سمعت حديثاً منذ ساعتين أثار اهتمامي ولازلت أفكر فيه .لدينا في المهجع أربعة من البدو , هم أميون لا يعرفون القراءة أو الكتابة , مهنتهم الرئيسية رعي الأغنام و الجمال , عاشوا طوال حياتهم في هذه الصحراء المترامية يتنقلون في أرجائها من مكان لآخر طلباً للمرعى و الماء , قبض عليهم واعتقلوا وجيء بهم إلى السجن الصحراوي بتهمة مساعدة بعض المطلوبين على الفرار إلى دولة مجاورة , وعندما يسألون هنا عن ذلك يعبسون قليلاً ويجيب كبيرهم المدعو " شنيور " :- و الله يا أخوي .. تهمة باطلة .. نحن بدو بديرة الله .. جام " أتوا " جماعة علينا .. و على عادة العرب .. رحبنا بهم , ضيفناهم من الميسور , بعدين يا خوي سألونا عــ الدرب .. دليناهم , هاي فيها شيء يا خوي ؟! وبعدين يقولون لنا .. انتو عملاء .. و انتو جواسيس ! عجيبة و الله يا خوي ! عجيبة .
اليوم بعد أن سرد شنيور هذه القصة للمرة الألف تشعب الحديث كثيراً وكان كله منصباً على البدو وحياة البدو , سأله أحد أبناء المدينة من الذين لم يعرفوا في حياتهم كلها سوى ثلاثة أمكنة " البيت , الدكان , الجامع " عما إذا كان صحيحاً ما يقال عن الكرم البدوي , وعن أسبابه ومسبباته , وختم سؤاله قائلاً بتعجب :- وكيف يا أخ شنيور .. إذا اجاك ضيف وما كان عندك غير غنمة وحدة , صحيح أنك تذبحها وتطبخها لتقدمها له ؟.. وليش هذا الشيء ؟ ايه .. عمره وانشاء الله ما بياكل ! .. انشاء الله يأكل سم . - له .. له .. له .. يا خوي ما يصير تحجي هيج " تتكلم هكذا " .مضى شنيور في مداخلة طويلة يشرح ويعلل ويفسر , كنت أنصت إليه قسراً لأنه جالس بالقرب من فراشي , لكنه بعد قليل شد اهتمامي بفكرة !.قال شينور ما معناه :- أن للكرم البدوي أسباباً عديدة , عدد عدة أسباب , لكنه قال إن أهم الاسباب هي أن البدوي يحب ضيفه .. يعشقه !.. وهذا بسبب أن البدوي يبقى أياماً وأسابيعاً وشهوراً يعيش في هذه البراري بين الكثبان الرملية و الأتربة و الغبار في وحدة مطلقة , . لذلك وفي حالات كثيرة نرى البدوي يحادث أغنامه أو جماله !.. يكون في المرعى لا يسمعه أحد , ولأنه يحب أغنامه فإنه يجرى حديثاً معها , ولا بأس أن تتخلل هذه الحديث بعض الشتائم الموجهة إلى الأغنام المشاغبة , و البدوي عندما يصل إلى درجة أن يجري حديثاً مع الغنم .. يكون هذا دليلاً إلى أن حاجته إلى الأنس , إلى المؤانسة .. إلى الاجتماع مع أي انسان , قد بلغت مداها الأقصى , في هذا الوقت إذا حضر الضيف فسيجد حتماً شخصاً متلهفاً يغدق عليه الكثير الكثير من آيات الترحيب و المحبة , يقدم له أفضل ما عنده من كل شيء .. وهذا من حيث لا يدري مكافأة له على مجيئه , وإغراءً له للبقاء أطول مدة ممكنة ." يبدوا أن العزلة تعلم الحكمة , هذا البدوي فيلسوف حكيم !.. شكراً لك يا شينور , لقد أزلت من نفسي قلقاً مبهماً كان يقض مضجعي .. قد كانت عزلتي في المهجع هذا في سجن تدمر أسوأ من عزلة أي بدوي في الصحراء ,
اقتباس من رواية القوقعة
للكاتب السوري مصطفى خليفة

امنيياتي الجميلة1 @amnyyaty_algmyl1
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


...🕊 :
مافي اختصار للقصة بسطرين؟مافي اختصار للقصة بسطرين؟
الرواية كلها يمكن 800 صفحة واكثر 😂😂😂
لي يومين اقرأها والحين عجبني هذا الكلام عن قصة البدوي المظلوم بالسجن معهم
لي يومين اقرأها والحين عجبني هذا الكلام عن قصة البدوي المظلوم بالسجن معهم


الصفحة الأخيرة
ويعطيكِ العافية