحتيالكم ، بمشاريع لاتُبنى حتى في أفقرِ الدول ..
5) عبّرت هُنا عن آراء صديقاتي ومن كان معي في الباص ، حوالي الثلاثون فتاة .. وهي إعادة لما يتناوله الناس حديثاً عن غرق جدة ، لكن وددت أن أكتب ماعاصرته بنفسي تفريغاً لما في نفسي ، حتى أستيقظ غداً وأقنع نفسي أن إختبار يوم الأحد يجب أن أكون مستعدة له ، بدون أي دافع لي للإستعداد غير أنني عاهدت نفسي أن أتخرج بمشيئة الله السنة القادمة ، وأتخلص من كل ماواجهته في هذه الجامعة ..
ليييه نظطر نتخيل موتنا لما كنا على وشك نطيح في حفرة كبيرة بس ربي ستر .. !
………….
أريد أن أكتب وأكتب وأكتب أكثر وأكثر وأكثر ، لن تكفيني السطور أعلم
حسبي الله ونعم الوكيل
وإنّا لله وإنّا إليه لراجعون
الصفحة الأخيرة
<
مبنى الشئون ومبنى الجوهرة ضرب فيه التماس وأجزاء من الجدار متفجر وطالع على برا ..! البوابة الغربية حـ تنتحر من تكدس البنات فيها فـ ألغينا فكرة إننا نخرج من هناك وعدنا أدراجنا ..
وفي طريق العودة طلعوا لنا رجال الدفاع المدني ولا ايش يطلعوا هما كمان مدري عنهم المهم شخطوا فينا عشان نخوش المكتبة المركزية بأسلوب غير حضاري بتاتاً البتة يعني احنا وضعنا الافتراضي أصلاً خايفين، لما شفنا أشكالهم خفنا بزيادة، ولما صرخوا فينا انعدم مستوى الخوف وبدينا مرحلة اللامبالاة ويااابت سوي اللي يقولوه وانتي ساكتة !
وخشينا المكتبة كان وقتها الساعة ١ تقريباً ، طبعاً مافي كهربا مافي أكل مافي أي شي مفيد ، جمعونا كلنا هناك وتركونا للقدر ،
وعلى الساعة ٣ الحمدلله افتكرونا وجابو باصات تنقل البنات للسكن وباصات تنقل كبار هيئة التدريس وأطفال الحضانة، وكثر خيرهم يعني جابو لنا كرتون موية ..! وقتها كنت أشوف بنات دايخين من الجوع (زيي مثلاً ) وبنات غرقانة ملابسهم موية ويرجفوا من البرد وبنات يبكوا من الخوف وبنات دايرين يمين شمال الين تلقط جوالاتهم الشبكة .. !
جدير بالذكر إننا كنا محجوزين في الدور الأرضي والأول من المكتبة لأنو الأدوار العلوية بيطيح سقفها ! وجدير بالذكر إنهم جابو لنا باصات تشيل ٢٠ بنت الظاهر عشان تنقلنا كلنا لسكن الطالبات ..! عدد الباصات والله أعلم انها ٣ وعدد البنات فوق الـ 800 وغنوا يا ليل ما أطولك ..!
وألتجأنا لها بعد أن أكدوا أن السيل (الموت) قادم .. كنت أعدُ الخطوات بتأني وأنظر للخلف ، الكل يجري ، لستُ متأكدة إن كان خلفهم سيل كما يدعون ، إلا أن المطر لازال مستمراً ، ولازالت السماء تخبيء الشمس .. وإرادة الله وقدره لازلنا نعيشه …
كانت آخر محطة هي المكتبة
<<
<<لم نعد نرى حتى الأرصفة ..