
لوحه خواطرفنان @lohh_khoatrfnan
عضوة فعالة
كتاب التوبةوشروطهاوممن تقبل
الإهــداء
أهدى هذه السلسلة المباركة لجميع المسلمين، وبخاصة طلاب العلم الشرعي، وأخصُّ منهم أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وكلُّ من يُنشد السعادة ويستلهم الرُّشد والهداية من كتاب الله عزَّ وجل.
والله أسأل أن يعمَّ بنفعه، وأن يضاعف أجره لي ولوالديَّ ووالديهم، ولكلِّ من استفدت منهم من علماء المسلمين في التفسير وغيره، وكل من كان عونًا لي، ولو بالتشجيع على هذا العمل، وأن يُبارك في ثوابه لأهلي وأولادي وإخواني وأخواتي وجميع أقاربي وجيراني، ومن أحبَّني في الله، ومن أحببته في الله، ومشائخي وزملائي وطلابي، وجميع إخواني المسلمين، فإنَّ فضله عزَّ وجل عظيم، وكرمه واسع، وجوده عميم.
أخي الكريم، هذا من العمل جَهْدُ المقل، ولا يخلو من تقصير، كغيره من أعمال البشر، وكما قيل:
وَمَن ذَا الَّذِي تُرضِي سَجَايَاهُ كُلُّهَا
كفى المرءَ نُبلاً أن تُعَدُّ معايبه
المؤلـف
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الجواد الكريم البرّ الرءوف الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد r وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ الله عزَّ وجل خلق الإنسان وفطره على الإيمان ومنحه من السمع والبصر والعقل ما ميَّزه به عن سائر الحيوان، ولم يجعله معصومًا عن الزَّلل والخطأ والعصيان، بل ابتلاه بما قد يُوقعه في المخالفة والعصيان: من النفس الأمَّارة بالسوء والهوى، ومكائد الشيطان؛ لهذا فتح له باب التوبة لتمحيص الذنوب والآثام، فقال عزَّ وجل:
}قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{()،
وقال عزَّ وجل: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى * وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى{().
«يبسط الله يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار»()، يُوفِّق عبده للتوبة ويقبلها منه، كما قال عزَّ وجل في سورة التوبة:
}ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا{ () أي: وفَّقهم للتوبة ليتوبوا..
وقال عزَّ وجل: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ{().
ويفرح عزَّ وجل بتوبة عبده فرحًا أشدّ من فرح من ضلَّت عنه راحلته التي عليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا هي واقفة بين يديه ولجامها في يده().
بل إنه عزَّ وجل وهو الخالق الملك المدبِّر المنعم المتفضِّل، الذي لا يجب عليه شيء لخلقه، أوجب على نفسه التوبة تفضُّلاً منه وكرمًا وامتنانًا، فقال عزَّ وجل في سورة النساء: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{().
وإذا صدق العبد ربَّه بالتوبة والإنابة إليه سبحانه تاب عليه، بل وبدَّل سيئاته حسنات كما قال عزّ وجل: }إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{().
لله الحمد والمنَّة على فضله وكرمه ولُطفه ورحمته وجميل عفوه.
وسأتناول في هذا البحث الكلام عن التوبة وشروطها، وممن تُقبل؟ ومتى؟ وذلك من خلال الكلام على قوله تعالى في سورة النساء:
}إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ إلى قوله: }أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{.
وسأتكلَّم أولاً عن تفسير هاتَين الآيتين وبيان مفرداتهما ومعناهما، ثم أُتبِع ذلك باستنباط ما فيهما من الفوائد والأحكام، مع تفصيل القول في ذلك.
والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المــؤلف
التوبة وشروطها، وممَّن تقبل؟ ومتى؟
قال الله تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{.
صلة الآية بما قبلها:
لما بيَّن الله U في الآية السابقة أنه يقبل التوبة ممن تاب وأناب إليه في قوله:
}فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا{..
بين في هذه الآية من تُقبل منهم التوبة، وهم الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب.
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{ كقوله تعالى: }ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{()، وكقوله تعالى: }كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{().
قوله تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ{..
إنما: أداة حصر()، ويقال لها: كافة ومكفوفة.
لأن "ما" دخلت على "إنَّ" التي تنصب الاسم وترفع الخبر، فكفتها عن العمل، فـ"ما" كافة، و"إنَّ" مكفوفة.
التوبة: مبتدأ مرفوع.
على الله: "على" حرف جار، ولفظ الجلالة مجرور متعلِّق بمحذوف خبر، تقديره: مُستحقَّة على الله، أو واجبة على الله.
الذين: مُتعلِّق بما تعلَّق به "على الله"()، ويُحتمل أن يكون هو الخبر.
والتوبة من الله تنقسم إلى قسمين:
الأول- توفيقه لعبده أن يتوب:
كما قال تعالى: }ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا{()، أي: وفَّقهم للتوبة ليتوبوا().
والثاني- قبولها منه:
كما قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ{()..
وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{()..
ويجمعها قوله تعالى: }وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{().
وهي من العبد: الرجوع والإنابة إلى الله U، والإخلاص له مع الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، وأن تكون في وقتها المناسب().
ومعنى }عَلَى اللَّهِ{ أي: التزَمَ بها عزَّ وجلَّ وأجبها على نفسه()، تَفضُّلاً منه ورحمةً ومنَّةً وكرمًا().
كما قال تعالى: }كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{().
وقال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{().
وقال سبحانه في الحديث القدسي: «إن رحمتي تغلب غضبي»، وفي رواية «سبقت غضبي»().
قوله }يَعمَلُونَ السُّوء{ صلة الموصول "الذين" أي: يعملون العمل السيئ القبيح الذي يسوء صاحبه، وربما يسوء غيره إذا كان مما يتعدَّى إلى الغير.
قال تعالى: }فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا{().
والمعنى: يعملون الأعمال السيئة من ترك الواجبات وفعل المحظورات، فهو عام لجميع المعاصي()؛ لأنَّ المعاصي كلَّها تسوء مرتكبها وتسوء غيره.
تسوء مرتكبها عاجلاً بظهور آثارها عليه في حياته ظُلمة في الوجه وضيقًا في الصدر والخلق والرزق()، فيفقد من السعادة، في الحياة بقدر ما عمل من السوء .. قال تعالى: }فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ{().
وقال تعالى: }أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ{().
وتسوؤه آجلاً بعد مماته بمعاقبته عليها إن لم يتُب منها أو يتداركه الله بعفوه.
وهي أيضًا تسوء غيره، إمَّا بتعدِّيها إلى الغير مباشرة كالإساءة إليهم بالأذية لهم في دينهم أو أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم أو غير ذلك.
وإمَّا بتأثيرها على حياتهم بما تُسبِّبه هذه الأعمال السيئة من مَحقِ البركات وقلَّة الخيرات، قال تعالى: }ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{().
وفي الحديث: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا»().
وإنما أفرد السوء - والله أعلم - إشارة إلى أنَّ الأولى بالتوفيق للتوبة وقبولها يكون ممن لم يُكثر من الأعمال السيئة.
قوله }بِجَهَالَة{ جار ومجرور، مُتعلِّق بمحذوف وقع حالاً()، أي: حال كونهم جاهلين.
فهو قيدٌ لقوله }إنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوء{، أي: لمن يعملون ذلك بجهالة.
والباء في قوله }بِجَهَالَة{ للمصاحبة أو للسببيَّة، أي: مصحوبين بالجهالة، أو بسبب الجهالة().
ومعنى }بِجَهَالَة{ بسفاهة()، ثم يرشدون، كما قال r: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» الحديث()، أي أنَّ إيمانه يضعف عند ارتكابه لهذه الفاحشة، فكذا من عمل أيَّ معصية، فإنه في حال ارتكابه المعصية يرتفع أو يضعف عنده الرشد ويصير سفيهًا.
ولهذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أنَّ كلَّ ذنبٍ عُصي الله به فهو جهالة، عمدًا كان أو جهلاً().
وقال الطبري(): "عَملهم السُّوء هو الجهالة التي جهلوها" يقال: أتاه بجهالة، أي فَعَلَ فِعل الجهَّال". وكما قيل:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَــا
فَنَجْهَلُ فَوقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَـا()
وليس المراد بـ"الجهالة" الجهل ضد العلم؛ لأنَّ من يعمل السوء وهو جاهل غير عالم غير مؤاخذ، ولا ذنب له، بل هو معذور .. قال الله تعالى:
}رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا{().
وفي صحيح مسلم: «قال الله: قد فعلت»().
وأمَّا الذي يجب عليه التوبة فهو من عمل السوء عالمًا.
قال ابن عطية(): "وليس المعنى أن تكون الجهالة أنَّ ذلك الفعل معصية؛ لأنَّ المتعمِّد للذنوب كان يخرج من التوبة، وهذا فاسد إجماعًا".
قوله: }يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{ أي: ثم بعد رشدهم وزوال السَّفه عنهم يتوبون، أي: يرجعون إلى الله ويُنيبون إليه بترك العمل السيئ مع الندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه والإخلاص لله تعالى.
قوله }مِن قَرِيب{ من تبعيضية، أي: في وقت وحال تُقبل فيهما التوبة، وذلك قبل حضور الموت ومعاينة علاماته من حضور الملائكة وغلبة المرء على نفسه وبلوغ الرُّوح الحلقوم()؛ وذلك لقوله تعالى بعد هذه الآية:
}وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{().
ولقوله r: «إنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»().
وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: «إنَّ الشيطان قال: وعزَّتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال الربُّ عزَّ وجل: "وعزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني»().
وقوله }مِن قَرِيب{ فيه إشارة إلى أنَّ الأجل آت، وكلُّ آتٍ قريب، وفيه أيضًا تنبيهٌ على أنَّ مدَّة عُمر الإنسان وإن طالت فهي قصيرة().
فلابدَّ إذًا أن تكون التوبة في حال يعقل فيها المرء معنى التوبة، ويصح منه الندم على فعل السوء والعزم على عدم العودة إليه().
ولقد أحسن محمود الورَّاق في قوله:
قَـدِّم لِنَفْسِكَ تَوْبَـةً مَرْجُـوَّةً
قَبْلَ المَمَاتِ وَقَبْلَ حَبْـسِ الألسُنِ
بَادِرْ بِهَـا غَلْـقَ النُّفُوسِ فَإنَّهَا
ذُخْـرٌ وَغُنـمٌ لِلمُنِـيبِ المُحْسِنِ()
ويدخل تحت الآية أيضًا قول من قال: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{، أي: عن قريب عهدٍ بالمعصية من غير إصرارٍ عليها()؛ لأنَّ من استمرَّ على المعصية وأصرَّ عليها قد تعسر عليه التوبة، وقد لا يُوفَّق لأسبابها، وقد تحول ذنوبه ومعاصيه بينه وبين التوبة، كما قال تعالى:
}كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{()..
وقال تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{()..
وقال تعالى: }وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ{().
وإذا كانت التوبة تُقبل قبل حضور الموت ولو بزمنٍ قليلٍ فقَبولها قبله من باب أولى().
}فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ{
الفاء: عاطفة.
أولئك: إشارة للَّذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب.
وأشار إليهم بإشارة البعيد "أولئك" إشارةً إلى علوِّ منـزلتهم بالتوبة.
و}أُولَئِكَ{ مبتدأ، وخبره جملة }يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم{.
وهذه الجملة توكيد لِما قبلها، فقد حصر سبحانه التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب، والتزم بذلك لهم، ثم أكَّده بقوله: }فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ{، فهذا وعدٌ من الله بأن يفي لهم ويقبلها منهم بعد أن وفَّقهم إليها().
قوله تعالى: }وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{.
كان: مُساوية الزمن، تُفيد تحقيق اتِّصاف اسمها وخبرها، أي أنه سبحانه مُتَّصف بالعلم والحكمة أزلاً وأبدًا.
عليمًا: خبر كان منصوب، وهو اسم من أسماء الله تعالى على وزن "فعيل"، صفة مُشبهة أو صيغة مبالغة، وهو مشتقٌّ من العِلم، وهو إدراك الأشياء على ما هي عليه إدراكًا جازمًا.
أي أنه عزَّ وجل ذو علمٍ تامٍ كامل، كما قال كليمه موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام عندما سُئل عن القرون الأولى.
}قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى{()
فنفي عن ربِّه الضَّلال، وهو الجهل السابق، والنسيان، وهو الضَّلال اللاحق.
وعلمه عزَّ وجل واسع شامل للأشياء كلِّها في أطوارها الثلاثة: قبل الوجود، وبعد الوجود، وبعد العدم.
كما قال تعالى: }لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا{().
وقال تعالى: }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{().
وقال تعالى: }وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{()، لا يعتري علمه شك ولا ظن، بل هو علم يقين.
حكيمًا: خبر ثان لكان، وهو اسم من أسماء الله، مُشتَقٌّ من الحُكم والحِكمة، على وزن "فعيل" صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، يدلُّ على أنه عزَّ وجل ذو الحكم التام وذو الحكمة التامة البالغة().
له الحُكم بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وله الحكمة بقسمَيها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية().
وقد ختم الله هذه الآية بقوله: }إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا{.
بعد أن ذكر أنه التزم بقبول التوبة ممن عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب؛ وذلك ليُبيِّن أنَّ توبته على هؤلاء عن عِلمٍ وحكمة، فهو عزَّ وجل أعلم بمن يستحق التوبة ممن توفرت فيهم شروطها ممن لا يستحقها.
وهو سبحانه يُوفِّق للتوبة برحمته من اقتضت حِكمته توفيقه لها، ويخذل بعدله من اقتضت حكمته عدم توفيقه، فهو سبحانه حكيمٌ يضع الأمور مواضعها().
قال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{.
صلة الآية بما قبلها:
حصر الله U في الآية السابقة التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، ومفهوم هذه الآية أنَّ من عداهم ممن يستمرُّون على عمل السيئات حتى حضور الموت ليس لهم توبة، وقد صرَّح بهذا المفهوم في الآية الثانية توكيدًا لذلك، فقال تعالى:
}وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{.
أي: لَمَّا بيَّن من تُقبل منهم التوبة أتبع ذلك ببيان من لا تُقبل منهم التوبة().
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ{.
الواو: عاطفة.
و لَيسَ: نافية، وهي فعل ماض ناقص جامد.
التَّوْبَة: اسم ليس مرفوع بها.
قوله }لِلَّذِين{ جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر ليس.
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات: الجملة صلة الموصول.
والسَّيئَات: جمع سيئة، ويُحتمَل أن يُراد بها جنس السيئات، أي: يعملون جنس السيئات، ويُحتمل أن يُراد بها الجمع نفسه، أي: جميع السيئات، وجُمعت إشارة إلى أنَّ كثرتها وتراكمها سبب لعدم التوبة، والأول أولى وأشمل، والثاني هو ظاهر اللفظ، وإذا كان اللفظ محتملاً لهذا وهذا فالعموم أولى().
قوله تعالى: }حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{.
حَتَّى: لابتداء الغاية، وما بعدها غاية لما قبلها.
إذَا: ظَرفية شرطية.
حَضَر: فعل الشرط، وجوابه "قَالَ إنِّي تُبْتُ الآن".
والمَوْت: هو خروج الرُّوح عن البدن ومفارقتها له، الذي كتبه الله على جميع الخلق .. قال تعالى: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{()..
وقال تعالى: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{ ().
وقال جبريل للنبيِّ r: «يا محمد، عش ما عشت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه»().
ومعنى قوله }حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ{ أي بحُضور أسبابه وعلاماته من رؤية الملائكة وغلبة المرء على نفسه وبلوغ الرُّوح الحلقوم().
قوله }قَالَ إنِّي تُبتُ الآن{.
أي: قال في هذه الحال حال حضور الموت واليأس من الحياة "إني تبت الآن"، فهؤلاء لا تنفعهم التوبة في هذه الحال ()؛ لأنَّ توبتهم توبة اضطرار لا اختيار، كما قال تعالى عن فرعون: }حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{ ().
وقال تعالى: }فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ{ () ().
وقال تعالى: }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا{ ().
قال الحافظ ابن كثير():
"فأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك، وحشرجت الرُّوح في الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم()؛ فلا توبة مُتقبَّلة حينئذ، ولات حين مناص .. كما قال تعالى: }فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{ الآيتين، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها، كما قال: }يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا{"().
قوله تعالى: }وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ{..
الواو: حرف عطف.
و"لا": زائدة من حيث الإعراب مؤكِّدة من حيث المعنى.
الَّذِين: اسم موصول معطوف على اسم الموصول الذي قبله في قوله: }لِلَّذِين يَعلَمُون{ أي: وليست التوبة أيضًا للَّذين يموتون وهم كفار، أي: تخرج أرواحهم من أجسادهم وهم ما زالوا على الكفر().
وفي عطف هؤلاء على من سبقهم تيئيس لمن يحضرهم الموت وهم يعملون السيئات من قبول التوبة، فكما لا تُقبل التوبة ممن يموتون على الكفر لا تُقبل أيضًا ممن يحضرهم الموت وهم يعملون السيئات.
والكفر في الأصل: الستر، ومنه يُقال للزَّارع كافر، لأنه يستر البذر في الأرض، قال تعالى: }كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ{().
وهو نوعان: كُفر أكبر مُخرِج من الملَّة مُوجِب للخلود في النار، وكُفرٌ أصغر لا يُخرِج من الملَّة، وهو مُوجِب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، كما في حديث أبي هريرة t عن النبي r قال: «اثنان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت»().
والكُفر الأكبر خمسة أنواع: كفر تكذيب وجحود، وكفر استنكار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق ().
والمراد بالتوبة بالنسبة للذين يموتون وهم كفار ندمهم بعد الموت وتقطع قلوبهم حسرات على تفريطهم أيام الحياة؛ لأنَّ من مات انقطع عمله، فلا توبة تُقبل منه ولا عمل؛ لأنَّ دار العمل هي الدنيا، أمَّا الآخرة فهي دار الجزاء .. قال تعالى:
}إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ{ ().
قال ابن عطية(): "والإيمان للكافر ليس نفس توبته، وإنما ندمه على سالف كفره".
وقال ابن كثير(): "يعني أنَّ الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه وتوبته، ولا يُقبل منه فدية ولو بملء الأرض".
قال تعالى: }وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ ().
وقال تعالى: }أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ ().
حتى قوله: }أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{:
الإشارة للذين يموتون وهم كفار()؛ لأنَّ عذابهم مُحقَّق، أمَّا من مات على ما دون الكفر فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله عذَّبه، وإن شاء عفا عنه وغفر له.
قوله }أَعْتَدْنَا لَهُم{ أي: أعددنا وهيَّأنا وجهَّزنا لهم، ومنه العتاد()، وهو ما يُعَدُّ للضَّيف، وما يعدُّه المسافر لسفره، ومنه العتيد قال تعالى: }وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ{ () أي: حاضر.
وقد عبَّر U عن نفسه بضمير العظمة «نا»، لأنه سبحانه هو العظيم ذو العظمة التامة.
قوله }عَذَابًا أَلِيمًا{: أليمًا: "فعيلاً" بمعنى "مفعولاً" أي: مؤلمًا موجعًا غاية الإيلام والإيجاع() حسيًّا ومعنويًّا.
* * *
الفوائد والأحكام:
1- فضل الله سبحانه وتعالى على عباده وامتنانه عليهم في إيجابه التوبة على نفسه والتزامه بها لهم لقوله: }إنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى الله{، فهو سبحانه الذي منَّ بالتوبة على من شاء من عباده، وهو الذي قبلها منهم.
2- إنَّ لله U أن يوجب على نفسه ما شاء، وهذا من كماله U لقوله تعالى:}إنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى الله{، كما قال تعالى: }كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ ().
وقال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{()..
وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ{()..
وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ{()..
وقال تعالى: }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{().
وعن معاذ بن جبل t قال: كنت رديف النبي r على حمار، فقال: «يا معاذ، أتدري ما حقُّ الله على العباد وما حقُّ العباد على الله؟» قلت الله ورسوله أعلم، قال: «حقُّ الله على عباده ألاَّ يُشرِكوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله ألا يُعذِّب من لا يُشرِك به شيئًا»([URL="h
9
944
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.



زائرة
•
استغفرالله واتوب اليه
الصفحة الأخيرة
ما للعباد عليه حق واجب
هو أوجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه ضائع
إن كان بالإخلاص والإحسان
إن عذبوا فبعدله أو نعموا
فبفضله والفضل للمنان
كما أنَّ له U على نفسه ما شاء، كما في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّمًا، لا تظالموا»().
فله U أن يُوجب على نفسه ما شاء، ويُحرِّم على نفسه ما شاء، كما قال سبحانه: }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{().
وليس للعباد أن يُوجبوا عليه شيئًا كما تقول المعتزلة ومن سلك مسلكهم في أنَّ قبول التوبة واجب على الله بطريق العقل، ويرَون أنَّ الأعمال عوضٌ عن دخول الجنة، وأنَّ من عمل صالحًا وجب على الله أن يُدخله الجنة بطريق العقل.()
والصحيح عند أهل السُنة أنَّ العمل الصالح إنما هو سبب لدخول الجنة، ودخولها إنما هو برحمة الله الذي كتب على نفسه الرحمة شرعًا وسمعًا، ولهذا قال r: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمةٍ منه وفضل».()
وكيف يجب على الله واجبات لخلقه بطريق العقل، علمًا أنه ينبغي أن يكون الموجِب فوق الموجَب عليه، والله جلَّ وعلا فوق الجميع وربُّهم وخالقهم، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا ().
3- الترغيب في التوبة؛ لأنَّ الله أوجبها على نفسه، ويجب من اتَّصف بها، كما قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{()..
وهي واجبة على جميع العباد، قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{() ()..
وقال r: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم مائة مرة»()..
وقال r: «لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من أحدكم بضالته إذا وجدها بعد أن أيس منها وعليها طعامه وشرابه»().
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (): "كلُّ مؤمنٍ لابدَّ له من التوبة، ولا يكمل أحدٌ إلا بها".
وقال أيضًا: "وليست التوبة نقصًا، بل هي من أفضل الكمالات، والله قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار، عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم".
وقد قيل: "ربَّ معصيةٍ أورثت ذلاًّ وانكسارًا خيرٌ من طاعة أورثت عزًَّا واستكبارًا"().
4- إنَّ كلَّ عاملٍ للسوء فإنما يعمله بجهالةٍ وسفهٍ وعدم رشد، وإنَّ كلَّ ذنبٍ عُصِيَ الله به فهو جهالة، سواء كان فاعله عالمًا أو جاهلاً، ذاكرًا أو ناسيًا، مُتعمِّدًا أو مخطئًا، مختارًا أو مُكرَهًا، لقوله تعالى: }لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ{.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(): "فمن عصى الله فهو جاهل أيًّا كان، ومن أطاعه فهو عالم، ولهذا قال تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{، فكلُّ عالمٍ يخشاه، فمن لم يخشَ الله فليس من العلماء، بل من الجهَّال، قال ابن مسعود: "كفى بخشية الله عِلمًا، وكفى بالاغترار به جهلاً" وقال رجل للشعبي: أيها العالم، فقال: إنما العالم من يخشى الله".
5- إنَّ معاني الجهل هي السَّفه وعدم الرشد في الدين؛ لأنَّ المراد بقوله «بجهالة» بسفه وعدم رشد، كما قال تعالى: }وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ{().
وقال تعالى: }قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ{().
وليس معنى «الجهالة» في الآية الجهل ضدّ العلم؛ لأنَّ التوبة تُقبل ممن عمل السوء عالمًا بالإجماع()، كما قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{().
بل إنَّ من شرط المؤاخذة على الذنب كون مرتكبه عالمًا بأنه ذنبٌ ومعصية؛ لأنَّ الجاهل غير مؤاخذ كما قال تعالى: }رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا{..
وقال الله في الحديث القدسي: «قد فعلت»().
فإن كانت المعصية التي فعلها جهلاً أو خطأً من باب الإخلال بالمأمور فعليه أن يأتي بما أخلَّ أو بما يُجبِره، فمن ترك التشهُّد الأول في الصلاة مثلاً فعليه أن يأتي به ما لم يستتمُّ قائمًا، وإلا جبره بسجود السهو، ومن أخلَّ بالطمأنينة في الصلاة فعليه أن يُعيدها بطمأنينة، كما قال r للمُسيء في صلاته: «ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَل»().
وإن كانت المعصية التي ارتكبها جهلاً أو خطأً من باب ارتكاب المحظور كحلق الشعر بالنسبة للمُحرِم فلا شيء عليه إلا في القتل خطأً فتلزمه الكفَّارة حقًّا لله تعالى، وإن كان غير آثم، كما يجب عليه التوبة .. وكذا كلُّ من عَمِل معصيةً من ترك مأمورٍ أو انتهاك محظور، وإن كان ذلك خطأً؛ وذلك لقوله في كفَّارة القتل الخطأ:
}فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{()..
أمَّا ما كان من حقوق الآدميين فلا يسقط بحال، بل يجب عليه أداؤه، وإن كان إتلافه له جهلاً منه أو خطأ().
6- وجوب المبادرة إلى التوبة لقوله: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{ أي: قبل حضور الموت .. فإذا كان الإنسان لا يدري متى يحضره الموت، ويفجأه الأجل؛ فالواجب عليه المبادرة بالتوبة حتى لا يأتيه الموت على غرَّةٍ وهو مُقيمٌ على المعصية.
قال رسول الله r لعبد الله بن عمرو y: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل».
وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»().
7- إنَّ من شرط قبول التوبة أن يتوب الإنسان من قريب، أي في الحياة وقبل حضور الموت؛ وذلك لقوله: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{، لكن ليس من شرط قبول التوبة أن تكون عقب الذنب مباشرة؛ لأنَّ «ثُمَّ» للتراخي، لكن الواجب كما سبق المبادرة إليها.
8- التحذير من الإصرار على المعصية والتسويف وتأخير التوبة؛ وذلك لقوله: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{؛ لأنَّ الإصرار عليها قد يكون سببًا لعدم توفيق للتوبة وعدم قبولها، ومُسبِّبًا لقسوة القلب وانطماس البصيرة والعياذ بالله، قال تعالى:
}كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{().
وفي الحديث: «إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا نكتت في قلبه نكتة سوداء»().
والإصرار على الصغائر يجعلها كبائر.
قال عبد الله بن عباس y: "لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار"().
وكما قيل:
لاَ تُحَقِّرَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ صَغِيرَةً
إنَّ الصَّغِيرَ غَدًا يَكُونُ كَبِيرَا
وقال الآخر:
لاَ تُحَقِّرَنَّ صَغِيرَةً
إنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَـــا()
9- إنَّ من تاب عن قرب عهد المعصية فهو أحرى من غيره بقبول التوبة، لقوله: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{.
10- قبول التوبة ممن تاب من قريب؛ لأنَّ الله حصر التوبة فيهم فقال:
}إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{..
ثم أكَّد ذلك بقوله: }فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ{.
11- إثبات اسم الله تعالى «العليم» وما يدلُّ عليه من إثبات صفة العِلم التام الشامل لله U؛ وذلك لقوله }وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا{.
12- إثبات اسم الله تعالى «الحكيم» وما يدلُّ عليه من إثبات صفة الحُكم والحِكمة لله U: الحُكم الشرعي والكوني والجزائي، والحِكمة بقسمَيها: الغائية والصورية.
13- إنَّ الله U شرع لعبادة عن علم منه وحكمة، وذلك لضعفهم أمام نوازع الشر، ووفَّق بعلمه وحكمته للتوبة من شاء منهم، وخذل من شاء فلم يُوفِّقه لها لقوله: }وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا{.
14- إنَّ الكمال في اجتماع العلم والحكمة؛ فالعلم وحده لا يكفي، بل قد يضرُّ إذا صاحَبه طيش وعجلة، والحكمة وحدها لا تكفي بدون العلم، بل قد تضرُّ إذا صاحَبها الجهل؛ ولهذا وصف الله U نفسه بأكمل الكمالين، وهو اجتماع العلم والحكمة، وكمال كلٍّ منهما وتمامه، فقال: }وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{.
15- بلوغ القرآن الكريم الغاية في الإيضاح والبيان؛ لأنَّ الله U حصر التوبة في الذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب، ومفهوم هذا أنَّ من استمرَّ على عمل السوء حتى حضره الموت ليس له توبة، وتوكيدًا لذلك وزيادة في البيان والإيضاح جاء التصريح بهذا المفهوم بقوله تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{.
16- إنَّ التوبة تنقطع بحضور الموت؛ وذلك لقوله تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{().
وقال r: «إن الله U يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»().
فالتوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا اختيار فلا تنفع صاحبها.
كما تنقطع التوبة بطلوع الشمس من مغربها كما قال U: }يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا{().
قال ابن القيم (): "وأمَّا إذا وقع في السياق فقال: إني تُبت الآن لم تُقبل توبته؛ ذلك لأنها توبة اضطرار لا اختيار، فهي كالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها ويوم القيامة وعند معانية بأس الله"
فتجب المبادرة إلى التوبة والحذر من التسويف ما دامت التوبة مُمكنة وبابها مفتوحًا، قبل غلق الباب وطيِّ الكتاب، وهذا هو أحد شروط التوبة، وهو أن تكون في وقتها الذي تصحُّ فيه.
* * *
شروط التوبة
وشروط التوبة خمسة:
الشرط الأول:
الإخلاص لله تعالى، بأن تكون التوبة صادقةً نصوحًا، ابتغاء وجه الله وطلب مرضاته ومحبَّته والخوف من عذابه، لا رياءً ولا سمعة، ولا خوفًا من مخلوق، ولا لغرضٍ دنيويٍّ ونحو ذلك، قال تعالى: }إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا{().
والإخلاص شرط في جميع الأحوال، قال تعالى: }َمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{().
وقال تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»().
الشرط الثاني:
الإقلاع عن المعصية وتركها والبُعد عنها، فإن كان فيها حقٌّ لآدميٍّ من دمٍ أو مالٍ وغير ذلك وجب ردُّه إليه أو استحلاله منه، قال r: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئاته فطرحت عليه»().
وإن كان حقُّ عرض من غيبة استحلَّه منه إن أمكنه ذلك ولم يخشَ شرًّا بسبب ذلك، فإن لم يُمكنه ذلك أو خشي أن يحصل شرٌّ بسبب إعلامه بذلك، خاصة إذا عرف أنه لم يعلم بذلك استغفر الله له، وأثنى عليه بخيرٍ في المواضع التي اغتابه فيها.
ومن هنا يعلم أنَّ حقوق الآدميين لا يُعتبر شرطًا مستقلاًّ -كما يذكره بعض أهل العلم- بل إنه داخل ضمن شرط الإقلاع عن المعصية؛ إذ كيف يُعَد مُقلِعًا عن المعصية من كانت حقوق الناس عنده؟
فإن كان صاحب الحقِّ قد مات رُدَّ ذلك الحقِّ إلى ورثته، فإن لم يمكن ردُّه تصدَّق به عنهم واستغفر للميت.
ومن الإقلاع بالمعصية الاعتراف والإقرار، قال r لعائشة رضي الله عنها: «إن كنت ألممت بشيء فأقري، فإنَّ الاعتراف توبة»().
الشرط الثالث:
الندم على فعل المعصية، بحيث يحسُّ بحرقةٍ وحزنٍ وأسًى في نفسه على ارتكابه هذه المعصية، ويودُّ أنه لم يفعل ذلك .. ولا يكون تائبًا من كان عديم المبالاة بما ارتكب من معصية الله، وفي حديث عبد الله بن مسعود t أن رسول الله r قال: «الندم توبة»().
الشرط الرابع:
العزم الأكيد في نفسه على ألاَّ يعود إلى تلك المعصية، بحيث يُصمِّم ويعزم على ألاَّ يرتكب تلك المعصية مرةً ثانية، فإن أضمر في نفسه أنه سيعود إليها فلا يُعَدُّ تائبًا؛ لأنَّ فعله هذا استهزاءٌ ومخادعةٌ لمن يعلم السر وأخفى..
لكنه لو تاب وعزم على ألاَّ يعود إلى المعصية لكن غلبه الشيطان وهواه ونفسه الأمَّارة بالسوء فعاود المعصية مرة ثانية فتوبته الأولى صحيحة، لكن عليه أن يُجدِّد التوبة من معاودته للمعصية .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"إذا تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قَبِل الله توبته، ثم إذا عاد استحقَّ العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز لمسلمٍ إذا تاب ثم عاد أن يصر، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرَّة".
الشرط الخامس:
أن تكون التوبة في وقتها قبل حضور الموت وغلبة المرء على نفسه وبلوغ الرُّوح الحلقوم وقبل طلوع الشمس من مغربها.
أمَّا الأول فلقوله تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{..
وقوله سبحانه: }فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا{().
وقال تعالى: }حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{().
وقال r: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر»().
وأمَّا الثاني وهو طلوع الشمس من مغربها فلقوله r: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»().
وقوله r: «إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»().
وجعل بعض أهل العلم من شرط التوبة أن يتوب عن جميع المعاصي؛ لأن هذا هو مقتضى تعظيم التائب لربِّه أن ينـزع عن جميع المعاصي، وجعل بعضهم هذا شرطًا سادسًا من شروط التوبة، واستدلُّوا بقوله تعالى:
}إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ{().
وبقوله تعالى: }فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا{().
وبقوله تعالى: } فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{().
وقال بعضهم: إنما يُشترط للتوبة ألاَّ يصرَّ على ذنبٍ من جنس الذنب الذي تاب منه، فيُشترط فيمن تاب من الزنا أن يتوب عن دواعيه من النظر المحرَّم والخلوة المحرَّمة واللمس المحرم ونحو ذلك، ولا يُشترط لها أن يتوب عمَّا ليس من جنسه، فتُقبل توبته عن الزنا وإن كان مرتكبًا لمعصية الإسبال مثلاً.
والصحيح أنَّ التوبة من ذنبٍ تُقبل وإن كان مُصِرًّا على غيره، خلافًا للمعتزلة الذين يقولون لا يُعتبر تائبًا من أقام على ذنب؛ وذلك لأنَّ من تاب من ذنبٍ يُقال له "تائب"، ومن عدل الله عزَّ وجلَّ أن يُجازيه على توبته من ذلك الذنب، كما قال تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{()..
لكن لا يستحق الوصف بالتوبة المطلقة إلاَّ من تاب من جميع الذنوب وأصلح جميع أعماله، فهذا هو التائب التوبة المطلقة من جميع الذنوب().
17- إنَّ جميع إقرارات المحتضر على نفسه أو ماله وتبرعاته وسائر تصرفاته في هذه الحال لا اعتبار لها؛ وذلك لقوله: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{..
فلو تصدَّق في هذه الحال لم ينفعه ذلك بل ولا تنفذ صدقته إلا بإجازة الورثة قال تعالى: } وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ{().
وقال r: «خير الصدقة أن تتصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الرُوح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان»().
18- إنَّ الذين يموتون وهم كفار لا توبة لهم ولا ينفعهم ندمهم يوم القيامة؛ وذلك لقوله:}وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ{.
19- تيئيس من يحضرهم الموت وهم مُصرُّون على عمل السيئات في عدم قبول توبتهم، وذلك بقرنهم مع الذين يموتون وهم كفار، مع أنَّ هؤلاء ماتوا على الكفر ولا توبة لهم.
20- إنَّ النار موجودة الآن، لقوله «أعتدنا» أي: أعددنا وهيَّأنا، خلافًا لمن قال إنها لم تخلق بعد().
21- إنَّ الله أعدَّ للذين يموتون وهم كفار عذابًا مؤلمًا موجعًا حسِّـيًّا ومعنويًّا، لقوله: } أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{.
22- تعظيم الله عزَّ وجل لنفسه لقوله: }أَعْتَدْنَا{ بضمير العظمة «نا».
23- إنَّ أهل النار المعذَّبين بها يتألَّمون على الدوام بما فيها من العذاب ألمًا حسيًّا ومعنويًّا لقوله }عَذَابًا أَلِيمًا{.
وفي هذا إبطال لقول من يقول إنهم يكونون جهنَّميين ويتكيَّفون فيها ويتأقلمون، فلا يضرُّهم حرُّها ولا يُحِسُّون بألم العذاب فيها، أو تكون طبيعتهم طبيعة نارية فيتلذَّذون بالنار لموافقتها لطبعهم().
قال تعالى: } كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ{().
وقال تعالى} وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ{().
وقال تعالى } لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ{().
* * *
الخــاتمة
الحمد لله الذي بمنِّه وفضله تتمُّ الصالحات، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .. أمَّا بعد:
فمن خلال هذا البحث الموجز في موضوع التوبة وشروطها من خلال قول الله عزَّ وجل في سورة النساء } إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ{ الآية، والآية بعدها ظهرت لنا النتائج التالية:
أ- فضل الله عزَّ وجل على عباده في إيجابه التوبة على نفسه منَّةٌ منه وتكرمًا، وأنه سبحانه يُوجب على نفسه ما شاء.
ب- الترغيب في التوبة، بل ووجوبها على العباد.
ج- إنَّ كلَّ عاملٍ للسوء إنما يعمله بجهالةٍ وسفهٍ وعدم رشد، وإنَّ كلَّ ذنبٍ عُصِيَ الله به فهو جهالة، أيًّا كانت حال فاعله.
د- وجوب المبادرة إلى التوبة، وأنَّ من شرط قَبولها أن يتوب الإنسان من قريبٍ في الحياة قبل بلوغ الرُّوح الحلقوم، والتحذير من الإصرار على المعصية وتأخير التوبة؛ لأنَّ الإصرار على المعصية قد يكون سببًا لعدم التوبة أو عدم قَبولها.
هـ- علم الله التام وحكمته البالغة، ولهذا شرع سبحانه وتعالى التوبة لعباده.
إلى غير ذلك من النتائج التي تظهر جلية خلال هذا البحث.
والله أسأل أن يُوفِّق الجميع لِما يُحبُّه ويرضاه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثبت المراجع
- «الاختيارات الفقهية» لابن تيمية م 728هـ - تحقيق محمد حامد الفقي.
- «البحر» لأبي حيان الأندلسي م 754هـ - مكتبة النصر الحديثة الرياض.
- «بدائع الفوائد» لابن القيم م715هـ - دار الفكر للطباعة للطباعة والنشر والتوزيع.
- «التسهيل لعلوم التنـزيل»، لابن جزيّ الكلبي - الطبعة الثانية 1392هـ - 1973 - دار الكتاب العربي - ببيروت.
- «تفسير القرآن»، لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله م 1421هـ - مخطوط.
- «تفسير القرآن الحكيم» (تفسير المنار) لمحمد رشيد رضا - طبعة 1414هـ-1993م، دار المعرفة ببيروت.
- «تفسير القرآن العظيم» للحافظ ابن كثير م 774هـ - طبعة دار الشعب - مصر.
- «التفسير الكبير» للرازي م 604هـ - الطبعة الأولى 1411هـ -1990م - بيروت.
- تيسير الكريم الرحمن للسعدي م 1376هـ تحقيق محمد زهدي النجار - الطبعة الأولى 1408هـ - 1998م.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي م 671هـ - طبعة 1387هـ 1967م.
- «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري - م310هـ تحقيق شاكر - طبعة دار المعارف - والطبعة الثالثة 1388هـ-1968م - مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
- «الجامع الصغير» للسيوطي م911هـ - الطبعة الأولى 1401هـ- 1981م - دار الفكر.
- «حلية الأولياء» لأبي نعيم م 430هـ - الطبعة الرابعة 1405هـ - دار الكتاب العربي - بيروت.
- «دقائق التفسير» لابن تيمية - تحقيق محمد السيد الجليد لابن تيمية - تحقيق محمد السيد الجليد - الطبعة الثانية 1404هـ- 1984م، مؤسسة علوم القرآن.
- «ديوان ابن المعتز» تحقيق محمد بديع شريف - طبع دار المعارف بمصر.
- «ديوان محمود الوراق» جمع وتحقيق د/ وليد قصاب الطبعة الأولى 1412هـ.
- «سُنن ابن ماجة» م 275هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبعة 1372هـ- 1952م، دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي.
- «سُنن أبي داود» م275هـ تعليق عزت الدعاس الطبعة الأولى 1388هـ 1969م.
- «سُنن الترمذي» م 279هـ تحقيق أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي - المكتبة الإسلامية.
- «سُنن الدرامي» م255هـ، دار الكتب العلمية ببيروت - لبنان.
- «سُنن النسائي» م303هـ، تحقيق أبي غدة - الطبعة الرابعة - نشر دار البشائر الإسلامية.
- «شرح ابن عيسى للنونية» - نشر المكتب الإسلامية ببيروت.
- «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الدمشقي الطبعة الأولى 1408هـ-1988م، مؤسسة الرسالة.
- «شعب الإيمان للبيهقي» م 458ه الطبعة الأولى 1410ه، دار الكتب العلمية ببيروت.
- «صحيح البخاري مع فتح الباري» تصحيح وتحقيق بإشراف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله باز رئاسة البحوث العملية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
- «صحيح الجامع الصغير» للسيوطي م 911 تحقيق الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، نشر المكتب الإسلامي.
- «صحيح مسلم» م 261هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الثانية 1398هـ- 1978م دار الفكر العربي ببيروت.
- «الكشاف» للزمخشري م 538 هـ - دار المعرفة ببيروت.
- «مجاز القرآن لأبي عبيدة» م 210هـ الطبعة 1401هـ-1981م.
- «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» الطبعة الأولى 1398هـ.
- «المحرر الوجيز» لابن عطية الأندلسي م 546هـ، تحقيق المجلس العلمي بفاس 1397هـ- 1977م.
- «مدارج السالكين» لابن القيم م 751هـ الطبعة الأولى 1412هـ 1991م، دار الجيل ببيروت.
- «مدارك التنـزيل وحقائق التأويل» للنسفي م 701هـ المكتبة الأموية -ببيروت- دمشق.
- «المستدرك» للحاكم النيسابوري- م 405هـ، نشر دار الفكر، وطبعة 1411هـ، تحقيق عبد القادر عطا - نشر دار الكتب العلمية.
- «مسند الإمام أحمد» الطبعة الثانية 1398هـ- 1978م، المكتب الإسلامي ببيروت.
- «معالم التنـزيل» للبغوي م 516هـ الطبعة الأولى 1406هـ- 1986م، دار المعرفة ببيروت.
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج منشورات المكتبة العصرية -صيدا- ببيروت.
- «النكت والعيون» للمساوردي م 450هـ تحقيق خضر محمد الطبعة الأولى 1402هـ.
- «النونية» لابن القيم م 751هـ، طبعة سنة 1344هـ، مطبعة التقدم العلمية بمصر.
- «الوابل الصيب» لابن القيم، 751هـ، تحقيق وتعليق الشيخ إسماعيل الأنصاري نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية.
* * *
الفهــرس
الإهــداء5
المقدمة6
التوبة وشروطها، وممَّن تقبل؟ ومتى؟9
أقسام التوبة من الله على العبد10
الفوائد والأحكام:29
شروط التوبة41
الشرط الأول:41
الشرط الثاني:41
الشرط الثالث:42
الشرط الرابع:43
الشرط الخامس:43
الخــاتمة49
ثبت المراجع50
الفهــرس. 55
() كما قال تعالى: }وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّن أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِن{ سورة النساء الآية: 125.
() أخرجه مسلم في "البر والصلة" 2577، والترمذي في "صفة القيامة" 2495، وابن ماجة في "الزهد" 4257 من حديث أبي ذر t.
() سورة الأنبياء، آية: 23.
() أنظر "التفسير الكبير" 10/3، "التوسل والوسيلة" ص54، 55.
() أخرجه البخاري في المرضى 5673، ومسلم في صفة القيامة والجنة والنار 2816، وابن ماجة في الزهد 4201 من حديث أبي هريرة t، وانظر "التوسل والوسيلة" ص54-57.
() انظر "التحرير الوجيز" 4/ 52-54، "الجامع لأحكام القرآن" 5/91.
() سورة البقرة، آية: 222.
() سورة النور، آية: 31.
() انظر "المحرر الوجيز" 4/52، "الجامع لأحكام القرآن" 5/90، "مجموع الفتاوى" 15/403.
() أخرجه مسلم في الذكر 2702 من حديث الأغر المزني t.
() أخرجه البخاري في الدعوات 6309، ومسلم في التوبة 2747 من حديث أنس t، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة وابن مسعود والنعمان بن بشير والبراء y 2675، 2744، 2746. وانظر "مدارج السالكين" 1/240،241.
() انظر "مجموع الفتاوى" 15/51-53،55-57.
() انظر "تفسير المنار" 5/399.
() في "مجموع الفتاوى" 16/178-179.
() سورة البقرة، آية: 130.
() سورة الأنعام، آية: 140.
() انظر "التفسير الكبير" 10/4.
() سورة الزمر، الآيات: 53-55.
() أخرجه مسلم في الإيمان 126، والترمذي في التفسير 2992 من حديث ابن عباس t.
() أخرجه البخاري في الأذن 757، ومسلم في الصلاة 397 من حديث أبي هريرة t.
() سورة النساء، آية: 92.
() انظر "مجموع الفتاوى" 18/258، 259.
() أخرجه البخاري في "الرقاق" 6416، والترمذي في "الزهد" 2333، وابن ماجة في "الزهد" 4114، من حديث ابن عمر t.
() سورة المطفِّفين، آية: 14.
() أخرجه الترمذي في التفسير 3334، وابن ماجة في الزهد 4244، من حديث أبي هريرة t، وحسنه الألباني. انظر "التعليق الترغيب" 2/268، 4/74، "صحيح سنن ابن ماجة" حديث3422.
() أخرجه الطبري 8/245- الأثر 9207.
() البيت لابن المعتز، انظر "ديوانه" 2/376.
() وما جاء في حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي r وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبيُّ r: «أيّ عمّ، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» الحديث أخرجه البخاري في التفسير 4675، ومسلم في الإيمان 24، والنسائي في الجنائز 2035، وأحمد 5/433. فالمراد بقوله: "لما حضرت أبا طالب الوفاة"، أي: قربت وفاته وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة وقبل النـزع، ولهذا كان أبو طالب يُحاور النبي r، أمَّا بعد رؤية الملائكة والشروع في النـزع فلا تُقبل التوبة .. انظر "شرح صحيح مسلم" 1/ 164.
() أخرجه الترمذي في الدعوات 3537، وابن ماجة في الزهد 4253 من حديث عبد الله بن عمر t وحسنه الألباني.
() سورة الأنعام، آية: 158.
() في "مدارج السالكين" 1/ 283، 284 وانظر "مدارك التنزيل" 1/302.
() سورة التحريم، آية: 4.
() سورة الكهف، آية: 110.
()أخرجه مسلم في "الزهد" و"الرقائق" 2985، وابن ماجة في "الزهد" 4202 من حديث أبي هريرة t.
() أخرجه البخاري في "الرقاق" 6534 من حديث أبي هريرة t.
() أخرجه البخاري في التفسير 4750.
() أخرجه ابن ماجة 4252، وأحمد 1/ 376 صححه أحمد شاكر برقم 2568 وصححه الألباني.
() سورة غافر، الآيتان: 84، 85.
() سورة يونس، الآيتان: 90، 91.
() سبق تخريجه.
() أخرجه أبو داود في الجهاد 2479، والدرامي في السير 2513.
() أخرجه مسلم في التوبة 2759 -من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
() سورة الفرقان، آية: 70.
() سورة النساء، آية: 16.
() سورة المائدة، آية: 39.
() سورة الزلزلة الآيتان: 7-8.
() انظر «المحرر الوجيز» 4/52، «الجامع لأحكام القرآن» 5/91، «الاختيارات الفقهية» ص297، «مجموع الفتاوى» 16/58، «مدارج السالكين» 1/ 212، 306-310، 325-326، 342-343،375، 429،434، «تفسير ابن كثير» 7/364، «شرح الطحاوية» 2/451، وانظر كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين على هذه الآية في دروس التفسير.
() سورة المنافقون، آية: 10.
() أخرجه البخاري في الزكاة 1419، ومسلم في الزكاة 1032، وأبو داود في الوصايا 1865، والنسائي في الزكاة 2542، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
() انظر «التفسير الكبير» 10/9، «شرح الطحاوية» 2/614 وما بعدها.
() انظر «شرح الطحاوية» 2/624-625. وانظر كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين على هذه الآية في دروس التفسير.
() سورة النسا، آية: 56.
() سورة المائدة، آية: 37، وسورة التوبة، آية: 68.
() سورة الزخرف، آية: 75.
إعداد:
أ.د/سليمان بن إبراهيم اللاحم