rafeqat aldrb

rafeqat aldrb @rafeqat_aldrb

محررة ذهبية

كان غدا سيكون من أجمل أيامي .... من يوميات فلسطيني

الملتقى العام

كان غدا سيكون من أجمل أيامي حسبما خططت له بالأمس

فلقد خططت جدول غداً بحيث تتوالى المواعيد والأعمال بشكل سلسل وبفارق زمني مناسب
كالعادة، كي أستفيد من النهار لأقصى درجة..
وبتوفيق من الله انطلقت مبكراً من جنوب قطاع غزة إلى شماله، من مدينة خان يونس قاصداً غزة
لمواعيد أبرمتها سابقاً..
كالعادة وقفت أنتظر سيارة، وحين وصلت سألت: الجامعة؟ فرد بآخر: أي جامعة؟ كان سؤالي
طبيعي بعكس سؤاله من وجهة نظري، فمعلوم ان الجامعات الفلسطينية كلها تقبع في مكان واحد
في منطقة الرمال الغربي في مدينة غزة، وعندما نطلق كلمة الجامعة يعني أن أي منها لا يهم، فالبوابات كلها في مكان واحد.. لكنني آثرت الإجابة دون السؤال مجدداً: الجامعة الإسلامية إن شاء الله..
رد بلهجة ذات مغزى: (إنت حتمشي مشي..)، تمتمت في خفوت: ربك يفرجها..
ومضينا
لمن يريد معرفة المزيد فالطريق من خان يونس إلى غزة لا تتجاوز 31 كم،
خان يونس ثم قرية القرارة وعلى حدودها تقبع مستوطنات حاجز أبو هولي، ثم بعدها مدينة دير البلح فمستوطنة (نتساريم) وأخيراً مدينة غزة

أي أننا مقبلوين على حاجزين بالتوالي، حاجز أبو هولي، ثم حاجز نتساريم، الأول تتكدس
السيارات في انتظار إشارة خضراء للمرور، يتحكم فيها صهيوني صغير يتدرب في مرحلة التجنيد
الإجباري العسكري، لم يخطو خطوة من عمره في عقده الثالث، ولا يعرف شيئاً عن الإنسانية أيضاً
ننتظر..
وهو في برجه ينظر ويراقب ويستمتع، فهو الوحيد في هذا المكان الذي يمارس هواية التفاخر
والعنجهية، يكفي ان يشعر نفسه بأن هذا الرتل الطويل من السيارات بانتظار إشارة من يده، وكل من حوله طوع بنانه ورهن أوامره..

طال بنا الانتظار كالعادة.. ولكن هذا ليس كل شيء، فتعليق متفائل جداً من أحد ركاب سيارتنا زاد
من توتري، حين قال: صار هذا الحاجز ولا شي بالنسبة لحاجز نتساريم، ياريت كل الحواجز مثل هذا

توتري نبع من نجاح سياسة ذلك الطفل الصهيوني في الوصول إلى مبتغاه، الضغط عليك سيولد إما
الإنفجار وهذا مبرر لقتلك، وإما مزيداً من الصمت والرضا وهذا مبرر لمزيد من الضغط والحرمان
هذا ما يسعون لتحقيقه، زيادة المعاناة من كل الجوانب حتى نرضى ونخنع لأقل الحقوق على أنها مكسب ثوري ونصر مظفر.

بعد طول انتظار تكرم علينا ذلك اللاهي بإشارة خضراء للسماح لنا بالمرور، ثم إلى مدينة دير البلح،
وإذ براجل يبغي الركوب معنا:
- لوين ؟
- لحد ما يبدأوا المشي
انطلقنا إلى حيث أشار، و.. والمعاناة طبعا
فقد توقفت السيارة ها هنا..

وعلينا أن نكمل المشوار إلى الجانب الآخر مشياً، فالطريق الإسفلتي تم تجريفه، وتقبع الدبابات
في أماكن متفرقة عليه، لذا فعليك أن تنزل إلى شاطئ البحر تمشي بمحاذاة الشاطيء مسافة لا
تقل عن 5 كيلومترات ، تنعشك شمس الصباح الحارقة، وتمتعك رطوبة الجو المملة..

المشي يبدأ على طريق أسفلتي، ثم آخر رملي، ولهواة تنظيف الأحذية وتلميعها، لا داعي للخوف
فالبحر قريب بعد قليل يمكنك الحصول على ما يلزم من الماء لتلميع حذائك إن كانت هذه الأتربة تزعجك..

يسافر الناس للبحر كي يستجموا، ويستمتعوا بأوقاتهم. يرتمون على رماله الصفراء في كسل،
ويزيدهم ثقل المشي كسلاً فلا يتحركون كثيراً، ولكن الوضع هنا يختلف فكل هؤلاء يمشون على
شاطيء البحر للوصول إلى أعمالهم، جامعاتهم، لقاءاتهم وظروف حياتهم الطبيعية، وسائل النقل
الآن تغيرت، تغيرت كثيراً، العربة التي يجرها الحصان لها مكانتها الآن، الجرار الزراعي هو المسيطر
على الوضع تماماً في وسائل النقل
وتمضي الرحلة بنا..

تغنيك الصور عن وصف حالة الناس وهي تمضي، والعرق يتصبب ثم يتبلد في مكانه لارتفاع نسبة
الرطوبة طبعاً، وهناك من خلع حذاءه لزيادة سرعته، ومن حمل أمتعته على كاهله ومنهم من اختار
وسيلة نقل من المتوفرة حالياً، تصور نفسك طالب جامعي (مالي هدومه) يركب عربة يجرها حصان
متوجه إلى جامعته، موظف مسئول في قسم مرموق يستقل جرار زراعي متوجهاً إلى مكان عمله، وآخرين كثر مضوا ..

الجميل في الأمر أن هذه رحلة الذهاب.. بمعنى أن في الذهن يتردد سؤال آخر: ماذا عن رحلة العودة؟

صراحة كنت أمشي مهرولاً لأدرك ولو على الأقل واحداً من المواعيد التي أبرمتها البارحة، وأنا أجري
الاتصال تلو الآخر أعتذر عن موعد تأخرت عن وقته، حتى الجامعة نفسها، من غير المجدي الذهاب
الآن وقد شارف موعد الدوام على الإنتهاء، وقد تبهدلت وابتلت ملابسي
الحمد لله.. بقي الحذاء نظيفاً لامعاً

وصلنا أخيراً للطرف الآخر، والسيارات هناك تتسابق لنقل الركاب، سرعان ما استحالت إلى موقف
سيارات، جرارات زراعية من الشمال إلى الجنوب، وسيارات نقل من الجنوب إلى الشمال، بعكس
الحال على الطرف الأول الذي جئنا منه، طبعاً توجد العربات التي تجرها الخيول في الطرفين

أمضيت على عجل ما تمكنت من الوصول في موعده من اللقاءات وقفلت عائداً للوصول قبل موعد
إغلاق الطريق، فالحاجز الأول، أبو هولي يغلق في تمام السابعة مساء، وعقاربها تقترب بسرعة
من ساعة الصفر، الجديد في طريق العودة أن الدبابات المتمركزة على الطريق الأسفلتي تطلق
قذائفها العشوائية باتجاه المشاة، وهو أمر نجم عنه كما سمعت من أخبار الإذاعة عن إصابة أكثر
من 25 شخصاً في أماكن متفرقة، فاستعنت بالله ومضيت ألتمس رفيقاً للطريق، فالليل قريباً
سيدسل أستاره وبدأ الظلام يعلن عن وجوده، ورصاصة طائشة أمر محتمل بنسبة كبيرة

سرعان ما استجاب ربي لرجائي، ووجدت من يحادثني إلى جواري
ويسأل عن موعد إغلاق الطريق، فاجبت أن نصف ساعة تفصلنا عن موعد الإغلاق

فأخذنا نهم بالسير بحذائي الامع، وقافلة طويلة من خلفنا .. كلها تبغي الوصول إلى الطرف الآخر حيث السيارات لتقلهم حتى الحاجز قبل إغلاقه

عرض علي أن أشاركه الرحلة على ثم أركب سيارته التي تنتظر معه
رضيت بهذا فوراً فالحصول على سيارة شيء صعب المنال مع هذا العدد الضخم من المشاة والوقت المتأخر

على أحسن تقدير كنت أظن أن لديه سيارة لصديق ينتظره أو لشخص قد نسق معه سابقاً
حتى وصلنا إلى الطرف الآخر.. والحرب على الحصول على سيارة على أشدها دائرة
آثرت ألا أدخل في نقاش أبداً، فقط أنظر إلى رفيقي متسائلاً عن مكان سيارته التي تنتظر
داعب القلق مشاعري حين رأيته ينظر هنا وهناك يبحث عن مكان السيارة، على غير هدى،
والوقت يمر ولا أمل لنا في المزاحمة على السيارات القليلة المتبقية، حتى أخرج جواله وأجرى اتصالاً..
ثم طلب مني أن أسرع إلى آخر الطريق، حيث تنتظر السيارة..
مضيت مستسلماً على أمل..

وصلنا وإذ بسيارة خاصة من نوع مرسيدس فارهة تنتظر.. ترجل منها رجلين سلمه أحدهم مفاتيحها وانطلق بعد حديث خاص بهما، ودعاني لمشاركته الطريق من جديد..
ركبت في السيارة لا أكاد أصدق.. فأخيراً سأجد وسيلة للوصول إلى البيت
وزاد الأمر نشوة، السرعة الفائقة التي انطلق بها..

تحكم متمكن وقيادة لم أر مثلها قبل، رأيت بعيني العداد يصل لسرعة 180كم/ساعة وهو على
رباطة جأشه وتركيزه، فأخذت أثني على هذا التميز وهو يزيد حماساً وينطلق أسرع

صحيح أنه لم يتبق إلا القليل من الوقت ولكن هذه السرعة كفيلة بأن تنسيك أي قلق
كم تمنيت لو أن كل مواصلاتي بهذه السرعة الخرافية


فعلاً وصلنا في خلال أقل من خمس دقائق..
إلى الحاجز.. حيث ترك السيارة في منطقة دير البلح
ومضى معي يبحث عن سيارة أجرة للانتقال إلى الحاجز ومن ثم إلى خان يونس
هو من وجد لنا السيارة واتفق مع سائقها بعد أن أوقفها في وسط الطريق، أشعر طوال الرحلة معه وأن له سلطة قوية على كل الأمور وإدارة مطلقة فلم أناقش وإنما مضيت معه راضياً بقدري

وصلنا إلى الحاجز.. وهالنا الموقف إذ لا توجد هناك أي سيارة لتقلنا لما بعد الحاجز
انتظرنا.. طال بن الانتظار ودقائق قليلة تفصلنا عن السابعة..
حتى وصلت أخيراً سيارة لا تقل إلى امرأة وأبناءها الثلاثة.. عجبت لأمر مرافقي حين سأل السائق باستنكار:
- ليش اتاخرت هيك؟
حتى هذا السائق يعرفه!!
بالمناسبة لم يوافق مرافقي أن أدفع أجرة السيارة السابقة ولا هذه السيارة
وبكرم حاتمي دفع عني الأجرة دون أن يعرف منا اسم الآخر..
أوصلني إلى مدينتي ومضى هو تاركاً ألف علامة استفهام تحاصر تلافيف ذهني

عندما صدح آذان العشاء تذكرت أنني كنت صائماً اليوم
لم يتبق لي من هذا اليوم سوى صلاة العشاء وطعامها، ثم كتابة هذه الكلمات ونشرها
بعد تجهيز الصور الخاصة بها

وكذا يمضي يوم آخر من المعاناة..
سبقته أيام كثيرة مثله..
وسأستيقظ غداً
لأن غداً كان سيكون من أجمل أيامي

وأفضل أحلامي سأحققها..الصور بعد قليل
2
522

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

rafeqat aldrb
rafeqat aldrb
بداية الطريق الأسفلتي للمشي من هنا



بعد الأسفلت انتقل للرمل ولا يهمك



هنا يأتي دور النزول إلى شاطئ البحر



المشي بمحاذاة الخط الساحلي




و لنا بقية
rafeqat aldrb
rafeqat aldrb
مو معقولة ما احد انتبه لموضوعي هذا و ما علق